الدول الافتراضية: تساؤلات
قال ابن الوزير (775-840هـ) " تعاطي الإنسان ما لا يحسنه، ودعواه معرفة ما لا يعرفه من عادات السفهاء، ومن لا حياة له ولا مروءة". وحتى لا أقع في وصف ابن الوزير عند انتهاء المقالة.
خارج النص:
سأستعيد الذكريات وبعض من أشيائي الخاصة لأكشف لك الأوراق السرية. كنتُ في صغري مهوساً بالتقنية وبدوائر الإلكترون، متيماً بها أعشق تفكيكها وإعادة تركيبها من جديد، وسبر أغوارها، فكرت مرات عديدة في صنع أشياء، وكطفل يبحث عن نقطة في صفحات التاريخ، وقصة صنع آلة البروجكتور ما هي إلا خير دليل.
وبأشيائي البسيطة وخيال طفل متقد، جلبت أشيائي منشاري وألواحي الخشبية ومرايا، وأسلاك كهربائية ولمبة لتستنير ضوء الحُلم، قمتُ بقطع أخشابي بمنشاري الصغير الذي أصداه الزمن، إلى ستة مربعات متساوية الأضلاع، والمرايا قسمتها إلى أجزاء متناثرة بأحجام غير متساوية، وأسلاكٍ جرحتها بدمٍ بارد وأوصلتها بمقبس اللمبة، جمعت ألواحي لأصنع صندوقا خشبيا، وثقبت السطح من الأعلى ومن الأمام بشكل يبدو دائريا، ثم وضعت قطع المرايا بشكل متضاد مؤمناً بالانكسار البصري، ووضعت اللمبة من الأعلى داخل الصندوق، ثم وضعت صورة من قصاصة جريدة، وكانت فكرتي حينها أن تكون القصاصة بمقابل المرآة التي وضعتها بزاوية 45 درجة، بحيث تظهر القصاصة فيها، والضوء من أعلى ينعكس على المرآة، وبالتالي يخرج الضوء عبر الثقب الأمامي، انتهيت من عمل كل شيء.
وجئت يصاحبني الخيلاء متخيلاً اختراعي الذي سيبهر العالم بأسره، وضعت اختراعي على الطاولة، واطفئتُ الأنوار، الآن سأرى صورة القصاصة على الحائط المبكي، وماهي لحظات حتى اشعلت ضوء الصندوق، وما خرج لم يكن إلا انكسارات ضوئية عبر ثقوب الصندوق الخشبي البسيط، والذي يشبه صندوق خضار مرمي على قارعة الطريق لا ينتفع به، أين القصاصة لا شيء كأنني وضعتها في تابوت مغلق، هل تعتقد أنني توقفت هنا في مداعبة الأسلاك الكهربائية والألواح الإلكترونية ذهبتُ أبعد من ذلك حاولت صناعة لاقط كهرومغناطيسي يلتقط الإشارات أو الذبذبات، كمسترقي السمع في الأرض دون شهاب راصدة، وغيرها كثير من المحاولات.
هذه حكايتي مع الصندوق، والآن قد تُدرك لماذا أفكر غالباً خارج الصندوق.
هل تعتقد أنني نسيت قول ابن الوزير، وما كان أعلاه إلا تمهيد وكرت عبور للتطفل على مجال التقنية والتكنولوجيا، وإذا لم يشفع حديثي ذاك، فليشفع لي صديقي التقني المهندس ناهض الحربي بالتطفل.
تمهيد:
تتوقع مؤسسة البيانات الدولية أنه بحلول عام 2025، سينمو مجال البيانات العالمي إلى 163 زيتابايت (واحد زيتابايت هو تريليون غيغابايت)، أي عشرة أضعاف المستوى في عام 2016.
علماء الاجتماع يتجادلون وينافحون عن خطر أزمة الهوية المجتمعية الوطنية وانسلاخها في ظل العولمة وتداعياتها المربكة منذ استخدام الإنترنت بشكل متزايد في التسعينيات وتفاعله بشكل كبير مع دخول الألفية. فاليوم أصبح عدد مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم يقارب 4 مليارات نسمة أي ما يعادل تقريباً 65% من سكان العالم. لن أتحدث عن تلك العولمة بمنظور اجتماعي واندماج الثقافات مع بعضها البعض، ولكن سأتحدث من منطلق كلاسيكي تقليدي ألا وهو انطفاء الدول التقليدية وظهور الدول الافتراضية التي لا تعترف بالحدود، وكما قيل في علم السياسة للدولة ثلاثة أركان وهي الأرض والسلطة والشعب، فإن ذهاب ركنين لا يمكن أن تكون هناك دولة بالمعنى الصحيح، ولن تكون هناك أزمة هوية وإنما أزمة وجود دولة.
يعرّف البرفسور صلاح عثمان المواطنة “أنها «علاقة الفرد بالدولة – ككيانٍ جغرافي وسياسي – كما يُحددها دستور وقوانين تلك الدولة، وبما تُقره من حقوق وواجبات». ومن المنظور النفسي: «المواطنة هي الشعور بالانتماء والولاء للوطن، وهي مصدر لإشباع الحاجات الأساسية وحماية الذات من الأخطار المصيرية» (صابر، 2019)".
والمواطنة الرقمية بأنها «تفاعل الفرد مع غيره باستخدام الأدوات والمصادر الرقمية، مثل الحواسيب والهواتف النقالة، بكافة ما توفره من خدمات كالبريد الإلكتروني والمدونات ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ... إلخ، مع ما يستلزمه ذلك من قواعد وضوابط ومعايير وأهداف وأفكــــــار ومبادئ تُشبع الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا الرقمــية» (Jwaifell, 2018).
ثورة الميتافيرس
"ميتافيرس (بالإنجليزية: Metaverse) كلمة تتكون من شقين، الشق الأول «meta» (بمعنى ما وراء) والثاني "Verse" (من «Universe») ويقصد به (ما وراء العالم).
فالواقع الافتراضي AR والواقع المعزز VR أصبح شيء لا يصدق من ثنائية الأبعاد إلى ثلاثية الأبعاد، ففي المستقبل وباستخدام الأجهزة وبشخصيتك الافتراضية ستتجول في عوالم الميتا ما بين حضور الاحتفالات والتسوق إلى حضور الاجتماعات وعقد الصفقات على أراضي ومنتجات افتراضية إلى بناء شركات وتوظيف موظفين افتراضين يقبضون أموالاً افتراضية لها مصداقيتها في عالم الميتا.
ففي عالمنا اليوم تتسابق الشركات العملاقة في الاستثمار في الميتافيرس مثل شركة
(Microsoft, Meta, Google, Nvidia, Unity Software, Shopify, Roblox..ect)
حيث يتوقع وصول حجم سوق الميتافيرس في عام 2030م ما بين 8 إلى 30 ترليون دولار (تقرير بنك سيتي).
وتتوقع شركة الأبحاث جارتنر أن 25٪ من الناس سيقضون ساعة يوميًا في منطقة الميتافيرس بحلول عام 2026 للعمل والتسوق والتعليم والترفيه والاجتماعات. علاوة على ذلك، سيكون لدى 30٪ من المؤسسات في العالم منتجات وخدمات جاهزة لتطبيق.
ختاماً: عالم الميتافيرس عالم لا أدري كيف سيكون شكله النهائي ولا أدري كيف أنهي هذه المقالة، إليك بعض تساؤلاتي المتواضعة:
تساؤلات:
يقول عالم الاجتماع توني بارنت أن الجفاف من الطبيعة والفقر عملية اجتماعية، وبالتالي هل ستنتقل المشاكل الاجتماعية إلى عالم الميتافيرس مثال الفقر هل سنشاهد فقر افتراضي؟
هل ستصبح هناك دولا افتراضية توازي الدول الحقيقية؟، وهل ستدخل الحكومات في عالم الميتا لتقديم خدماتها العامة كما هو موجود في العالم الحقيقي؟
في ظل محدودية الموارد هل سيكون من المنطقي أن تنفق الحكومات ملايين الدولارات على البنية الافتراضية بدلاً من أن تنفقها على البنية الحقيقة؟
والسؤال الأهم هل سيكون هناك أزمة هوية (وجود) للدول التقليدية؟
بقلمي: عبدالمجيد بن سعيد، ربيع الأول 1444هـ، الموافق اكتوبر 2022م.
تنويه: فكرة المقالة ظهرت بعد قراءة مقالة (المواطنة الرقمية وأزمة الهوية) لـــ أ.د صلاح عثمان أستاذ المنطق وفلسفة العلم بكلية الآداب جامعة المنوفية.