كتابة اليوميات في زمن الكورونا.


جميعنا لاحظنا في بداية جائحة كورونا وقبل أن تصل لبلداننا عدد من المترجمين العرب اهتموا بترجمة يوميات سكان الدول التي واجهت المرض أولاً من مدوناتهم الشخصية خلال العزل أو الحجر الصحي.

هذه اليوميات أسهمت بإعطائنا صورة وبشكل كبير عن الوضع الذي سرعان ما وجدنا أنفسنا فيه ، في المقابل وجدت أن عدد كبير من المدونين ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي اتجهوا لتسجيل يومياتهم في الحجر الصحي .

البعض اهتم بالحديث عن مشاعره بينما اهتم آخرون بمشاركة يومياتهم وإنجازاتهم البسيطة، هواياتهم و طقوسهم بصحبة العائلة ومحاولاتهم الحثيثة في صنع روتين جديد.

وكانت لي أيضاً محاولاتي في الكتابة و بشكل متقطع لأهم الأحداث اليومية التي كانت تحصل على المستوى العام، ومشاعري، وأيضاً الأحداث التي تخص العمل الذي تحول ليكون من المنزل سواءً معي أو مع اخواتي.

الحقيقة رغم سوء المرحلة وصعوبتها إلا أن اتجاه الناس للتدوين خلق لدي شعوراً جميلاً، ومشاركة هذه اليوميات جعلتني أشعر بالألفة لكون أحداثنا اليومية تتشابه بشكل أو بآخر ،ولكوني اهتم بندرة المحتوى العربي وكثيراً ما تساءلت عن سبب ذلك هل نحن نشعر أننا لا نملك ما يستحق المشاركة ؟ هل تأخذنا الحياة إلى هذا الحد فلا نكتب؟ أم أننا نواجه قيوداً ومعايير قاسيه على ما ننشره فنتراجع؟

أتذكر خلال حضوري لأحدى ورش العمل ذكر المتحدث كتاب أو محتوى كتاب يوثق الحياة في أمريكا خلال فترة زمنية معينة “الحياة الطبيعية للناس” ،فكنت اتساءل بأن التاريخ لن يحمل معالم واضحة لحياتنا في الوقت الحالي حيث ستختفي لحظاتنا في الذاكرة القصيرة المدى لشبكات التواصل الاجتماعي ومعها اهتماماتنا وملامح حياتنا بشكلٍ عام، المهم أن فكرة الكتاب لفتتني فقمت لاحقاً بالبحث عنه وكان اسمه:


  Daily Life in the United States, 1920-1939

دون فيه الكاتب ديفيد كيفن التغيرات التي طرأت على الحياة اليومية في بداية ظهور الكهرباء في أمريكا خلال تلك الحقبة وكيف تأثرت مظاهر الحياة المنزلية بكافة أوجهها  بما فيها استخدامات أدوات التجميل والحلاقة وأوقات الفراغ واستحدثت أنشطة جديدة لقضائها ،و التشابه والاختلاف في ملامح الحياة بين عدد من المجتمعات داخل أمريكا.

 

التدوين خلال هذه الفترة سيوثق ملامح حياتنا اليومية كما أنه سيخلق نوعاً من المواساة بين أفراد المجتمع خصوصاً إذا كان يحتوي على وصف المشاعر التي نمر بها الإيجابي والسلبي ما نعرفه منها وما جعلتنا المرحلة نختبره للمرة الأولى، وقد يكون هذا التدوين تلبيةً لتساؤلي السابق بخصوص عدم وجود ما يوثق ملامح حياتنا اليومية ولحظاتنا التي تضيع في ذاكرة شبكات التواصل الاجتماعي قصيرة المدى، فنحن الآن نمتلك الوقت الكافي للكتابة أو على الأقل الأغلب منا وكذلك لدينا ما نشعر بأهمية الكتابة عنه.

يشجع عدد من الباحثين والمختصين في عدد من المجالات كتابة اليوميات فمثلاً في علم النفس تكاد تكون الكتابة أحد أكثر الوسائل لتخفيف القلق والتوتر تذكر رحمة حجة في مقال لها أن مجلة ( Psychology Today)  نشرت وهي مجلة مختصة بالصحة النفسية" إن كتابة اليوميات هي إحدى آليات التأقلم المثبتة، مع الواقع المسبّب للقلق والتوتر والاكتئاب."وأيضاً " توجد أدلة كثيرة على أن تسجيل الأفكار والمشاعر بشكل منتظم يساعد الناس في التعرّف على المشاعر السلبية ومعالجتها، بالتالي يخفف القلق."

وهذا يجعلنا نرى إلى أي مدى ستكون كتابة اليوميات خلال هذه المرحلة ذات أثر إيجابي ينعكس علينا في الوقت الحالي ولاحقاً  لأننا سنتخفف من المشاعر السلبية أولاً بأول، ومن البديهي أن ما يكتب في نفس الوقت الذي نمر به بظروفٍ معينة سيكون أكثر دقة ومصداقية مما يكتب عنها بعد انتهاءها.


للكلمة قوّة لا يشبهها سواها، وكل ما نعرفه عن الماضي نُقل لنا بالكلمات سواءً شفهياً أو كتابةً وكانت الدِقة الأكثر وطول الأمد من نصيب المكتوبة منها، يُذكر أن العرب قديماً كانت لهم قوة في النثر كما في الشعر لكنهم لم يؤمنوا بالتدوين بل اعتمدوا على الحفظ فكان حفظ الشعر بطبيعة الحال أسهل من النثر فنُقل لنا الأول وضاع الثاني.

 

أخيراً قد تتساءل عن مدى أهمية جودة ما تقوم بنشره  من هذه اليوميات،  في هذا السياق أميل شخصياً لرأي سومر سيث في الكتابة ( الوضوح- البساطة- التناغم) بمعنى أن المهم أن تكون كتابتك واضحة وبلغة بسيطة مفهومة بالنسبة لأغلب الأشخاص ، والمهم أن تتذكر أثر ما تشاركه على الآخرين حين يستطيعون التعامل مع مشاعرهم وأفكارهم وأحداث أيامهم الحاليّة الغريبة بفضل كلماتك، تقول سو غرافتون والتي كانت تهتم بكتابة يومياتها جنباً إلى جنب مع كل رواية تقوم بكتابتها "في الأيام التي اشعر بها باليأس والإحباط يمكنني قراءة مذكرات عمل قديم فأدرك بأنني قد شعرت بالرعب والارتباك ذاته فيما كنت اكتب ذلك العمل وغاية هذه المذكرات ليست إثارة اعجابي أو إعجاب أي أحد بل في تحويل التحديات متى ما واجهتها إلى كلمات وموازنة الحلول"، فأنت بتدوينك لأحداث يومك بما فيها طرقك الخاصة في التعامل مع تحديات المرحلة الحاليّة النفسية والجسدية ستمنح الآخرين أفكاراً جديدة للتعامل مع تحدياتهم ومشاعرهم بشكلٍ أو بآخر.


  • الصورة من تصويري الشخصي.

Join