العمل الفني كحالة شعورية.
في زيارتي للبندقية في إيطاليا خلال يناير 2019م، صادفني معرض فني داخل كنيسة في إحدى طرقاتها الجميلة والذي كان لأعمال ليوناردو دافينشي، أتذكر أني توجهت مباشرة لشراء تذكرة لدخوله دون التفكير لثانية ما إن كان سيعجبني أو لا.
كانت الأعمال في المعرض هي عبارة عن نتائج الدراسات والأبحاث التي أجراها دافينشي طوال حياته، والتي صنفت في عدد من المجالات (الطيران، الهندسة الميكانيكية، آلات الحرب والهندسة المعمارية) وكان من بين الأعمال المعروضة لوحة العشاء الأخير.
والحقيقة أن سعادتي كانت كبيرة بمجرد وقوفي أمام لوحة ذات قيمة فنية لا يستهان بها مثل لوحة العشاء الأخير رغم علاقتي المضطربة بها منذ معرفتي عنها، بصرف النظر عن فكرتها الأصلية إلا أن تصوير النهاية الذي تبعثه اللوحة يشعرني بالوحشة، وهذا يجعلني افكر بأن دور الفن الأكبر هو أن يلامس الشعور أو يستنطقه، لكن هل يلزم أن يكون الشعور الذي يمدنا به العمل الفني جميلاً حتى يدفعنا إلى الرغبة بتأمله مرة بعد مرة؟
بالإضافة للأهداف الجمالية والأخلاقية للفن ومخاطبته للعقل والروح، أؤمن أن الشعور الذي يبعثه تأمل لوحة أو قراءة قصيدة أو مشاهدة صورة فوتوغرافية لأول مرة أحد الأسباب التي ستدفع الشخص العادي (غير الفنان) إلى العودة مجدداً إلى العمل أو البحث عن غيره لإثارة شعورٍ ما، وهذا يذكرني بما قاله تولستوي في كتابه (ما هو الفن؟) بأن "الفن نشاط انساني يستخدم المشاعر التي عايشها الفنان بحيث يشعر بها الآخرون ويتذوقونها".
ومن هنا أعود لتساؤلي السابق هل يلزم أن يكون الشعور الذي يمدنا به العمل الفني جميلاً حتى يدفعنا إلى الرغبة بتأمله مرة بعد مرة؟ بالنسبة لي غالباً نعم، خلال تواجدي في المعرض وحين شاركت صورة للوحة العشاء الأخير في حساباتي على شبكات التواصل الاجتماعي ارسلت لي صديقة "لا تفوتي مشاهدة اللوحة في ميلان" لكني فوّت مشاهدتها.