فوائد من كتاب (غريب الحديث) لأبي عبيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فهذه فوائد نافعات ولطائف جامعات التقطتها من كتاب أبي عبيد غريب الحديث ، وقد صنفتُ بعضها في أبواب جامعة .. فدونكها نفعني الله وإياك بها :
القرآن
قال «أبو عبيد»: قوله: «سبعة أحرف» يعني: سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه: هذا لم يسمع به قط. ولكن يقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن: فبعضه نزل بلغة «قريش»، وبعضه بلغة «هوازن»، وبعضه بلغة «هذريا»، وبعضه بلغة «أهل اليمن». وكذلك سائر اللغات. ومعانيها في هذا كله واحدة.
ومما يبين لك ذلك قول «ابن مسعود». قال: «إني قد سمعت القراءة، فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم: هلم، وتعال». وكذلك قال «ابن سيرين»: «إنما هو كقولك: هلم، وتعال، وأقبل»، ثم فسره «ابن سيرين» فقال في قراءة «ابن مسعود»: «إن كانت إلا زقية واحدة» وفي قراءتنا « إن كانت إلا صيحة واحدة».والمعنى فيهما واحد.وعلى هذا سائر اللغات.
وقد روى في حديث خلاف هذا.
من حديث «الليث بن سعد» عن «عقيل» عن «ابن شهاب» عن «سلمة بن أبي سلمة» عن «أبيه» يرفعه، قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف: حلال، وحرام، وأمر، ونهي، وخبر ما كان قبلكم، وخبر ما هو كائن بعدكم، وضرب الأمثال». قال «أبو عبيد»: ولسنا ندري ما وجه هذا الحديث؛ لأنه شاذ غير مسند، والأحاديث المسندة المثبتة ترده. ألا ترى أن في حديث «عمر» الذي ذكرناه في أوله أنه قال:»سمعت «هشام بن حكيم بن حزام» يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها -وقد كان «النبي» -ﷺ- أقرأنيها.
فأتيت به «النبي» -ﷺ- فأخبرته. فقال له: اقرأ. فقرأ تلك القراءة، فقال: «هكذا أنزلت». ثم قال لي: اقرأ، فقرأت قراءتي. فقال: «هكذا أنزلت».ثم قال: إن هذا القرآن نزل (٢٣٥) على سبعة أحرف فاقرءوا منه ما تيسر«. وكذلك حديث»أبي بن كعب«هو مثل حديث»عمر«أو»نحوه". فهذا يبين لك أن الاختلاف إنما هو في اللفظ، والمعنى واحد. ولو كان الاختلاف في الحلال والحرام لما جاز أن يقال في شيء هو حرام هكذا نزل ثم يقول آخر في ذلك بعينه: إنه حلال، فيقول: هكذا نزل. وكذلك الأمر والنهي. وكذلك الأخبار: لا يجوز أن يقال في خبر قد مضى إنه كان كذا وكذا، فيقول: هكذا نزل. ثم يقول آخر بخلاف ذلك الخبر، فيقول: هكذا نزل.
وكذلك الخبر المستأنف، كخبر القيامة، والجنة، والنار. ومن توهم أن في هذا شيئا من الاختلاف، فقد زعم أن القرآن يكذب بعضه بعضا، ويتناقض. فليس يكون المعنى في السبعة الأحرف إلا على اللغات لا غير. بمعنى واحد لا يختلف فيه في حلال، ولا حرام، ولا خبر، ولا غير ذلك. قال «أبو عبيد»: إلا أنه في بعض الحديث: «نزل القرآن على خمسة» وليس فيه ذكر أحرف. فهذا] قول [قد يحتمل المعنى الذي في حديث الليث.
قول «إبراهيم» كانوا يكرهون أن يذكروا الآية عن الشئ يعرض من أمر الدنيا، كقول القائل للرجل إذا جاء فى الوقت الذى يريد صاحبه: ﴿جئت على قدر يا موسى﴾ هذا وما أشبهه من الكلام.
حديث «ميمون بن مهران» حين كتب إلى «يونس بن عبيد»: «عليك بكتاب الله [- ﷿ -] فإن الناس قد بهوا به، واستخفوا، واستحبوا عليه الأحاديث، أحاديث الرجال». معناه: أنسوا به. وإنما أراد «ميمون» أنهم قد أنسوا به حتى ذهبت هيبته من قلوبهم، وخرج إعظامه منها، وكذلك كل شئ أنست به، فإن هيبته تنقص من القلب.
عن «ابن عباس»، أنه قال فى قوله [- تعالى -]: ﴿أصحاب الكهف والرقيم﴾ قال: لا أدرى ما الرقيم، أكتاب أم بنيان؟ وفى قوله [- ﷿ -]: ﴿وحنانا من لدنا﴾، قال: والله ما أدرى الحنان.
حديث «أبى وائل» فى قول الله - ﷿ -: ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس﴾، قال: «دلوكها: غروبها». وفى هذا الحديث حجة لمن ذهب بالقرآن إلى كلام العرب، إذا لم يكن فيه حكم، ولا حلال [٦٣٤] ولا حرام، ألا تراه يقول: وهو فى كلام العرب: دلكت براح.وعن «ابن عباس»، قال: «كنت لا أدرى ما فاطر السموات حتى أتانى أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها: يعنى أنا ابتداتها». وعنه : «أنه كان يسأل عن القرآن، فينشد فيه الشعر».
قال «الأموى»: قوله: تلآن: يريد الآن، وهى لغة معروفة، يزيدون التاء فى الآن، وفى حين، فيقولون: تلآن، وتحين، قال: ومنه قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ولات حين مناص﴾. قال: إنما هى ولا حين مناص، قال أبو عبيد : ولا حجة لمن احتج بالكتاب في قوله ﴿ولات﴾، لأن التاء منفصلة [٥٨٩] من حين، لأنهم قد كتبوا مثلها منفصلا أيضا مما لا ينبغى أن يفصل كقوله [- ﷿ -]: ﴿يا ويلتنا ما لهذا الكتاب﴾. فاللام في الكتاب منفصلة من هذا، وقد وصلوا في غير موضع وصل، فكتبوا: «ويكأنه» وربما زادوا الحرف، ونقصوا، وكذلك زادوا ياء في قوله [تعالى]: ﴿أولى الأيدى والأبصار﴾. فاليدى فى التفسير عن «سعيد بن جبير» أولوا القوة في الدين والبصر. قال «أبو عبيد»: فالأبد: القوة بلا ياء، والأبصار: العقول، وكذلك كتبوه فى موضع آخر: ﴿داود ذا الأيد﴾.
سمعت «أبا عبيدة» يقول: من زعم أن في القرآن لسانا سوى العربية، فقدأعظم على الله القول، واحتج بقوله [- تعالى -]: ﴿إنا جعلناه قرآنا عربيا﴾ وقد روى عن «ابن عباس» و«مجاهد» و«عكرمة» وغيرهم في أحرف كثيرة أنه من غير لسان العرب، مثل: سجيل، والمشكاة، واليم، والطور، وأباريق، وإستبرق، وغير ذلك، فهؤلاء أعلم بالتأويل من «أبى عبيدة»، ولكنهم ذهبوا إلى مذهب، وذهب هذا إلى غيره، وكلاهما مصيب، إن شاء الله، وذلك أن أصل هذه الحروف بغير لسان العرب في الأصل، فقال أولئك على الأصل، ثم لفظت به العرب بألسنتها، فعربته، فصار عربيا بتعريبها إياه، فهى عربية في هذه الحال، عجمية الأصل، فهذا القول يصدق الفريقين جميعا.
حديث «عبد الله» [- ﵀ -]: «إذا وقعت فى «آل حم» وقعت في روضات دمثات، أتأنق فيهن» بعنى: سور. قوله: «أتأنق فيهن»: يعنى أتتبع محاسنهن . قال «مسعر»: كن يسمين العرائس. قال «عبد الله»: «آل حم ديباج القرآن» وأما قول العامة: «الحواميم» فليس من كلام العرب
حديث «عبد الله» [- ﵀ -] أنه قيل له: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا، فقال: «ذلك منكوس القلب». قوله: «يقرؤه منكوسا»، يتأوله كثير من الناس أنه أن يبدأ الرجل من آخر السورة، فيقرأها إلى أولها، وهذا ما أحسب [أن] أحدا يطيقه، ولا كان هذا في زمن «عبد الله» ولا عرفه، ولكن وجهه عندى أن يبدأ من آخر القرآن من المعوذتين، ثم يرتفع إلى البقرة، كنحو مما يتعلم الصبيان فى الكتاب، لأن السنة خلاف هذا، يعلم ذلك بالحديث الذى يحدثه «عثمان» [- ﵀ -] عن «النبى» - عليه السلام - أنه كان إذا أنزلت عليه السورة، أو الآية، قال: ضعوها في الموضع الذى يذكر فيه كذا وكذا، ألا ترى أن التأليف الآن في هذا الحديث من رسول الله [- ﷺ -]، ثم كتبت المصاحف على هذا؟ .. ومما يبين لك ذلك أنه ضم «براءة» إلى «الأنفال»، فجعلها بعدها، وهى أطول، وإنما ذلك للتأليف فكان [٥٣٣] أول القرآن فاتحة الكتاب، ثم البقرة إلى آخر القرآن. فإذا بدأ من المعوذتين صارت فاتحة الكتاب آخر القرآن فكيف تسمى فاتحته وقد جعلت خاتمته. وقد روى عن «الحسن» و«ابن سيرين» من الكراهة فيما [هو] دون هذا. عن «أشعث»، عن «الحسن» و«ابن سيرين» أنهما كانا يقرآن القرآن من أوله إلى آخره، ويكرهان الأوراد .
وقال «ابن سيرين»: تأليف الله خير من تأليفكم. قال «أبو عبيد»: وتأويل الأوراد: أنهم كانوا أحدثوا أن جعلوا القرآن أجزاء، كل جزء منها فيه سور مختلفة من القرآن على غير التأليف، جعلوا السورة الطويلة مع أخرى دونها في الطول، ثم يزيدون كذلك حتى يتم الجزء، ولا يكون فيه سورة منقطعة، ولكن تكون كلها سورا تامة، فهذه الأوراد التي كرهها «الحسن» و«محمد»، والنكس أكثر من هذا وأشد، وإنما جاءت الرخصة في تعليم الصبى، والأعجمى من المفصل، لصعوبة السور الطوال عليهما، فهذا عذر، فأما من قد قرأ القرآن وحفظه، ثم تعمد أن يقرأه من آخره إلى آوله، فهذا [هو] النكس المنهى عنه، وإذا كرهنا هذا فنحن للنكس من آخر السورة إلى أولها أشد كراهة، إن كان ذلك يكون.
قال «عبيد بن عمير»: «ما من عاشية أشد أنقا، ولا أبعد شبعا من طالب علم، طالب العلم جائع على العلم أبدا».
حديث «أبى موسى الأشعرى» أنه تذاكر هو و«معاذ» [٥٦٠] قراءة القرآن، فقال «أبو موسى»: «أما أنا فأتفوقه تفوق اللقوح». قوله: أتفوقه: يقول: لا أقرأ جزئى بمرة، ولكن أقرا منه شيئا بعد شئ في آناء الليل والنهار، فهذا التفوق، إنما هو مأخوذ من فواق الناقة، وذلك أنها تحلب، ثم تترك ساعة حتى تدر، ثم تحلب، يقال منه: قد فاقت تفوق فواقا، وفواقا، وفيقة، وهى ما بين الحليتين.
حديث «ابن عباس» حين قيل له: «ااقرا» القرآن في ثلاث»؟
فقال: لأن اقرا «البقرة» في ليلة فأدبرها أحب إلى من أن أقرا كما تقول: هذرمة».
حديث «عبد الله، [- ﵀ -]: «حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم» يعنى: ما أحدوا النظر إليك.
حديث «عبد الله» [- ﵀ -] أن رجلا أتاه، فقال «عبد الله» حين رآه: إن بهذا سفعة من الشيطان، فقال له الرجل: ألم أسمع ما قلت؟ ثم قال له «عبد الله»: نشدتك بالله، هل ترى أحدا هو خيرا منك؟ قال: لا. قال «عبد الله»: فلهذا قلتُ ما قلتُ». فالذى أراد «عبد الله»: أن الشيطان قد استحوذ على هذا، وأخذ بناصيته، فهو يذهب به في العجب كل مذهب، حتى ليس يرى أن أحدا خير منه.
حديث «عبد الله» [- ﵀ -]: «لأن أعض على جمرة حتى تبرد، - أو قال: حتى تطفأ - أحب إلى من أن أقول لأمر قضاه الله [على]: ليته لم يكن». قوله: «ليته لم يكن»: ليس وجهه عندى أن يكون عاما في كل شئ، ولا إياه أراد «عبد الله»، ولو كان هذا في الأشياء كلها لان ينبغى إذا أذنب الرجل ذنبا ألا يندم عليه، ولا يقول: ليتنى لم أكن فعلته، وكيف يكون هذا و«عبد الله» نفسه يحدث عن النبى - ﷺ - أنه قال: «الندم توبة» فهل الندم إلا أن يتمنى أن الذى كان منه لم يكن؟ ولكن وجهه عندى: أنه أراد المصائب خاصة التى يؤجر عليها العبد، كالمصائب [٥٣٦] في الأبدان والأهل والمال، لأنه إذا تمنى أن ذلك لم يكن، فكأنه لم يرض بقضاء الله عليه، ولا يأمن أن يكون أجره قد حبط، ولكنه يرضى، ويسلم لأمر الله وقضائه. ومما تمنى الناس مما كان أنه لم يكن قول «مريم»: [يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} وقول «عمر»: «ليت أمى لم تلدنى»، وقول «عبد الله»: «ليتنى كنت طائرا بشراف»، وقول «عائشة»: «ليتنى كنت حيضة ملقاة» وقول «بلال»: «ليت بلالا لم تلده أمه» ومثل هذا كثير، ولا تجده في شئ من المصائب للدنيا أنه تمنى أن الذى كان لم يكن. قال «أبو عبيد»: فأما الأشياء التى يوزر عليها العبد، فإنه كلما تمنى ألا يكون عملها، واشتد ندمه عليها كان أقرب له إلى الله.
الضَّحّاك بن مزاحم» يقول: ما من أحد تعلَّم القرآن، ثمَّ نسيه إلّا بذنبٍ يحدثه؛ لأنّ الله]-تبارك وتعالى-[يقول: } وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" وإنّ نسيان القرآن من أعظم المصائب . قال «أبو عبيد»: إنما هذا على الترك، فأما الذي هو دائب في تلاوته حريص على حفظه، إلا أن النسيان يغلبه، فليس من ذاك في شيء. ومما يحقق ذلك أن النبي -ﷺ- كان ينسى الشيء من القرآن حتى يذكره.
الرقائق والصالحات
حديث عمر [- ﵁-] أنه قال: حجة ها هنا، ثم احدج ها هنا حتى تفنى". قوله: ثم احدج ها هنا، يعني إلى الغزو . والذي يراد من [هذا] الحديث أنه فضل الغزو على الحج بعد حجة الإسلام. وقوله: حتى تفنى: يريد بالفناء الهرم.
حديث النبي - ﷺ- أنه نهى عن التبقر في الأهل [٣٣٦] والمال. إنما أراد أنها مفسدة للدين، ومفرقةٌ بين الناس، ومشتتةٌ أمورهم. وكذلك معنى الحديث الأول أنه إنما أراد النهي عن تفرق الأموال في البلاد فيتفرق القلب لذلك.
قال أبو عبيد: ومن هذا حديث «أبي موسى» حين أقبلت الفتنة بعد مقتل عثمان بن عفان فقال: «إن هذه الفتنة باقرةٌ كداء البطن لا يُدرى أنى يؤتى له».
حديث «علي» -﵀-: أنه شيع سرية أو جيشا، فقال: «أعذبوا عن النساء». يقول: امنعوا أنفسكم من ذكر النساء، وشغل قلوبكم -أو القلوب- بهن
حديث «علي» -﵀-: «من أحبنا -أهل البيت- فليعد للفقر جلبابا، أو تجفافا». وقد تأوله بعض الناس على أنه أراد: من أحبنا افتقر في الدنيا، وليس لهذا وجه؛ لأنا [قد] نرى من يحبهم فيهم ما في سائر الناس من الغنى والفقر، ولكنه عندي إنما أراد فقر يوم القيامة، يقول: ليعد ليوم فقره وفاقته عملا صالحا ينتفع به في يوم القيامة، وإنما هذا منه على وجه الوعظ والنصيحة له، كقولك: من أحب أن يصحبني، ويكون معي، فعليه بتقوى الله، واجتناب معاصيه، فإنه لا يكون لي صاحبا إلا من كانت هذه حاله، ليس للحديث وجه غير هذا.
حديث «عمر» -﵀- أنه قال: «نعم المرء»صهيب«لو لم يخف الله لم يعصه». قال «أبو عبيد»: المعنى والوجه فيه: أن «عمر» [﵁] أراد أن «صهيبا» إنما يطيع الله [تبارك وتعالى] حبا له، لا مخافة عقابه، يقول: فلو لم يكن عقاب يخافه ما عصى الله [﷿] أيضا. ومثل ذلك حديث يروى عن بعضهم، أنه قال: «ما أحب أن أعبد الله لطمع في ثواب، ولا مخافة عقاب، فأكون مثل عبد السوء، إن خاف مواليه أطاعهم، وإن لم يخفهم عصاهم، ولكني أريد أن أعبد الله حبا له».
قد روي في حديثٍ من حديثِ أهل الشام: "أن للشياطين مصالى وفخوخًا» يعني ما يصيد به الناس، والأصل من هذا المصالي، وهي شبيهٌ بالشرك يُنصبُ للطير وغيرها.
حديث النبي - ﷺ-: «إن هذا الدين متينٌ فأوغل فيه برفق، ولا تُبغض إلى نفسك عبادة الله [تبارك وتعالى] فإن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى».قال الأصمعي وغيره: قوله: «فأوغل فيه برفقٍ» الإيغال: السير الشديد والإمعان فيه. عن «إسحاق ابن سويدٍ» قال: تعبد «عبد الله بن مطرف» فقال له «مُطرفٌ»: يا عبد الله: العلمُ أفضلُ من العمل، والحسنة بين السيئتين، وخير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة«. أما قوله:»الحسنة بين السيئتين": فإنه أراد أن الغلو في العمل سيئةٌ، والتقصير عنه سيئةٌ، والحسنة بينهما، وهو القصد، كما جاء في الحديث الآخر في فضل قارئ القرآن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، فالغلو فيه التعمق، والجفاء عنه التقصير، وكلاهما سيئةٌ، ومما يبين ذلك قول الله - تبارك وتعالى-: «ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط». وكذلك قوله: «لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا». ومما يشبه هذا الحديث قول «تميم الداري»: «خذ من دينك لنفسك ومن نفسك لدينك؛ حتى يستقيم بك الأمر على عبادة تطيقها». ومنه قول النبي - ﷺ- أنه قال: «من يشاد هذا الدين يغلبه». وعن «بريدة» قال: «بينما أنا ماشٍ في طريق إذ أنا برجلٍ خلفي، فالتفت، فإذا رسول الله - ﷺ- فأخذ بيدي، فانطلقنا، فإذا نحن برجلٍ يصلي يكثر الركوع والسجود. قال: فقال لي: يا بريدة! أتراه يرائي؟ ثم أرسل يده من يدي، وجمع يديه [جميعًا] وجعل يقول:»عليكم هديًا قاصدًا، عليكم هديًا قاصدًا؛ إنه من يشاد هذا الدين يغلبه".
ابن أبي كثير عن النبى -ﷺ-: «أنه مر وأصحابه على إبل لحى يقال لهم:»بنو الملوح"، أو»بنو المصطلق«قد عبست فى أبوالها من السمن، فتقنع بثوبه، ثم مر».
حديث «إبراهيم» قال: «كانوا يكرهون الطلب فى أكارع الأرض. أي أطرافها، والذى يراد من هذا الحديث أنهم كرهوا شدة الحرص فى طلب الدنيا، كما روى عن «مجاهد» أنه كان يكره ركوب البحر إلا فى غزو أو حج أو عمرة، إلا ويذهب إلى كراهة ركوب البحر لشئ من طلب الدنيا من تجارة أو غيرها.
حديث «مطرف» حين قال لابنه لما اجتهد فى العبادة: «خير الأمور أوساطها، والحسنة بين السيئتين، وشر السير الحقحقة».
حديث «صفوان بن محرز»: «إذا دخلت بيتى، فأكلت رغيفا، وشربت ع ليه من الماء، فعلى الدنيا العفاء».
حديث «صلة بن أشيم»: «طلبت الدنيا مظان حلالها فجعلت لا أصيب منها إلا قوتا، أما أنا فلا أعيل فيها، وأما هى فلا [٦٣٨] تجاوزنى، فلما رأيت ذلك قلت: أى نفس أجعل رزقك كفافا، فاربعى، فربعت، ولم تكد».
حديث «عبد الله بن عامر» حين مرض مرضه الذى مات فيه، فدخل عليه أصحاب النبى - ﷺ - وفيهم «ابن عمر»: فقال: ما ترون فى حالى؟ قالوا: ما نشك لك في النجاة، قد كنت تقرى الضيف، وتعطى المختبط».قال «أبو عبيد»: يعنى بالمختبط: الرجل [الذى] يسأله من غير معرفة كانت بينهما، ولا يد سلفت منه إليه، ولا قرابة.
حديث «ابن عباس» أنه سئل: «أى الأعمال أفضل؟، فقال: [٥٧٨] أحمزها». قوله: أحمزها: يعنى أمتنها وأقواها
حديث «عبد الله» [- ﵀ -]: «إنما هو رحل وسرج، فرحل إلى بيت الله، وسرج في سبيل الله». وكذلك حديث «عمر»: «إذا حططتم [٥٣٨] الرحال، فشدوا السروج».
حديث «سلمان الفارسى»: «أحيوا ما بين العشاءين، فأنه يحط عن أحدكم من جزئه، وإياكم وملغاة أول الليل، فإن ملغاة أول الليل مهدنة لآخره». والذى أراد «سلمان»: أنه إذا سهر أول الليل، ولغا، ذهب به النوم في آخره، فمنعه من القيام للصلاة
حديث «سلمان» [- ﵀ -]: «وليات [٥٤٤] رجل يعطى القيان البيض، وبات آخر يقرأ القرآن، ويذكر الله [تعالى] لرأيت أن ذاكر الله أفضل». القينة الأمة
حديث «سلمان» حين دخل عليه «سعد» يعوده، فجعل يبكى، فقال «سعد»: ما يبكيك يا «أبا عبد الله»؟
قال: «والله ما أبكى جزعا من الموت، ولا حزنا على الدنيا، ولكن رسول الله - ﷺ - عهد إلينا ليكف [٥٤٥] أحدكم مثل زاد الراكب،
وهذه الأساود حولى». قال: وما حوله إلا مطهرة، أو إجانة، أو جفنة».
حديث «أبى الدرداء»: «أنه أتى باب «معاوية» فلم يأذن له، فقال: من يأت سدد السلطان يقم ويقعد، ومن يجد بابا مغلقا يجد إلى جنبه بابا فتحا رحبا، إن دعا أجيب، وإن سأل أعطى».
حديث «أبى واقد الليثى»: «تابعنا الأعمال، فلم نجد شيئا أبلغ في طلب الآخرة من الزهد في الدنيا». قال «أبو زيد» وغيره: تابعنا الأعمال: يقول: أحكمناها وعرفناها
حديث «أبي هريرة» أنه أردف غلامه خلفه، فقيل له: لو أنزلته يسعى خلفك. فقال: «لأن يسير معى ضغثان من نار يحرقان منى ما أحرقا أحب إلى من أن يسعى غلامى خلفى».
عن «الجريري» قال: حدثت أن «أبا الدرداء» ترك الغزو عامًا، فأعطى رجلًا صرةً فيها دراهم، فقال: انطلق، فإذا رأيت رجلًا يسير من القوم حجرةً في هيئته بذاذة، فادفعها إليه. قال: ففعل، فرفع رأسه إلى السماء فقال: لم تنس «حديرًا»، فاجعل «حديرًا» لا ينساك. قال: فرجع إلى «أبي الدرداء» فأخبره، فقال: «ولي النعمة ربها».
«عن»إبراهيم التيمي«قال:»كانوا يستحبون أن يلقنوا الصبي حين يُعرب أن يقول: «لا إله إلا الله» سبع مراتٍ. قال «أبو عبيدٍ» وليس هذا من إعراب الكلام في شيءٍ، إنما معناه أنه يبين ذلك القول ما في قلبه.
«استغنوا عن الناس ولو عن قصمة السواك». [الطبراني والبزار]
عن أبي الدرداء: "إن بين أيدينا عقبةً كؤودًا، لا يجوزها إلا المخف.
حديث عمر [- ﵁-]: «كذب عليكم الحج، كذب عليكم العمرة، كذب عليكم الجهاد ثلاثة أسفار كذبن عليكم».
عام الرمادة، وكان عاما أصابت الناس فيه السنة، فقال عمر: "لقد هممت أن أجعل مع كل أهل بيت من المسلمين مثلهم، فإن الإنسان لا يهلك على نصف شبعه. فقال له رجل: لو فعلت ذلك يا أمير المؤمنين ما كنت فيها «ابن ثأد». أي: ما كنت فيها ابن أمة. وفي هذا الحديث: أن عمر رأى المواساة واجبة على الناس، إذا كانت الضرورة.
حديث «عمر» [-﵁-]: «أن أصحاب»عبد الله«كانوا يرحلون إليه، فينظرون إلى سمته، وهديه، ودله [قال]: فيتشبهون به». قوله : «إلى سمته»: فالسمت يكون في معنيين، أحدهما: حسن الهيئة والمنظر في مذهب الدين، وليس من الجمال والزينة، ولكن تكون له هيئة أهل الخير، ومنظرهم. وأما الوجه الآخر: فإن السمت: الطريق، يقال: الزم هذا السمت، وكلاهما له معنى جيد، يكون: أن يلزم طريقة أهل الإسلام، ويكون: أن تكون له هيئة أهل الإسلام. وقوله:»إلى هديه ودله، فإن أحدهما قريب المعنى من الآخر، وهما من السكينة والوقار في الهيئة والمنظر، والشمائل، وغير ذلك
حديث «عمر» [﵁] «أنه سأل جيشا: هل يثبت لكم العدو قدر حلب شاة بكيئة؟ فقالوا: نعم. فقال: غل القوم». أي قليلة اللبن
حديث «علي» [رحمة الله عليه]: «استكثروا من الطواف بهذا البيت، قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني برجل من الحبشة أصعل أصمع، حمش الساقين، قاعد عليها وهي تهدم».
حديث أبي بكر"خير الناس من مات في النأنأة" أي الضعف
عقائد
حديث النبى -ﷺ-: أنه قال: «لا تماروا فى القرآن فإن مراء فيه كفر». قال «أبو عبيد»: ليس وجه هذا الحديث عندنا على الاختلاف فى التأويل، ولكنه عندنا على الاختلاف فى اللفظ، أن يقرأ الرجل القراءة على حرف، فيقول له الآخر: ليس هو هكذا، ولكنه هكذا على خلافه. وقد أنزلهما الله جميعا. يعلم ذلك بحديث النبى- ﷺ-: «أن القرآن نزل على سبعة أحرف كل حرف منها شاف كاف». ومنه حديث «عبد الله بن مسعود»: "إياكم والاختلاف والتنطع فإنما هو كقول أحدكم: هلم، وتعال». فإذا جحد هذان الرجلان كل منهما، ما قرأ صاحبه، لم يؤمن أن يكون ذلك قد أخرجه الى الكفر لهذا المعنى. ومنه حديث «عمر»: «اقرءوا القرآن ما اتفقتم، فإذا اختلفتم، فقوموا عنه». ومنه حديث «أبى العالية»: أنه كان إذا قرأ عنده إنسان، لم يقل: ليس هو هكذا. ولكن يقول: أما أنا فأقرأ هكذا.قال: «شعيب»، فذكرت ذلك «لإبراهيم» فقال: أرى صاحبك قد سمع أنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.
عن»الحسن«، يرفعه إلى النبى- ﷺ-: أنه قال: «ما نزل من القرآن آية إلا لها ظهر وبطن، وكل حرف حد، وكل حد مطلع»
قال: فقلت:»يابا سعيد«، ما المطلع؟ قال: يطلع قوم يعملون به.
قال»أبو عبيد«: فأحسب قول»الحسن هذا، إنما ذهب به إلى قول «عبد الله بن مسعود» فيه : «ما من حرف- أو قال: آية- إلا قد عمل بها قوم، أولها قوم سيعلمون بها». فإن كان «الحسن» ذهب إلى هذا فهو وجه. وإلا فإن المطلع فى كلام العرب على غير هذا الوجه. وقد فسرناه فى موضع آخر، وهو المأتى الذى يؤتى منه حتى يعلم علمُ القرآن من ذلك المأتى والمصعد.
وأما قوله: «لها ظهر وبطن». فإن الناس قد اختلفوا فى تأويله. فيروى عن «الحسن» أنه سئل عن ذلك، فقال: «إن العرب تقول: قد قلبت أمرى ظهرا لبطن. وقال غيره: الظهر: هو لفظ القرآن، والبطن: تأويله. وفيه قول ثالث، وهو عندى أشبه الأقاويل بالصواب. وذلك أن الله- تبارك وتعالى- قد قص عليك من نبإ»عاد«و»ثمود" وغيرهما من القرون الظالمة لأنفسها، فأخبر بذنوبهم، وما عاقبهم بها، فهذا هو الظهر. إنما هو حديث حدثك به عن قوم، فهو فى الظاهر خبر وأما الباطن منه، فإنه صير ذلك الخبر عظة لك، وتحذيرا وتنبيها أن تفعل فعلهم، فيحل بك ما حل بهم من عقوبته، ألا ترى أنه لما أخبرك عن قوم «لوط» وفعلهم، وما أنزل بهم إن فى ذلك ما يبين (١٧٢) أن من صنع ذلك عوقب بمثل عقوبتهم. وهذا كرجل قال لك: إن السلطان أتى بقوم قتلوا، فقتلهم، وآخرين شربوا الخمر فجلدهم، وآخرين سرقوا، فقطعهم. فهذا فى الظاهر إنما هو حديث حدثك به. وفى الباطن أنه قد وعظك بذلك، وأخبرك أنه يفعل ذلك بمن أذنب تلك الذنوب. فهذا هو البطن على ما يقال، والله أعلم.
حديث «علي» -﵀-: «أن الإيمان يبدأ لمظة في القلب، كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة». اللمظة، وهي: مثل النكتة ونحوها من البياض . والمحدثون يقولون: لمظة بالفتح، وأما كلام العرب فبالضم . وفي هذا الحديث حجة على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد وينقص، ألا تراه يقول: «كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة» مع أحاديث في هذا كثيرة، وعدة آيات من القرآن.
حديث «النبي» -ﷺ- أنه قال: «ليس منا من غشنا». قال «أبو عبيد»: فبعض الناس يتأوله: أنه يقول: ليس منا: أي ليس من أهل ديننا. يعني: أنه ليس من أهل الإسلام. وكان «سفيان بن عيينة» يرويه عن غيره أنه قال: ليس منا: أي [ليس] مثلنا، وهذا تفسير لا أدري ما وجهه؛ لأنا قد علمنا أن من غش، ومن لم يغش ليس يكون مثل «النبي» [-ﷺ-] فكيف يكون من غشنا ليس مثلنا؟ وإنما وجهه عندي -والله أعلم- أنه أراد: ليس منا، أي ليس هذا من أخلاقنا ولا من فعلنا، إنما نفى الغش أن يكون من أخلاق الأنبياء والصالحين. وهذا شبيه بالحديث الآخر: «يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب» إنهما ليسا من أخلاق الإيمان. وليس هو على معنى أنه من غش، أو من كان خائنا فليس بمؤمن، ومثله كثير في الحديث.
حديث النبى- ﷺ-: حين سأله أبو رزين العقيلى أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ فقال: «كان فى عماء، تحته هواء، وفوقه هواء».قوله: «فى عماء»، العماء فى كلام العرب: السحاب الأبيض. وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عندهم، ولا ندرى كيف كان ذلك العماء، وما مبلغه، والله أعلم بذلك.
حديث النبى -ﷺ-: «لا يوردن عاهة على مصح». وقد كان بعض الناس يحمل هذا الحديث على أن النهى فيه للمخافة على الصحيحة من ذات العاهة أن تعديها. وهذا شر ما حمل عليه الحديث؛ لأنه رخصة فى التطير، وكيف ينهى النبى -ﷺ- عن هذت للتطير، وهو يقول: «الطيرة شرك». ويقول: «لا عدوى، ولا هامة» فى لآثار عنه كثيرة.
قال: ولكن وجهه عندى -والله أعلم- أنه خاف أن ينزل بهذا الصحاح من أمر الله ما نزل بتلك، فيظن المصح أن تلك أعدتها،
فيأثم فى ذلك؛ ألا تراه يقول فى حديث آخر، وقال له أعرابى: النقبة تكون بمشفر البعير، فتجرب له الإبل كلها.
قال: «فما أعدى الأول؟».فها مفسر لذاك الحديث.
حديث «الزهرى» [٦٧٢]: «لا تناظر بكتاب الله، ولا بكلام رسول الله - ﷺ -». قوله: لا تناظر، لم يرد لا تتبعه، ولا تنظر فيه، وليس ينبغى أن تكون المناظرة إلا بالكتاب والسنة، ولكن الذى أراد عندى: أنه جعله من النظير، وهو المثل،] قول: لا تجعل شيئا نظيرا لكتاب الله، ولا لكلام رسول الله - ﷺ - أى: لا تتبع قول أحد وتدعهما.
حديث «ابن سيرين»: «أن بنى إسرائيل كانوا يجدون «محمدا» [- ﷺ -] مبعوثا عندهم، وأنه يخرج من بعض هذه القرى العربية، فكانوا يقتفرون الأثر فى كل قرية حتى أتوا يثرب، فنزل بها طائفة منهم».
حديث «الشعبى» أنه قال: «ما جاءك عن أصحاب «محمد» - ﷺ - فخذه، ودع ما يقول هؤلاء الصعافقة».
الحديث المرفوع: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة يُتبّن فيها يهوى بها فى النار». التبانة دقة النظر ، [و] هو عندى إغماض الكلام فى الجدل، والخصومات فى الدين. ومنه حديث «معاذ بن جبل» [- ﵀ -]: «إياك ومغمضات الأمور».
حديث «ابن عباس»: أنه سئل عن رجل جعل أمر امرأته بيدها، فقالت: فأنت طالق ثلاثا، لإقال «ابن عباس»: «خطأ الله نوءها، الأطلقت نفسها ثلاثا؟». قال «أبو عبيد»: ولم يقل «ابن عباس» هذا، وهو يريد الأنواء بعينها، إنما هى كلمة جارية على ألسنتهم، يقولونها من غير نية الدعاء، كقول «النبى» - ﷺ: «عقرى حلقى» وكقوله: «تربت يداك» فكذلك مذهب «ابن عباس»، ولم يكن ممن يقر بالأنواء، ولا يقلبها. وكذلك حديث «عمر» [- ﵀ -] حين صعد المنبر بيستسقى، فلم يزد على الاستغفار، وقال: «لقد استسقيت بمجاديح السماء». والمجاديح من النجوم. ولكنه تكلم على ما كانت العرب تكلم به، لم يرد غير هذا، وليس للحديث عندى وجه غيره.
حديث عمر [﵁] حين خرج إلى الاستسقاء، فصعد المنبر، فلم يزد على الاستغفار حتى نزل، فقيل له: إنك لم تستسق، فقال: «لقد استسقيت بمجاديح السماء». قال «أبو عمرو»: المجاديح، واحدها مجدح، وهو: نجم من النجوم كانت العرب: تقول: إنه يمطر به. كقولهم في الأنواء. قال [٤٠٠]: فسألت عنه الأصمعي، فلم يقل فيه شيئا، وكره أن يتأول على عمر مذهب الأنواء.والذي يراد من هذا الحديث أنه جعل الاستغفار استسقاء، يتأول قول الله - تبارك وتعالى - (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا). وإنما نرى أن»عمر«تكلم بهذا على أنها كلمة جارية على ألسنة العرب، ليس على تحقيق الأنواء، ولا [على] التصديق بها.
وهذا شبيه بقول ابن عباس [﵀]- في رجل جعل أمر امرأته بيدها، فطلقته ثلاثا، فقال: خطأ الله نوءها، ألا طلقت نفسها ثلاثا».
ليس هذا منه دعاء عليها ألا تمطر، إنما هو على الكلام المقول. ومما يبين لك أن عمر أراد إبطال الأنواء، والتكذيب بها، قوله: «لقد استقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها الغيث» فجعل الاستغفار هو المجاديح، لا الأنواء.
حديث «ابن عمر» حين أتاه رجل فسأله، فقال: كما [٥٩٠] لا ينفع مع الشرك عمل، فهل يضر مع الإسلام ذنب؟ فقال «ابن عمر»: «عش ولا تغتر»، ثم سأل «ابن عباس» فقال مثل ذلك. ثم سأل «ابن الزبير»، فقال مثل ذلك.
حديث «أبى هريرة» أنه قال: «إذا رأيتك يا رسول الله قرت عينى، وإذا لم أرك تبغثرت نفسى». قوله: تبغثرت نفسى: يعنى جاشت، وخبثت، ولقست.
حديث «أبى هريرة»: «إذا قام أحدكم من النوم، فليفرغ على يديه [ثلاثا] قبل أن يدخلها في الإناء». قال: فقال له «قيس الأشجعى»: فإذا جئنا مهراسكم هذا فكيف نصنع به؟ فقال «أبو هريرة»: أعوذ بالله من شرك».
«عبد الله»: إذا لقيت الكافر فألقه بوجه منبسط مكفهر يقول: لأتلقه بوجه سائل، ولكن القه بوجه منقبض مزور.
حديث النَّبيِّ-ﷺ-: أنّه قال: "لا تقوم السّاعة حتّى يظهر الفحش، والبخل، ويخوَّن الأمين، ويؤتمن الخائن، وتهلك الوعول؛ وتظهر التُّخوت. قالوا: يا رسول الله! وما الوعول؟ وما التُّحوت؟ قال: الوعول: وجوه النّاس وأشرافهم. والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم.
حديث «أبى هريرة»: «لو حدثتكم بكل ما أعلم لرميتمونى بالقشع»
حديث «أبى هريرة»: «لتخرجنكم «الروم» منها كفرا كفرا إلى سنبك نم الأرض، قيل: وما ذلك السنبك؟ قال: «حسمى جذام». أي قرية قرية ، وأما قوله: سنبك من الأرض: فإنك السنبك أصله من سنبك الحافر، فشبه الأرض التى يخرجون إليها بالسنبك في غلظه، وقلة خيره.
حديث «خالد بن الوليد» حين خطب الناس، فقال: «إن «عمر» استعلمنى على الشام، وهو له مهم، فلما ألقى الشام بوانيه، وصار بثنية وعسلا عزلنى، واستعمل غيرى». فقال رجل: هذا والله هو [٥٠٣] الفتنة. فقال «خالد»: أما و«ابن الخطاب» حى فلا، ولكن ذاك إذا كان الناس بذى بلى، وذى بلى».
أما قوله: «وكان الناس بذى بلى وذى بلى»: فإنه يعنى تفرق الناس، وأن يكونوا طوائف من غير إمام يجمعهم، وبعد بعضهم من بعض، وكذلك كل من بعد منك حتى لا تعرف موضعه، فهو بذى بلى
حديث «عبد الله» [﵀] أنه أتاه «زياد بن عدى» فقال لابن مسعود : أخبرني متى يهلك الرجل، وهو يعلم. فقال: «إذا كان عليه إمام - أو قال أمير - إن أطاعه أكفره، وإن عصاه قتله».
حديث «عبد الله» [- ﵀ -] قال: كنا عند «النبى» - عليه السلام - ذات ليلة فأكرينا فى الحديث، ثم ذكر حديثا طويلا في أشراط الساعة». أكرينا أطلنا
حديث «عائشة» أنها سئلت: هل كان رسول الله - ﷺ - يفضل بعض الأيام على بعض؟ فقالت: «كان عمله ديمة». قال «أبو عبيد»: فشهبت «عائشة» عمله في دوامه مع الاقتصاد، وليس بالغلو، بديمة المطر. ويروى عن «حذيفة» شبيه بهذا حين ذكر الفتن، فقال: إنها لآتينكم ديما ديما». يعنى أنها تملأ الأرض مع دوام
حديث «عبد الله بن عمرو» -: «يوشك بنو قنطوراء أن يخرجوكم من أرض البصرة، فقال له «عبد الرحمن بن أبى بكرة»:
ثم مه؟ يعنى ثم نعود، أو يعودوا، أو يغدروا بكم؟ قال: نعم، وتكون لكم سلوة من عيش».
عن «العوام بن حوشب»، قال: بلغنى عن «ابن مسعود»، وذكر فتنة، فقال: «إنى كائن فيها كالكفل آخذ ما أعرف، وتارك ما أنكر». يقول: كالرجل الذى لا يقدر على الركوب ولا النهوض فى شئ، فهو لازم بيته
حديث «عبد الله بن مسعود» [- ﵀ -] حين ذكر الفتنة، فقال: «الزم بيتك». قيل: فإن دخل على بيتى؟ قال: «فكن مثل الجمل الأورق الثفال الذى لا ينبعث إلا كرها، ولا يمشى إلا كرها». قال «أبو عبيد»: وإنما خص «عبد الله» الأورق من بين الإبل لما ذكر من ضعفه عن العمل، ثم اشترط الثفال أيضا، فزاده إبطاء وثقلا، فقال: كن في الفتنة مثل ذلك، وهذا إذا دخل عليك، وإنما أراد «عبد الله» بهذا: التثبيط عن الفتنة، والحركة فيها.
قال ابن مسعود «يوشك ألا يكون بين شراف، وأرض كذا وكذا جماء ولا ذات قرن». قيل: وكيف ذلك؟ قال: يكون الناس صلامات يضرب بعضهم رقاب بعض». قوله: صلامات: يعنى الفرق من الناس يكونون طوائف، فتجتمع كل فرقة على حيالها تقاتل الأخرى، وكل جماعة، فهى صلامة،
وفى هذا المعنى حديث آخر، قال: حدثنيه «حجاج» أيضا، عن «حماد» بن سلمة»، عن «حميد» قال: «كان يقال: لا تقوم الساعة حتى يكون الناس برازيق» يعنى جماعات
حديث «حذيفة»: إن من أقرا الناس للقرآن منافقا لا يدع منه واوا ولا ألفا، يلفته بلسانه كما تلفت البقرة الخلى بلسانها».قوله: يلفته: اللفت: اللى. وفي حديث آخر: «إن الله يبغض البليغ من الرجال الذى يلفت الكلام كما تلفت البقرة الخلى بلسانها».
حديث «حذيفة»: «ما بينكم وبين أن يرسل عليكم الشر فراسخ إلا موت رجل، وهو «عمر». قوله: «فراسخ»: بلغنى عن «النضر بن شميل» أنه قال: يقال لكل شئ كثير دائم لا فرجة فيه: فرسخ
حديث «حذيفة» حين ذكر الفتنة، فقال: «أتتكم الدهيماء ترمى بالنشف، ثم التى تليها ترمى بالرضف». قوله: «الدهيماء»: نراه أراد الدهماء، فصغرها، مثل حديثه الآخر: «لتكونن فيكم أيتها الأمة أربع فتن: الرقطاء، والمظلمة، وفلاتة، وفلاتة». وأما النشف: فإنها حجارة سود على قدر الأفهار كأنها محترقة، قالها «الأصمعى». وأما الرضف: فإنها الحجارة المحماة بالنار أو الشمس، واحدتها رضفة.
عن حذيفة قال «والذى نفسى بيده [٥٤٣] ما أجد لى ولكن إلا أن نخرج منها كما دخلنا فيها». قال «أبو عبيد»: يقول: إنا كنا قبل أن تهيج الفتنة لم نتلبس من الدنيا بشئ، فليس ينجينا منها إلا أن تنجلى عنا، وحالنا حينئذ كحالنا الساعة، لم نلتبس منها بشئ، فهذا هو الخروج منها كما دخل فيها، يعنى الفتنة.
قول «عمر» [-رضى الله عنه-]: وقد - والله - علمت متى تهلك العرب: إذا ساسها من لم يدرك الجاهلية، ولم يصحب الرسول [ﷺ]».
حديث «حذيفة»: «إن الله يصنع صانع الحزم، ويصنع كل صنعة». وفى هذا الحديث تكذيب لقول «المعتزلة» الذين يقولون: إن أعمال العباد ليست بمخلوقة، ومما يصدق قول «حذيفة ويكذب قول أولئك قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ ألا ترى أنهم كانوا ينحتون الأصنام، ويعملونها بأيديهم، ثم قال لهم: ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ وكذلك قول «حذيفة»: «ويصنع كل صنعة».
عن ابن مسعود قال «عليكم بحبل الله، فإنه كتاب الله». قوله: «عليكم بحبل الله» نراه أراد تأويل قوله: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ يقول: فالاعتصام بحبل الله: هو ترك الفرقة، واتباع القرآن.
وأصل الحبل في كلام العرب يتصرف على وجوه: فمنها العهد، وهو الأمان، وذلك أن العرب كانت يخيف بعضها بعضا في الجاهلية [٥٢٢] فكان الرجل إذا أراد سفرا أخذ عهدا من سيد القبيلة، فيأمن به ما دام في تلك القبيلة، حتى ينتهى إلى الأخرى، فيفعل مثل ذلك أيضا يريد بذلك الأمان، فمعنى الحديث أنه يقول: عليكم بكتاب الله، وترك الفرقة، فإنه أمان لكم، وعهد من عذاب الله وعقابه،
حديث «عبد الله بن مسعود» [- ﵀ -]: «جردوا القرآن، ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم، فإن الشيطان يخرج من البيت تقرأ فيه سورة البقرة» فكان «إبراهيم» يذهب به إلى نقط المصاحف.
عن «إبراهيم» أنه كان يكره نقط المصاحف، ويقول: جردوا القرآن، ولا تخلطوا به غيره.
[قال «أبو عبيد»]: وإنما نرى [أن] «إبراهيم» كره هذا مخافة أن ينشأ نشء يدركون المصاحف منقوطة، فيرون أن النقط من القرآن [٥١٠] ولهذا المعنى كره من كره الفواتح والعواشر. وقد روى في حديث آخر عن «عبد الله» أن رجلا قرأ عنده، فقال: استعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال «عبد الله»: جردوا القرآن».
وقد ذهب به كثير من الناس إلى أن يتعلم وحده، وتترك الأحاديث. قال «أبو عبيد»: وليس هذا عندى بوجه، وكيف يكون «عبد الله» أراد هذا، وهو يحدث عن «النبى» [- ﷺ -] بحديث كثير، ولكنه عندى ما ذهب إليه «إبراهيم»، وما ذهب إليه «عبد الله» نفسه.
وفيه وجه آخر هو عندى من أبين هذه الوجوه، أنه أراد بقوله: «جردوا القرآن» أنه حثهم على ألا يتعلم شئ من كتب الله تبارك وتعالى غيره، لأن ما خلا القرآن من كتب الله - جل ثناؤه - إنما تؤخذ عن «اليهود» و«النصارى» وليسوا بمأمونين عليها، وذلك بين في حديث [آخر] من «عبد الله» نفسه.فه الأسود قال: أصبت أنا و«علقمة» صحيفة فانطلقنا إلى «عبد الله»، فقلنا: هذه صحيفة فيها حديث حسن، قال: فجعل «عبد الله» يمحوها بيده، ويقول: ﴿نحن نقص عليك أحسن القصص﴾ ثم قال: «إن هذه القلوب أوعية، فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره». وكذلك حديث الآخر: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ، فعسى أن يحدثوكم بحق، فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، كيف يهدونكم، وقد أضلوا أنفسهم» ومنه حديث «النبى» - ﷺ - حين أتاه «عمر» بصحيفة أخذها من بعض أهل الكتاب، فغضب، وقال: «أمتهوكون فيها يا بن الخطاب» والحديث في كراهة هذا كثير.
فأما مذهب من ذهب إلى ترك أحاديث «النبى» - ﷺ - فهذا باطل، لأن فيه إبطال السنن [٥١١]. ومما يبين ذلك حديث «عمر» حين وجه الناس إلى العراق، فقال: «جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله [- ﷺ -] وأنا شريككم».وذلك أنه كان روى الكراهة في هذا عن «النبى» - عليه السلام -. ففى قوله: «أقلوا الرواية عن رسول الله [- ﷺ -]» أنه لم يرد بتجريد القرآن ترك الرواية عن «النبى» - ﷺ - وقد رخص في القليل منه، فهذا يبين أنه لم يأمر بترك حديث «النبى» - ﷺ - ولكنه أراد عندنا علم أهل الكتب، للحديث الذى سمع من «النبى» - عليه السلام - فيه حين قال: «أمتهوكن فيها يا بن الخطاب؟» ومع هذا أنه كان يحدث عن «النبى» [- ﷺ -] بحديث كثير.
حديث «كعب» أنه أتى «عمر بن الخطاب» [- رضى الله عنه -] بكاب وقد تشرمت نواحيه فيه التوراة، فاستأذنه أن يقرأه، فقال له «عمر»: إن كنت تعلم أن فيه التوراة التى أنزلها الله على «موسى» [- عليه السلام -] «بطور سيناء» فاقرأها آناء الليل والنهار».
حديث «عبد الله بن عمرو»: «من أشراط الساعة أن يوضع [٦٠٠] الأخيار، ويرفع الأشرار، وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس، لا تغير، قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله». قال «أبو عبيد»: فسألت رجلا من أهل العلم بالكتب الأولى - قد عرفها وقرأها - عن المثناة، قال: إن الأحبار والرهبان من بنى إسرائيل بعد «موسى» وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله [- تبارك وتعالى -] فسموه «المثناة»، كأنه يعنى أنهم أحلوا فيه ما شاءوا، وحرموا فيه ما شاءوا على خلاف كتاب الله - تبارك وتعالى -، فبهذا عرفت تأويل حديث «عبد الله بن عمرو»، أنه إنما كره الأخذ عن أهل الكتب لذلك المعنى، وقد كانت عنده كتب وقعت إليه «يوم اليرموك» فأظنه قال هذا لمعرفته بما فيها، ولم يرد النهى عن حديث رسول الله [- ﷺ -] وسنته، وكيف ينهى عن ذلك، وهو من أكثر أصحابه حديثا عنه.
حديث «عبد الله» [- ﵀ -]: «لا يكونن أحدكم إمعة، قيل: وما الإمعة؟ قال: الذى يقول: أنا مع الناس». قال «أبو عبيد»: لم يكره «عبد الله» نم هذا الكينونة مع الجماعة، ولكن أصل الإمعة: هو الرجل الذى لا رأى له ولا عزم، فهو يتابع كل أحد على رأيه، ولا يثبت على شئ
حديث «عبد الله» [- ﵀ -]: «إن التمائم والرقى والتولة من الشرك». قال «الأصمعى»: هى التولة - بكسر التاء - وهو الذى يحبب المرأة إلى زوجها. قال «أبو عبيد»: وإنما أراد بالرقى والتمائم عندى ما كان بغير لسان العربية مما لا يدرى ما هو، فأما الذى يحبب المرأة إلى زوجها، فهو عندنا من السحر.
في حديث «عبد الله بن مسعود» [- ﵀ -]: «إنكم مجموعون في صعيد [٥١٢] واحد، يسمعهم الداعى، وينفذهم البصر». قال «أبو عبيد»: فالمعنى أنه ينفذهم بصر الرحمن - تبارك وتعالى - حتى يأتى عليهم كلهم، ويسمعهم داعيه.
حديث «عبد الله» [- ﵀ -] حين ذكر القيامة، وأن الله - تبارك وتعالى - يظهر للناس، قال: فيخر المسلمون للسجود، قال: وتعقم أصلاب المنافقين، فلا يقدرون على السجود». قال: حدثنيه «ابن مهدى»، عن «سفيان»، عن «سلمة بن كهيل»، عن «أبى الزعراء»، عن «عبد الله بن مسعود».
حديث «عائشة» أن امرأة قالت لها: أاقيد جملى؟ فقالت: نعم، فقالت: أأقيد جملى؟، فلما علمت ما تريد، قالت: «وجهى من وجهك حرام». قولها: أأقيد جملى: تعنى زوجها، وتقييده: أن تُؤخّذَه عن النساء، وإنما كرهت هذا، لأنه سحر، وهو شبيه يقول «عبد الله» في التولة: إنها شرك» إلا أن المؤخِّذ من البغض، والتولة من الحب، وكلاهما سحر، قال الله -تبارك وتعالى -: ﴿فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه﴾.
حديث النبي -ﷺ-: «إن أنجع الأسماء عند الله أن يتسمى الرجل باسم ملك الأملاك».
وكان «سفيان بن عيينة» يفسر قوله: «ملك الأملاك». قال: هو مثل قولهم شاهان شاه، وما أشبهه، أى أنه ملك الملوك.
وقال غير «سفيان»: بل هو أن يتسمى الرجل بأسماء الله [-﷿-]، كقوله: الرحمان، والجبار، والعزيز قال: فالله [-﷿-] هو ملك الأملاك، لا يجوز أن يسمى بهذا الاسم غيره. وكلا القولين له وجه، والله أعلم.
حديث النبى -ﷺ- (١٧٦): «كل مولد يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه، أو ينصرانه». [قال أبو عبيد]: فسألت محمد [بن الحسن] عن تفسير هذا الحديث، فقال: كان هذا فى أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض، وقبل أن يؤمر المسلمون بالجهاد. قال «أبو عبيد»: كأنه يذهب إلى أنه لو كان يولد على الفطرة، ثم مات قبل أن يهوده أبواه، أو ينصراه ماورثهما، ولا ورثاه؛ لأنه مسلم، وهما كافران. وكذلك ما كان يجوز أن يسبى. يقول: فلما نزلت الفرائض، وجرت السنن بخلاف ذلك، علم أنه يولد على دينهما. هذا قول «محمد بن الحسن». وأما «عبدالله بن المبارك» فإنه بلغنى أنه سئل عن تأويل هذا الحديث، فقال: تأويله: الحديث الآخر أن النبي -ﷺ- سئل عن أطفال المشركين، فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين». يذهب إلى أنهم إنما يولدون على ما يصيرون إليه من إسلام أو كفر. فمن كان فى علم الله [﷿] أن يصير مسلما، فإنه يولد على الفطرة. ومن كان علمه فيه أن يموت كافرا، ولد على ذلك.
[قال أبو عبيد]: ومما يشبه هذا الحديث حديثه الآخر أنه قال -ﷺ-: يقول الله -تبارك وتعالى-: «إنى خلقت عبادى جميعا حنفاء، فاجتالهم الشياطين عن دينهم، وجعلت مانحلتهم من رزق، فهو لهم حلال فحرم عليهم الشيطان ما أحلت لهم».
حديث النبى -ﷺ-: أنه كان يصلى من الليل، فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة سأل، وإذا مر بآية فيها ذكر النار تعوذ، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله سبح" قوله: تنزيه: يعنى ما ينزَّه عنه -تبارك وتعالى- من أن يكون له شريك أو ولد، وما أشبه ذلك. وأصل التَّنزُّه: البعد مما فيه الأدناس، والقرب إلى ما فيه الطَّهارة، والبراءة،
حديث النبي -ﷺ- حين ذكر الله -تبارك وتعالى- فقال: «حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره» هذا يقال في السبحة: إنها جلال وجهه ونوره، ومنه قيل: سبحان الله إنما هو تعظيم له، وتنزيه. وهذا الحرف قوله: «سبحات» -لم نسمعه إلا في هذا الحديث.
عن «أبى بن كعب» أنه سمع رجلا قال: يال فلان: ! فقال له: إعضض بهن أبيك، ولم يكن.فقالوا له: يا أبا المنذر: ما كنت فحاشا، فقال: إني سمعت رسول الله [ﷺ] يقول: «من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا». ومن هذا قوله: من لم يتعز بعزاء الله، فليس منا. يقول: من استغاث، فقال: يا للمسلمين، فهذا عزاء الإسلام
قوله: «عزاء الجاهلية»: الدعوى للقبائل أن يُقال: بالتميم ويالعامر! وأشباه ذلك. ومنه حديثٌ يروى قال: سمعته من بعض أهل العلم أن رجلًا قال «بالبصرة»: يالعامرٍ! فجاء النابغة الجعدي [٣٠٢] بعُصيةٍ له، فأخذته شُرط «أبي موسى»، فضربه خمسين سوطًا بإجابته دعوى الجاهلية.
وكذلك يُروى عن «عمر» [- ﵁-] قال: «إنه ستكون للعرب دعوى قبائل، فإذا كان ذلك فالسيف السيف والقتل القتل حتى يقولوا: يا للمسلمين»!
كل داعٍ، فهو مُصلٍّ، وكذلك هذه الأحاديث التي جاء فيها ذكرُ صلاة الملائكة، كقوله: «الصائمُ إذا أُكِل عناه الطعام صلت عليه الملائكة حتى يُمسي». وحديثه: «من صلى على النبي [-ﷺ-] صلاةً صلت عليه الملائكة عشرًا». وحديثه «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى». فإن هذه الصلاة عندي الرحمة. ومنه قول الله [- ﷿-]: «إن الله - وملائكته يصلون على النبي» فهو من الله رحمةٌ، ومن الملائكة دعاء ومنه قولهم: «اللهم صل على محمد». قال: فالصلاة ثلاثة أشياء: الرحمة والدعاء والصلاة.
حديثٌ يُروى عن «عبد الملك بن عُمير» عن «قبيصة بن جابرٍ» أنه أصاب ظبيًا وهو محرمٌ، فسأل «عمر» فشاور «عبد الرحمن» ثم أمره أن يذبح شاةً. فقال «قبيصةُ» لصاحبه: والله ما علم أمير المؤمنين حتى سأل غيره، وأحسبني سأنحرُ ناقتي، فسمعه «عمر» فأقبل عليه ضربًا بالدرة، وقال: أتغمص الفتيا وتقتل الصيد، وأنت مُحرمٌ، قال الله [- تبارك وتعالى-]: «يحكم به ذوا عدل منكم» فأنا «عمر» وهذا «عبد الرحمن». قال «أبو عبيد»: فقوله: أتغمص الفتيا، يريد تحتقرها، وتطعن فيها. ومنه يقال للرجل إذا كان مطعونًا عليه في دينه: إنه لمغموصٌ عليه.
قال «أبو عبيد» سمعت عدةً من أهل العلم يقولون: أما الطعن في الأنساب والنياحة فمعروفان. وأما الأنواء فإنها ثمانيةٌ وعشرون نجمًا معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها من الصيف والشتاء والربيع والخريف يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلةً نجمٌ في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعته، وكلاهما معلومٌ مسمى، وانقضاء هذه الثمانية والعشرين كلها مع انقضاء السنة ثم يرجع الأمر إلى النجم الأول مع استئناف السنة المقبلة، فكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجمٌ؛ وطلع آخر، قالوا: لا بد من أن يكون عند ذلك مطرٌ ورياحٌ، فينسبون كل غيث يكون عند ذاك إلى ذلك النجم الذي يسقط حينئذٍ، فيقولون: مُطرنا بنوء الثريا، والدبران والسماك، وما كان من هذه النجوم، فعلى هذا فهذه هي الأنواء، وواحدها نوءٌ. وإنما سمي نوءًا؛ لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق للطلوع، فهو ينوء نوءًا، وذلك النهوض هو النوء، فسمي النجم به، وكذلك كل ناهضٍ بثقلٍ وإبطاءٍ، فإنه ينوء عند نهوضه. وقد يكون النوء السقوط. قال «أبو عبيدٍ»: ولم أسمع أن النوء السقوط إلا في هذا الموضع.
حديث «النبي» - ﷺ: «لعلكم ستدركون أقوامًا يؤخرون الصلاة إلى شرق الموتى، فصلوا الصلاة للوقت الذي تعرفون، ثم صلوها معهم».
أما قوله: «يؤخرون الصلاة إلى شرق الموتى» فإن في ذلك تفسيرين أحدهما يروى عن «الحسن بن محمد بن الحنفية».
قال «أبو عبيدٍ»: سمعت «مروان الفزاري» يُحدثه عنه أنه سُئل عن ذلك، فقال: ألم تر إلى الشمس إذا ارتفعت عن الحيطان، وصارت بين القبور كأنها لُجةٌ؟ فذلك شرق الموتى. قال «أبو عبيدٍ»: يعني أن طلوعها وشروقها إنما هو تلك الساعة، وهما للموتى دون الأحياء. وأما التفسير الآخر، فإنه عن غيره.قال: هو أن يغص الإنسان بريقة، وأن يشرق به عند الموت، فأراد: أنهم كانوا يُصلون الجمعة، ولم يبق من النهار إلا بقدر ما بقي من نفس هذا الذي قد شَرِق بريقه.
وفي هذا الحديث من الفقه أنه يرد قول من خرج على السلطان ما دام يقيم الصلاة.
فلو رُخص لهم في حالٍ لكان في هذه الحال إذا كانوا يصلون الصلاة لغير وقتها، فكيف إذا صلوها لوقتها؟ هذا يرد قولهم أشد الرد.
وفي الحديث أيضًا ما يُبين لك اختلاف الناس فيمن صلى وحده، ثم أعاد في جماعة.فقال بعضهم: صلاته هي الأولى. وقال بعضهم: بل هي التي صلاها في جماعة. فقد تبين لك في هذا الحديث أن صلاته المكتوبة هي الأولى، وأن التي بعدها نافلةٌ وإن كانت في جماعةٍ.
قال «ابو عبيدٍ»: وأصل العصا الاجتماع والائتلاف، ومنه قيل للخوارج: قد شقوا عصا المسلمين، أي فرقوا جماعتهم. وكذلك قول «صلة بن أشيم» «لأبي السليل»: «إياك وقتيل العصا». يقول: إياك أن تكون قاتلًا أو مقتولًا في شق عصا المسلمين. ومنه قيل للرجل إذا أقام بالمكان واطمأن به واجتمع إليه أمره: قد ألقى عصاه.
حديث النبي - ﷺ أن قومًا مروا بشجرة فأكلوا منها، فكأنما مرت بهم ريحٌ فأخمدتهم، فقال النبي - ﷺ-: «قرِّصوا الماء في الشنان ثم صبوا عليهم فيما بين الأذانين». قوله: فرصوا يعني: بردوا، وقوله: «بين الأذانين» يعني أذان الفجر والإقامة، فسمى الإقامة أذانًا وقد فسرنا هذا في غير هذا الموضع. وفي هذا الحديث من الفقه أن هذا الفعل شبيهٌ بالنشرة، فجاءت فيه الرخصة عن النبي - ﷺ- في غير إصابة العين.
قوله: «وكثرة السؤال» فإنها مسألة الناس أموالهم، وقد يكون أيضًا من السؤال عن الأمور، وكثرة البحث عنها، كما قال [سبحانه]: «لا تسألوا عن أشياء إن تبُد لكم تسؤكم».
حديث «عمر» حين رمى رجلٌ الجمرة فأصاب صلعته فسال الدم، ونادى رجلٌ رجلًا [فقال]: يا خليفة، فقال رجلٌ من «خثعم» أُشعر أمير المؤمنين دمًا؟ أي أساله، ونادى رجلٌ: يا خليفة، فقال: ليقتلن أمير المؤمنين، فتفاءل عليه القتل، فرجع، فقتل.
حديث النبي - ﷺ-: «أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب». قال «أبو عبيدة»: جزيرة العرب ما بين حفر «أبي موسى» إلى أقصى «اليمن» في الطول، وأما العرض فما بين رمل «سيرين» إلى منقطع السماوة. وقال «الأصمعي»: جزيرة العرب من أقصى «عدن أبين» إلى ريف العراق في الطول، وأما العرض فمن «جُدة»، وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام. قال أبو عبيد: فأمر رسول الله - ﷺ- بإخراجهم من هذا كله، فيرون أن «عمر» إنما استجاز إخراج أهل «نجران» من اليمن وكانوا نصارى إلى سواد العراق لهذا الحديث، وكذلك إخلاؤه أهل «خيبر» إلى الشام وكانوا يهودًا.
قال الأصمعي: اشتمال الصماء عند العرب: أن يشتمل الرجل بثوبه، فيجلل به جسده كله، ولا يرفع منه جانبا، فيخرج منه يده وربما اضطجع فيه على هذه الحالة. قال أبو عبيد: كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه، وأن يقيه بيديه، فلا يقدر على ذلك؛ لإدخاله إياهما في ثيابه، فهذا كلام العرب. وأما تفسير الفقهاء: فإنهم يقولون: هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه. والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا، وذلك أصح معنى في الكلام، والله أعلم.
حديث أبي بكر- ﵁- أنه أوصى في مرضه، فقال: «ادفنوني في ثوبي هذين، فإنما هما للمهل والتراب». وفيه أيضا: أنه خلاف قول من يقول: إنهم يتزاورون في أكفانهم؛ ألا تراه يقول: فإنما هما للمهل والتراب؟ ومما يشهد على ذلك قول حذيفة [٣٨١] حين أتى بكفنه ربطتين، فقال: «الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إني لا ألبس إلا يسيرا حتى أبدل بهما خيرا منهما أو شرا منهما».
منه قول محمد بن الحنفية: «ليس للميت من الكفن شيء إنما هو تكرمة للحي».
حديث عمر - ﵁- حين أتاه «سلمان بن ربيعة الباهلي» يشكو إليه عاملا من عماله، قال: «فأخذ الدرة، فضربه بها حتى أنهج». قال أبو عبيد: ونرى أن «عمر» إنما ضرب «سلمان» من قبل أن يعرف صدق سلمان من كذبه أنه أراد تأديبه لينكله عن السعاية بأحد إلى سلطان، أو كره له الطعن على الأمراء، لا أعرف للحديث وجها غير هذين. ومع هذا أنه قد بلغنا أنه شكى إليه غير واحد من عماله منهم: سعد، وأبو موسى، والمغيرة وغيرهم، فلم يفعل بأحد ممن رفع إليه ما فعل بسلمان.
يقال: إن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا ولد له جديٌ حز ف يأذنه حزًا، أو قطع منها شيئًا، وقال: اللهم إن عاش فقني وإن مات فذكيٌّ.
حديث عمر [﵁] أن رجلا خطب، فأكثر، فقال عمر: «إن كثيرا من الخطب من شقاشق الشيطان». قال أبو عبيد: فشبه عمر إكثار الخاطب من الخطبة بهدر البعير في شقشقته، ثم نسبها إلى الشيطان، وذلك لما يدخل فيها من الكذب، وتزوير الباطل عند الإكثار من الخطب، وإن كان الشيطان لا شقشقة له، إنما هذا مثل.
«قيد الإيمان الفتك، لا يفتك مؤمن».ومنه حديث عمرو بن الحمق؛ قال: حدثناه ابن مهدي، عن سفيان، عن السدي، عن رفاعة القتباني، قال: كنت مع المختار، فأردت قتله، فذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق عن النبي- صلى الله عليه [وسلم] أنه قال: «من آمن رجلا ثم قتله، فأنا برئ منه، وإن كان المقتول في النار».
حديث عمر [- ﵁-] أنه سئل عن حد الأمة، فقال: «إن الأمة قد ألقت فروة رأسها من وراء الدار». قال أبو عبيد: وهو لم يرد الفروة بعينها، وكيف تلقى جلدة رأسها من وراء الدار، ولكن هذا مثل، إنما أراد بالفروة القناع.
حديث عمر - ﵁- أنه لما حصب المسجد، قال له فلان: لم فعلت هذا؟ قال: «هو أغفر للنخامة، والين في الموطئ». وفي هذا الحديث: الرخصة في البزاق في المسجد إذا دفن.
حديث «عمر» [- ﵁-]: أنه خطب الناس، فقال: «إن بيعة أبي بكر [٤٤١] [- رضوان الله عليه-] كانت فلتة وقى الله شرها». عن «عبد الرحمن بن عوف» قال: خطبنا «عمر»، فذكر ذلك، وزاد فيه: «وإنه لا بيعة إلا عن مشورة، وأيما رجل بايع عن غير مشورة، فلا يؤمر واحد منهما؛ تغرة أن يقتلا». قال «شعبة»: فقلت «لسعد»: ما تغرة أن يقتلا؟ فقال: عقوبتهما لا يؤمر واحد منهما. قال «أبو عبيد»: وهذا مذهب ذهب إليه «سعد» تحقيقا لقول «عمر»: «لا يؤمر واحد منهما»، وهو مذهب حسن.ولكن التغرة في الكلام ليست بالعقوبة، وإنما التغرة: التغرير، يقال: غررت بالقوم تغريرا، وتغرة، وإنما أراد «عمر» أن في بيعتهما تغريرا بأنفسهما للقتل، وتعرضا لذلك، فنهاهما عنه لهذا، وأمر ألا يؤمر واحد منهما؛ لئلا يطمع في ذلك، فيفعل هذا الفعل.
وأما قوله: «فلتة»: فإن معنى الفلتة: الفجاءة، وإنما كانت كذلك؛ لأنه لم ينتظر بها العوام، وإنما ابتدرها أكابر أصحاب «محمد» - ﷺ- من المهاجرين، وعامة الأنصار، إلا تلك الطيرة التي كانت من بعضهم، ثم أصفقوا له كلهم، لمعرفتهم أن ليس لأبي بكر منازع، ولا شريك في الفضل، ولم يكن يحتاج في أمره إلى نظر، ولا مشاورة؛ فلهذا كانت الفلتة، وبها وقى الله الإسلام وأهله شرها، ولو علموا أن في أمر «أبي بكر» شبهة، وأن بين الخاصة والعامة فيه اختلافا، ما استجازوا الحكم عليهم بعقد البيعة، ولو استجازوه ما أجازوه الآخرون، إلا لمعرفة منهم به متقدمة، فهذا تأويل قوله: «كانت فلتة وقى الله شرها» .
حديث «عمر» [- ﵁-]: «تفقهوا، قبل أن تسودوا». قوله: «تفقهوا قبل أن تسودوا»، يقول: تعلموا العلم ما دمتم صغارا قبل أن تصيروا سادة رؤساء، منظورا إ ليكم، فإن لم تعلموا قبل ذلك استحييتم أن تعلموه بعد الكبر، فبقيتم جهالا، تأخذونه من الأصاغر فيزرى ذلك بكم.
وهذا شبيه بحديث «عبد الله»: «لن يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم، فقد هلكوا». وفي الأصاغر تفسير آخر، قال: بلغني عن «ابن المبارك» أنه كان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع، ولا يذهب إلى السن، وهذا وجه.
قال «أبو عبيد»: والذي أرى أنه في الأصاغر: أن يؤخذ العلم عمن كان بعد أصحاب النبي - ﷺ-، ويقدم ذلك على رأي الصحابة وعلمهم، فهذا أخذ العلم عن الأصاغر.
حديث «عمر» أن «أسلم» كان يأتيه بالصاع من التمر، فيقول: «يا أسلم حت عنه قشره» قال: فأحسفه، فيأكله.قوله: «حت عنه» يقول: اقشره، وكل شيء قشرته عن شيء فقد حتته عنه. وقوله: «فأحسفه، فيأكله» هذا مأخوذ من الحسافة، وهي قشور التمر، ورديئه الذي تخرجه منه إذا نقيته. وفي هذا الحديث ما يبين لك أنهم كانوا يتوسعون في المطعم إذا أمكنهم.
حديث «عثمان» -﵀-: «أنه بينما هو يخطب ذات يوم، فقام رجل، فنال منه، فوذاه»ابن سلام«فاتذا، فقال له رجل: لا يمنعنك مكان»ابن سلام«أن تسب نعثلا، فإنه من شيعته». قال «ابن سلام»: فقلت له: لقد قلت القول العظيم يوم القيامة في الخليفة من بعد «نوح». أما أنا فإنه عندي أنه أراد بقوله «نوحا»: «عمر بن الخطاب»، وذلك لحديث «النبي» -ﷺ- حين استشار «أبا بكر» و«عمر» [﵄] في أساري «بدر» فأشار عليه «أبو بكر» بالمن عليهم، وأشار عليه «عمر» بقتلهم، فقال «النبي» [ﷺ] وأقبل على «أبي بكر»: «إن إبراهيم كان ألين في الله من الدهن باللبن» ثم أقبل على «عمر»، فقال: «إن»نوحا«كان أشد في الله من الحجر».
قول «عبد الله» أنه سئل عن الرجل يجد الوسوسة، فقال: «تلك برازخ الإيمان». قال «أبو عبيد»: وقال بعضهم: ما بين أول الإيمان وآخره. وفي هذا تقوية للحديث الآخر: «الإيمان ثلاث وسبعون شعبة، أولها: الإيمان بالله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق». وقال بعضهم: هو ما بين اليقين والشك. فذاك برازخ الإيمان.
حديث «علي» -﵀-: وذكر آخر الزمان والفتن، فقال: خير أهل ذلك الزمان كل نومة، أولئك مصابيح الهدى، ليسوا بالمساييح، ولا المذاييع البذر". قوله: نومة، يعني: الخامل الذكر، الغامض في الناس، الذي لا يعرف الشر ولا أهله. وأما المذاييع: فإن واحدهم مذياع، وهو الذي غذا سمع عن أحد بفاحشة، أو رآها منه، أفشاها عليه، وأذاعها. والمساييح: الذين يسيحون في الأرض بالشر والنميمة، والإفساد بين الناس. والبذر أيضا نحو ذلك
حديث آخر «لسليمان بن صرد» قال: أتيت «عليا» حين فرغ من مرحى الجمل، فلما رآني، قال: «تزحزحت، وتربصت، وتنأنأت، فكيف رأيت الله [﷿] صنع»؟ فقلت: يا أمير المؤمنين: إن الشوط بطين، وقد بقى من الأمور ما تعرف به صديقك من عدوك. قال: قال «سليمان»: فلما قام قلت «للحسن بن علي»: ما أغنيت عني شيئا. فقال: هو يقول لك الآن هذا، وقد قال لي يوم التقى الناس، ومشى بعضهم إلى بعض: ما ظنك بامرئ جمع بين هذين الغارين ما أرى بعد هذا خيرا». وقوله: «إن الشوط بطين»: يعني البعيد. وقوله: «جمع بين هذين الغارين»: فالغار: الجماعة من الناس الكثيرة
حديث «علي» [﵁] حين أتاه «الأشعث بن قيس» وهو على المنبر، فقال: غلبتنا عليك هذه الحمراء، فقال:»علي«: من يعذرني من هؤلاء الضباطرة، يتخلف أحدهم يتقلب على حشاياه، وهؤلاء يهجرون إلي، إن طردتهم إني إذا لمن الظالمين، والله لقد سمعته يقول: ليضربنكم على الدين عودا، كما ضربتموهم عليه بدءا». قوله: «الحمراء»: يعني العجم والموالي، سموا بذلك؛ لأن الغالب على ألوان العرب السمرة والأدمة، والغالب على ألوان العجم البياض والحمرة، وهذا كقول الناس: إذا أردت أن تذكر «بني آدم»، فقلت: أحمرهم وأسودهم: فأحمرهم: كل من غلب عليه البياض، وأسودهم: كل من غلب عليه الأدمة.
فقه
كان «سفيان بن عيينة» يحتج فى ذلك بآيات من القرآن، قوله [سبحانه]: «ليس على العمى حرج، ولا على الأعرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم» حتى ذكر القرابات كلها إلا الولد، فقال:
«ألا تراه إنما ترك ذكر الولد؛ لأنه لما قال: أن تأكلوا من بيوتكم» فقد دخل فيه مال الولد. وقال «سفيان»«: ومنه قوله [﷿]:»إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا«[قال]: فهل يكون النذر إلا فيما يملك العبد؟
حديث «علي» [رحمة الله عليه]: في الرجل الذي سافر مع أصحاب له، فلم يرجع حين رجعوا، فاتهم أهله أصحابه به، فرفعوهم إلى «شريح» فسألهم البينة على قتله، فارتفعوا إلى «علي» فأخبروه بقول «شريح». فقال «علي»:
أوردها سعد وسعد مشتمل
يا سعد لا تروي بها ذاك الإبل
ثم قال: «إن أهون السقيى التشريع». قال: ثم فرق بينهم، وسألهم، فاختلفوا، ثم اقروا بقتله، فأحسبه، قال: فقتلهم به.
قوله: «أوردها سعد وسعد مشتمل»: هذا مثل، يقال: إن أصله كان أن رجلا أورد إبله ماء لا تصل إلى شربه إلا باستقاء، ثم اشتمل، ونام، وتركها لم يستق لها، يقول: فهذا الفعل لا تروى به الإبل حتى يستقي لها. وقوله: «إن أهون السقي التشريع»: هو مثل أيضا، يقول: إن أيسر ما ينبغي أن يفعل بها أن يمكنها من الشريعة والحوض، ويعرض عليها الماء دون أن يستقي لها؛ لتشرب، فأراد «علي» بهذين المثلين أن أهون ما كان ينبغي لشريح أن يفعل: أن يستقصى في المسألة، والنظر، والكشف عن خبر الرجل، حتى يعذر في طلبه، ولا يقتصر على طلب البينة فقط، كما اقتصر الذي أورد إبله ماء ثم نام.
وفي هذا الحديث من الحكم: أن «عليا» امتحن في حد، ولا يمتحن في الحدود وإنما ذلك؛ لأن هذا من حقوق الناس، وكل حق من حقوقهم، فإنه يمتحن فيه، كما يمتحن في جميع الدعوى، وأما الحدود التي لا امتحان فيها، فحدود الناس فيما بينهم بين الله [تعالى] مثل: الزنا، وشرب الخمر، وأما القتل، و[كل] ما كان من حقوق الناس، فإنه وإن كان حدا يسأل عنه الإمام، ويسقصى؛ لأنه من مظالم الناس وحقوقهم التي يدعيها بعضهم على بعض، وكذلك كل جراحة دون النفس، فهي مثل النفس، وكذلك القذف، هذا كله يمتحن فيه إذا ادعاها مدع.
يروى عن «جابر بن عبد الله» قال: «كنت منيح أصحابي يوم بدر». [قال] فكان أصحاب الحديث يحملون هذا على استقاء الماء لهم، وليس هذا من استقاء الماء في شيء، إنما أراد أنه لم يأخذ سهما من الغنيمة يومئذ لصغر سنه
حديث «علي» [رحمة الله عليه]: أنه وكل «عبد الله بن جعفر» بالخصومة، وقال: «إن للخصومة قُحما». قال «أبو زياد الكلابي»: القحم: المهالك. قال «أبو عبيد»: ولا أرى أصل هذا إلا من التقحم؛ لأنه يتقحم المهالك
حديث «مجاهد» أن «حبيب بن أبى ثابت سأله، فقال: إني أخاف أن يؤثر السجود فى [٦٧١] جبهتى، فقال: «إذا سجدت فتخاف»
حديث «الحسن» فى الرجل يجامع المرأة، والأخرى تسمع، قال: «كانوا يكرهون الوجس».الوجس: هو الصوت الخفى، وقد روى فى مثل هذا من الكراهة ما هو أشد منه، وهو فى بعض الحديث: «حتى الصبى فى المهد». وأما حديث «ابن عباس»: «أنه كان ينام بين جاريتين». فإنما هذا عندى إنما هو على النوم، وليس على الجماع.
حديث [«عامر] الشعبى»: أنه كره أن يسف الرجل النظر إلى أمه وابنته وأخته». الإسفاف شدة النظر
حديث «ابن سيرين» أنه قال: «النقاب محدث».وهذا حديث قد تأوله بعض الناس على غير وجهه، يقول: إن النقاب لم يكن النساء يفعلنه [ولكن] كن يبرزن وجوههن، وليس هذا وجه الحديث، ولكن النقاب عند العرب هو الذى يبدو منه المحجر فإذا كان على طرف [٦٦٨] الأنف، فهو اللفام، فإذا كان على الفم، فهو اللثام. فالذى أراد «محمد» فيما نرى - والله أعلم - يقول: إن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاحقا بالعين، أو أن تبدو إحدى العينين والأخرى مستورة، عرفنا ذلك بحديث يحدثه «محمد» عن «عبيدة» أنه سأله عن قوله [- عز وعلا -]: ﴿يدنين عليهن من جلابيبهن﴾ قال: فقنع رأسه، وغطى وجهه، وأخرج إحدى عينيه، وقال: هكذا، فإذا كان النقاب لا يبدو منه إلا العينان قط، فذلك الوصوصة، واسم ذلك الشئ وصواص، وهو الثوب الذى يغطى به الوجه، قال: وإنما قال «محمد» هذا، لأن الوصاوص والبراقع كانت لباس النساء، ثم أحدثن النقاب بعد.
حديث «عائشة»: «كنت العب مع الجوارى بالبنات، فإذا رأين رسول الله - ﷺ - انقمعن، قالت: فيسر بهن إلى».والذى يراد من الحديث: الرخصة في اللعب التى يلعب بها الجوارى، وهن البنات، فجاءت فيها الرخصة، وهى تماثيل، وليس وجه ذلك عندنا إلا من أجل أنها لهو الصبيان، ولو كان للكبار مكروها كما جاء النهى في التماثيل كلها وفى الملاهى.
حديث «عائشة» قالت: «قدم وفد الحبشة، فجعلوا يزفنون ويلعبون، و«النبى» - ﷺ - قائم ينظر إليهم، فقمت، وأنا مستترة خلفه، فنظرت حتى أعييت، ثم قعدت، ثم قمت، فنظرت حتى أعييت، ثم قعدت، ورسول الله - ﷺ - قائم ينظر، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن المشتهية للنظر».وليس وجه هذا الحديث أن يكون فيه شئ من المعازف، ولا فيه ذكره، وليس فى هذا حجة فى الملاهى المكروهة، مثل المزاهر والطيول، وما أشبهها، لأن تلك بأعيانها قد جاءت فيها الكراهة، وإنما الرخصة فى الدف، وإنما هو كما قالت: الزفن واللعب.
وقال عن حديث بني أرفد : والذى يراد من هذا الحديث الرخصة فى النظر إلى اللهو. وليس فى هذا حجة للنظر إلى الملاهى المنهى عنها من المزاهر، والمزامير، إنما هذه لعبة للعجم.
حديث «العباس» - رضى الله عنه - وحديث ابنه «عبد الله» فى «زمزم»: لا أحلها لمغتسل، وهى حل لشارب وبل». وإنما نراه نهى عن هذا أنه نزه المسجد أن يغتسل فيه من جنابة.
عن «عمار» أنه سئل عن ذلك فقال: «إنى بادرت الوسواس». قال «أبو عبيد» فرأى تعجيل الصلاة مع السلامة أقرب إلى البر من طولها مع الوسوسة. وكذلك حديث «الزبير» أنه قيل له: ما بالكم يا أصحاب «محمد» أخف الناس صلاة، فقال: «إنا نبادر الوسواس».
حديث «عمرو بن ميمون»: «لو أن رجلا أخذ شاة عزوزا، فحلبها، ما فرغ من حلبها حتى أصلى الصلوات الخمس».
رخص ابن مسعود للعجائز في الصلاة في المساجد، وكرهه للشواب.
حديث «عبد الله» [- ﵀ -] «أن امرأته سألته أن يكسوها جلبابا، فقال: إنى أخشى أن تدعى جلباب الله الذى جلببك به. قالت: وما هو؟ قال: بيتك.
حديث «أبى هريرة»: «أنه كان يسبح بالنوى المجزع»،
والذى أجمع عليه أهل العلم من أهل الحجاز والعراق أن المصة الواحدة تحرم. وحديث رسول الله [-ﷺ-] إذا ثبت أولى بأن يعمل به ويتبع.
» في حديث النغير: إنه أحل صيد المدينة وقد حرمها، فكأنه إنما حرم الشجر أن تُعضد، ولم يُحرم الطير كما حرم طير مكة.
قال «أبو عبيدٍ»: وقد يكون وجهُ هذا الحديث أن يكون الطائر إنما أدخل من خارج المدينة إلى المدينة، فلم يُنكره لهذا. قال «أبو عبيد»: ولا أُرى هذا إلا وجه الحديث.
قال «أبو عبيدٍ»: كان «أبو عبيدة» و«أبو زيد» وغيرهما من أهل العلم، يقولون: إنما النهي في قوله: «لا يبع على بيع أخيه» إنما هو لا يشترى على شراء أخيه، فإنما وقع النهي على المشتري لا على البائع؛ لأن العرب تقول: بعتُ الشيء بمعنى اشتريته. قال «أبو عبيدٍ»: وليس للحديث عندي وجهٌ غير هذا؛ لأن البائع لا يكاد يدخل [٣٢٤] على البائع. هذا قليلٌ في معاملة الناس وإنما المعروف أن يُعطي الرجلُ الرجلَ بسلعته شيئًا، فيجيء مشترٍ آخر، فيزيد عليه ومما يبين ذلك ما تكلم الناس فيه من بيع من يزيدُ حتى خافوا كراهته. فقال: كانوا يتبايعونه في مغازيهم، فقد عُلم أنه في بيع من يزيدُ، إنما يدخل المشترون بعضهم على بعضٍ، فهذا يبين لك أنهم إنما طلبوا الرخصة فيه؛ لأن الأصل إنما هو على المشترين. ومثله أنه نهى عن الخطبة كما نهى عن البيع. فقد علمنا أن الخاطب إنما هو طالبٌ بمنزلة المشتري. فإنما وقع النهي على الطالبين دون المطلوب إليهم.
وفي الحديث أن رسول الله - ﷺ- أُتي ببدناتٍ [٣٣٧] خمسٍ أو ستٍ، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت لجنوبها، قال عبد الله بن قُرط: فتكلم رسول الله - ﷺ- بكلمة خفيةُ لم أفهمها أو قال: لم أفقهها، فسألت الذي يليه، فقال: قال: من شاء فليقتطع.في هذا الحديث من الفقه أنه رخص في النهبة إذا كانت بإذن صاحبها وطيب نفسه؛ ألا تسمع إلى قوله: «من شاء فليقتطع» ففي هذا ما يبين لك أنه لا بأس بنهبة السكر في الأعراس، وقد كرهه عدةٌ من الفقهاء، وفي هذا رخصةٌ بينةٌ.
«لا تقدموا رمضان بيوم ولا يومين إلا أن يكون يوافق ذلك صوم كان يصومه أحدكم» فهذا معناه التطوع أيضا. فأما إذا كان يريد به رمضان فلا؛ لأنه خلاف الإمام والناس.
وأما الإقعاء- الذي جاء فيه النهي عن النبي - ﷺ- أن يفعل في الصلاة- فقد اختلف الناس فيه. فقال أبو عبيدة: هو أن يلصق اليتيه بالأرض، وبنصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض. وأما تفسير الفقهاء، فهو أن يضع اليتيه على عقبيه بين السجدتين شبيه بما يروى عن العبادلة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير قال أبو عبيد: وقول أبي عبيدة أشبه بكلام العرب، وهو المعروف عندهم.
حديث النبي - ﷺ-. أنه سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد، فقال: أيها الناشد غيرك الواجد. معناه لا وجدت، كأنه دعا عليه.
في هذا الحديث من الفقه: أنه جعل المنبوذ حرًا، ولم يجعله مملوكًا لواجده، ولا للمسلمين. وأما قوله للرجل: لك ولاؤه؛ فإنما نراه فعل ذلك؛ لأنه لما التقطه، فأنقذه من الموت، وأنقذه من أن يأخذه غيره، فيدعى رقبته، جعله مولاه لهذا؛ لأنه كأنه الذي أعتقه. وهذا حكمٌ تركه الناس، وصاروا إلى أن جعلوا حرًا، وجعلوا ولاءه للمسلمين، وجريرته عليهم.
حديث عمر - ﵁-: «ورع اللص ولا تراعه» قال أبو عبيد: يقول: إذا رأيته في منزلك فادفعه، واكففه بما استطعت، ولا تنتظر فيه شيئا، وليس هذا من الورع في شيء، إنما هذا رخصة من «عمر» في الإقدام عليه، وكذلك يروى عن ابن عمر: أنه رأى لصا في داره، فطلب السيف أو غيره من السلاح؛ ليقدم عليه. وكذلك يروى عن ابن سيرين، أنه قال: «ما كانوا يمسكون عن اللص إذا دخل دار أحدهم تأثما».
الرجل يعتق عبده سائبة [٤٤٦]، ثم يموت المعتق ويترك، مالا، ولا وارث له إلا الذي أعتقه. يقول: فليس ينبغي له أن يرزأ من ميراثه شيئا إلا أن يجعله في مثله. وكذلك يروى عن «ابن عمر» أنه فعل بميراث عبد له كان أعتقه سائبة، وإنما هذا منهم على وجه الفضل والثواب، ليس على أنه محرم؛ ألا ترى أنه إنما رده عليه الكتاب والسنة، فكيف يحرم هذا؟ ولكنهم كانوا يكرهون أن يرجعوا في شيء جعلوه لله، إنما هذا بمنزلة رجل تصدق على أمه - أو على أبيه - بدار، ثم ماتا، فورثهما، فهو حلال [له] وإن تنزه عنه، فهو أفضل.
أما الصائم يشتد عطشه، فيمضمض، ثم يمجه؛ ليسكن العطش، فقد رويت فيه رخصة عن «عثمان بن أبي العاص» وهذه غير تلك.
حديث «عمر» [﵁] أنه كان يستحب قضاء رمضان في عشر ذي الحجة، وقال: «ما من أيام أقضى فيهن رمضان أحب إلي منها». قال «أبو عبيد»: نرى أنه كان يستحبه؛ لأنه كان لا يحب أن يفوت الرجل صيام العشر، ويستحبه نافلة، فإذا كان عليه شيء من رمضان كره أن يتنفل، وعليه من الفريضة شيء، فيقول: يقضيها في العشر، فلا يكون أفطرها، ولا يكون بدأ بغير الفريضة، فيجتمع له الأمران، وليس وجهه عندي أنه كان يستحب تأخيرها عمدا إلى العشر، ولكن إنما هذا لمن فرط حتى يدخل العشر.
حديث «عمر» [﵁]: «أنه كان يسجد على عبقري».قال «أبو عبيد»: قوله: «عبقري» هو: هذه البسط التي فيها الأصباغ والنقوش . قال «أبو عبيد»: فأراهم ينسبون إليها كل شيء يريدون مدحه، ويرفعون قدره، وما وجدنا أحدا يدري أين هذه البلاد، ومتى كانت، فالله أعلم.
حديث عثمان [بن عفان]-﵀- حين أرسل «سليط بن سليط» و«عبد الرحمن بن عتاب» إلى «عبد الله بن سلام» فقال: «ايتياه، فتنكرا، وقولا: إنا رجلان أتاويان، وقد صنع الناس ما ترى، فما تأمر؟ فقالا له ذلك، فقال: لستما بأتاويين، ولكنكما فلان، وفلان، وأرسلكما أمير المؤمنين». وفي هذا الحديث من الفقه: قوله لهما: قولا: إنا رجلان أتاويان، وهما من أهل المصر، وهذا عندي من المعاريض، إنما أولته أنه أراد أنا غريبان في هذا المكان الذي نحن فيه الساعة، وكل من خرج إلى غير موضعه، فهو أتاوى.
وهذا عندي شبيه بقول «إبراهيم» إنه كان متواريا فكان أصحابه يدخلون عليه، فإذا خرجوا من عنده، يقول لهم إن سئلتم عني، فقولوا: لا ندري أين هو، فإنكم لا تدرون إذا خرجتم إلى أين أتحول، وإنما تحوله من موضع في الدار إلى موضع فيها آخر.
وكقول غيره، وأتاه رجل يطلبه، فكره الخروج إليه، فأدار دارة، ثم قال: قولوا: ليس هو ها هنا، وأشار إلى الدارة، وفي أشباه لهذا من المعاريض كثيرة.
لغة
قال الأصمعي: اشتمال الصماء عند العرب: أن يشتمل الرجل بثوبه، فيجلل به جسده كله، ولا يرفع منه جانبا، فيخرج منه يده وربما اضطجع فيه على هذه الحالة. قال أبو عبيد: كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه، وأن يقيه بيديه، فلا يقدر على ذلك؛ لإدخاله إياهما في ثيابه، فهذا كلام العرب. وأما تفسير الفقهاء: فإنهم يقولون: هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه. والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا، وذلك أصح معنى في الكلام، والله أعلم.
قال «أبو عبيد» [في صفة الميسر]: ولم أجد علماءنا يستقصون معرفة علم هذا، ولا يدعونه كله، ورأيت «أبا عبيدة» أقلهم ادعاء لعلمه. قال «أبو عبيدة»: وقد سألت عنه الأعراب، فقالوا: لا علم لنا بهذا؛ لأنه شيء قد قطعه الإسلام منذ جاء، فلسنا ندري كيف كانوا ييسرون.
قوله: غيلة: هو أن يغتال الإنسان، فيخدع بالشيء حتى يصير إلى موضع يستخفى له فإذا صار إليه قتله. وأما الفتك في القتل، فأن يأتي الرجل رجلا وهو غار مطمئن؛ لا يعلم بمكان الذي يريد قتله، حتى يفتك به، فيقتله، وكذلك لو كمن له في موضع ليلا أو نهارا، فإذا وجد غرة قتله. فأما إذا أعطاه الأمان، ثم قتله، فذلك الغدر، وهو شر هذه الوجوه كلها،. ومن وجوه القتل أيضا الصبر، وهو أن يؤخذ الرجل أسيرا، ثم يقدم، فيقتل، فهذا لم يقتل غيلة ولا فتكا ولا غدرا؛ لأنه أخذ بغير أمان، فهذه أربعة أوجه من أسماء القتل، هي الأصول التي فيها الأحكام خاصة
التأبط: هو أن يدخل رداءه تحت يده اليمنى، ثم يلقيه على عاتقه الأيسر كالرجل يريد أن يعالج الشئ فيتهيأ لذلك. ، والاضطباع بالثوب مثله.
والالتفاع بالثوب: هو مثل الاشتمال، قال «الأصمعى»: هو أن يتجلل بالثوب كله.
والاحتجاز: أن يشد ثوبه في وسطه، وإنما هو مأخوذ من الحجرة، .
والاعتجار: لى الثوب على الرأس مع الجسد
والتلبب: أن يحترم بثوبه، ويجمعه عليه
والاضطغان: كالشئ تأخذه تحت حضنك، قاله «الأحمر»، وأنشدنى:
واشتمال الصماء: أن يتجلل بثوب واحد، ثم يرفع أحد جانبيه على عاتقه. هذا تفسير الفقهاء، وهو عند العرب أن يشتمل [بثوب واحد] فلا يرفع شيئا بواحدة.
«إن من البيان سحرًا» فكأن المعنى- والله أعلم- أنه يبلغ من بيانه أن يمدح الإنسان فيصدق فيه، حتى يصرف القلوب إلى قوله، ثم يذمه، فيصدق فيه، حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر، فكأنه قد سحر السامعين بذلك، فهذا وجه قوله: «إن من البيان سحرًا».
فقال «عمر»: كُنيفٌ ملء عليمًا«. [قوله] كنيفٌ تصغيرُ كنفٍ وهو وعاءٌ للأداة التي يُعمل بها فشبهه في العلم بذلك، وإنما صغره على جهة المدح له عندنا كقول حُباب بن المنذر»: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب". وقولهم: فُلان صديقي، وهو يريد أخص أصدقائي.
عن مالك بن دينار، قال: ما رأيت أحدًا أبين من الحجاج إن كان ليرقى المنبر، فيذكر إحسانه إلى أهل العراق، وصفحه عنهم، وإساءتهم إليه، حتى أقول في نفسي: والله إني لأحسبه صادقًا، وإني لأظنهم ظالمين له.
الإطراق : السكوت وقد يكون استرخاء جفون العين
يتخولهم : يتعاهدهم
حديث النبي - ﷺ-: «من كانت له أرضٌ فليزرعها، أو ليمنحها أخاه». قال «أبو عبيد»: وأكثر العرب يجعل المنحة العارية خاصةً، ولا يجعل الهبة منحةً.
الخمرة شيء منسوج يعمل من سعف النخل ويرملُ بالخيوط وهو صغيرٌ على قدر ما يسجد عليه المصلي، أو فويق ذلك. فإن عظُمَ حتى يكفي الرجل لجسده كله في صلاة أو مضطجعٍ، أو أكثر [٢٩٠] من ذلك، فهو حينئذ حصيرٌ، وليس بخمرةٍ.
اجتويت البلاد إذا كرهتها، وإن كانت موافقةً لك في بدنك. ويقال: استوبلتها إذا لم توافقك في بدنك، وإن كنت محبًا لها
قوله بدّنتُ : كبرت لا حملت اللحم فليس من صفته في ما يروى عنه
العرب قد تسمي الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه كما قالوا للمزادة راوية، وإنما الراوية البعير الذي يستقى عليه، فسميت المزادة راويةً؛ لأنها تكون عليه.
حديث «النبي» -ﷺ- في كتابه «لأكيدر»: «هذا كتاب من محمد رسول الله [-ﷺ-] لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام، وخلع الأنداد والأصنام مع خالد ابن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها. إن لنا الضاحية من الضحل والبور، والمعامي، وأغفال الأرض، والحلقة والسلاح. ولكم الضامنة من النخل، والمعين من المعمور بعد الخمس، لا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها عليكم، بذلك عهد الله وميثاقه».
عن «علي» [﵁] أنه قضى في القارصة والقامصة والواقصة بالدية أثلاثا. قال «ابن أبي زائدة»: وتفسيره؛ أن ثلاث جوار كن يلعبن، فركبت إحداهن صاحبتها، فقرصت الثالثة المركوبة فقمصت، فسقطت الراكبة، فوقصت عنقها، فجعل «علي» [كرم الله وجهة] على القارصة ثلث الدية، وعلى القامصة الثلث، وأسقط الثلث. يقول: لأنه حصة الراكبة، يقول: لأنها أعانت على نفسها.
روى عن النبى -ﷺ- أنه أقبل من سفر، فلما رأى «أحدا» قال: «هذا جبل يحبنا ونحبه». والجبل ليست له محبة. ومنه قول الله [-﷿-]: «جدارا يريد أن ينقض» والجدار ليست له إرادة. والعرب تكلم بكثير من هذا النحو. كان «الكسائى» يحكى عنهم أنهم يقولون: «منزلى ينظر إلى منزل فلان»، و«دورنا تناظر». ويقولون: «إذا أخذت فى طريق كذا وكذا، فنظر إليك الجبل فخذ يمينا عنه». وإنما يراد بهذا كله قرب ذلك الشئ منه. ومنه حديث النبى -ﷺ-: «لا تراءى ناراهما» ومثل هذا فى الكلام كثير.
عام
قال «ابن عون»: استَجرحت هذه الأحاديث وكثرت: يعنى أنها كثيرة، وصحيحها قليل.
لَهِي من حديثه إذا أعرض عنه ، قول «الحسن» حين سئل عن الرجل يجد البلل، فقال: اِلْه عنه، قفال له «حميد الطويل» - وهو الذى سأله -: إنه أكثر من ذلك، فقال: أتستدره لا أبا لك؟ أله عنه».
حديث «إبراهيم» فى الرجل يقول: إنه لم يجد امرأته عذراء [٦٥٦] قال: «لا شئ عليه، لأن العذرة قد تذهبها الحيضة والوثبة، وطول التعنس»
حديث «مطرف»: «أنه خرج من الطاعون، فقيل له فى ذلك، فقال: هو الموت نحايصه، ولابد منه».
حديث «ابن عمر»: «لا تبتع من مضطر شيئا».قال «ابن إدريس»: المضطر: المضطهد المكره على البيع. قال «أبو عبيد»: وهذا وجه الحديث، وقد كان بعض الناس يحمله على الفقير المحتاج، يذهب إلى أنه يبيع بأقل من الثمن لحاجته، ولست أرى هذا شيئا، إنما هو كما قال «ابن إدريس»، ومع هذا أنه قد حكى عن «سفيان بن سعيد» شئ شبيه بالرخصة في بيع المضطر أيضا، قال: ربما كان الشراء منه خيرا له، يذهب به إلى أنه لو أمسك الناس كلهم عن الشراء منه هلك فى العذاب.
حديث «ابن عمر»: «أنه كان لا يصلى في مسجد فيه قذاف». قال «الأصمعى»: إنما هو قذف على مثال غرف، واحدتها [٥٨٧] قذفة، وهى الشرف، ومنه حديث «ابن عباس» [- ﵀ -] أنه قال: «تبنى المدائن شرفا، والمساجد جما».
حديث «ابن عمر»: «إنى لأدنى الحائض إلى وما بى إليها صَورة إلا ليعلم الله أنى لا أجتنبها لحيضها». والذى أراد «ابن عمر» من إدناء الحائض: الخلاف على الكفار، لأن المجوس لا يدنون منهم الحائض، ولا تقرب أحدا منهم.
حديث «ابن عباس» وذكر «عبد الملك بن مروان» فقال: «إن «ابن أبى العاص» مشى القدمية، وإن «ابن الزبير» لوى ذنبه». قال «أبو عبيد»: وإنما هذا مثل، ولم يرد المشى بعينه، ولكنه أراد أنه ركب معالى الأمور، وسعى فيها، وعمل بها، وأن الآخر لوى ذنبه، فأراد أنه لم يبرز للمعروف، وبيدى له صفحته، ولكنه راغ عن ذلك، وتنحى.
حديث «ابن عمر» أن رجلا قال له: «إن عندنا بيعا له بالنقدر سعر، وبالتأخير سعر، فقال: ما هو؟ فقال: سرق الحرير.
فقال: إنكم معشر أهل العراق تسمون أسماء منكرة، فهلا قلت: شقق الحرير، [٥٨٥] ثم قال: إذا اشتريت، فكان لك، فبعه كيف شئت».
حديث «سعد» - ﵀ - حين قيل له: إن فلانا ينهى عن المتعة، فقال: «قد تمتعنا مع رسول الله [- ﷺ -] وفلان كافر بالعُرُش». [قلت فيه دليل بطلان هذه الحجة]
قال في أضغاث الأحلام إنما سميت بذلك، لأنها أشياء مختلطة يدخل بعضها في بعض، وليست كالرؤيا الصحيحة
حديث «عمرو بن العاص»، فى «عبد الرحمن ابن عوف» حين مات، فقال «عمرو»: «هنيئا لك «ابن عوف»، خرجت ببطنتك من الدنيا لم يتغضغض منها شئ». التغضغض: النقصان ، والذى أراد «عمرو»: أن «عبد الرحمن» سيق الفتن، ومات وافر الدين لم ينقص منه شئ، وكان موت «عبد الرحمن» قبل موت «عثمان» [- ﵀ -] حين تكلم فيه الناس.
حديث «أبى موسى الأشعرى»: «إن هذا القرآن كائن لكم أجرا، وكائن عليكم وزرا، فاتبعوا القرآن، ولا يتبعنكم القرآن، فإنه من يتبع القرآن يهبط على رياض الجنة، ومن يتبعه القرآن يزخ في قفاه حتى يقذف به في نار جهنم». يقول: لا تدعوا العمل به، فتكونوا قد جعلتموه وراء ظهوركم
قوله: والشهوة الخفية، فقد اختلف الناس فيها، فذهب بها بعضهم إلى شهوة النساء، وغير ذلك من الشهوات، وهو عندى ليس بمخصوص بشئ واحد، ولكنه في كل شئ من المعاصى يضمره صاحبه، ويصر عليه، فإنما هو لإصرار، وإنما لم يعمله.
حديث «عبادة [بن الصامت» - ﵀ -] «ألا ترون أنى لا أقوم إلا رفدا، ولا آكل إلا ما لوق لى، وإن صاحبى لأصم أعمى، وما أحب أن أخلو بامرأة».
حديث «العباس [بن عبد المطلب» - ﵀ -] قال: «كان «عمر» [- رضى الله عنه -] لى جارا، فكان يصوم النهار، ويقوم الليل، فلما ولى قلت: لأنظرن الآن إلى عمله، فلم يزل على وتيرة واحدة حتى مات».
الحديث الآخر: «إذا رأى أحدكم سوادا بليل، فلا يكن أجبن السوادين فإنه يخافك كما تخافه»
قال «الأوزاعى»: وإنما معنى قوله: خير من مئة ناقة، يقول: لو كانت لى فأنفقتها فى سبيل الله، وفى أنواع البر. قال «الأوزاعى»: وكذلك كل شئ جاء في الحديث من مثل هذا. قال «أبو عبيد»: ولا أعلم لهذه الأحاديث معنى إلا ما قال «الأوزاعى» مثل قول «عمر»: «لأن أكون علمت كذا وكذا أحب إلى من حمر النعم، وأحب إلى من خراج مصر» وما أشبه ذلك. وإنما تأويله على أنى أقدمه في أبواب البر، وليس معناه على الاستمتاع به، والاقتناء له في الدنيا، ألا ترى أن «عمر» يقول عند موته: «لو أن لى
طلاع الأرض ذهبا، لافتديت به من هول المطلع».أفلست تعلم أنه لم يرد بالذهب الاستمتاع في الدنيا؟ . وهو بين في حديث «الحسن» أيضا، قال: إن كان [٥٢٧] الرجل ليصيب الباب من أبواب العلم، فينتفع به، فيكون خيرا له من الدنيا لو كانت له فجعلها في الآخرة، فهذا قد بين لك المعنى.
حديث «ابن مسعود» [- ﵀ -] في الذى أتاه، فقال: إنى [قد] تزوجت امرأة شابة، وإنى أخاف أن تفركنى. فقال «عبد الله»: «إن الحب من الله، والفرك من الشيطان، فإذا دخلت عليك، فصل ركعتين، ثم ادع بكذا، وكذا».
حديث عمر [- ﵁-] أنه قال: فرقوا عن المنية، واجعلوا الرأس رأسين، ولا تلثوا بدار معجزة، وأصلحوا مثاويكم، وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم، وقال: اخشوشنوا واخشوشنوا، وتمعددوا». قوله: «فرقوا عن المنية، واجعلوا الرأس رأسين»، يقول: إذا أراد أحدكم أن يشتري شيئا من الحيوان؛ من مملوك أو غيره من الدواب، فلا يغالين به، ولكن ليجعل ثمنه في رأسين، وإن كانا دون الأول، فإن مات أحدهما بقي الآخر. وقوله: «ولا تلثوا بدار معجزة» فالإلثاث: الإقامة، يقول: لا تقيموا ببلد قد أعجزكم فيه الرزق، ولكن اضطربوا في البلاد. وهذا شبيه بحديثه الآخر: «إذا اتجر أحدكم في شيء ثلاث مرات، فلم يرزق منه، فليدعه». وقوله: وأصلحوا مثاويكم. المثاوي: المنازل، يقال: ثويت بالمكان: إذا نزلت به، وأقمت، ولهذا قيل لكل نازل: ثاو. وقوله: «وأخيفوا الهوام قبل أن تخيفكم»: يعني دواب الأرض؛ العقارب والحيات، يقول: احترسوا منهن، ولا يظهر لكم منهن شيء إلا قتلتموه.
حديث النبي - ﷺ- أنه بعث مصدقا فقال: لا تأخذ من حزرات أنفس الناس شيئا. خذ الشارف والبكر وذا العيب". فيقول: لا تأخذ خيار أموالهم، خذ الشارف، وهي: المسنة الهرمة، والبكر، وهو: الصغير من ذكور الإبل، فقال: الشارف والبكر. وإنما السنة القائمة في الناس ألا يؤخذ في الصدقة إلا ابنة مخاض، أو ابنة لبون، أو حقة، أو جذعة، ليس فيها سن فوق هذه الأربع ولا دونها. وإنما وجه هذا الحديث عندي - والله أعلم- أنه كان في أول الإسلام قبل أن يؤخذ الناس بالشرائع فلما قوي الإسلام واستحكم، جرت الصدقة على مجاريها ووجوهها.
قال رؤبة بن العجاج: والعرب في عفافةٍ وإعراب . قوله: والعرب يعني المتحببات إلى الأزواج، واحدتها عروبٌ، والإعراب من الفحش، فمعناه أنه يقول: إنهن يجمعن العفافة عند الغرباء، والإعراب عند الأزواج. وهذا كقول الفرزدق: يأنسن عند بعولهن إذا خلوا … وهموا إذا خرجوا فهن خفار . وقد رُوي في بعض الحديث: «خير النساء المتبذلة لزوجها [٣٩٧] الخفرة في قومها».
حديث «عمر» [﵁] أنه كتب إلى «أبي عبيدة» وهو بالشام -حين وقع بها الطاعون-: "إن الأردن أرض غمقة، وأن الجابية أرض نزهة، فاظهر بمن معك من المسلمين إلى الجابية».
حديث «عمر» -﵀-: «أنه نهى عن المكايلة» بالياء. قال «أبو عبيد»: والمحدثون يفسرونه: المقايسة، وإنما معناه المقايسة بالقول، وأصل ذلك إنما هو مأخوذ من الكيل في الكلام، يعني أن تكيل له كما يكيل لك، وتقول له كما يقول لك، ويكون هذا في الفعل أيضا. فالذي أراد «عمر»: الاحتمال، وترك المكافأة بالسوء.
حديث «عمر»- ﵁-: «ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسرا وساده عند امرأة مغزية، يتحدث إليها، وتحدث إليه، عليكم بالجنبة؛ فإنها عفاف، إنما النساء لحم على وضم، إلا ما ذب عنه».
وهذا مثل حديثه الآخر: «لا يدخلن رجل على امرأة، وإن قيل حمؤها، ألا [إن] حمأها الموت» فالحمء: أبو الزوج. وقوله: «الموت»، يقول: فلتمت ولا تفعل ذاك. فإذا كان هذا من رأيه في أبي الزوج، وهو محرم، فكيف بالغريب؟
حديث «علي» -﵁- حين أتى في فريضةٍ وعنده «شريح» فقال له «علي»: «ما تقول أنت أيها العبد الأبظر»؟ قوله: «الأبظر»: هو الذي في شفته العليا طول، ونتوء في وسطها محاذي الأنف، وإنما نراه قال لشريحٍ: أيها العبد؛ لأنه [قد] كان وقع عليه سباء في الجاهلية.
حديث عمر [- ﵁-] أنه جدب السمر بعد عتمة». وهذا من عمر في كراهة السمر مثل حديثه الآخر، "أنه كان ينش الناس بعد
العشاء بالدرة، ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم».
ديث عمر [﵁] حين خطب الناس، فقال: «ألا لا تغالوا صدق النساء؛ فإن الرجل يغالي بصداق المرأة حتى يكون ذلك لها في قلبه عداوةً، يقول: جشمت إليك علق القربة أو عرق القربة».
حديث أبي بكرٍ [﵁] حين قال: «والله إن عمر لأحب الناس إليَّ» ثم قال: كيف قلت؟ فقالت «عائشة»: «قلت: والله إن عمر لأحب الناس إليَّ. فقال:»اللهم أعز! والولد الوط«.
قول «عائشة» [رحمها الله] «لمروان»: «إن رسول الله -ﷺ- قال لأبيك كذا، وكذا، فأنت فضض منه».
حديث عمر - ﵁- عند الشورى حين طعن، فدخل عليه ابن عباس فرآه مغتما بمن يستخلف بعده، فجعل ابن عباس يذكر له أصحابه، فذكر «عثمان» فقال: كلف بأقاربه، قال: فعلي؟ قال: ذلك رجل فيه دعابة. قال: فطلحة؟ قال: لولا بأو فيه.قال: فالزبير؟ قال: وعقة لقس. قال: فعبد الرحمن بن عوف؟ قال: أوه! ذكرت رجلا صالحا، ولكنه ضعيف، وهذا الأمر لا يصلح له إلا اللين من غير ضعف، والقوى من غير عنف.قال: فسعد؟ قال: ذاك يكون في مقنب من مقانبكم". وقوله: «وعقة لقس» - وبعضهم يقول: «ضبس»- ومعنى هذا كله: الشراسة وشدة الخلق، وخبث النفس.وقوله: «يكون في مقنبس من مقانبكم» فالمقنب: جماعة الخيل والفرسان، يريد: أن سعدا صاحب جيوش ومحاربة، وليس بصاحب هذا الأمر.
حديث «عمر» [﵁] أنه مر «بضجنان» فقال: «لقد رأيتني بهذا الجبل احتطب مرة، واختبط أخرى، على حمار»للخطاب«، وكان شيخا غليظا، فأصبحت، والناس بجنبتي ليس فوقي أحد».
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أن عامر بن ربيعة رأى سهل بن حنيف يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم [قط] ولا جلد مخبأة، فلبط به حتى ما يعقل من شدة الوجع، فقال رسول الله - ﷺ-: «أتتهمون أحدا؟ قالوا: نعم. عامر بن ربيعة، وأخبروه بقوله، فأمر رسول الله - ﷺ- أن يغسل له. ففعل، فراح مع الركب».
قال: قال الزهري: يؤتي الرجل العائن بقدح، فيدخل كفه فيه، فيمضمض، ثم يمجه في القدح، ثم يغسل وجهه في القدح، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب على كفه اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى، فيصب على كفه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب على مرفقه الأيمن، ثم يدخل يده اليمنى، فيصب على مرفقه الأيسر، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب على قدمه الأيمن، ثم يدخل يده اليمنى، فيصب على قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى، فيصب على ركبته اليسرى، ثم يغسل داخلة إزاره، ولا يوضع القدح بالأرض، ثم يصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعين من خلفه صبة واحدة.
[قال أبو عبيد]: وأما قوله: ويغسل داخلة إزاره، فقد اختلف الناس في معناه، فكان [٣٦٥] بعضهم يذهب وهمه إلى المذاكير، وبعضهم إلى الأفخاذ والورك. وليس هو عندي من هذا في شيء. إنما أراد بداخلة إزاره طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده، وهو يلي الجانب الأيمن من الرجل؛ لأن المؤتزر إنما يبدأ إذا ائتزر بجانبه الأيمن، فذلك الطرف يباشر جسده، فهو الذي يغسل.
عن الحسن، قال: قال رسول الله ﷺ-: «صوموا ووفروا أشعاركم فإنها مجفرةٌ». يقول: مقطعةٌ للنكاح ونقصٌ للماء.
قال «ابن مهدي» أن كل ما أنفق في غير طاعة الله [سبحانه] من قليل أو كثير فهو سرفٌ.
حديث النبي - ﷺ-: «لا ترفع عصاك عن أهلك». قال «الكسائي» وغيره؛ يقال: إنه لم يرد [بها] العصا التي يُضرب بها، ولا أمر أحدًا قط بذلك، ولكنه أراد الأدب.فكأن وجه الحديث [٣٢٠] أنه أراد بقوله: «لا ترفع عصاك عن أهلك» أي امنعهم من الفساد والاختلاف وأدبهم.
فإذا قدمتم فالكيس الكيس. قال أبو عبيد: فكأنه ذهب به إلى طلب الولد والنكاح.
حديث «عمر» - ﵀-: «أنه سأل المفقود الذي استهوته الجن: ما كان طعامهم؟ قال: الفول، وما لم يذكر اسم الله عليه. قال: فما كان شرابهم؟ قال: الجدف. قال: يعني: ما لا يغطى من الشراب». قوله في تفسير الجدف: لم أسمعه إلا في هذا الحديث، وما جاء إلا وله أصل، ولكن ذهب من كان يعرفه، ويتكلم به، كما قد ذهب من كلامهم شيء كثير.
قوله: «الصوم لي، وأنا أجزي به» [قال] وقد علمنا أن أعمال البر كلها له وهو يجزي بها، فنرى - والله أعلم- أنه إنما خص الصوم بأن يكون هو [- سبحانه-] الذي يتولى جزاءه؛ لأن الصوم ليس يظهر من ابن آدم بلسانٍ ولا فعل، فتكتبه الحفظةُ إنما هو نيةٌ في القلب، وإمساكٌ عن حركة المطعم والمشرب [والنكاح] يقول [- ﷿-]: فأنا أتولى جزاءه على ما أُحب من التضعيف، وليس على كتابٍ كتب له.
ومما يُبين ذلك قوله - ﷺ-: «ليس في الصوم رياءٌ». حدثنا «أبو عبيدٍ» قال: حدثنيه «شبابةُ» عن «ليثٍ» عن «عُقيلٍ» عن «ابن شهابٍ» رفعه. وذلك أن الأعمال كلها لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم خاصةً، فإنما هو بالنية التي قد خفيت على الناس، فإذا نواها، فكيف يكون ها هنا رياء؟ هذا عندي وجه الحديث- والله أعلم.
قال «أبو عبيد»: وبلغني عن «سفيان بن عيينة» أنه فسر قوله: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به».
قال: لأن الصوم هو الصبر يصبرُ الإنسان على المطعم والمشرب والنكاح، ثم قرأ: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حسابٍ» يقول: فثواب الصوم ليس له حسابٌ يعلم من كثرته. ومما يقوى قول «سفيان» الذي يُروى في التفسير قول الله [تبارك وتعالى] «السائحون» [هو في التفسير] الصائمون.
حديثُ «عليٍّ» [﵁] حين سُئل عن القُبلة للصائم، فقال: «وما أربك إلى خلوف فيها»
عن «ابن سيرين» قال: «كانوا يكرهون أن يقولوا: ضرةً، ويقولون: إنها لا تذهب من رزقها بشيءٍ، ويقولون: جارةٌ.
حديث «النبي» -ﷺ-: «سوآء ولود خير من حسناء عقيم».
وإذا رمت رحيلًا فارتحل … واعص ما يأمر توصيم الكسل
حديث النبي - ﷺ- «لقد هممت ألا أتهب إلا من قُرشيٍّ، أو أنصاريٍّ أو ثقفيٍّ».قوله: «لا أتهبُ»: أي "لا أقبلُ هبةً. قال أبو عبيدٍ: ويقال: إن النبي - ﷺ- إنما قال هذه المقالة؛ لأن الذي اقتضاه الثواب من أهل البادية، فخص هؤلاء بالاتهاب [٣٠٧] منهم؛ لأنهم أهل حاضرة، وهم أعلم بمكارم الأخلاق. وفي هذا الحديث من الفقه أنه - ﷺ- كان يقبلُ الهدية والهبة، وليس هذا لأمير بعده من الخلفاء؛ لأنه يُروى عنه: «هدايا الأمراء غلولٌ». وبلغني عن «عمر بن عبد العزيز» أنه قال: «كانت لرسول الله - ﷺ- هديةً، وللأمراء بعده رشوةً».
حديث عمر- ﵁- أن رجلا تخلل بالقصب، فنفر فمه، فنهى «عمر» عن التخلل بالقصب.
قال: حدثناه القاسم بن مالك [المزني]، عن عبد الله بن الوليد المزني، عن عبيد الله بن الحسن، عن عبد الله بن معقل المزني، عن
لعمر في السباء حكم ثالث، وذلك أن الرجل من الملوك كان ربما غلب على البلاد، حتى يستعبد أهلها، فيجوز حكمه فيهم، كما يجوز في مماليكه، وعلى هذا عامة ملوك العجم اليوم- الذين في أطراف الأرض- يهب منهم من شاء، ويصطفي لنفسه ما شاء؛ ولهذا ادعى الأشعث بن قيس رقاب "أهل نجران»، وكان استعبدهم في الجاهلية، فلما أسلموا أبوا عليه.عن ابن سيرين، أن الأشعث خاصم «أهل نجران» إلى «عمر» في رقابهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا إنما كنا عبيد مملكة، ولم نكن عبيد قن. قال: فتغيظ عليه «عمر»، وقال: أردت أن تغفلني. قال الكسائي: القن: أن يكون ملك وأبواه، والمملكة: أن يغلب عليهم تملكا، وليس سباء.
حديث «عمر» - ﵁- أنه سمع رجلا يتعوذ من الفتن، فقال [له] «عمر»: «اللهم إني أعوذ بك من الضفاطة، أتسأل ربك ألا يرزقك أهلا ومالا، أو قال: أهلا وولدا». قال «أبو عبيد»: فالذي كره «عمر» أن يتعوذ منه: الفتنة بالأهل والمال، ولم ينه عن التعوذ من الفتن التي تموج موج البحر. وقوله: «الضفاطة»: يعني ضعف الرأي والجهل، يقال منه: رجل ضفيط.
حديث «النبي» -ﷺ- أنه لما فتح «مكة». قال: «لا تغزى»قريش«بعدها». قال «أبو عبيد»: إنما وجه هذا عندنا أنه يقول: لا تكفر «قريش» بعد هذا حتى تغزى على الكفر. ومنه الحديث الآخر: «لا يقتل قرشى صبرا». قال «أبو عبيد»: ليس معناه -والله أعلم- أنه نهى أن يقتل إذا استوجب القتل. وما كانت «قريش» وغيرهم في الحق عنده إلا سواء. ولكن وجهه، إنما هو على الخبر، أنه لا يرتد قرشي، فيقتل صبرا على الكفر.
حديث النبى -ﷺ-: أن رجلا، قال: يا رسول الله! إنى أعمل العمل أسره، فإذا اطلع عليه سرنى، فقال:لك أجران أجر السر وأجر العلانية .. قال «عبد الرحمن ين مهدى»«: وجهه عندى أنه إنما يسر إذا اطلع عليه، ليستن به من بعده.
قال»أبو عبيدة«: يعنى أنه ليس يسر به؛ ليزكى، ويثنى عليه خير، وليس للحديث عندى وجه إلا ما قال»عبد الرحمن«؛ لأن الآثار كلها تصدقه ومن ذلك الحديث المرفوع:»من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها" .. أفلست ترى أن الأحر الثانى إنما لحقه بأن عمل بسنته. ومما يوضح ذلك حديث آخر: أن رجلا قام من الليل يصلى، فرآه جار له، فقام يصلى، فغفر للأول [يعنى] لأن هذا استن به.
وقد حمل بعض الناس هذا الحديث على أنه إنما يؤجر الأحر الثانى؛ لأنه يفرح بالتزكية والمدح. وهذا من شر ما جمل عليه الحديث؛ ألا ترى أن الأحاديث كلها إنما جاءت بالكراهة لأن يزكى الرجل فى وجهه؟
حديث «عمر بن عبد العزيز»: «لا يتزوج من الموالى فى العرب إلا الأشر البطر، ولا يتزوج من العرب فى الموالى إلا الطمع الطبع».
حديث النبى -ﷺ-: «يأتى على الناس زمان (١٢٩) يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع. [و] خير الناس يومئذ مؤمن بين كريمين».
قوله: بين كريمين، قد أكثر الناس فيه، فمن قائل يقولك: بين الحج والجهاد. وقائل يقول: بين فرسين يغزو عليهما. وآخر، يقول: بين فرسين يغزو عليهما. وآخر، يقول: بين بعيرين يستقى عليهما، ويعتزل أمر الناس. وكل هذا له وجه حسن. قال «أبو عبيد»: ولكنى لم أحد أول الحديث يدل على هذا. ألاا تراه يقول: «يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع» وهو عند العرب: العيد أو اللئيم. قال «أبو عبيد»: ولكنى أرى وجهه: بين أبوين مؤمنين -كريمين، فيكون قد اجتمع له الإيمان والكرم فيه وفى أبويه.ومما يصدق هذا: الحديث الآخر أنه قال: وأن تلد الأمة ربتها
قال عن حديث : كل الصيد في جوف الفرا : وإنما مذهب هذا الحديث إنه أراد -ﷺ- أن يتألفه بهذا الكلام، وكان من المؤلفة قلوبهم. [أي أبو سفيان]
قول «عمر» [رضى الله عنه] فى بيعة «أبى بكر»: «إنها كانت فلتة، فوقى الله شرها». إنما معناه: البغتة، وإنما عوجل بها مبادرة انتشار الأمر والشقاق حتى لا يطمع فيها من ليس لها بموضع، فكانت تلك الفلتة هى التى وقى الله بها الشر المخوف
حديث النبي -ﷺ- أن رجلين اختصما إليه فى مواريث، وأشياء قد درست. فقال -ﷺ-: «لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار».فقال كل واحد من الرجلين: يا رسول الله! حقى هذا لصاحبى. فقال: «لا». ولكن اذهبا، فتوخيا، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه".
عن «عمر» [﵀] قال: «تعلموا اللحن، والفرائض، والسنن كما تعلمون القرآن». ومنه حديث «أبى العالية»: «كنت أطوف مع»ابن عباس«وهو يعلمنى لحن الكلام». وإنما سماه لحنا؛ لأنه إذا بصره الصواب (١٣٤) فقد بصره اللحن.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم «عليكم بالصوم؛ فإنه محسمة للعرق، ومذهبة للأشر».
جاء رجلٌ إلى «عمر بن عبد العزيز» من «قريش» يكلمه فى حاجة له، فجعل يمتُّ بقرابته، فقال [له] «عمر»: «فإن ذاك».
ثم ذكر له حاجته، فقال [له]: «لعلَّ ذاك». لم يزده على أن قال: «فإنّ ذاك» و«لعل ذاك». أى أنّ ذاك كما قلت، ولعلَّ حاجتك أن تقضى.
قال في حديث من كره لقاء الله .. : وقال [-سبحانه-]: «ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم».فهذا الدليل على أن الكراهة- للقاء الله- تبارك وتعالى- ليس بكراهة الموت، إنما هو الكراهة للنقلة عن الدنيا إلى الآخرة، ومخافة العقوبة لما قدمت أيديهم. وقد جاء بيان ذلك فى حديث. قال «أبو عبيد»: أفلا ترى أن الموت غير اللقاء. وإنما وقعت الكراهة على اللقاء دون الموت.
قوله: شهر الله المحرم، أراه قد نسبه إلى الله تبارك وتعالى- قد علمنا أن الشهور كلها لله- جل ثناوه-، ولكنه إنما ينسب إليه- تبارك وتعالى- كل شئ يعظم ويشرف. وكان «سفيان بن عيينة» يقول: إن قول اله- تبارك وتعالى-: } واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن الله خمسه ﴿.وقوله [-﷿-]:﴾ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول {فنسب المغنم والفئ إلى نفسه، وذلك أنهما أشرف الكسب، إنما هما بمجاهدة العدو. ولم يذكر ذلك عند الصدقة فى قوله: } إنما الصدقات للفقراء والمساكين {. ولم يقل: لله وللفقراء، لأن الصدقة أوساخ الناس، واكتسابها مكروه إلا للمضطر إليها.
حديث النبى- ﷺ-: «إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه».
قال «أبو عبيد»: وقد جاء فى هذا الحديث الرخصة عن النبى -ﷺ- فى التمنى، وهو فى التنزيل نهى، قال الله -تبارك وتعالى-: «ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض». ولكل وجه غير وجه صاحبه.
فأما التمنى المنهى عنه، فأن يتمنى الرجل مال غيره أن يكون ذلك له، ويكون ذاك خارجا منه على جهة الحسد من هذا له، والبغى عليه. وقد روى فى بعض الحديث ما يبين هذا. عن «ميمون بن مهران» قال: مكتوب فى الحكمة، أو قال: فيما أنزل الله [﷿] على «موسى» [عليه السلام]: «ألا تتمنى مال جارك، ولا امرأة جارك». فهذا المكروه الذى فسرناه.
وأما المباح، فأن يسأل الرجل رب أمنيته من أمر دنياه وآخرته.قال «أبو عبيد»: فجعل التمنى هاهنا المسألة، وهى الأمنية التى أذن فيها، لأن القائل إذا قال: ليت الله يرزقنى كذا وكذا، فقد تمنى ذلك الشئ أن يكون له، ألا تراه يقول- تبارك وتعالى-: ﴿واسألوا الله من فضله﴾.وهو تأويل الحديث الذى فيه الرخصة.
حديث النبي -ﷺ-: «تمسحوا بالأض، فإنها بكم برة». قوله: «تمسحوا بها»، يعنى: الصلاة عليها والسجود. يقول: أن تباشرها بنفسك فى الصلاة من غير أن يكون بينك وبينها شيء تصلى عليه. وإنما هذا عندنا على وجه البر، ليس على أن من ترك ذلك كان تاركا للسنة.
وقد روى عن النبي -ﷺ- وغيره من أصحابه [-رحمهم الله-] أنه كان يسجد على الخمرة. فهذا هو الرخصة، وذاك على وجه الفضل.
وأما قوله: «فإنها بكم برة»، يعنى أنه منها خلقهم، وفيها معايشهم، وهى بعد الموت كفاتهم . فهذا وأشباه له كثيرة من بر الأرض بالناس.
إنّ شرخ الّشباب والشّعر الأسـ … ود ما لم يعاص كان جنوبا
قوله: «فى معى واحد»، نرى ذلك -والله أعلم- لتسمية المؤمن عند طعامه، فتكون فيه البركة، وأن الكافر لا يفعل ذلك.
ويرون أن وجه [هذا] الحديث -والله أعلم- أنه [إنما] كان هذا خاصا لرجل بعينه كان يكثر الأكل قبل إسلامه، ثم أسلم، فنقص ذلك [منه]. فذكر ذلك للنبى -ﷺ-، فقال [فيه]: هذه المقالة. قال «أبو عبيد»: ولا نعلم للحديث وجها غير هذا؛ لأنك قد ترى من المسلمين من يكثر أكله، ومن الكفار من يقل ذلك (١٨٤) منه. وحديث النبى -ﷺ- لا خلف له، فلهذا وجه على هذا الوجه. وقد روى عن «عمر» -رضى الله عنه- أنه كان يأكل الاع من التمر، فأى المؤمنين كان له كإيمان «عمر» -﵀ عليه-.
زيد بن أسلم عن النبى -صل الله عليه وسلم-: أنه لما خرج إلى «مكة» عرض له رجل، فقال: «إن كنت تريد النساء البيض والنوق الأدم فعليك»ببنى مدلج" فقال: «إن الله منع منى»بنى مدلج«بصلتهم الرحم، وطعنهم فى ألباب الإبل».وبعضهم يرويه: «لباب الإبل». والذى يراد من الحديث أن الإحسان والصلة يدفعان السوء والمكروه
عن «الزبير ابن عدى» قال: أسلم «دهقان» على عهد «على» [-﵀-] فقال له: «إن أقمت في أرضك رفعنا الجزية عن رأسك، وأخذناها من أرضك، وإن تحولت، فنحن أحق بها». فهذا وجه حديث النبي - ﷺ - في الجزية. وإنما احتاج الناس إلى هذه الأحاديث فى زمن «بنى أمية»؛ لأنه يروى عنهم أن الرجل من أهل الذمة من أهل السواد، كان يسلم، فلا يسقطون الجزية عن الرأس، ويأخذونها منه مع الجزية من أرضه، وكان «الحجاج» يحتج فيه، ويقول: إنما هم فينا وعبيدنا، فإذا أسلم عبد الرجل، فهل يسقط عنه الإسلام الضريبة؟ وكان «خالد بن عبد الله [القسرى]» يخطب به فيما يحكى عنه على المنبر، ولهذا استجاز من استجاز من القراء الخروج عليهم مع «ابن الأشعث».
وقوله: "وينتصر من وراء الحجزة: فإن الحجزة الرجال الذين يحجزون بين الناس، ويمنعون بعضهم من بعض. يقول: فهذا إن ظلم بظلامة كان لظالمه من يمنعه من هذا. فإن عند هذا من المنعة والعز، ما ينتصر من ظالمه، وإن كان أولئك قد حجزوه عنه حتى يستوفى حقه. وفى هذا الحديث أن النبى -ﷺ- حمده على دفع الظلم عن نفسه، وترك الاستخذاء فى ذلك. وفى التنزيل ما يصدق هذا، قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون﴾.وعن «إبراهيم» فى هذه الآية، قال: كانوا يكرهون أن يستذلوا.
حديث النبى -ﷺ-: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا جادا». وهذا مثل حديثه: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما». ومثل حديثه: «إذا مر أحدكم بالسهام، فليمسك بنصالها». ومثل حديثه: «أنه مر بقوم يتعاطفون سيفا، فنهاهم عنه». وكل هذا كراهة لروعة المسلم، وإدخال الأذى عليه، وإن كان الآخر لا يريد قتله، ولا جرحه.
وأما الشعر، فإنه سماه نفثا، لأنه كالشئ ينفثه الإنسان من فيه، مثل الرقية ونحوها. وليس معناه إلا الشعر الذى كان المشركون يقولونه فى النبى -ﷺ- وأصحابه، لأنه قد رويت عنه رخصة الشعر من غير ذلك الذى قيل فيه وفى أصحابه.
حديث النبي-ﷺ-: «لا صروة في الإسلام». الصرورة في هذا الحديث: هو التبتل وترك النكاح. يقول: ليس ينبغي لأحد أن يقول: لا أتزوج. [يقول]: ليس هذا من أخلاق المسلمين
--
قال أبو عبيد: ومنه قول الحسن بن علىِّ [-رضى الله عنهما-]: "إنَّ عليَّا أراد أمرًا، فتتايعت عليه الأمور، فلم يجد منزعًا": يعنى فى أمر الجمل. .. تتايعت : تتابعت وتهافتت ، ولم يسمع في غير الشر
قال [أبو عبيد]: وحدَّثنا أبو النَّضر، عن اللَّيث بن سعد، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عامر بن سعد، أنَّ النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-مرَّ بناس يتجاذون مهراسًا، فقال: "أتحسبون الشِّدَّة فى حمل الحجارة؟ إنَّما الشِّدَّة أن يمتلئ أحدكم غيظًا، ثمَّ يغلبه".
أضفته عندي فهو الضيف وضفته أنا الضيف
لا صفر : دواب البطن ولم يقل أنه من الشهور إلا أبو عبيدة والوجه هو الأول
الحديث المقتضب المقتطع المنتزع
قال أبو عبيد فى حديث النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- حين قال لعائشة، وسمعها تدعو على سارق سرقها، فقال: "لا تسبِّخى عنه بدعائك عليه".قال الأصمعى: [لا تسبِّخى] يقول: لا تخفِّفى عنه بدعائك عليه. وهذا مثل الحديث الآخر: "من دعا على من ظلمه، فقد انتصر".
"لأن يمتلىَّ جوف أحدكم قيحًا حتَّى يريه خير له من أن يمتلئ شعرًا".يعنى من الشعر الذى [قد] هجى به النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-. قال أبو عبيد: والذى عندى فى هذا الحديث غير هذا القول؛ لأنَّ الذى هجى به النَّبىِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لو كان شطر بيت لكان كفرًا، فكأنَّه إذا حمل وجه الحديث على امَّتلاء القلب منه، أنَّه قد رخص فى القليل منه. ولكن وجهه عندى أن يمتلئ قلبه [من الشِّعر] حتى يغلب عليه، فيشغله عن القرآن، وعن ذكر الله، فيكون الغالب عليه من أىِّ الشِّعر كان.
فأما إذا كان القرآن والعلم الغالب عليه، فليس جوف هذا عندنا ممتلئا من الشعر.
الصواب أبو الأسود الديلي وقال الكسائي الدؤلي
قيل لبن الخس : لم زنيت وأنت سيدة نساء قومك ؟
قالت : قرب الوساد و طول السِواد
اجعله لنا فرطا : أجرا متقدما
حَقو
قول "عمر": "من زافت عليه دراهمه، فليأت به السُّوق، فليقل: من يبيعنى بها سحق ثوب أو كذا وكذا؟ ولا يخالف النَّاس عليها أنَّها جياد".
قال أبو عبيد: وسمعت غير واحد من "أهل اليمن" يقول: السَّهوّة عندنا بيت صغير منحدر فى الأرض، وسمكه مرتفع من الأرض شبيه بالخزانة الصَّغيرة يكون فيه المتاع. [قال أبو عبيد: وقول "أهل اليمن" عندى أشبه ما قيل فى السَّهوة قلت فاحتج بكلام رجل بعد . قال غيره: والحلوان أيضًا أن يأخذ الرَّجل من مهر ابنته لنفسه، قال: وهذا عار عند العرب، قالت امرأة تمدح زوجها:
لا يأخذ الحلوان من بناتيا ...
قَالَ: إِذا نسبوا إِلَى الحبط حبطي وإلي سَلمَة سلمى وإلي شقرة شقري وَذَلِكَ أَنهم كَرهُوا كَثْرَة الكسرات ففتحوا.
الخموش هي الخدوش
الصَّدَقَة لَا تحل لمن لَهُ خَمْسُونَ درهما أَو نَحْوهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا يعْطى من زَكَاة وَلَا غَيرهَا من الصَّدَقَة خَاصَّة.
وَقَالَ [أَبُو عُبَيْد -] : فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: من سَأَلَ وَله أوقيه فقد سَأَلَ النَّاس إلحافًا. قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْأُوقِيَّة أَرْبَعُونَ درهما فهذان الحديثان أصل لمن تحل لَهُ الصَّدَقَة وَلمن لَا تحل لَهُ الصَّدَقَة.
والأوقية أربعون درهما
يُقَال من الْخِيَانَة: أغل يُغِلّ وَمن الغِل: غل يغل وَمن الْغلُول: غَلّ يَغُلّ - بِضَم الْغَيْن
المناقشة الاستقصاء في الحساب "من نوقش الحساب عذب"
قَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الْفَدادِين - مُخَفّفَة وَاحِدهَا فدان - مُشَدّدَة وَهِي الْبَقَرَة الَّتِي يحرث بهَا يَقُول: إِن أَهلهَا أهل قسوة وجفاء لبعدهم من الْأَمْصَار وَالنَّاس. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أرى أَبَا عَمْرو يحفظ هَذَا وَلَيْسَ الْفَدادِين من هَذَا فِي شَيْء وَلَا كَانَت الْعَرَب تعرفها إِنَّمَا هَذِه للروم وَأهل الشَّام وَإِنَّمَا افتتحت الشَّام بعد النَّبِيّ صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم وَلَكنهُمْ الفدادون - بِالتَّشْدِيدِ - وهم الرِّجَال واحدهم فداد. قَالَ الْأَصْمَعِي: هُمُ الَّذين تعلو أَصْوَاتهم فِي حروثهم وَأَمْوَالهمْ ومواشيهم وَمَا يعالجون مِنْهَا
فِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كتب لِوَائِل بْن حجر الْحَضْرَمِيّ وَقَومه: من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى الْأَقْيَال العباهلة من أهل حَضرمَوْت بإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة على التيعة شَاة والتيمة لصَاحِبهَا وَفِي السُّيُوب الْخمس لَا خِلاط وَلَا وِراط وَلَا شِناق وَلَا شِغار وَمن أجبي فقد أربى وكل مُسكر حرَام. الْأَقْيَال مُلُوك بِالْيمن دون الْملك الْأَعْظَم واحدهم قيل يكون ملكا على قومه ومخلافه ومحجره والعباهلة الَّذين قد أقرُّوا على ملكهم لَا يزالون عَنْهُ وَكَذَلِكَ كل شَيْء أهملته فَكَانَ مهملا لَا يمْنَع مِمَّا يُرِيد وَلَا يضْرب على يَدَيْهِ فَهُوَ معبهل
قَوْله: فِي التيعة شَاة فان التيعة الْأَرْبَعُونَ من الْغنم والتيمة يُقَال إِنَّهَا الشَّاة الزَّائِدَة على الْأَرْبَعين حَتَّى تبلغ الْفَرِيضَة الْأُخْرَى
والسيوب الرِّكَاز
الخلاط إِذا كَانَ بَين الخليطين عشرُون وَمِائَة شَاة ..
والوراط الخديعة والغش
وَقَوله: لَا شناق فَإِن الشنق مَا بَين الفريضتين
وَقَوله: من أجبي فقد أربي الإجباء بيع الْحَرْث قبل أَن يَبْدُو صَلَاحه.
معاذ بْن عفراء أَن عُمَر بعث إِلَيْهِ بحلة فَبَاعَهَا وَاشْترى بهَا خَمْسَة أرؤس من الرَّقِيق فَأعْتقهُمْ ثُمَّ قَالَ: إِن رجلا آثر قشرتين يَلْبسهُمَا على عتق هَؤُلَاءِ لغبين الرَّأْي
وَقَوله: حَتَّى تذْهب فَحْمَة الْعشَاء - يَعْنِي شدَّة سَواد اللَّيْل وظلمته وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي أَوله حَتَّى إِذا سكن فوره قَلَّت الظلمَة.
عَن أبي حَازِم أَنه قَالَ: لَيْسَ لملول صديق وَلَا لحسود غِنىً وَالنَّظَر فِي العواقب تلقيح للعقول.
الصَّابِئ عِنْد الْعَرَب الَّذِي قد خرج من دين إِلَى دين يَقُول: [قد -] صَبَأت فِي الدَّين - إِذا خرجت مِنْهُ وَدخلت فِي غَيره وَلِهَذَا كَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ للرجل إِذا أسلم فِي زمَان النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام: قد صَبأ فلَان وَلَا أَظن الصابئين سموا إِلَّا من هَذَا لأَنهم فارقوا دين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَخَرجُوا مِنْهُمَا إِلَى دين ثَالِث
غمر : بكسر الغين السخيمة في القلب ، وبالضم الجاهل ، وبالفتح الماء الكثير
الصعلوك : الفقير
فصبرت عارفة لذلك حرة
ترسو إذا نفس الجبان تطلع
زعم بعض النَّاس أَنه إِنَّمَا هُوَ: وَلَا ينفع ذَا الجِد مِنْك الجِد - بِكَسْر الْجِيم والجِد إِنَّمَا هُوَ الِاجْتِهَاد بِالْعَمَلِ وَهَذَا التَّأْوِيل خلاف مَا دَعَا اللَّه [عز وَجل -] إِلَيْهِ الْمُؤمنِينَ ووصفهم بِهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوْا مِنَ الطَّيَّبَاتِ وَاعْمَلُوْا صَالِحا} فقد أَمرهم بالجِد وَالْعَمَل الصَّالح وَقَالَ {إنَّ الَّذَيْنَ آمَنُوْا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إنَّا لَا نُضِيعُ أجْرَ مَنْ اَحْسَنَ عَمَلا} وَقَالَ {قَدْ اَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هم فِي صلَاتهم خَاشِعُوْنَ} إِلَى آخر الْآيَات وَقَالَ {جَزَاءٍ بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ} فِي آيَات كَثِيرَة فَكيف يحثهم على الْعَمَل وينعتهم بِهِ ويحمدهم عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُول: إِنَّه لَا يَنْفَعهُمْ.
الموص كالشوص وهو الغسل
وَكَيف لَا يُحتبس [الْوَحْي -] وَأَنْتُم لَا تُقَلَّمون أظفاركم وَلَا تقصون شوارِبَكم وَلَا تنقون براجِمَكم.
قلت : كذلك شأن الملائكة في حبهم للطهارة والنظافة عكس الشياطين
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَكَذَا روى الحَدِيث وَهُوَ جَائِز فِي كَلَام الْعَرَب وَإِن كَانَ المكن للضباب أَي يَجْعَل للطير تَشْبِيها بذلك الْكَلِمَة تستعار فتوضع فِي غير موضعهَا وَمثله كثير فِي كَلَام الْعَرَب كَقَوْلِهِم: مَشافر الْحَبَش وَإِنَّمَا المشافر لِلْإِبِلِ وكقول زُهَيْر يصف الْأسد: [الطَّوِيل] لَهُ لبد أَظْفَاره لم تقلّمِ
قال حدثنا ابن علية عن ليث عن طاووس : أقرأ الناس للقرآن أخشاهم لله
شُعْبَة قال نهاني أَيُّوب أَن أتحدث بِهَذَا الْحَرْف: زَينُوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا كره أَيُّوب ذَلِك مَخَافَة أَن يتَأَوَّل على غير وَجهه
والتعفير فِي غير هَذَا أَيْضا يُقَال للوحشية: هِيَ تعفر وَلَدهَا وَذَلِكَ إِذا أَرَادَت فطامه قطعت عَنهُ الرَّضَاع يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ فَإِن خَافت أَن يضرّهُ ذَلِك ردته إِلَى الرَّضَاع أَيَّامًا ثمَّ أعادته إِلَى الْفِطَام تفعل ذَلِك مَرَّات حَتَّى يسْتَمر عَلَيْهِ
وَالْأَصْل فِيهِ أَن يسْبق الرجل صَاحبه بِشَيْء مُسَمّى على أَنه إِن سبق لم يكن لَهُ شَيْء وَإِن سبقه صَاحبه أَخذ الرَّهْن فَهَذَا هُوَ الْحَلَال لِأَن الرَّهْن إِنَّمَا هُوَ من أَحدهمَا دون الآخر فَإِن جعل كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه رهنا أَيهمَا سبق أَخذه فَهَذَا الْقمَار الْمنْهِي عَنهُ فَإِن أَرَادَا أَن يدخلا بَينهمَا شَيْئا ليحل لكل وَاحِد مِنْهُمَا رهن صَاحبه جعلا بَينهمَا فرسا ثَالِثا لرجل سواهُمَا وَهُوَ الَّذِي ذكرنَا فِي أول الحَدِيث: من أَدخل فرسا بَين فرسين وَهُوَ الَّذِي يُسمى الْمُحَلّل وَيُسمى الدخيل فَيَضَع الرّجلَانِ الْأَوَّلَانِ رهنين مِنْهُمَا وَلَا يضع الثَّالِث شَيْئا ثمَّ يرسلون الأفراس الثَّلَاثَة فَإِن سبق أحد الْأَوَّلين أَخذ رَهنه وَرهن صَاحبه وَكَانَ طيبا لَهُ وَإِن سبق الدخيل [وَلم يسْبق وَاحِد من هذَيْن أَخذ -] الرهنين جَمِيعًا وَإِن سُبِق هُوَ لم يكن عَلَيْهِ شَيْء فَمَعْنَى قَوْله: إِن كَانَ لَا يُؤمن [أَن يسْبق فَلَا بَأْس بِهِ يَقُول: إِذا كَانَ رَابِعا -] جوادًا لَا يأمنان أَن يسبقهما فَيذْهب بالرهنين [فَهَذَا طيب لَا بَأْس بِهِ وَإِن كَانَ بليدا بطيا قد أمنا -] أَن يسبقهما فَهَذَا قمار لِأَنَّهَا كَأَنَّهُمَا لم يدخلا [بَينهمَا شَيْئا أَو كَأَنَّهُمَا إِنَّمَا أدخلا حمارا أَو مَا أشبه ذَلِك -] مِمَّا لَا يسْبق.
وإن كان بليدا بطيئا قد أمنا أن يسبقهما فهذا قمار لأنهما كأنهما لم يدخلا بينهما شيئا
قَالَ أَبُو عبيد فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا تسبوا الدَّهْر فَإِن اللَّه هُوَ الدَّهْر. / ب قَوْله: / فَإِن اللَّه هُوَ الدَّهْر وَهَذَا لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْإِسْلَام أَن يجهل وَجهه. وَذَلِكَ أَن أهل التعطيل يحتجون بِهِ على الْمُسلمين [قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: - وَقد رَأَيْت بعض من يتهم بالزندقة والدهرية يحْتَج بِهَذَا الحَدِيث وَيَقُول: أَلا ترَاهُ يَقُول: فَإِن اللَّه هُوَ الدَّهْر فَقلت: وَهل كَانَ أحد يسب اللَّه فِي آباد الدَّهْر وَقد قَالَ الْأَعْشَى فِي الْجَاهِلِيَّة الجهلاء:
اسْتَأْثر اللَّه بِالْوَفَاءِ وبال ... حمد وَولي الْمَلَامَة الرجُلاَ
وَإِنَّمَا تَأْوِيله عِنْدِي وَالله أعلم أَن الْعَرَب كَانَ شَأْنهَا أَن تذم الدَّهْر وتسبه عِنْد المصائب الَّتِي تنزل بهم من موت أَو هرم أَو تلف مَال أَو غير ذَلِك فَيَقُولُونَ: أَصَابَتْهُم قوارع الدَّهْر وأبادهم الدَّهْر وأتى عَلَيْهِم الدَّهْر فيجعلونه الَّذِي يفعل ذَلِك فيذمونه عَلَيْهِ
وَقد أخبر اللَّه تَعَالَى بذلك عَنْهُم فِي كِتَابه [الْكَرِيم -] ثمَّ كذّبهم بقَوْلهمْ فَقَالَ {وَقَالُوْا مَا هِيَ إلاَ حَيَاتُنَا الدُنْيَا نَمُوْتُ وَنْحَيا وَمَا يُهْلِكُنَا إلاَّ الدَّهْرُ} قَالَ اللَّه عز وَجل {ومَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّوْنَ} فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا تسبّوا الدَّهْر على تَأْوِيل لَا تسبوا الَّذِي يفعل بكم هَذِه الْأَشْيَاء ويصيبكم بِهَذِهِ المصائب فَإِنَّكُم إِذا سببتم فاعلها فَإِنَّمَا يَقع السب على اللَّه تَعَالَى لِأَنَّهُ عز وَجل هُوَ الْفَاعِل لَهَا لَا الدَّهْر فَهَذَا وَجه الحَدِيث إِن شَاءَ الله
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا ذُكرت السبتية لِأَن أَكْثَرهم فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ يلبسهَا غير مدبوغة إِلَّا أهل السعَة مِنْهُم والشرف لأَنهم كَانُوا لَا يحسنون الدبغ وَلَا يلبسهَا إِلَّا أهل الْجدّة مِنْهُم كَانُوا يشترونها من الْيمن والطائف وَنَحْو هَذَا قَالَ عنترة [يمدح رجلا -] :
بَطل كَأَن ثِيَابه فِي سرحة ... يُحذَى نِعالُ السِبتِ لَيْس بتوأمِ
قَالَ أبو عبيد سمعت أبا يوسف يحدثه عن ليث عن عثمان بن عمير عن زاذان عن عابس الغفاري قال : أن رسول الله ذكر أشراط الساعة فقال : بيع الحكم ، وقطيعة الرحم ، والاستخفا بالدم ، وكثرة الشرط وأن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم وليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء
فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي خطبَته: إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق [اللَّه -] السَّمَاوَات وَالْأَرْض السّنة اثْنَا عشر شهرا مِنْهَا أَرْبَعَة حرم: ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب مُضر الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان. قَوْله: إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق [اللَّه -] السَّمَاوَات وَالْأَرْض يُقَال: إِن بَدْء ذَلِك [كَانَ -] وَالله أعلم إِن الْعَرَب كَانَت تحرم هَذِه الْأَشْهر الْأَرْبَعَة وَكَانَ هَذَا مِمَّا تمسكت بِهِ من مِلَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وعَلى نَبينَا فَرُبمَا احتاجوا إِلَى تَحْلِيل الْمحرم للحرب تكون بَينهم فيكرهون أَن يستحلوه ويكرهون تَأْخِير حربهم فيؤخرون تَحْرِيم الْمحرم إِلَى صفر فيحرمونه ويستحلون الْمحرم. وَهَذَا هُوَ النسيء الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضلُّ بِهِ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا يُحِلُّوْنَهُ عَاماً وَّيُحَرَّمُوْنَهُ عَاماً} إِلَى آخر الْآيَة وَكَانَ ذَلِك فِي كنَانَة هم الَّذين كَانُوا ينسئون الشُّهُور على الْعَرَب والنسيء هُوَ التَّأْخِير وَمِنْه قيل: بِعْت الشَّيْء نَسِيئَة فَكَانُوا يمكثون بذلك زَمَانا يحرمُونَ صفر وهم يُرِيدُونَ بِهِ الْمحرم وَيَقُولُونَ: هَذَا أحد الصفرين [قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ -]
وَقد تَأَول بعض النَّاس قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَا صفر على هَذَا ثمَّ يَحْتَاجُونَ أَيْضا إِلَى تَأْخِير صفر إِلَى الشَّهْر الَّذِي بعده كحاجتهم إِلَى تَأْخِير الْمحرم فيؤخرون تَحْرِيمه إِلَى ربيع ثمَّ يمكثون بذلك مَا شَاءَ اللَّه ثمَّ يَحْتَاجُونَ إِلَى مثله ثمَّ كَذَلِك [فَكَذَلِك حَتَّى -] يتدافع شهر بعد شهر حَتَّى اسْتَدَارَ التَّحْرِيم على السّنة كلهَا فَقَامَ الْإِسْلَام وَقد رَجَعَ الْمحرم إِلَى مَوْضِعه الَّذِي وَضعه اللَّه [تبَارك وَتَعَالَى -] بِهِ وَذَلِكَ بعد دهر طَوِيل فَذَلِك قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق [اللَّه -] السَّمَاوَات وَالْأَرْض يَقُول: رجعت الْأَشْهر الْحرم إِلَى موَاضعهَا وَبَطل النسيء وَقد زعم بعض النَّاس أَنهم كَانُوا يسْتَحلُّونَ الْمحرم عَاما فَإِذا كَانَ من قَابل ردُّوهُ إِلَى تَحْرِيمه وَالتَّفْسِير الأول أحب إليّ لقَوْل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق [اللَّه -] السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَيْسَ فِي التَّفْسِير الآخر استدارة وعَلى هَذَا التَّفْسِير [الَّذِي فسرناه -] قد / يكون قَوْله {يُحِلُّونَهُ عَامًا ويحرمونه عَاما} / الف مُصدقا لأَنهم إِذا حرمُوا الْعَام الْمحرم وَفِي قَابل صفر ثمَّ احتاجوا بعد ذَلِك إِلَى تَحْلِيل صفر [أَيْضا -] أحلوه وحرموا الَّذِي بعده. فَهَذَا تَأْوِيل قَوْله فِي هَذَا التَّفْسِير {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما} . قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَفِي هَذَا تَفْسِير آخر يُقَال: إِنَّه فِي الْحَج عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى {وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجَّ} قَالَ: قد اسْتَقر الْحَج فِي ذِي الْحجَّة لَا جِدَال فِيهِ وعَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة يحجون عَاميْنِ فِي [ذِي - الْقعدَة وعامين فِي ذِي الْحجَّة فَلَمَّا كَانَت السّنة الَّتِي حج أَبُو بكر فِيهَا قبل حجَّة النَّبِيّ صلي الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ الْحَج فِي السّنة الثَّانِيَة فِي ذِي الْقعدَة فَلَمَّا كَانَت السّنة الَّتِي حج فِيهَا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْعَام الْمقبل عَاد الْحَج إِلَى ذِي الْحجَّة فَذَلِك قَوْله: إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق [اللَّه -] السَّمَاوَات وَالْأَرْض يَقُول: قد ثَبت الْحَج فِي ذِي الْحجَّة.
وَيذْهب كثير من النَّاس فِي هَذَا إِلَى الْأَنْصَار يَقُول: هم نصروا الْإِيمَان وهم يَمَانِية فنسب الْإِيمَان إِلَيْهِم على هَذَا الْمَعْنى. وَهُوَ أحسن الْوُجُوه عِنْدِي [قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ -] : وَمِمَّا يبين ذَلِك أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لما قدم [أهل -] الْيمن قَالَ: أَتَاكُم أهل الْيمن هم أَلين قلوبا وأرق أَفْئِدَة الْإِيمَان يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية وهم أنصار النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَمِنْه أَيْضا قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرأ من الْأَنْصَار.
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه / فتناولته واتقتنا باليد .. من شعر النابغة
قَوْله: وَالْكَلب الْعَقُور بَلغنِي عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَة أرَاهُ قَالَ: كل سبع يعقر وَلم يخص بِهِ الْكَلْب قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ عِنْدِي مَذْهَب إِلَّا مَا قَالَ سُفْيَان لما رخص الْفُقَهَاء فِيهِ من قتل الْمحرم السَّبع العادي عَلَيْهِ وَمثل قَول الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم: من حل بك فاحلل بِهِ يَقُول: إِن الْمحرم لَا يقتل فَمن عرض لَك فَحل بك فَكُن أَنْت أَيْضا بِهِ حَلَالا فكأنهم إِنَّمَا اتبعُوا هَذَا الحَدِيث فِي الْكَلْب الْعَقُور
قَالَ أَبُو عبيد: فِي حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ. كَانَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة يَقُول: مَعْنَاهُ من لم يسْتَغْن بِهِ وَلَا يذهب بِهِ إِلَى الصَّوْت وَلَيْسَ للْحَدِيث عِنْدِي وَجه غير هَذَا لِأَنَّهُ فِي حَدِيث آخر كَأَنَّهُ مُفَسّر عَن [عبد الله -] بْن نَهيك أَو ابْن أبي نهيك أَنه دخل على سعد وَعِنْده مَتَاع رَثّ وَمِثَال رَثّ فَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ. قَالَ أَبُو عبيد: فَذكره رثاثة الْمَتَاع والمثال عِنْد هَذَا الحَدِيث يبينك أَنه إِنَّمَا أَرَادَ الِاسْتِغْنَاء بِالْمَالِ الْقَلِيل وَلَيْسَ الصَّوْت من هَذَا فِي شَيْء وَيبين ذَلِك حَدِيث عبد الله من قَرَأَ سُورَة آل عمرَان فَهُوَ غَنِي.
وَلَو كَانَ وَجهه كَمَا يتأوله بعض النَّاس أَنه الترجيع بِالْقِرَاءَةِ وَحسن الصَّوْت لكَانَتْ الْعقُوبَة قد عظمت فِي ترك ذَلِك أَن يكون: من لم يرجع صَوته بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ من النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ: لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَهَذَا لَا وَجه لَهُ وَمَعَ هَذَا أَنه كَلَام جَائِز فَاش فِي كَلَام الْعَرَب وأشعارهم أَن يَقُولُوا: تَغَنَّيْت تغَنِّيا وَتَغَانَيْت تَغَانِيًا يَعْنِي اسْتَغْنَيْت قَالَ الْأَعْشَى:
وَكنت امْرأ زَمنا [بالعراق ... عفيفَ المناخِ] طويلَ التغنْ
يُرِيد الِاسْتِغْنَاء أَو الْغنى وَقَالَ الْمُغيرَة بْن حبناء التَّمِيمِي يُعَاتب أَخا لَهُ:
كِلَانَا غنى عَن أَخِيه حَيَاته ... وَنحن إِذا متْنا أَشد تَغَانِيًا
قَوله: وماؤها شِفَاء للعين يُقَال: إِنَّه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن يُؤْخَذ مَاؤُهَا بحتا فيقطر فِي الْعين وَلكنه يخلط مَاؤُهَا بالأدوية الَّتِي تعالج بهَا الْعين فعلى هَذَا يُوَجه الحَدِيث.
الخمر من العنب والسَكَر نقيع التمر لا تمسه نار ، والبتع نبيذ العسل ، والجِعَة : نبيذ الشعير ، والمِزر : من الذر ، والفضيخ ما افتضخ من البسر من دون أن تمسه النار، المُنَصّف وَهُوَ أَن يطْبخ عصير الْعِنَب قبل أَن يغلي حَتَّى يذهب نصفه وَقد بَلغنِي انه كَانَ يسكر فان كَانَ يسكر فَهُوَ حرَام ، وَإِن طُبخ حَتَّى يذهب ثُلثاه وَيبقى الثُّلُث فَهُوَ الطلاء وَإِنَّمَا سمي بذلك لِأَنَّهُ شبه بطلاء الْإِبِل فِي ثخنه وسواده وَبَعض الْعَرَب يَجْعَل الطلاء الْخمر بِعَينهَا
وَمن الْأَشْرِبَة المَقِذىّ وَهُوَ شراب من أشربة أهل الشَّام وَزعم الْهَيْثَم بْن عدي أَن عبد الْملك بْن مَرْوَان كَانَ يشربه وَلست أَدْرِي من أَي شَيْء يعْمل غير أَنه يسكر.
وَقَوله: الْخَبيث المخبث فالخبيث هُوَ ذُو الْخبث فِي نَفسه والمخبث هُوَ الَّذِي أَصْحَابه وأعوانه خبثاء وَهُوَ مثل قَوْلهم: فلَان قوي مُقوٍ فالقوي فِي بدنه والمقوي أَن يكون دَابَّته قَوِيَّة - قَالَ ذَلِك الْأَحْمَر وَكَذَلِكَ قَوْلهم: هُوَ ضَعيف مُضعِف فالضعيف فِي بدنه والمضعف فِي دَابَّته وعَلى هَذَا كَلَام الْعَرَب. وَقد يكون أَيْضا المخبث أَن يخْبث غَيره - أَي يُعلمهُ الْخبث ويفسده.
أصَاب الأَرْض منقمس الثريا ... بساحية وأتبعها طلالا
أَرَادَ أَن الْمَطَر كَانَ عِنْد سُقُوط الثريا وَهُوَ منقمسها وَإِنَّمَا خص الثريا لِأَن الْعَرَب تَقول: لَيْسَ شَيْء من الأنواء أغزر من الثريا فَأبْطل الْإِسْلَام جَمِيع ذَلِك
إِنَّمَا أَمر الْوَاجِد لَهَا أَن يحفظ عفاصها ووكاءها ليَكُون ذَلِك عَلامَة للقطة فَإِن جَاءَ من يتعرفها بِتِلْكَ الصّفة دفعت إِلَيْهِ فَهَذِهِ سنة من رَسُول الله صلي اللَّه عَلَيْهِ وَسلم فِي اللّقطَة خَاصَّة لَا يشبهها شَيْء من الْأَحْكَام أَن صَاحبهَا يَسْتَحِقهَا بِلَا بَيِّنَة وَلَا يَمِين لَيْسَ إِلَّا بالمعرفة بصفتها.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَيْسَ هَذَا عندنَا فِيمَا يُوجد مِنْهَا عِنْد قرب الْأَمْصَار وَلَا الْقرى إِنَّمَا هَذَا إِن تُوجد فِي البراري والمفاوز الَّتِي لَيْسَ قربهَا أنيس لِأَن تِلْكَ الَّتِي تُوجد قرب الْقرى والأمصار لَعَلَّهَا تكون لأَهْلهَا قَالَ: فَهَذَا عِنْدِي أصل لكل شَيْء يخَاف عَلَيْهِ الْفساد مثل الطَّعَام والفاكهة مِمَّا إِن ترك فِي الأَرْض ولم يلتقط فسد أَنه لَا بَأْس بِأَخْذِهِ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَهَذَا من أعجب مَا يَجِيء فِي الْكَلَام أَن يُقَال للرجل: قد أوجب وللحسنة والسيئة: قد أوجبت وَهَذَا مثل قَوْلهم: قد تهيبني الشَّيْء وَقد تهيبت الشَّيْء بِمَعْنى وَاحِد