لا ينبغي أن يغتر بشهوته الجماع، فإن شهوته كالفجر الكاذب.
وقد رأينا شيخا اشترى جارية، فبات معها، فانقلب عنها ميتا.
اصلح لها فعل القاصد لحفظ دينه التقلل من الدنيا والاقتصاد على البلغه و اني رايت رجلين كان في بدايه امرهما على غاية ما يكون من الزود والصلاح وانكار المنكر فالح ا عليهما الفقر فداخلا السلطان بنوع تأويل وقبل منه حتى سمعت عنهما أنهما يستحلان قتل المسلمين بالتأويلات الفاسده وكلاهما اهلك عاجله
ولقد كنت اتجه في اموال السلاطين وابالغ حتى انه كان بعضها الولي ينفذ شيئا فلا اتناول منه ويحضرني عند فاصبر على العطش ولا اشرب عند الماء فالحه على الفقر والعائله فقبلت شرعيا وعرفت ذلك الرجل انه ينهى عن الظلم و لا يحبه فاخذت ثم احتجت تاكلت ووجدت على قلبي ظلمه لا اصرفها و ترامت بي الى انحرمت قيام الليل ودمعه العين وما زلت اتلاف امري واندم على ما كان مني حتى ذهبت العافيه في قلبي وبقيه اثار تلك الامور
متى خالطت صديقا فتغير عليك فاثبت له ولا تتغير عليه واعذره فانه ذو امزجه مختلفه وانت لا تثبت لنفسك على حال فكيف تطلب من غيرك الثبوت
اياك اياك ومخالطه الفساق فانك لو سمعت ان شريكا خان شريكه لم تعامله او طلق عده زوجات لمتزوج فكيف بمن خان اول منعم عليه
لما سبرت سير السلف تعلق قلبي بمحبه اقوام من هم الحسن والثوري واحمد ابراهيم ابن ادهم والفضيل وابشر ومعروف ورابعه ومن الهدي عمر ابن الخطاب وعمر بن عبد العزيز الا انه دقي نظري فما في هؤلاء الساده الا من اجد له حاله لو تركها كان او لا او ارى امرا قد قضاه صوره عنه لو فعله كان احسن منهم المشدده على نفسه الذي يحملها فوق مالا تطيق ومنهم ومنهم
فما رايت في الوجود سيره مخلوق قط تشبه سيره نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما ابقت محبته في قلبي موضعا لغيره
وإذا حصل بيدك شيء، فانفق بعضه، فبحفظ الباقي تحفظ شتات قلبك.
قال عن العرب :كانوا يعشقون، ولا يرون وطء المعشوق4، كما قال قائلهم:
إنما الحب قبلة ... وغمز كف وعضد
إنما العشق كذا ... إن نكح الحب فسد
يقولون: لو عاتبت قلبك لارعوى ... فقلت: وهل للعاشقين قلوب؟
لا تظهرن مودة لحبيب ... فترى بعينك منه كل عجيب
أظهرت يوما للحبيب مودتي ... فأخذت من هجرانه بنصيبي
أما المنكوح، فمداراة المستحسن يؤذي فوق كل أذى، ومقاساة المستقبح أشد أذى، فعليك بالتوسط.
قد كررت هذا المعنى في هذا الكتاب، وهو الأمر بحفظ السر، والحذر من الانبساط فيما لا يصلح بين يدي الناس
كن مقدرا للنفقة غير مبذر؛ فإن الحلال لا يحتمل السرف، ومتى أسرفت، احتجت إلى التعرض للخلق، والتناول من الأكدار.
كان ابن سمعون1 له ثياب يجلس فيها للناس، ثم يطويها إلى المجلس الآخر، ورثها عن أبيه، وبقيت أربعين سنة.
من الغلط العظيم أن يتكلم في حق معزول بما لا يصلح؛ فإنه لا يؤمن أن يلي فينتقم. وفي الجملة، لا ينبغي أن يظهر العداوة لأحد أصلا؛ فقد يرتفع المحتقر
من أعظم الضرر الداخل على الإنسان كثرة النساء.
إنه أولا يتشتت همه في محبتهن، ومداراتهن، وغيرتهن، والإنفاق عليهن
والعاقل من يقتصر على الواحدة، إذا وافقت غرضه، ولا بد أن يكون فيها شيء لا يوافق؛ إنما العمل على الغالب
وحدثني بعض أصحابنا عن حالة شاهدها من هذا الفن، قال: كان فلان له ولدان ذكران وبنت، وله ألف دينار مدفونة، فمرض مرضا شديدا، فاحتوشته5 أهله، فقال لأحد ابنيه: لا تبرح من عندي! فلما خلا به، قال له: إن أخاك مشغول باللعب بالطيور، وإن أختك لها زوج تركي، ومتى وصل من مالي إليهما شيء، أنفقوه في اللعب، وأنت على سيرتي وأخلاقي، ولي في الموضع الفلاني ألف دينار؛ فإذا أنا مت، فخذها وحدك، فاشتد بالرجل المرض، فمضى الولد، فأخذ المال، فعوفي الأب، فجعل يسأل الولد أن يرد المال إليه، فلا يفعل، فمرض الولد وأشفى1، فجعل الأب يتضرع إليه ويقول: ويحك! خصصتك بالمال دونهم، فتموت، فيذهب المال! ويحك! لا تفعل! فما زال به حتى أخبره بمكانه، فأخذه، ثم عوفي الولد، ومضت مدة، فمرض الأب، فاجتهد الولد أن يخبره بمكان المال وبالغ، فلم يخبره، ومات، وضاع المال، فسبحان من أعدم هؤلاء العقول والفهوم!
كان لنا أصدقاء وإخوان أعتد1 بهم؛ فرأيت منهم من الجفاء وترك شروط الصداقة والأخوة عجائب، فأخذت أعتب، ثم انتبهت لنفسي، فقلت: وما ينفع العتاب؛ فإنهم إن صلحوا، فللعتاب لا للصفاء؟! فهممت بمقاطعتهم! ثم تفكرت، فرأيت الناس بين معارف وأصدقاء في الظاهر، وإخوة مباطنين، فقلت: لا تصلح مقاطعتهم؛ إنما ينبغي أن تنقلهم من ديوان الأخوة إلى ديوان الصداقة الظاهرة، فإن لم يصلحوا لها، نقلتهم إلى جملة المعارف، وعاملتهم معاملة المعارف، ومن الغلط أن تعاتبهم، فقد قال يحيى بن معاذ2: بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له: اذكرني في دعائك.
متى رأيت صاحبك قد غضب، وأخذ يتكلم بما لا يصلح، فلا ينبغي أن تعقد على ما يقوله خنصرا1، ولا أن تؤاخذه به ..وهذه الحالة ينبغي أن يتلمحها الولد عند غضب الوالد، والزوجة عند غضب الزوج، فتتركه يشتفي بما يقول، ولا تعول على ذلك، فسيعود نادما معتذرا.
هذا آدم عليه السلام تباح له الجنة سوى شجرة، فلا يقع ذباب حرصه "12" إلا على العقر "13"، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول في المباح: "ما لي وللدنيا؟! " وهذا نوح عليه السلام يضج مما لاقى، فيصيح من كمد وجده: {لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} [نوح: 26] ، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم! اهد قومي، فإنهم لا يعلمون" 1.
994- هذا الكليم موسى صلى الله عليه وسلم، يستغيث عند عبادة قومه العجل على القدر قائلا: {إن هي إلا فتنتك} [الأعراف: 155] ، ويوجه إليه ملك الموت فيقلع عينه2. وعيسى صلى الله عليه وسلم يقول: إن صرفت الموت عن أحد، فاصرفه عني، ونبينا صلى الله عليه وسلم يخير بين البقاء والموت، فيختار الرحيل إلى الرفيق الأعلى3.
995- هذا سليمان صلى الله عليه وسلم يقول: {وهب لي ملكا} [ص: 35] ، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم! اجعل رزق آل محمد قوتا"
قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لرجل: أشر علي فيمن أستعمل، فقال: أما أرباب الدين، فلا يريدونك2، وأما أرباب الدنيا، فلا تردهم؛ ولكن عليك بالأشراف، فإنهم يصونون شرفهم عما لا يصلح3.
848- وقد روى أبو بكر الصولي4، قال: حدثني الحسين بن يحيى، عن أبي إسحاق، قال: دعاني المعتصم5 يوما، فأدخلني معه الحمام، ثم خرج، فخلا بي، وقال: يا أبا إسحاق! في نفسي شيء أريد أن أسألك عنه: إن أخي المأمون اصطنع قوما فأنجبوا، واصطفيت أنا مثلهم فلم ينجبوا؟ قلت: ومن هم؟ قال: اصطنع طاهرا وبانة6، وإسحاق وآل سهل، فقد رأيت كيف هم: واصطنعت أنا الأفشين7، فقد رأيت إلى ما آل أمره، وأشناس8، فلم أجده شيئا، وكذلك إيتاخ ووصيف. قلت: يا أمير المؤمنين! ها هنا جواب، علي أمان من الغضب؟ قال: لك ذاك: قلت: نظر أخوك إلى الأصول فاستعملها، فأنجبت فروعها، واستعملت فروعا لا أصول لها،
إذا خلوت في البيت غرست الدر في أرض القراطيس، إذا جلست للناس دفعت بدرياق العلم سموم الهوى أحميكم عن طعام البدع، وتأبون إلا التخليط، والطبيب مبغوض
ليطاول مدة الصبر عن الجماع فإنه أصح له ولولده
ثبت عند كل عاقل أن طيب العيش إنما يحصل بالعافية
قال في حديث رسول الله "فراش للرجل وفراش للمرأة وفراش للضيف" قال بعض الحكماء : إذا شئت أن تسلي حبيبك فدعه ينام إلى جنبك فإنك إذا وجدت منه ريحا قبيحة سلوته
يخطب المهاتر فيقال زوجوه هذا رجل كريم زوجه ويخطب صاحب الدين فيقال إن وحش الأخلاق بخيل
ينبغي أن يكون الكسب أكثر من النفقة حتى إذا ناب شيء قام المدخر خادما ، وينبغي أن يشتري في أوقات الرخص
رأيت في كتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي من هذا ما يدهش من التخليط في الأحاديث والتواريخ، فجمعت من أغاليطه كتاب2.
وقد ذكر في كتاب له سماه "المستظهري"3 وعرضه على المستظهر بالله4: أن سلميان بن عبد الملك5 بعث إلى أبي حازم6؛ فقال له: ابعث لي من فطورك! فبعث إليه نخالة مقلوة، فأفطر عليها، ثم جامع زوجته، فجاءت بعبد العزيز7، ثم ولد له عمر8!! وهذ تخليط قبيح، فإنه جعل عمر بن عبد العزيز بن سليمان بن عبد الملك! فجعل سليمان جده؛ وإنما هو ابن عمه.
وقد ذكر أبو المعالي الجويني، في أواخر كتاب "الشامل في الأصول"9، قال: قد ذكرت طائفة من الثقات المعتنين بالبحث عن البواطن أن الحلاج والجنابي10 القرمطي وابن المقنع تواصوا على قلب الدول، وإفساد المملكة، واستعطاف القلوب، وارتاد كل منهم قطرا، فقطن الجنابي في الأحساء، وتوغل ابن المقنع في أطراف بلاد الترك، وقطن الحلاج ببغداد،
سمعت من بعض القدماء : إذا ولي أخوك ولاية فاقنع من بالسلامة
اعلم أنه يبنغي للعاقل أن يغالط نفسه فيما يكشف العقل عن عواره
وقد كان عموم السلف يخضبون الشيب، لئلا يرى الإنسان منهم ما يكره، وإن كان الخضاب لا يعدم النفس علمها بذلك، ولكنه نوع مخادعة للنفس، وما زالت النفوس ترى الظاهر، وإنما الفكر والعقل مع الغائب.
عمر بن عبد العزيز، قيل له: تدفن في الحجرة ؟ فقال: لأن ألقى الله بكل ذنب ما خلا الشرك أحب إلي من أن أرى نفسي أهلاً لذلك
سمعت شيخا كبير يقول في النساء إنهم آفات ملففات فتأملت ذلك فوجدتها كما قال !!
فاسمع من عالم نصيح ودع كلام الجهلة المخرفين : لا تمنع نفسك ما يصلحها وأنت أعلم به .. فإن كان الذي يصلحك تستلذ به فلا تمنع ذلته أن تنتفع به
وجه فلانة عذر العاشق
مما أفادتني تجارب الزمان أنه لا ينبغي لأحد أن يظاهر بالعداوة أحدا ما1 استطاع؛ فإنه ربما يحتاج إليه، [مهما كانت منزلته]
قال يوما على المنبر: أهل البدع يقولون: ما في السماء أحد، ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، ثلاث عورات لكم.
وقيل له مرة: قلل من ذكر أهل البدع مخافة الفتن، فأنشد:
أتوب إليك يا رحمن مما ... جنيت، فقد تعاظمت الذنوب
وأما من هوى ليلى وتركي ... زيارتها، فإني لا أتوب
وكم قد خطر لي شيء، فأتشاغل عن إثباته، فيذهب، فأتأسف عليه!
يبعد في المستحسنات العفاف
الاقتصار على الواحدة أولى
ذهب صاحب مذهبي إلى أن ترك التداوي أفضل، ومنعني الدليل من اتباعه في هذا: فإن الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنزل الله داء، إلا وأنزل له دواء، فتداووا"، ومرتبة هذه اللفظة الأمر، والأمر إما أن يكون واجبا، أو ندبا، [إن] 3 لم يسبقه حظر، [فإن سبقه حظر] فيقال: هو أمر إباحة. وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: تعلمت الطب من كثرة أمراض رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينعت له، وقال عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "كل من هذا، فإنه أوفق لك من هذا".
سبحان من جعل الخلق بين طرفي نقيض، والمتوسط منهم يندر!
قال بعض الحكماء : من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله
عقديات
تفكرت في إبقاء اليهود والنصارى بيننا، وأخذ الجزية منهم؛ فرأيت في ذلك حكما عجيبة: منها: ما قد ذكر أن الإسلام كان ضعيفا، فتقوى بما يؤخذ من جزيتهم. ومنها: ظهور عزه بذلهم. إلى غير ذلك مما قد قيل.
ووقع لي فيه معنى عجيب، وهو أن وجودهم وتعبدهم، وحفظهم شرع نبيهم صلى الله عليه وسلم دليل على أنه قد كان أنبياء وشرائع، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل؛ فقد اجتمعت الجن وهم على إثبات صانع، وإقرار برسل، فبان أننا ما ابتدعنا ما لم يكن. وهم يصبرون على باطلهم، ويؤدون الجزية، فكيف لا نصبر على حق، والدولة لنا، وفي بقائهم احترام لما كان صحيحا من الدين، وليرجع متبصر، وليستعمل مفكر.
[أصل بلائه تقديم العقل على النقل ص 394]
تأملت قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ] ، فإذا النفس تأبى إثبات محبة للخالق توجب قلقًا وشوقًا، وقالت: محبته طاعته، فتدبرت ذلك؛ فإذا بها قد جهلت ذلك لغلبة الحس. [قلت بل للتعطيل الذي خبطك]
النبي صلى الله عليه وسلم: دخل الغار، وشاور الطبيب، ولبس الدرع، وحفر الخندق، ودخل مكة في جوار المطعم بن عدي، وكان كافرًا، وقال لسعد: "لأن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس".
رأيت كثيرا من الخلق وعالما من العلماء لا ينتهون عن البحث، عن أصول الأشياء التي أمروا بعلم جملها من غير بحث عن حقائقها! كالروح مثلا، فالله تعالى سترها بقوله: {قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: ] ، فلم يقنعوا، وأخذوا يبحثون عن ماهيتها، ولا يقعون بشيء3، ولا يثبت لأحد منهم برهان على ما يدعيه! وكذلك العقل، فإنه موجود بلا شك، كما أن الروح موجودة بلا شك، كلاهما يعرف بآثاره، لا بحقيقة ذاته.
- فإن قال قائل: فما السر في كتم هذه الأشياء؟ قلت: لأن النفس ما تزال تترقى من حالة إلى حالة، فلو اطلعت على هذه الأشياء، لترقت إلى خالقها، فكان ستر ما دونه زيادة في تعظيمه؛ لأنه إذا كان بعض مخلوقاته يعلم جملة، فهو أجل وأعلى.
- ولو قال قائل: ما الصواعق؟ وما البرق؟ وما الزلازل؟ قلنا: شيء مزعج، ويكفي. والسر في ستر هذا: أنه لو كشفت حقائقه، خف مقدار تعظيمه.
ومن تلمح هذا الفصل، علم أنه فصل عزيز. - فإذا ثبت هذا في المخلوقات، فالخالق أجل وأعلى، فينبغي أن يوقف في إثباته على دليل وجوده، ثم يستدل على جواز بعثه رسله، ثم تتلقى أوصافه من كتبه ورسله به، ولا يزاد على ذلك.
ولقد بحث خلق كثير من صفاته بآرائهم، فعاد وبال ذلك عليهم.
- وإذا قلنا: أنه موجود، وعلمنا من كلامه أنه سميع بصير حي قادر ... كفانا هذا في صفاته، ولا نخوض في شيء آخر. وكذلك نقول: متكلم، والقرآن كلامه، ولا نتكلف ما فوق ذلك. ولم يقل السلف: تلاوة ومتلو، وقراءة ومقروء. ولا قالوا: استوى على العرش بذاته. ولا قالوا: ينزل بذاته ... بل أطلقوا ما ورد من غير زيادة. و [لا] نقول لما ثبت بالدليل ما لا يجوز عليه. وهذه كلمات كالمثال، فقس عليها جميع الصفات، تفز سليما من تعطيل، متخلصا من تشبيه.
[قال عن سبب حذف آية الرجم لأن] يبين بذلك فضل الأمة في بذلها النفوس قنوعا ببعض الأدلة، فإن الاتفاق لما وقع على ذلك الحكم، كان دليلا؛ إلا أنه ليس كالدليل المقطوع بنصه. ومن هذا الجنس شروع الخليل عليه الصلاة والسلام في ذبح ولده بمنام، وإن كان الوحي في اليقظة أكد.
إذا رأيت مغمورا بالدنيا قد سالت له أوديتها، حتى لا يدري ما يصنع بالمال ويظلم الناس، والدنيا منصبة عليه، ثم ترى خلقا من أهل الدين وطلاب العلم، مغمورين بالفقر والبلاء، مقهورين تحت ولاية ذلك الظالم: فحينئذ يجد الشيطان طريقا للوسواس، ويبتدئ بالقدح في حكمة القدر، فيحتاج المؤمن إلى الصبر على ما يلقى من ضر في الدنيا، وعلى جدال إبليس في ذلك. وكذلك تسليط الكفار على المسلمين وإيلام الحيوان، وتعذيب الأطفال؛ ففي مثل هذه المواطن يتمحض الإيمان.
ومما يقوي الصبر على الحالتين: النقل، والعقل: أما النقل، فالقرآن والسنة.
- أما القرآن، فمنقسم إلى قسمين:
أحدهما: بيان سبب إعطاء الكافر والعاصي، فمن ذلك قوله تعالى: {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} [ال عمران: ] ، {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة} [الزخرف: 33] ، {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} [الإسراء: ] ... وفي القرآن من هذا كثير.
والقسم الثاني: ابتلاء المؤمن بما يلقى، كقوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} [آل عمران: ] ، {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا} [البقرة: ] ، {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} [التوبة: ] ... وفي القرآن من هذا كثير.
- وأما السنة، فمنقسمة إلى قول وحال:
أما الحال، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يتقلب على رمال حصير تؤثر في جنبه، فبكى عمر رضي الله عنه، وقال: كسرى وقيصر في الحرير والديباج! فقال صلى الله عليه وسلم: "أفي شك أنت يا عمر؟! ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟! ".
وأما القول، فكقوله عليه الصلاة والسلام: "لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء".
- وأما العقل، فإنه يقوي عساكر الصبر بجنود منها: أن يقول: قد ثبتت عندي الأدلة القاطعة على حكمة المقدر، فلا أترك الأصل الثابت لما يظنه الجاهل خللا.
- ومنها: أن يقول: ما قد استهولته أيها الناظر من بسط يد العاصي هي قبض في المعنى، وما قد أثر عندك من قبض يد الطائع بسط في المعنى؛ لأن ذلك البسط3 يوجب عقابا طويلا، وهذا القبض يؤثر انبساطا في الأجر جزيلا، فزمان الرجلين ينقضي عن قريب، والمراحل تطوى، والركبان في السير الحثيث.
3- ومنها: أن يقول: قد ثبت أن المؤمن بالله كالأجير، وأن زمن التكليف كبياض نهار، ولا ينبغي للمستعمل في الطين أن يلبس نظيف الثياب؛ بل ينبغي أن يصابر ساعات العمل، فإذا فرغ، تنظف، ولبس أجود ثيابه، فمن ترفه وقت العمل، ندم وقت تفريق الأجرة
وأزيدها بسطا فأقول: أترى إذا أريد اتخاذ شهداء، فكيف لا يخلق أقوام يبسطون أيديهم لقتل المؤمنين؟! أفيجوز أن يفتك بعمر إلا مثل أبي لؤلؤة؟! وبعلي إلا مثل ابن ملجم3؟! أفيصح أن يقتل يحيى بن زكريا إلا جبار كافر؟!
- ولو أن عين الفهم زال عنها غشاء العشا، لرأت المسبب لا الأسباب، والمقتدر لا الأقدار، فصبرت على بلائه، إيثارا لما يريد.
وإذا كان قد نهى عن الخوض في القدر، فكيف يجوز الخوض في صفات المقدر؟!
تأملت الدخل1 الذي دخل في ديننا من ناحيتي العلم والعمل، فرأيته من طريقين قد تقدما هذا الدين، وأنس الناس بهما: الفلسفة في باب العلموالرهبانية في باب العمل
تهافت العوام في الشبهة أحب إلى من إغراقهم في التنزيه؛ لأن التشبيه يغمسهم في الإثبات، فيطمعون ويخافون2 شيئا قد أنسوا إلى ما يخاف مثله ويرجى، والتنزيه يرمي بهم إلى النفي، ولا طمع ولا مخافة من النفي. [هذا من ضلالهم]
من أضر الأشياء على العوام كلام المتأولين والنفاة للصفات والإضافات. فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالغوا في الإثبات، ليتقرر في أنفس العوام وجود الخالق، فإن النفوس تأنس بالإثبات، فإذا سمع العامي ما يوجب النفي، طرد عن قلبه الإثبات، فكان أعظم ضرر عليه، وكان هذا المنزه من العلماء -على زعمه- مقاوما لإثبات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالمحو، وشارعا في إبطال ما يفتون به.
3- وبيان هذا: أن الله تعالى أخبر باستوائه على العرش، فأنست النفوس إلى إثبات الإله ووجوده: قال تعالى: {ويبقى وجه ربك} [الرحمن: ] . وقال تعالى: {يداه مبسوطتان} [المائدة: ] . وقال: {وغضب الله عليهم} [الفتح: ] . {رضي الله عنهم} [البينة: ] . وأخبر أنه ينزل إلى السماء الدنيا. وقال: "قلوب العباد بين أصبعين"3. وقال: "كتب التوراة بيده". "وكتب كتابا فهو عنده فوق العرش". إلى غير ذلك مما يطول ذكره.
ولا يجوز لعالم أن يأتي إلى عقيدة عامي قد أنس بالإثبات فيهوشها، فإنه يفسده، ويصعب صلاحه. فأما العالم، فإنا قد أمناه؛ لأنه لا يخفى عليه استحالة تجدد صفة الله تعالى، وأنه لا يجوز أن يكون استوى كما يعلم، ولا يجوز أن يكون محمولا [قلت قبح الله عقيدة تخفيها عن الناس !]
لما عذب كل أمة بنوع عذاب تولاه بعض الملائكة، كصيحة جبريل عليه السلام بثمود، وإرسال الريح على عاد، والخسف بقارون، وقلب جبريل ديار قوم لوط عليه السلام، وإرسال الطير الأبابيل على من قصد تخريب الكعبة1، تولى هو بنفسه، عقاب المكذبين بالقرآن، فقال تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} [القلم: 44] ، {ذرني ومن خلقت وحيدا}
قال بعض الحكماء : من لم يحترز من عقله هلك بعقله
هذا منكر ونكير، إنما يسألان عن الأصول المجملة، فيقولان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن فهم هذا الفصل، سليم من تشبيه المجسمة، وتعطيل المعطلة، ووقف على جادة السلف الأول.
فرأيت أبا حامد الطوسي يحكي عن نفسه في بعض مصنفاته، قال: شاورت متبوعا مقدما من الصوفية في المواظبة على تلاوة القرآن؟ فمنعني منه! وقال: السبيل أن تقطع علائقك من الدنيا بالكلية، بحيث لا يلتفت قلبك إلى أهل وولد ومال وعلم، بل تصير إلى حالة يستوي عندك وجود ذلك وعدمه، ثم تخلو بنفسك في زاوية، فتقتصر من العبادة على الفرائض والرواتب، وتجلس فارغ القلب
قال ابن قتيبة4 في "غريب الحديث" عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "واليد العليا ... "5، قال: "هي المعطية". قال: "فالعجب عندي من قوم يقولون: هي الآخذة! ولا أرى هؤلاء القوم إلا قوما استطابوا السؤال، فهم يحتجون للدناءة، فأما الشرائع، فإنها بريئة من حالهم".
انعقد إجماع العلماء أن من ادعى الرقص قربة إلى الله تعالى، كفر
ومتى قام العقل، فنظر في دليل وجود الخالق بمصنوعاته، وأجاز بعثة نبي، واستدل بمعجزاته، كفاه ذلك أن يتعرض لما قد أغني عنه.
وإذا قال: القرآن كلام الله تعالى، بدليل قوته: {حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6] ، كفاه.
885- وأما من تحذلق فقال: التلاوة هي المتلو أو غير المتلو، والقراءة هي المقروء أو غير المقروء، فيضيع الزمان في غير تحصيل، والمقصود العمل بما فهم.
886- وقد حكي أن ملكا كتب إلى عماله في البلدان: إني قادم عليكم، فاعملوا كذا وكذا! ففعلوا، إلا واحدا منهم، فإنه قعد يتفكر في الكتاب، فيقول: أترى كتبه بمداد أو بحبر؟! أترى كتبه قائما أو قاعدا؟! فما زال يتفكر حتى قدم الملك، ولم يعمل مما أمره به شيئا! فأحسن جوائز الكل، وقتل هذا.
أصل كل محنة في العقائد قياس أمر الخالق على أحوال الخلق ألا ترى إلى أول المعترضين -وهو إبليس- كيف ناظر فقال: {أنا خير منه} [الأعراف: 12] ؟! وقول خليفته - وهو أبو العلاء المعري : رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
ليس على العوام أضر من سماعهم علم الكلام؛ وإنما ينبغي أن يحذر العوام من سماعه والخوض فيه، كما يحذر الصبي من شاطئ النهر خوف الغرق، وربما ظن العامي أن له قوة يدرك بها هذا، وهو فاسد، فإنه قد زل في هذا خلق من العلماء، فكيف العوام؟!
وإنما على العامي أن يؤمن بالأصول الخمسة1، بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ويقنع بما قال السلف: القرآن كلام الله غير مخلوق، والاستواء حق، والكيف مجهول.
قد يدعي أهل كل مذهب الاجتهاد في طلب الصواب، وأكثرهم لا يقصد إلا الحق، فترى الراهب يتعبد، ويتجوع، واليهودي يذل، ويؤدي الجزية، وصاحب كل مذهب يبالغ فيه، ويحتمل الضيم والأذى طلبا للهدى، وتحصيل الأجر في اعتقاده، ومع هذا، فيقطع العقل بضلال الأكثرين.
وهذا قد يشكل؛ وإنما كشفه أنه ينبغي أن يطلب الهدى بأسبابه
فاليهود والنصارى بين عالم قد عرف صدق نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لكنه يجحد [إبقاء] لرئاسته، فهذا معاند، وبين مقلد لا ينظر بعقله؛ فهذا مهمل،
ولما نهب مسلم بن عقبة5 المدينة، وقتل الخلق، قال: إن دخلت النار بعد هذا إنني لشقي، فظن بجهله أنهم لما خالفوا بيعة يزيد، يجوز استباحتهم وقتلهم.
ممن لم يرجع عن هواه ابن ملجم، فرأى مذهبه هو الحق، فاستحل قتل أمير المؤمنين رضي الله عنه، ورآه دينا، حتى إنه لم قطعت أعضاؤه، لم يمانع، فلما طلب لسانه ليقطع، انزعج، وقال: كيف أبقى ساعة في الدنيا لا أذكر الله؟! ومثل هذا ما له دواء.
وكذلك كان الحجاج1 يقول: والله، ما أرجو الخير إلا بعد الموت!
قال بعض الخلعاء:
أيا رب تخلق أقمار ليل ... وأغصان بان، وكثبان رمل
وتنهى عبادك أن يعشقوا ... أيا حاكم العدل ذا حكم عدل
ومثل هذا ينشده جماعة من العلماء ويستحسنونه، وهو كفر محض!!
العلم
ولما تشاغل بالطرق مثل يحيى بن معين4، فاته من الفقه كثير، حتى إنه سئل عن الحائض: أيجوز أن تغسل الموتى؟ فلم يعلم، حتى جاء أبو ثور، فقال: يجوز؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض5. فيحيى أعلم بالحديث منه، ولكن لم يتشاغل بفهمه.
لا يطلب العلم إلا ذون نفس شريفة
ثم أيها العالم الفقير! أيسرك ملك سلطان من السلاطين، وأن ما تعلمه من العلم لا تعلمه؟ كلا، ما أظن بالمتيقظ أن يؤثر هذا!
ثم أنت إذا وقع لك خاطر مستحسن أو معنى عجيب؛ تجد لذة لا يجدها ملتذ باللذات الحسية، فقد حرم من رزق الشهوات ما قد رزقت، وقد شاركتهم في قوام العيش، ولم يبق إلا الفضول، الذي إذا أخذ لم يكد يضر. ثم هم على المخاطرة في باب الآخرة غالبا، وأنت على السلامة في الأغلب.
ما يتناهى في طلب العلم إلا عاشق العلم، والعاشق ينبغي أن يصبر على المكاره، ومن ضرورة المتشاغل به البعد عن الكسب. ومذ فقد التفقد لهم من الأمراء ومن الإخوان، لازمهم الفقر ضرورة، والفضائل تنادي: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا} [الأحزاب: 11] ، فكلما خافت من ابتلاء، قالت:
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تعلق الصبرا
وإني أخبر عن حالي: ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابا لم أره، فكأني وقعت على كنز، ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفه في المدرسة النظمية2؛ فإذا به يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد، وفي ثبت كتب أبي حنيفة، وكتب الحميدي، وكتب شيخنا عبد الوهاب، وابن ناصر، وكتب أبي محمد بن الخشاب -وكانت أحمالا- وغير ذلك من كل كتاب أقدر عليه، ولو قلت: إني طالعت عشرين ألف مجلد، كان أكثر، وأنا بعد في الطلب! [مع ذلك يحثث على الحفظ وترك الإكثار من المطالعة !]
رأيت أكثر العلماء مشتغلين بصورة العلم دون فهم حقيقته ومقصوده؛ فالقارئ مشغول بالروايات، عاكف على الشواذ، يرى أن المقصود نفس التلاوة، ولا يتلمح عظمة المتكلم، ولا زجر القرآن ووعده، وربما ظن أن حفظ القرآن يدفع عنه، فتراه يترخص في الذنوب، ولو فهم، لعلم أن الحجة عليه أقوى ممن لم يقرأ!
والمحدث يجمع الطرق، ويحفظ الأسانيد، ولا يتأمل مقصود المنقول، ويرى أنه قد حفظ على الناس الأحاديث، فهو يرجو بذلك السلامة، وربما ترخص في الخطايا، ظنا منه أن ما فعل في الشريعة يدفع عنه!
والفقيه قد وقع له أنه بما قد عرف من الجدال، الذي يقوي به خصامه، أو المسائل التي قد عرف فيها المذهب: قد حصل بما يفتي به الناس ما يرفع قدره، ويمحو ذنبه؛ فربما هجم على الخطايا، ظنا منه أن ذلك يدفع عنه! وربما لم يحفظ القرآن، ولم يعرف الحديث، وأنهما ينهيان عن الفواحش بزجر ورفق، وينضاف إليه -مع الجهل بهما- حب الرئاسة، وإيثار الغلبة في الجدل، فتزيد قسوة قلبه!
وعلى هذا أكثر الناس، صور العلم عندهم صناعة، فهي تكسبهم الكبر والحماقة.
! وليجعل همته للحفظ، ولا ينظر، ولا يكتب إلا وقت التعب من الحفظ!
- تأملت حالة تدخل على طلاب العلم توجب الغفلة عن المقصود، وهو حرصهم على الكتابة، خصوصا المحدثين، فيستغرق ذلك زمانهم عن أن يحفظوا ويفهموا، فيذهب العمر وقد عروا1 عن العلم إلا اليسير. فمن وفق، جعل معظم الزمان مصروفا في الإعادة والحفظ، وجعل وقت التعب من التكرار للنسخ، فيحصل له المراد.
والموفق من طلب المهم؛ فإن العمر يعجز عن تحصيل الكل، وجمهور العلوم الفقه، وفي الناس من حصل له العلم، وغفل عن العمل بمقتضاه، وكأنه ما حصل شيئا، نعوذ بالله من الخذلان.
علم الحديث هو الشريعة
عموم الأحاديث الدالة على الزهد لا تثبت
اعتبرت على أكثر العلماء والزهاد أنهم يبطنون الكبر
كان طلحة بن مصرف قارئ أهل الكوفة؛ فلما كثر الناس عليه، مشى إلى الأعمش2، فقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش، وتركوا طلحة
ما رأيت أصعب على النفس من الحفظ للعلم والتكرار [له إلا أنه ينبغي للعاقل أن يكون جل زمانه للإعادة، خصوصا الصبي والشاب؛ فإنه يستقر المحفوظ عندهما استقرارا لا يزول، ويجعل أوقات التعب من الإعادة للنسخ، ويحذر من تفلتها إلى النسخ عند الإعادة، فيقهرها، فإنه يحمد ذلك حمد السري وقت الصباح1.
وسيندم من لم يحفظ ندم الكسعي2 وقت الحاجة إلى النظر والفتوى.
وفي الحفظ نكتة ينبغي أن تلحظ، وهو أن الفقيه يحفظ الدرس ويعيده، ثم يتركه فينساه، فيحتاج إلى زمان آخر لحفظه، فينبغي أن يحكم الحفظ، ويكثر التكرار، ليثبت قاعدة الحفظ.
أول ما ينبغي أن يكلف حفظ القرآن متقنا؛ فإنه يثبت، ويختلط باللحم والدم، ثم مقدمة من النحو، يعرف بها اللحن، ثم الفقه مذهبا وخلافا، وما أمكن بعد هذا من العلوم، فحفظه حسن.
وقد رأينا كثيرا ممن تشاغل بالمسموعات، وكتابة الأجزاء، ورأى الحفظ صعبا، فمال إلى الأسهل، فمضى عمره في ذلك؛ فلما احتاج إلى نفسه، قعد يتحفظ على كبر، فلم يحصل مقصوده.
وانظر في الإخلاص، فما ينفع شيء دونه.
تدبرت أحوال الأخبار والأشرار، فرأيت سبب صلاح الأخيار النظر، وسبب فساد الأشرار إهمال النظر. وذاك أن العاقل ينظر، فيعلم أنه لا بد [للمصنوع] من صانع، وأن طاعته لازمة، ويتأمل معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسلم قيادة إلى الشرع، ثم ينظر فيما يقربه إليه، ويزلفه لديه؛ فإذا شق عليه إعادة العلم، تأمل ثمرته، فسهل ذلك. وإذا صعب عليه قيام الليل، فكذلك عاقبته، فعلم أن اللذة تفنى، والعار والإثم يبقيان، فيسهل عليه الترك، وإذا اشتهى الانتقام ممن يؤذيه، ذكر ثواب الصبر، وندم الغضبان على أفعاله في حال الغضب ثم لا يزال يتأمل سرعة ممر العمر، فيغتنمه بتحصيل أفضل الفضائل، فينال مناه.
من أراد حفظ العلم وجودة الفكر فليقطع أسباب الهم والغم فإنه لا فكر ولا عيش مع الهم ، ومن استغنى أو افتقر كثر همه فالوسط هو الأصلح وذلك إذا أخذت من الدنيا بقدر الحاجة حتى يريح بدنه وقلبه
إذا رزقت حلاوة العلم أخذك عنك وسلبك منك وأقامك بين يدي مليكك فبه تسمع وبه تبصر فيا طوبى لك إن نلت هذه المنزلة فإن ما دونها خسران
منهم من علت همته فأوغل في الفنون فأنا أوصيه وأحذره أن يوغل في كل الفنون فهذا لا تحتمله الأعمار .. فينبغي أن يأخذ من كل علم مهمه وخالصه ثم تعبر إلى العلم الآخر قبل أن يغرق في تيار ذلك العلم فإن المقصود قطع دجلة لا نفس السباحة .. وقد قال الشعبي العلم أكثر من أن يحصى فخذوا من كل شيء أحسنه
من أراد أن يعرف رتبة العلماء على الزهاد، فلينظر في رتبة جبريل وميكائيل، ومن خص من الملائكة بولاية تتعلق بالخلق: وباقي الملائكة قيام للتعبد، في مراتب الرهبان في الصوامع. وقد حظي أولئك بالتقريب على مقادير علمهم بالله تعالى.
فإذا مر أحدهم بالوحي، انزعج أهل السماء، حتى يخبرهم بالخبر، فـ {إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق} [سبأ: 23] ، كما إذا انزعج الزاهد من حديث يسمعه، سأل العلماء عن صحته ومعناه. فسبحان من خص فريقا بخصائص شرفوا بها على جنسهم!
505- ولا خصيصة أشرف من العلم، بزيادته صار آدم مسجودا له، وبنقصانه صارت الملائكة ساجدة، فأقرب الخلق من الله العلماء.
ينبغي له أن يطلب الغاية في العلم، ومن أقبح النقص التقليد؛ فإن قويت همته، رقته إلى أن يختار لنفسه مذهبا، ولا يتمذهب لأحد، فإن المقلد أعمى، يقود مقلده.
ما رأينا في الأغلب منافقا في التدين والتزهد والتخشع ولا آفة طرأت على عالم، إلا بحب الدنيا، وغالب ذلك الفقر.
ويكفيه من النظر في الأصول1 ما يستدل به على وجود الصانع، فإذا أثبته بالدليل، وعرف ما يجوز عليه مما لا يجوز، وأثبت إرسال الرسل، وعلم وجوب القبول منهم؛ فقد احتوى على المقصود من علم الأصول.
فإن اتسع الزمان للتزيد من العلم، فليكن من الفقه، فإنه الأنفع.
ينبغي لطالب العلم التلطف أن يجعل جزءا من زمانه مصروفا إلى توفير الاكتساب والتجارة، مستنيبا فيها، غير مباشر لها، مع التدبير في العيش الممتنع من الإسراف والتبذير، فإن رواية العلم والعمل به إلى درجة المعرفة لله -عز وجل- "آسرة للمشاعر"، فربما شغلته لذة ما وصل إليه عن كل شيء
الدوام أصل عظيم، فكم ممن ترك الاستذكار بعد التحفظ، فضاع زمن طويل في استرجاع محفوظ قد نسي.
والخلوة أصل. وجمع الهم أصل الأصول، وترفيه النفس من الإعادة يوما في الأسبوع: ليثبت المحفوظ، وتأخذ النفس قوة، كالبنيان يترك أياما حتى يستقر، ثم يبنى عليه.
583- وتقليل المحفوظ مع الدوام أصل عظيم. وألا يشرع في فن حتى يحكم ما قبله. ومن لم يجد نشاطا للحفظ، فليتركه، فإن مكابرة النفس لا تصلح.
ينبغي لطالب العلم أن يكون جل همته مصروفا إلى الحفظ والإعادة
إذا صح قصد العالم، استراح من كلف التكلف. فإن كثيرا من العلماء يأنفون من قول: لا أدري، فيحفظون بالفتوى جاههم عند الناس، لئلا يقال: جهولا الجواب، وإن كانوا على غير يقين مما قالوا، وهذا نهاية الخذلان.
678- وقد روي عن مالك بن أنس: أن رجلا سأله عن مسأله، فقال: لا أدري! فقال: سافرت البلدان إليك! فقال: ارجع إلى بلدك، وقل: سألت مالكا، فقال: لا أدري. فانظر إلى دين هذا الشخص وعقله، كيف استراح من الكلفة، وسلم عند الله رضي الله عنه.
679- ثم إن كان المقصود الجاه عندهم، فقلوبهم بيد غيرهم.
رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة؛ … فيكون زمان الطلب والحفظ والتشاغل إلى الأربعين.
746- ثم يبتدئ بعد الأربعين بالتصانيف والتعليم هذا إذا كان قد بلغ مع ما يريد من الجمع والحفظ، وأعين على تحصيل المطالب.
فأما إذا قلت الآلات عنده من الكتب، أو كان في أول عمره ضعيف الطلب، فلم ينل ما يريده في هذا الأوان، أخر التصانيف إلى تمام خمسين سنة، ثم ابتدأ بعد الخمسين في التصنيف والتعليم إلى رأس الستين.
قال سفيان الثوري: "تعلموا هذا العلم، واكظموا عليه، ولا تخلطوه بهزل فتمحجه القلوب"
مراعاة الناس لا ينبغي أن تنكر. وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: "لولا حدثان قومك في الكفر، لنقضت الكعبة، وجعلت لها بابين ... "2. وقال أحمد بن حنبل في الركعتين قبل المغرب: رأيت الناس يكرهونهما فتركتهما.
إن أردت اللذة والراحة؛ فعليك أيها العالم بعقر بيتك، وكن معتزلا عن أهلك، يطب لك عيشك، واجعل للقاء الأهل وقتا، فإذا عرفوه، تصنعوا للقائك، فكانت المعاشرة بذلك أجود. وليكن لك مكان في بيتك تخلو فيه، وتحادث سطور كتبك، وتجري في حلبات فكرك! واحترس من لقاء الخلق، وخصوصا العوام! واجتهد في كسب يعفك عن الطمع! فهذه نهاية لذة العالم في الدنيا.
ومتى رزق العالم الغنى عن الناس والحلوة؛ فإن كان له فهم يجلب التصانيف، فقد تكاملت لذته، وإن رزق فهما يرتقي إلى معاملة الحق ومناجاته؛ فقد تعجل دخول الجنة قبل الممات.
تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا، وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني مما نالوه؛ إلا ما لو حصل لي، ندمت عليه. ثم تأملت حالي، فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين الناس أعلى من جاههم
وعظيات
قال شيبان الراعي1 لسفيان: يا سفيان! عد منع الله إياك عطاء منه لك؛ فإنه لم يمنعك بخلا، إنما منعك لطفا.
أنا أقول عن نفسي: ما نزلت بي آفة أو غم أو ضيق صدر، إلا بزلل أعرفه، حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشيء الفلاني. وربما تأولت فيه بعد، فأرى العقوبة.
تأملت الأمر؛ فإذا الحق سبحانه يغار على قلب المؤمن أن يجعل له شيئا يأنس به، فهو يكدر عليه الدنيا وأهلها، ليكون أنسه به.
وأقبل على شأنك، متوكلا على خالقك؛ فإنه لا يجلب الخير سواه، ولا يصرف السوء إلا إياه. فليكن جليسك وأنيسك، وموضع توكلك وشكواك، فإن ضعف بصرك، فاستغث به، وإن قل يقينك، فسله القوة، وإياك أن تميل إلى غيره؛ فإنه غيور، وأن تشكو من أقداره، فربما غضب ولم يمهل
الأولى للمريد اليوم ألا يزور إلا المقابر، ولا يفاوض إلا الكتب، التي قد حوت محاسن القوم، وليستعن بالله تعالى على التوفيق لمراضيه، فإنه إن أراده؛ هيأه لما يرضيه.
ما هلك الهالكون إلا من قلة الصبر على المشتهى
إياك والتأويلات الفاسدة، والأهواء الغالبة؛ فإنك إن ترخصت بالدخول في بعضها، جرك الأمر إلى الباقي، ولم تقدر على الخروج لموضع ألف الهوى فاقبل نصحي، واقنع بالكسرة، وابعد عن أرباب الدنيا، فإذا ضج الهوى؛ فدعه لهذا، وربما قال لك: فالأمر الفلاني قريب! فلا تفعل؛ فإنه - ولو كان قريبا- يدعو إلى غيره، ويصعب التلافي.
فالصبر الصبر على شظف العيش! والبعد [البعد] عن أرباب الهوى! فما يتم دين إلا بذلك، ومتى وقع الترخص؛ حمل إلى غيره، كالشاطئ إلى اللجة1. وإنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، ووجه أصبح من وجه؛ وإنما هي أيام يسيرة.
فاشتر العزلة بما بيعت، فإن من له قلب إذا مشى في الأسواق، وعاد إلى منزله، تغير قلبه، فكيف إن عرقله بالميل إلى أسباب الدنيا؟!
من رزقه الله تعالى العلم والنظر في سير السلف، رأى أن هذا العالم ظلمه، وجمهورهم على غير الجادة، والمخالطة لهم تضر ولا تنفع! فالعجب لمن يترخص في المخالطة، وهو يعلم أن الطبع لص1 يسرق من المخالط
وإن وقعت المخالطة للعلماء، فأكثرهم على غير الجادة، مقصودهم صورة العلم لا العمل به، فلا تكاد ترى من تذاكره أمر الآخرة؛ إنما شغلهم الغيبة، وقصد الغلبة، واجتلاب الدنيا، ثم فيهم من الحسد للنظراء ما لا يوصف!
وإن الإنسان ليمشي في السوق ساعة، فينسى بما يرى ما يعلم، فكيف إذا انضم إلى ذلك التردد إلى الأغنياء، والطمع في أموالهم؟!
ولا تحسن اليوم المجالسة إلا لكتاب يحدثك عن أسرار السلف، فأما مجالسة العلماء، فمخاطرة، إذ لا يجتمعون على ذكر الآخرة في الأغلب،
أما من يمشي في الأسواق اليوم، ويبيع، ويشتري مع هذا العالم المظلم، ويرى المنكرات والمستهجنات، فما يعود إلى البيت إلا وقد أظلم القلب.
فلا ينبغي للمريد أن يكون خروجه إلا إلى الصحراء والمقابر
رأيت سبب الهموم والغموم: الإعراض عن الله عز وجل، والإقبال على الدنيا.
ما يكاد يحب الاجتماع بالناس إلا فارغ؛ لأن المشغول القلب بالحق يفر من الخلق
في نظر العاقل إلى نفسه ما يشغله عن النظر إلى خراب الدنيا، وفراق الإخوان، وإن كان ذلك مزعجا، ولكن شغل من احترق بيته بنقل متاعه، يلهيه عن ذكر بيوت الجيران.
ولما بليت أقوام بمخالطة الأمراء، أثر ذلك التكدير في أحوالهم كلها: فقال سفيان بن عيينة: منذ أخذت من مال فلان الأمير، منعت ما كان وهب لي من فهم القرآن. وهذا أبو يوسف القاضي1 لا يزور قبره اثنان. فالصبر عن مخالطة الأمراء -وإن أوجب ضيق العيش من وجه- يحصل طيب العيش من جهات، ومع التخليط لا يحصل مقصودا، فمن عزم جزم.
ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإن الطبع يسرق؛ فإن لم يتشبه بهم، ولم يسرق منهم، فتر عن عمله.
فإن رؤية الدنيا تحث على طلبها، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سترا على بابه، فهتكه2، وقال: " ما لي وللدنيا؟! " ، وكذلك رؤية أرباب الدنيا، ودورهم وأحوالهم، خصوصا لمن له نفس تطلب الرفعة.
قال الشافعي رضي الله عنه2:
يا نفس ما هو إلا صبر أيام ... كأن مدتها أضغاث أحلام
يا نفس جوزي عن الدنيا مبادرة ... وخل عنها فإن العيش قدامي
رأى رجل شيخنا ابن الزاغوني1 في المنام، فقال له الشيخ: أكثر ما عندكم الغفلة، وأكثر ما عندنا الندامة.
تفكرت في سبب دخول جهنم؛ فإذا هو المعاصي، فنظرت في المعاصي، فإذا هي حاصلة من طلب اللذات، فنظرت في اللذات، فرأيتها خدعا ليست بشيء، وفي ضمنها من الأكدار ما يصيرها نغصا، فتخرج عن كونها لذات. فكيف يتبع العاقل نفسه، ويرضى بجنهم، لأجل هذه الأكدار؟!
من وقف على موجب الحس هلك، ومن تبع العقل سلم؛ لأن مجرد الحس لا يرى إلا الحاضر، وهو الدنيا، وأما العقل
من عرف الشرع كما ينبغي، وعلم حالة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحوال الصحابة وأكابر العلماء، علم أن أكثر الناس على غير الجادة؛ وإنما يمشون مع العادة
قال السجان لأحمد بن حنبل: هل أنا من أعوان الظلمة؟ فقال: لا، أنت من الظلمة؛ إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمر.
جاء في الأثر: اللهم! أرنا الأشياء كما هي! وهذا كلام حسن غاية
أوليس الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج أن يقول: "من يؤويني؟ من ينصرني؟ " 1، ويفتقر إلى أن يدخل مكة في جوار كافر2، ويلقى السلى على ظهره3، ويقتل أصحابه، ويداري المؤلفة، ويشتد جوعه، وهو ساكن لا يتغير؟! وما ذاك إلا أنه علم أن الدنيا دار ابتلاء، لينظر الله فيها كيف تعملون؟
ثم يبتلى بالجوع، فيشد الحجر ويقتل أصحابه، ويشج وجهه، وتكسر رباعيته1، ويمثل بعمه2 ... وهو ساكت. ثم يرزق ابنا، ويسلب منه3، فيتعلل4 بالحسن والحسين، فيخبر بما سيجري عليهما5. ويسكن بالطبع إلى عائشة رضي الله عنها، فينغص عيشه بقذفها6. ويبالغ في إظهار المعجزات، فيقام في وجهه مسيلمة7 والعنسي8 وابن صياد9. ويقيم ناموس الأمانة والصدق، فيقال: كذاب! ساحر! ثم يعلقه المرض كما يوعك رجلان، وهو ساكن ساكت10. فإن أخبر بحاله، فليعلم الصبر. ثم يشدد عليه الموت، فيسلب روحه الشريفة، وهو مضطجع في كساء ملبد، وإزار غليظ، وليس عندهم زيت يوقد به المصباح ليلتئذ11
وكلما استجد الجواري، أكثر منهن، فذهبت قنوته، ولا يكاد يبعد ما بين الوطء والوطء، فلا يجد في الوطء كبير لذة؛ لأن لذة الوطء بقدر بعد ما بين الزمانين، وكذلك لذة الأكل
والله، ما أعرف من عاش رفيع القدر بالغا من اللذات ما لم يبلغ غيره؛ إلا العلماء المخلصين؛ كالحسن وسفيان وأحمد، والعباد المحققين، كمعروف؛ فإن لذة العلم تزيد على كل لذة، وأما ضرهم إذا جاعوا، أو ابتلوا بأذى، فإن ذلك يزيد في رفعتهم، وكذلك لذة الخلوة والتعبد
بقدر صعود الإنسان في الدنيا تنزل مرتبته في الآخرة. وقد صرح بهذا ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: والله، لا ينال أحد من الدنيا شيئا، إلا نقص من درجاته عند الله، وإن كان عنده كريما.
وجدت في الناس خلة مذمومة لي فيها نصيب وهي أن الناس لا يكتمون البلاء وكذلك الأعمال الصالحة ، وهذه من معاملات الخلق فإظهارها رياء وشرك وما كان السلف إلا على كتمان المعاملات وبذلك رفعهم الله
وأصلحنا له زوجه .. ثم بين السبب إنهم كانوا يسارعون في الخيرات .. فاعلم أن سبب كل مصيبة من ابن أو زوجه الذنوب
العادات في الجملة هي المهلكة ، وقد رأيت عادات الناس تغلب على الشرع
ما رأيت أعظم فتنة من مقاربة الفتنة، وقل أن يقاربها إلا من يقع فيها: "ومن حام حول الحمى، يوشك أن يقع فيه"1
رأيت الشره في تحصيل الأشياء يفوت النفس مقصودها
هذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقال له بالأمس: اليتيم، ويقلب في عجائب يلاقيها من الأعداء تارة، ومن مكايد الفقر أخرى، وهو أثبت من جبل حراء، ثم لما تم له مراده من الفتح، وبلغ الغرض من أكبر الملوك وأهل الأرض، نزل به ضيف النقلة، فقال: "واكرباه"3.
فمن تلمح بحر الدنيا، وعلم كيف تتلقى الأمواج، وكيف يصبر على مدافعة الأيام، لم يستهون نزول بلاء، ولم يفرح بعاجل رخاء.
اعلم أن أصلح الأمور الاعتدال في كل شيء،
الرضا من ثمرات المعرفة
ينبغي للعاقل أن إذا رزق قوتا، أو كان له مواد: أن يحفظها، ليتجمع همه، ولا ينبغي أن يبذر في ذلك، فإنه يحتاج فيتشتت همه، والنفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت؛ فإن لم يكن له مال، اكتسب بقدر كفايته، وقلل الغلو، ليجمع همه. وليقنع بالقليل؛ فإنه متى سمت همته إلى فضول المال، وقع المحذور من التشتت؛ لأن التشتت في الأول للعدم، وهذا التشتت يكون للحرص على الفضول، فيذهب العمر على البار
أسرع المعاصي عقوبة ما خلا عن لذة تنسي النهى1، فتكون تلك الخطيئة كالمعاندة والمبارزة
ليس في الوجود شيء أصعب من الصبر: إما عن المحبوب، أو على المكروهات، وخصوصا إذا امتد الزمان، أو توقع اليأس من الفرج، وتلك المدة تحتاج إلى زاد يقطع به سفرها.
500- والزاد يتنوع من أجناس: فمنه: تلمح مقدار البلاء، وقد يمكن أن يكون أكثر، ومنه: أنه في حال فوقها أعظم منه، مثل أن يبتلى بفقد ولد، وعنده. أعز منه، ومن ذلك: رجاء العوض في الدنيا، ومنه: تلمح الأجر في الآخرة، ومنه: التلذذ بتصوير المدح والثناء من الخلق فيما يمدحون عليه، والأجر من الحق عز وجل.
آلة العلم والحفظ القلب والفكر، فإذا رفهت الآلة، جاد العمل. وهذا أمر لا يعلم إلا بالعلم
ورأيت الإنسان قد حمل من التكليف أمورا صعبة، ومن أثقل ما حمل مدارة نفسه، وتكليفها الصبر عما تحب، وعلى ما تكره، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس ومن هذا ما يحكى عن بشر الحافي رحمة الله عليه: سار ومعه رجل في طريق، فعطش صاحبه، فقال له: أنشرب من هذا البئر؟ فقال بشر: اصبر إلى البئر الأخرى! فلما وصلا إليها، قال له: البئر الأخرى؛ فما زال يعلله، ثم التفت إليه، فقال له: هكذا تنقطع الدنيا. ومن فهم هذا الأصل، علل النفس، وتلطف بها، ووعدها الجميل، لتصبر على ما قد حملت، كما كان بعض السلف يقول لنفسه: والله، ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك. وقال أبو يزيد رحمة الله عليه: ما زلت أسوق نفسي إلى الله تعالى وهي تبكي، حتى سقتها وهي تضحك.
من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها نال خيرها، ونجا من شرها، ومن لم ير العواقب، غلب عليه الحس
إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى، مع مقاربة الفتنة، فإن الهوى مكايد
سبحان من سبقت محبته لأحبابه؛ فمدحهم على ما وهب لهم، واشترى منهم ما أعطاهم، وقدم المتأخر من أوصافهم لموضع إيثارهم، فباهى بهم في صومهم، وأحب خلوف أفواههم
خَطَرَتْ لي فكرة فيما يجري على كثير من العالم من المصائب الشديدة والبلايا العظيمة، التي تتناهى إلى نهاية الصعوبة، .. فعلمت أن العقوبات -وإن عظمت- دون إجرامهم؛ فإذا وقعت عقوبة لتمحص ذنبًا، صاح مستغيثهم: ترى هذا بأيٍّ ذنبٍ؟! وينسى ما قد كان مما تتزلزل الأرض لبعضه!
تأملت التحاسد بين العلماء، فرأيت منشأه من حب الدنيا، فإن علماء الآخرة يتوادون، ولا يتحاسدون: كما قال عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} "الحشر:"، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} "الحشر:".
كان النخعي لا يستند إلى سارية
من أحب تصفية الأحوال، فليجتهد في تصفية الأعمال، قال الله عز وجل: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} "الجن:".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي، عن ربه عز وجل: "لو أنَّ عبادي أطاعوني، لسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولم أسمعهم صوت الرعد"
وكان شيخ يدور في المجالس ويقول: من سره أن تدوم له العافية، فليتق الله -عز وجل.
تأملت على أكثر أهل الدين والعلم هذه الحال، فوجدت العلم شغلهم عن المكاسب في بداياتهم، فلما احتاجوا إلى قوام نفوسهم ذلوا، وهم أحق بالعز.
الدنيا إنما تراد لتعبر لا لتعمر، وهذا هو الذي يدلك عليه علمك، ويبلغه فهمك، وما يناله أهل النقص من فضولها يؤذي أبدانهم وأديانهم، فإذا عرفت ذلك، ثم تأسفت على فقد ما فقده أصلح لك، كان تأسفك عقوبة لتأسفك على ما تعلم المصلحة في بعده، فاقنع بذلك عذابًا عاجلًا إن سلمت من العذاب الآجل.
لقد كان جماعة من المحققين لا يبالون بمعظم في النفوس إذا حاد عن الشريعة، بل يوسعونه لومًا، فنقل عن أحمد أنه قال له المروذي3: ما تقول في النكاح؟ فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: فقد قال إبراهيم. قال: فصاح بي، وقال: جئتنا بِبُنَيَّاتِ الطريق؟ وقيل له: إن سَرِيًّا السقط قال: لما خلق الله تعالى الحروف، وقف الألف، وسجدت الباء.. فقال: نَفِّرُوا الناس عنه.
واعلم أن المحقق لا يهوله اسم معظم، كما قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير كان على الباطل؟ فقال له: إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق، تعرف أهله.
كان الحسنيعيب فرقدًا السبخي ومالك بن دينار3 في زهدهما، فرئي عنده طعام فيه لحم، فقال: لا رغيفي مالك، ولا صحني فرقد. ورأى على فرقد كساءً فقال: يا فرقد! إن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية.
"ولا تقولن: الحصول على الحلال المحض مستحيل، لذلك وجب الزهد، تجنبًا للشبهات، فإن المؤمن حسبه أن يتحرى في كسبه هو الحلال، ولا عليه من الأصول التي نبتت منها هذه الأموال" فإنا لو دخلنا ديار الروم، فوجدنا أثمان الخمور، وأجرة الفجور، كان لنا حلالًا بوصفه الغنيمة. أفتريد حلالًا على معنى أن الحبة من الذهب لم تنتقل منذ خرجت من المعدن على وجه لا يجوز؟ فهذا شيء لم ينظر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو ليس قد سمعت أن الصدقة عليه حرام، فلما تصدق على بربرة بلحم، فأهدته؛ جاز له أكل تلك العين لتغير الوصف.
- وقد قال أحمد بن حنبل: أكره التقلل من الطعام، فإن أقوامًا فعلوه، فعجزوا عن الفرائض
واسمع مني بلا مُحَابَاةٍ: لا تحتجن علي بأسماء الرجال، فتقول: قد قال بشر3، وقال إبراهيم بن أدهم، فإن من احتج بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أقوى حجة. على أن لأفعال أولئك وجوهًا تحملها عليهم بحسن الظن.
اعلم أن فقيهًا واحدًا -وإن قل أتباعه، وخفت إذا مات أشياعه- أفضل من ألوف تتمسح العوام بهم تبرُّكًا! ويشيع جنائزهم ما لا يحصى. وهل الناس إلا صاحب أثر يتبعه، أو فقيه يفهم مراد الشرع، ويفتي به؟!
نعوذ بالله من الجهل وتعظيم الأسلاف تقليدًا لهم بغير دليل، فإن من ورد المشرب الأول، رأى سائر المشارب كدرة.
قالت رابعة: إن كان صلاح قلبك في الفالوذج، فكله.
من ظن أن التكاليف سهلة فما عرفها
الإنسان إذا خرج يمشي في الأسواق، ويبصر زينة الدنيا، ثم دخل إلى المقابر، فتفكر، ورق قلبه، فإنه يحس بين الحالتين فرقًا بينًا، وسبب ذلك التعرض بأسباب الحوادث. فعليك بالعزلة، والذكر، والنظر في العلم، فإن العزلة حمية، والفكر والعلم أدوية، والدواء مع التخليط لا ينفع
تأملت حرص النفس على ما منعت منه، فرأيت حرصها يزيد على قدر قوة المنع. ورأيت في الشرب الأول: أن آدم عليه السلام لما نهي عن الشجرة، حرص عليها مع كثرة الأشجار المغنية عنها. ويقال: لو أمر الناس بالجوع، لصبروا، ولو نهوا عن تفتيت البعر؛ لرغبوا فيه، وقالوا: ما نهينا عنه إلا لشيء.
الانقطاع، ينبغي أن تكون العزلة عن الشر لا عن الخير، والعزلة عن الشر واجبة على كل حال، وأما تعليم الطالبين، وهداية المريدين، فإنه عبادة العالم… وإنما تميل النفس إلى ما يزخرفه الشيطان من ذلك لمعنيين: أحدهما: حب البطالة؛ لأن الانقطاع عندها أسهل، والثاني: لحب المدحة، فإنها إذا توسمت بالزهد، كان ميل العوام إليها أكثر. فعليك بالنظر في الشرب الأول، فكن مع السرب المتقدم، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فهل نقل عن أحد منهم ما ابتدعه جهلة المتزهدين والمتصوفة، من الانقطاع عن العلم؟ والانفراد عن الخلق، وهل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق؟ وحثهم على الخير، ونهيهم عن الشر؟! إلا أن ينقطع من ليس بعالم بقصد الكف عن الشر، فذاك مرتبة المحتمي، يخاف شر التخليط3، فأما الطبيب العالم بما يتناول، فإنه ينتفع بما يناله.
تأملت المراد من الخلق، فإذا هو الذل، واعتقاد التقصير والعجز .. ومثلت العلماء والزهاد العاملين صنفين: فأقمت في صف العلماء: مالكًا، وسفيان، وأبا حنيفة، والشافعي، وأحمد. وفي صف العباد: مالك بن دينار، ورابعة، ومعروفًا الكرخي، وبشر بن الحارث. فكلما جد العباد في العبادة، صاح بهم لسان الحال: عباداتكم لا يتعداكم نفعها؛ وإنما يتعدى نفع العلماء، وهم ورثة الأنبياء .. وإذا رأى العلماء أن لهم بالعلم فضلًا، صاح لسان الحال بالعلماء: وهل المراد من العلم إلا العمل؟!
فحصل الكل على الاعتراف والذل، فاستخرجت المعرفة منهم حقيقة العبودية باعترافهم، فذلك هو المقصود من التكليف.
قال الحكماء: العشق العمى عن عيوب المحبوب فمن تأمل عيوبه سلا.
عطاء الخراساني، قال: مكتوب في التوراة: كل تزويج على غير هوى؛ حسرة وندامة إلى يوم القيامة.
قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب! كم أعصيك ولا تعاقبني! فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري! أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟
ولقد سبرت السلف كلهم، فأردت أن استخرج منهم من جمع بين العلم حتى صار من المجتهدين، وبين العمل حتى صار قدوة للعابدين، فلم أر أكثر من ثلاثة: أولهم: الحسن البصري، وثانيهم: سفيان الثوري، وثالثهم: أحمد بن حنبل، وقد أفردت لأخبار كل واحد منهم كتابًا، وما أنكر على من ربعهم بسعيد بْنِ المُسَيَّبِ
رئي سلمان رضي الله عنه يحمل طعامًا على عاتقه، فقيل له: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال: إن النفس إذا أحرزت قوتها، اطمأنت.
وقال سفيان الثوري: إذا حصلت قوت شهر، فتعبد.
واعلم أن الاهتمام بالكسب، يجمع الهم، ويفرغ القلب، ويقطع الطمع في الخلق، فإن الطبع له حق يتقاضاه، وقد بين الشرع ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن لنفسك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا".
من دام على مخالفتها [أي النفس] على الإطلاق، فإنه يعمي قلبها، ويبلد خواطرها، ويشتت عزائمها، فيؤذيها أكثر مما ينفعها، وقد قال إبراهيم بن أدهم: إن القلب إذا أكره، عمي، وتحت مقالته سر لطيف، وهو أن الله عز وجل قد وضع طبيعة الآدمي على معنى عجيب، وهو أنها تختار الشيء من الشهوات مما يصلحها، فتعلم باختيارها له صلاحه، وصلاحها به. وقد قال حكماء الطب: ينبغي أن يفسح للنفس فيما تشتهي من المطاعم، وإن كان فيه نوع ضرر؛ لأنها إنما تختار ما يلائمها؛ فإذا قمعها الزاهد في مثل هذا، عاد على بدنه بالضرر
المؤمن العاقل، لا يترك لجامها [أي لجام نفسه] ولايهمل مقودها، بل يرخي لها في وقت، والطول بيده، فما دامت على الجادة، لم يضايقها في التضييق عليها، فإذا رآها قد مالت، ردها باللطف، فإن ونت وأبت، فبالعنف، ويحسبها في مقام المداراة كالزوجة، التي مبنى عقلها على الضعف والقلة، فهي تداري عند نشوزها بالوعظ، فإن لم تصلح، فبالهجر، فإن لم تستقم، فبالضرب، وليس في سياط التأديب أجود من سوط عزم.
كنت في بداية الصبوة قد ألهمت سلوك طريق الزهاد، بإدامة الصوم والصلاة، وحببت إلي الخلوة، فكنت أجد قلبا طيبا، وكانت عين بصيرتي قوية الحدة، تتأسف على لحظة تمضي في غير طاعة، وتبادر الوقت في اغتنام الطاعات، ولي نوع أنس، وحلاوة مناجاة، فانتهى الأمر إلى أن صار بعض ولاة الأمور يستحسن كلامي، فأمالني إليه، فمال الطبع، ففقدت تلك الحلاوة. ثم استمالني آخر، فكنت أتقي مخالطته ومطاعمه لخوف الشبهات، وكانت حالتي قريبة، ثم جاء التأويل، فانبسطت فيما يباح، فعدم ما كنت أجد من استنارة وسكينة، وصارت المخالطة توجب ظلمة في القلب، إلى أن عدم النور كله، فكان حنيني إلى ما ضاع مني يوجب انزعاج أهل المجلس، فيتوبون ويصلحون، وأخرج مفلسا فيما بيني وبين حالي!
احذروا -إخواني- من الترخص فيما لا يؤمن فساده؛ فإن الشيطان يزين المباح في أول مرتبة، ثم يجر إلى الجناح، فتلمحوا المآل، وافهموا الحال! وربما أراكم الغاية الصالحة، وكان في الطريق إليها نوع مخالفة!
فيكفي الاعتبار في تلك الحال بأبيكم: {هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} [طه: ] ، إنما تأمل آدم الغاية -وهي الخلد- ولكنه غلط في الطريق.
- وهذا أعجب مصايد إبليس التي يصيد بها العلماء، يتأولون لعواقب المصالح، فيستعجلون ضرر المفاسد!!
ما نافق زاهد إلا لأجل الدنيا .. ما رأيت أظرف من لعب الدنيا بالعقول
أهدي إلى أحمد بن حنبل هدية فردها. ثم قال بعد سنة لأولاده: لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت.
تأملت في نفسي تأويلا في مباح أنال به شيئا من الدنيا؛ إلا أنه في باب الورع كدر، فرأيته أولا قد احتلب در الدين، فذهبت حلاوة المعاملة لله تعالى، ثم عاد فقلص ضرع حلبي له، فوقع الفقد للحالين.
فقلت لنفسي: ما مثلك إلا كمثل وال ظالم، جمع [مالا] من غير حله، فصودر، فأخذ منه الذي جمع، وألزم3 ما لم يجمع.
فالحذر الحذر من فساد التأويل، فإن الله تعالى لا يخادع، ولا ينال ما عنده بمعصيته.
من سار مع العقل، وخالف طريق الهوى، ونظر إلى العواقب، أمكنه أن يتمتع من الدنيا أضعاف ما تمتع من استعمل الشهوات
ومن اتقى الله، وتشاغل بالعلم أو تحقيق الزهد، فتح له من المباحات ما يلتذ به كثيرا،
من تأمل حال العلماء الذين يعملون لهم في الولايات، يراهم منسلخين من نفع العلم، قد صاروا كالشرط
ليقلل الهم على مقدار ما يمكنه من حذف العلائق جهده، ليجمع الهم في ذكر الآخرة؛ فإن لم يفعل، أخذ في غفلته، وندم في حفرته.
ليس في التكليف أصعب من الصبر على القضاء، ولا فيه أفضل من الرضا به. فأما الصبر، فهو فرض، وأما الرضا، فهو فضل.
احذر جمود النقلة، وانبساط المتكلمين، وجموح3 المتزهدين، وشره أهل الهوى، ووقوف العلماء على صورة العلم من غير عمل، وعمل المتعبدين بغير علم.
الصواب العكوف على العلم، مع تلذيع النفس بأسباب المرفقات تلذيعا لا يقدح في كمال التشاغل بالعلم.
للنفس قوة بدنية عند وجود المال، وهو معدود عند الأطباء من الأدوية، حكمة وضعها الواضع.
مالك بن دينار : قولوا لمن لم يكن صادقا لا يتعنى
إن لم تستطع قصر الأمل، فاعمل عمل قصير الأمل
لا يعمل للناس إلا من عظم قدره عندهم وقل نظر الله إليه
الصبر عبء ثقيل يحتاج إلى حامل ولا حامل له إلا العقل لأن العقل يرى العواقب
أحضر قلبك واقبل نصحي لا تنفق عمرك باطلا في حب ولد إن لم يتمن موتك لم تبال به أو زوجة إن تنس فقدك أسرعت التعوض أو صديق يداخلك لما يرجو منك فإذا غبت عنه نسيك
ما رأيت معوقا عن الخير مثل طول الأمل
لا خير -والله- في سعة من الدنيا ضيقت طريق الآخر
متى ضجت النفس لقلة صبر، فاتل عليها أخبار الزهاد، فإنها ترعوي1، وتستحي، وتنكسر، إن كانت لها همة، أو فيها يقظة
ليس في الدنيا شيء إلا وهو مشوب .. والخير الوسط بين الفقر والغنى
قال إبراهيم بن أدهم : إذا رأينا الشاب يتكلم في الحلقة أيسنا من خيره
من أصلح نفسه قوم خلقا كثيرا لا يتقومون بكلام طويل
يحيى بن معين : ما طمع أمرد بصحبتي في طريق ولا أحمد بن حنبل
قال بشر الحافي : إن الرجل ليرائي بعد موته فقيل كيف قال يحب أن يكثر الناس على جنازته
قد كنت أرجو مقامات الكبار، فذهب العمر، وما حصل المقصود!!
فوجدت أبا الوفاء ابن عقيل قد ناح نحو ما نحت، فأعجبتني نياحته، فكتبتها ها هنا، قال لنفسه:
يا رعناء! تقومين الألفاظ ليقال: مناظر وثمرة هذا أن يقال: يا مناظر! كما يقال للمصارع: الفاره1.
ضيعت أعز الأشياء وأنفسها عند العقلاء -وهي أيام العمر- حتى شاع لك بين من يموت غدا اسم مناظر، ثم ينسى الذاكر والمذكور إذ درست2 القلوب! هذا إن تأخر الأمر إلى موتك؛ بل ربما نشأ شاب أفره منك، فموهوا له، وصار الاسم له. والعقلاء عن الله تشاغلوا بما إذا انطووا نشرهم3، وهو العمل بالعلم، والنظر الخالص لنفوسهم.
أف لنفسي! وقد سطرت عدة مجلدات في فنون العلوم4، وما عبق بها فضيلة، إن نوطرت، شمخت، وإن نوصحت؛ تعجرفت، وإن لاحت الدنيا؛ طارت إليها طيران الرخم5، وسقطت عليها سقوط الغراب على الجيف، فليتها أخذت أخذ المضطر من الميتى توقر6 في المخالطة عيوبا تبلي، ولا تحتشم نظر الحق إليها، وإن انكسر لها غرض؛ تضجرت، إن أمدت7 بالنعم؛ اشتغلت عن المنعم!!
اللهم، توبة خالصة من هذه الأقذار، ونهضة صادقة لتصفية ما بقي من الأكدار، وقد جئتك بعد الخمسين، وأنا من خلق1 المتاع، وأبى العلم إلا أن يأخذ بيدي إلى معدن الكرم، وليس لي وسيلة إلا التأسف والندم؛ فوالله ما عصيتك جاهلا بمقدار نعمك، ولا ناسيا لما أسلفت من كرمك، فاغفر لي سالف فعلي.
شكا [لي] رجل من بغضه لزوجته، ثم قال: ما أقدر على فراقها، لأمور، منها: كثرة دينها علي، وصبري قليل، ولا أكاد أسلم من فلتات لساني في الشكوى، وفي كلمات تعلم بغضي لها.
فقلت له: هذا لا ينفع، وإنما تؤتى البيوت من أبوابها! فينبغي أن تخلو بنفسك، فتعلم أنها إنما سلطت عليك بذنوبك، فتبالغ في الاعتذار والتوبة.
فأما التضجر والأذى لها، فما ينفع، كما قال الحسن بن الحجاج1: عقوبة من الله لكم، فلا تقابلوا عقوبته بالسيف، وقابلوها بالاستغفار.
واعلم أنك في مقام مبتلى ولك أجر بالصبر، {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} [البقرة: 216] ! فعامل الله سبحانه بالصبر على ما قضى، واسأله الفرج، فإذا جمعت بين الاستغفار وبين التوبة من الذنوب والصبر على القضاء وسؤال الفرج، حصلت ثلاثة فنون من العبادة تثاب على كل منها.
ولا تضيع الزمان بشيء لا ينفع، ولا تحتل ظانا منك أنك تدفع ما قدر، {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو} [الانعام: 17] .
روي عن بعض السلف أن رجلا شتمه، فوضع خده على الأرض، وقال: اللهم! اغفر لي الذنب الذي سلطت هذا به علي.
وهذا بشر الحافي يقول: لا أحدث؛ لأني أشتهي أن أحدث!!.
وهذا تعليل لا يصلح؛ لأن الإنسان مأمور بالنكاح، وهو من أكبر المشتهى.
ينبغي للإنسان أن يجتهد في جمع همه، لينفرد قلبه1 بذكر الله سبحانه وتعالى، وإنفاذ أوامره، والتهيؤ للقائه، وذلك إنما يحصل بقطع القواطع، والامتناع عن الشواغل، وما يمكن قطع القواطع جملة، فينبغي أن يقطع ما يمكن منها.
وما رأيت مشتتا للهم، مبددا للقلب مثل شيئين:
أحدهما: أن تطاع النفس في طلب كل شيء تشتهيه، وذلك لا يوقف على حد فيه، فيذهب الدين والدنيا، ولا ينال كل المراد، مثل أن تكون الهمة في المستحسنات، أو في جمع المال، أو في طلب الرئاسة، وما يشبه هذه الأشياء.
فيا له من شتات لا جامع له! يذهب العمر، ولا ينال بعض المراد منه.
والثاني: مخالطة الناس -خصوصا العوام- والمشي في الأسواق
لا عيش في الدنيا إلا للقنوع باليسير؛ فإنه كلما زاد الحرص على فضول العيش، زاد الهم، وتشتت القلب، واستعبد العبد.
وأما القنوع، فلا يحتاج إلى مخالطة من فوقه، ولا يبالي بمن هو مثله؛ إذ عنده ما عنده.