مختارات الوحشيات لأبي تمام
تَاللهِ لَوْلاَ انكِسَارُ الرُّمْحِ قَدْ عَلِموُا
مَا وَجَدُونِي ذَلِيلاً كَالَّذِي وَجَدُوا
قَدْ يُخْطَمُ الفَحْلُ قَسْراً بَعْدَ عِزّتِه
وَقَدْ يُرَدُّ عَلَى مَكْرُوهِهِ الأَسَدُ
وما إن قتلناهم بأكثر منهم
ولكن بأوفى في الطعان وأكرما
فَإِنْ نُهْزَمْ فهَزَّامُونَ قِدْماَ
وَإنْ نُغلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبينَا
فَمَا إن طبِنُّا جُبْنٌ ولَكنْ
مَنَايَانَا ودَوْلَةُ آخَرِينَا
وَمَن يُغْرَرْ برَيْبِ الدَّهْرِ يَوْماً
يَجِدْ رَيْبَ المَنُونِ لَهُ خَؤونَا
فَأَفْنَى ذَاكُمُ سَادَاتِ قَومِي
كَمَا أَفْنَى القُرُونَ الأوَّليِنَا
فَلَوْ خَلَدَ المُلُوكُ إذاً خَلَدْنَا
وَلَوْ بَقِيَ المُلُوكُ إذاً بَقينَا
وَمَا بَعُدَتْ أحْسَابُكُمْ غَيْرَ أنّكُم
بَعِيدُونَ مَن بِرٍّ بِنَا ولَياَنِ
إِنِّي وبُغْضِي الإنْسِ مَنْ بَعْدِ حُبّهم
وصَبْرِي عّمنْ كنتُ مَا إنْ أُزَايِلُهْ
لَكَالصّقْرِ جَلَّى بَعْدَ ما صَادَ قُنْيَةً
قَدِيرَا ومَشْوِيًّا عَبيطاً خَرادِلُهْ
أَهَابُوا بِهِ فَازْدَادَ بُعْداً وَهَاجَهُ
عَلَى النّأْيِ مِنْهُ صَوْتُ رَعْدٍ وَوَابِلُهْ
أَلَمْ تَرَنِي حَالَفْتُ صَفْرَاَء نَبْعَةً
لَهَا رَبَذِيٌّ لَمْ تُقَلَّلْ مَعَابِلُهْ
وَطَالَ احْتِضَانِي السَّيْفَ حَنَّى كَأَنَّما
يُلاَطُ بِكَشْحِي جَفْنُهُ وحَمَائِلُهْ
أخُو فَلَوَاتٍ حَالَف الجِنَّ وَانْتَحَى
عَن الإنْسِ حَتَّى قَدْ تَقَضَّتْ وَسَائِلُهْ
لَهُ نَسَبُ الإنْسيِّ يُعَرفُ نَجْرُهُ
وَللِجنِّ منْهُ شَكْلُه وشَمَائلُهْ
فَلَمْ أَرَ للمَقَادَةِ كَالعَوَاليِ
وَلاَ للِثَّأرِ كَالقَوْمِ الغِضَابِ
فَمَا السِّجْنُ أبْكَانِي وَلاَ القَيْدُ شَفَّنِي
وَلاَ أَنَّني مِنْ خَشْيَةِ القَيْدِ أَجْزَعُ
بَلَى إنَّ أَقْوَامَا أَخَافُ عَلَيْهمُ
إذَا مِتُّ أنْ يُعْطُوا الَّذِي كُنْتُ أمْنَعُ
تَقُولُ سُلَيْمَى لاَ تَعَرَّضْ لِتَلْفَةٍ
وَلَيْلُكَ مِنْ لَيْلِ الصَّعَاليِكِ نَائِمُ
ألَمْ تَعْلَمِي أنَّ الصَّعَالِيكَ نَوْمُهُمْ
قَلِيلٌ إذَا نَامَ البَطينُ المُسَالِمُ
وَكَيْفَ يَنَامُ اللَّيْلَ مَنْ جُلُّ مَالِهِ
حُسَامٌ كَلَوْنِ المِلْحِ أبْيَضُ صَارِمُ
جُرَازٌ إذَا مَسَّ الضَّرِيبَةَ لَمْ يَدَعْ
بِهَا طَمَعَاً طَوْعُ اليَدَيْن مُكَارِمُ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللهِ لاَ تَأْخُذونَهَا
مُرَاغَمَةً مَا دَامَ للِسَّيْفِ قَائِمُ
كَأَنَّ حَرِيماً إذْ رَجَا أَنْ أرُدَّها
وَيَذْهَبَ مَالِي يَا ابْنةَ القَوْمِ حَالِمُ
مَتَى تَجْمَعِ القَلْبَ الذَّكِيَّ وَصَارِماً
وَأَنْفاً أَبِيَّا تَجْتَنِبْكَ المظَالِمُ
وَمَنْ يَطْلُبِ الماَلَ المُمَنَّعَ بالقَنَا
يِعشْ مُثْرِياً أوْ تخْتَرِمْهُ المَخَارِمُ
وَكُنْتُ إذَا قَوْمٌ غَزَوْني غَزَوْتُهُم
فَهَلْ أنَا فِي ذَا يآلَ هَمْدَانَ ظَالِمُ
فَلاَ صُلْحَ حَتَّى تُقْدَعَ الخَيْلُ بِالقَنَا
وَتُضْرَبَ بالبيِضِ الخِفَافِ الجَمَاجِمُ
إذَا جَرَّ مَوْلانَا عَلَيْنَا جَرِيرَةً
صَبَرْنا لَهَا إنَّا كِرَامٌ دَعَائِمُ
وَنَنْصُرُ مَوْلاَنَا وَنَعْلَمُ أَنَّهُ
كَمَا النَّاسُ مَجْرُومٌ عَلَيْهِ وَجَارِمُ
عَوَى الذِّئبُ فَاسْتأنَسْتُ للِذَّئْبِ إذْعَوَى
وَصَوّتَ إِنْسَانٌ فَكِدْتُ أَطِيرُ
يَرَى اللهُ أَنِّى للأَِنيس لَشاَنِيٌ
وَتُبْغضُهُمْ ليِ مُقْلَةٌ وضَميرُ
مَتَى تَلْقَنِي يَعْدُو ببَزّي مُقَلّصٌ
كُمَيْتٌ بَهيمٌ أَوْ أَغَرُّ مُحَجَّلُ
تُلاَقِ اَمْرءا إِنْ تَلْقَهُ فَبِسَيْفِهِ
تُعَلِمُكَ الأيِّامُ مَا كُنْتَ تَجْهَلُ
إذَا أَصْبَحْتُ بَيْنَ جِبَالِ قَوٍّ
وَبِيضَانِ القُرَى لَمْ تَحْذَرِينِي
فَإمَّا أَنْ تَوَدِّينَا فَنَرْعَى
أَمَانَتَكُمْ وَإمّا أَنْ تَخُونِي
سَأُخْلِي للِظَّعِينَةِ مَا أَرَادَتْ
وَلَسْتُ بِحَارِسٍ لَكِ كُلَّ حِينِ
إذَا مَا جِئْتِ مَا أَنْهَاكِ عَنْهُ
وَلَمْ أُنْكِرْ عَلَيْكِ فَطَلِقَيِنِي
فَأَنْتِ البَعْلُ يَوْمَئِذٍ فَقُومِي
بِسَوْطِكِ لاَ أَبَا لَكِ فَاضْربِينِيِ
رَمَى الفَقْرُ بالفِتْيَانِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ
بِأَقْطَارِ آفَاقِ البلاَدِ نُجُومُ
وَإنَّ اَمْرَأَ لَمْ يُفْقِرِ العَامَ نَبْتَهُ
وَلَمْ يَتَخَدَّدْ لَحْمُهُ لَلَئِيمُ
وَقَيْناكُمُ حَرَّ القَنَا بنُفُوسِنَا
وَلَيْس لَكْم خَيْلٌ سِوَانا وَلا رَجْلُ
فَلَمَّا رَأَيْتُمْ وَاقِدَ الحَرْبْ قَد خَبَا
وَطَابَ لَكُمْ مِنها المَشَارِبُ والأكلُ
تَغَاَفْلُتُمُ عَنَّا كَأَنْ لَمْ نَكُنْ لَكُمْ
صَدِيقاً وَأنتمْ ما عَلمْتُ لهَا فِعْلُ
فَلاَ تَعْجَلُوا إن دَارَتِ الحَرْبُ دَوْرةً
وَزَلَّتْ عَنِ المَوْطَأةِ بِالقَدَمِ النَّعْلُ
مَنْ كَانَ كَارِهَ عَيْشِه فَلْيَأْتِنا
يَلْقَ المَنِيَّةَ أَوْ يَؤوبَ لَهُ غِنَى
وَلَقَدْ عَلِمْتُ عَلَى تَجَنُّبِيَ الرَّدَى
أَنَّ الحُصًُونَ الخَيْلُ لاَ مَدَرُ القُرَى
رَاحُوا بَصَائِرهُمْ عَلَى أَكْتَافِهمْ
وَبَصِيرَتِي يَعْدُو بها عَتَدٌِ وَأَى
نَهْدُ المَرَاكِلِ لاَ يَزَالُ زَمِيلُهُ
فَوْقَ الرَّحالَةِ مَا يُبَالِي مَا أَتَى
أَمَّا إذَا اسْتَدْبَرْتَهُ فَتَسُوقهُ
رِجْلٌ قَموصُ الوَقْعِ عَارِيةُ النسَّا
أَمَّا إذَا اسْتَعْرضْتَهُ متَمَطِّراً
فَتَقُولُ هَذَا مِثْلُ سِرْحَانِ الغَضَا
أَمَّا إذَا اسْتَقْبَلْتَهُ فَكَأَنَّهُ
بَازٍ يُكَفْكِفُ أنْ يطِير وقَدْ رأى
إِنِّي وَجَدْتُ الخَيْلَ عِزاًّ ظَاهِراً
تُنْجِي مِن الغُمَّى وَيكْشفِنَ الدُّجَى
وَيبِتْنَ بِالثَّغْرِ المَخُوفِ طَوالعاً
وَيُثِبْنَ للِصُّعْلُوكِ جُمَّةَ ذِي الغِنَى
إِخْوَانُ صِدْقٍ مَا رَأَوْكَ بِغْبطةٍ
فَإِن افتَقَرْتَ فَقَدْ هَوَى بك ما هَوى
مَسَحُوا لِحَاهم ثمَّ قَالُوا سَالمِوُا
يَا لَيْتَنِي فِي القَوْمِ إِذَ مَسَحُوا اللِّحَى
وَلَحَيْنَ كِسْرَى بَعْدَمَا وُهِبَتْ لَهُ
ذِمَمُ المُلُوكِ وَعَاثَ أَمْرُ الْمُفسِدِ
رَفَع الهُدَى لِسَمائِه مَلْمُومَةً
مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلها لَم يَرشُدِ
جَأْوَاَء يَدْفَعُها الوَغَى عَنْ نَفْسه
وَإذَا تُحَدُّ كَتِيبةٌ لَمْ تُحْدَدِ
شَتَّى قبَائِلُها لِكُلِّ قَبيلةٍ
سِيمَاهُمُ وَالدِّينُ دِينُ مُحَمَّدِ
فَسَلَبْنَ نِعْمَتَهُ وبَيْضَةَ مُلكِه
وأَرَحْنَ دِجْلةَ منْ مْلِيكٍ مُفْسِدِ
وَكَيْفَ افْتِخَارُ القَوْمِ قَبْلَ لِقَائِهْمْ
أَلا إنَّ مَا بَعْدَ اللِقّاءِ هُوَ الفَخْرُ
وَكَتِيبَةٍ لَبَّستُها بِكَتِيبَةٍ
حَتَّى تَقُولَ سَرَاتُهُمْ: هَذا الفَتَى
لاَ يشتَكُونَ المَوْتَ غَيْرَ تَغَمْغُمٍ
حَكَّ الجِمالِ جُنُوبَهُنَّ مِنَ الشَّذَا
يَخرُجْنَ مِن خَلَلِ الغُبَارِ عَوَابساً
كَأَصَابعِ المَقْرُورِ أَقْعَى فاصْطَلَى
يَتَخَالَسُونَ نُفُوسَهُمْ بِنَوَافِذٍ
فِكَأَنَّما عَضَّ الكُمَاةُ عَلى الحَصَى
فَإذَا شَدَدْتُ شَدَدْتُ غَيرَ مُكَذِّبٍ
وَإذَا طَعَنت كسَرْت رُمْحي أَوْمَضَى
يَا رُبَّ عَرْجَلةٍ أَصَابُوا خَلَّةً
دَأَبُوا وحارَ دَليِلُهمْ حتَّى بكَى
بَاتت شَآمِيَةُ الرِّياحِ تَلُفهُّمْ
حَتَّى أَتَوْنَا بَعْدَ مَا سَقَطَ النَّدَى
فَنَهَضْتُ فِي البَرْك الهُجُودِ في يَدِي
لَدْنُ المَهَزّةِ ذُو كُعوبِ كَالنَّوَىِ
أَحْذَيتُ رُمْحي عَائِطاً مَمْكُورَةً
كَوْماَء أَطْرَافُ الرِّمَاح لَها خَلاَ
فَتَطَايَرَتْ عَنَّي وَقُمْتُ بِعَاتِرٍ
صَدْقِ المَهَزّةِ ذُو كُعوب كَالنَّوَى
بَلتَتْ كِلاَبُ الحَيِّ تَسْنَحُ بَيْنَنَا
يَأكُلْنَ دَعْلَجَةً وَيشْبَعُ مَنْ عَفَا
وَمِنَ اللَّيالي لَيْلَةٌ مَزْؤُودَةٌ
غَبْرَاءُ لَيْسَ لِمَن تَجَشَّمَها هُدَى
كَلّفْتُ نَفْسي حَدَّهَا ومِراسَهَا
وَعَلِمْتُ أنَّ القَوْمَ لَيْسَ بها غَنَا
ومُناهِبٍ أَقْصَدتُ وسْطَ جُموعِهِ
وَعِشارِ راع قَدْ أخذْتُ فما تُرَى
ظَلَّتْ سَنَابِكُهَا عَلَى جُثْمَانِهِ
يَلْعَبْنَ دُحْرُوجَ الوَليدِ وَقَدْ قَضى
وَلَقَدْ ثَأَرْتُ دِمَاَءنا مِن وَاترٍ
فَاليَوْمَ إن كَانَ المنونُ قَدِ اشْتَفَى
فيوم علينا ويوم لنا
ويوم نساء ويوم نسر
عَشِيَّةَ أَجْرِي في القَرِينِ فَلاَ أَرَى
مِنَ النَّاسِ إِلاَّ مَنْ عَلَىَّ ولاَ لِيَا
وَقَدْ يَنْبُتُ المَرْعَى عَلَى دِمَنِ الثَّرَى
وَتَبْقَى حَزَازَاتُ النُّفوسِ كَمَاهِيَا
أبِيني سِلاَحِي لاَ أَبَاَلَكِ إنَّني
أَرى الحَرْبَ لاَ تَزْدَادُ إلاَّ تَمَادِيَا
أَيَذْهَبُ يَوْمٌ وَاحِدُ إنْ أَسَأْتُهُ
بِصَالحِ أَيَّامِي وَحُسْنِ بَلاَئَيِا
إنَّكَ إِنْ كَلَّفتَني مَا لَمْ أُطِقْ
سَاَءكَ مَا سَرَّكَ مِنَّي مِنْ خُلُقْ
دُونَك مَا اسْتَسْقَيْتَهُ فأحسُ وذُقْ
أَمَرتُكَ أَمْراً حَازِماً فَعَصَيْتَنِي
فَأَصْبَحْتَ مَسْلُوبَ الإمَارَةِ نَادِمَا
فَمَا أَنَا بِالبَاكِي عَلَيْهَا صَبَابَةً
وَمَا بِالدَّاعي لِتَرْجِعَ سَالِمَا
ألا أبلغْ أبَا بَكْرٍ رَسُولاً
وَأبِلغْها جَمِيعَ المُسْلمِينَا
فَلَيْس مُجَاورِاً بَيْنيِ بُيُوتاً
يِمَا قَالَ النَّبِيُّ مُكَذَّبِينَا
وَلاَ مُتَبَدِّلاً بِاللهِ رَبًّا
وَلاَ مُتَبَدِّلاً بالدَّينِ دِينَاً
وَأُنبِئْتُ أَخْوَالي أَرَادُوا عمُومَتِي
بِشَنْعَاَء فِيهَا ثَاملُ السّمِّ مُنْقَعَا
سَأَرْكَبُهَا فِيكمْ وأُدْعَى مُفَرِّقاً
فَإِنْ شِئْتُمُ مِنْ بَعْدُ كنْتُ مُجمِّعَا
فَشَلَّتْ يَميِنِي يَوْمَ أَضْربُ خَالِداً
وَيَمْنَعُهُ مِنَّي الحَدِيدُ المُظَاهَرُ
وَشَلَّتْ يَمِيني يَوْمَ أَضْرِبُ خَالدِاً
وَشَلَّ بَنَانَاها وَشَلَّ الخَنَاصِرُ
وَلَسْتُ أَجْعَلُ مَالِي فَرْعَ دَاليةٍ
فِي رأسِ جِذْعِ تُحيلُ المَاَء فِي الطِّينِ
بنات أعوج تردي في أسنتها
خير خراجا من التفاح والتين
فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِ فَإِنَّ فِيهِ
منافعَ حينَ يشتدُّ العِثارُ
أَبَى قَوْمُنَا أَنْ يُنْصِفُونَا فَأَنْصَفَتْ
قَوَاطِعُ فِي أَيْمَانِنَا تَقْطُرُ الدَّمَا
تُوُرِّثْنَ مِنْ آبَاءِ صِدْقِ تَقَدَّمُوا
بهِنَّ إلى يَوْمِ الوَغَى مُتَقَدَّمَا
وَزَعْنَاهُمُ وَزْعَ الْخَوَامِسِ غُدْوَةً
بِكُلِّ يَمَانِيِّ إذَا عَضَّ صَمَّمَا
تَرَكْنَاهُمُ لاَ يَسْتَحِلُّونَ بَعْدَهَا
لِذِي رَحِمِ يَوْماً مِنَ النَّاسِ مَحْرَمَاِ
رَأيْتُكُمَا يَا ابْنَيْ أخِي قَدْ سمنتما
وَلاَ يُدْرِكُ الأَوْتَارَ إِلاَّ المُلَوَّحُ
وَعَاذِلَةٍ تَخشَى الرَّدَى أَنْ يُصِيبَنِي
تَرُوحُ وَتَغْدُو بالمَلاَمَةِ وَالقَسَمْ
تَقُولُ هَلَكْنَا إنْ هَلَكْتَ وَإنَّماً
عَلَى اللهِ أَرْزاقُ العِبادِ كَمَا زَعَمْ
وَإنِي أُحِبُّ الخُلْدَ لَوْ أَسْتَطِيعُهُ
وَكَالخُلدِ عِنْدِي أنْ أَمُوتَ ولَمْ أَذَمّ
وَمَا السَّائِلُ المَحْرُوبُ يَرْجِعُ خَائِباً
وَلكِنْ بَخيلُ الأَغْنِيَاءِ يَخيِبُ
وَفي المَالِ أَحْدَاثٌ وَإنْ شَحَّ رَبُّهُ
يُصِيبُ الفَتَى مِنْ مَالِهِ وتُصِيبُ
لاَ تَجْعَلُونِي بِظَهْرِ الغَيْبِ مَأْكَلَةً
كَمَا يُقَسِّمُ لَحْمَ النِّيبِ أَيْسَارُ
لاَ تَعْلَقَنَّكُمُ مِنَّي مُسَيَّرَةٌ
شَنْعَاءُ يَلْمَعُ في حَافَاتِها النَّارُ
بَني عَمِّنا رُدُّوا فُضُولَ دِمَائنا .
يَنَمْ لَيْلُكُم أَوْ لا تَلُمْنا اللَّوائِمُ
وَإنَّا وَإِيَّاكُمْ وَإن طَالَ تَرْكُكُمْ
كَذي الدَّيْنِ يَنْأَى ما نأَى وَهْوَ غَارمُ
سَتَعْلَمُ إنْ طَالَ المَدَى آلُ مَالكٍ
أَبِالرُّشْدِ أَمْ بالغَيّ قَرّتْ عُيُونُهَا
فَإنَّا وَإيَّاكمْ وإنْ طَالَ تَرككُمْ
كَحَامِلَةِ يَزْدَادُ ثِقْلاً جَنِينُهَا
لَقَد زَوَّدتْنَا أُمُّ أَوْفَى قَصِيدةً
عَلَى نأْيِها أَطْرَافَها تَقْطُر الدَّمَا
وَلَوْلا حُبَيٌّ قُلْتُ قولاً يَنَالُها
وَلَوْ تَخِذتْ دُونَ الكَواكِبِ سُلَّمَا
أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَحَيَاءُ نَفْسي
وَأَخْذِي الحَمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبِيحِ
وَإقْدَامي عَلَى المَكْرُوهِ نَفْسِي
وَضَرْبي هَامَةً البَطَلِ المُشِيحِ
وَقَوْلِي كُلَّما جَشَأتْ وَجَاشَتْ
مَكَانَكِ تُحْمَدِى أو تَسْتَرِيحي
بَكَتْ جَزَعَا أُمّي رُمَيْلَةُ أنْ رَأتْ
دَمَاً مِنْ أخِيهَا في المُهَنَّدِ باَقِياَ
فَقُلْتُ لَهَا لاَ تجَزْعَي إنَّ طَارِقاً
خَلِيلِي الَّذِي كَانَ الخَلِيلَ المُصَافِيا
وَمَا كُنْتُ لَوْ أُعْطِيتُ أَلْفَىْ نَجِيبَةٍ
وَأوْلاَدَهَا لَغْواً وَسِتّيِنَ رَاعِيَا
لأَِقْبَلَهَا مِنْ طَارِقٍ دُونَ أنْ أرَى
دَمَامِنْ بَنِي حِصْنٍ عَلَى السَّيْفِ جَاريا
وَمَا كَانَ فِي عَوْفٍ قَتِيلٌ عَلَِمْتُهُ
لِيُوفِيَني مِنْ طاَرقٍ غَيْرُ خَاليِاَ
كَمْ حَيَّةٍ يَرْهَبُ الحيَّاتُ صَوْلَتَهُ
مُحْمٍ لِوَادِيِه قَدْ غَادَرْتُهُ قِطَعَا
عَجبتَ أُثَيْلَةُ أنْ رَأَتْنِيَ شَاحِباً
خَلَقَ القَمِيصِ مُخَرَّقَ الأرْدَانِ
لاَ تَعْجَبِي مِنَّي أُثَيْلَ فإَّنِني
سُؤْرُ الأسِنَّةِ كُلَّ يَوْمِ طِعَانِ
وَفَيْتُ بأَذْوادِ التَّمِيميِّ بَعْدَمَا
تَبَدَّدْنَ، والجيرَانُ غَاوٍ وراشِدُ
فَأقْسِمُ باللهِ الَّذي أَنَا عَبْدُهُ
يَقُومُ ورَائي بالخِيَانَةِ نَاشِدُ
أَتأْكُلُها تِلْكَ الذَّئَابُ ولَمْ يَكُنْ
طَعَاماً لنَصْلِ السَّيْفِ كَفٌ وساعِدُ
تَقُولُ ابْنَتي إنَّ انْطِلاقَكَ واحِداً
إلى الرَّوْعِ يَومْاً تَارِكِي لا أبَاليَا
دَعِينَا مِنَ الإشْفَاقِ أَوْ قَدِّمي لَنَا
مِنَ الحَدَثَانِ وَالمَنِيَّةِ واقِيَا
سَتَتَلْفُ نَفْسي أَو سَأَجْمَعُ هَجْمَةً
تَرَى سَاقَيِيْهَا يَأْلَمَان التَرَاقِيَا
إنَّا لَمِنْ تَغْلِبٍ قَوْمٌ مَعَاقِلُنَا
بِيضُ السُّيُوفِ إذَا مَا احْمَرَّتِ الحَدَقُ
بِيضٌ مَسَامِيحُ نَحْرُ الجزْرِ عَادَتُنا
إذَا تَوَافَى غُروبُ الشَّمْسِ وَالشَّفَقُ
وَمَا خَطَبْنَا إلى قوْمِ بَنَاتِهِمُ
إلا بِأَرْعَنَ في حَافَاتِهِ الخِرَقُ
لَقَدْ زَادَ الحيَاةَ إلى حُبًّا
بَناتي إنَّهُنَّ مِنَ الضِّعَافِ
أُحَاذِرُ أنْ يَذُقْنَ البُؤْسَ بَعْدِي
وأَنْ يَشْرَبنَ رَنْقاً بَعْدَ صَافِ
وأَنْ يَعْرَيْن إنْ كُسِيَ الجوارِي
فَتَنْبُو العَيْنُ عَنْ كَرَمٍ عِجَافِ
وأَنْ يَضْطَرِّهُنَّ الدَّهْرُ بَعْدِي
إلى جِلْفٍ مِنَ الأعْمَامِ جَافِ
ولوِلاَهُنَّ قَدْ سَوَّمْتُ مُهْرِي
وفي الرَّحْمنِ للِضُّعَفَاءِ كَافِ
وَأَذْهَلَنَا عَنْ بُغْيَةِ النَّسْلِ أَنَّنَا
بُغَانا بِأعْنَاقِ العُلَى والتَّطَوُّلِ
أَفِي اللهِ أنْ نُدْعَى إذَا مَا فَزِعْتُمُ
ونُقْصَى إذَا مَا تأْمَنُونَ ونُحْجَبُ
وَيجُعْلَ دَوُني مَنْ يَوَدُّ لَوَآنَّكُمْ
ضِرَامٌ بِكَفَّى قَابِسٍ يَتَلَهَّبُ
كَمْ مِنْ أمِيرٍ قَدْ تَجبَّرَ بَعْدَمَا
مَرَيْتُ لَهُ الدُّنْيَا بسَيِفي فَدَرّتِ
إذَا زَبَنَتْهُ عن فُوَاقٍ بِدِرّةٍ
دَعَانِي وَلاَ أُدْعَى إذَا مَا أقَرّتِ
إذَا مَا هِيَ احْلوْلَتْ نَفَى حَظَّ مَقْسِمي
وَيقْسِمُ لِي مِنْها إذَا مَا أَمَرّتِ
وَلاَقيْنَا فَوَارِسَ غَيْرَ مِيلٍ
عِجَالَ الطَّعْنِ غَيْرَ مُعَرِّدِينَا
كَأَنَّ ثَيِابَنَا مِنَّا ومِنْهُمْ
خُضِبْنَ بأُرْجُوَانٍ أوْ طِليَنا
فَآبَتْ خَيْلَنَا قُطُفاً وَفِيهِمْ
نَوَافِذُ مِنْ أَسِنَّتِنَا وَفِينَا
حَطَطْتُ عَلَيْكَ القَوْمَ مِنْ رأُس هَضْبةٍ
قد أعيا عَلَى الرَّقِينَ قَبْلَكَ نِيقُهَا
وَأَرْخَيْتُ مِنْ لَحْيَيْكَ في الحرْبِ حَلْقَةً
أُمِرَّتُ وَكَانَتْ قَدْ تَلاَحَقَ ضِيقُهاَ
فَكَانَ ثًوَاباً أنْ تَغَنَّيْتَ سَادِراً
بِعِرْضِيَ لَمَّا سَاغَ في النَّفْسِ رِيقُهَا
تَمُتُّونَ بِالحِلْفِ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا
وَعِنْدَ دِمَاءِ القَوْمِ يَنْقَطِعُ الوَصْلُ
وَمَا ظَلَمَتْ سَهْمُ بنُ عَوْفٍ حَلِيفَها
وَلَكِنْ حَذَوْا نَعْلاً فَخُطَّ لَهُ مِثْلُ
فَلاَ تُوعِدُونَا بالقِتَالِ سَفَاهَةً
فَقَدْ نهِلت مِنَّا الأسِنَّةُ والقَتْل
فَإنْ يَكُ أَوْسٌ حَيَّةً مُسْتَمِيتَةً
فَدَعْنِي وَأوْساً إنَّ رُقْيتَه مَعِي
فإمَا تَثْقَفُوني فاقْتُلُوِني
فَمَنْ أثْقَفْ فَلَيْسَ إلى خُلُودِ
ضَرَبَتْ علىَّ الخَثْعَمِيّةُ نَحْرَها
إِنْ لمْ أُصَبِّحْكُمْ بأَمْرٍ مُبْرَمِ
تَعْدُو بِه فَرسَي وتَرْقُصُ نَاقَتِي
حَتَّى يَشيعَ حَدِيثُكُمْ في المَوْسِمِ
وَمَوْلَى أمَتْنا دَاَءه تَحْتَ جنْبِهِ
فَلَسْنا نُجّازِيِهِ وَلَسْنَا نُعاقِبُه
رَأَى اللهَ أعْطَانِي وأَغْلَقَ صَدْرَه
عَلى حَسَدِ الإخوَانِ فَآزْوَرَّ جَانُبهْ
فَوَيْلٌ لِهذَا ثُمَّ وَيْلٌ لأَمَّهِ
عَلَيْنَا إذَا مَا حَرِّكَتْهُ حوَارِبُهْ
ونُكْرِمُ جَارَنا حَتَّى تَرَانَا
كَأَنَّ لِجَارِنا فَضْلاً عَلَيْنَا
هَلْ فِي السَّمَاءِ لِصَاعِدٍ مِنْ مُرْتَقىً
أَمْ هَلْ لِحَتْفٍ نَازِلٍ مِنْ مُتَّقَى
أَحْيّاؤهُمْ خِزْيٌ عَلَى أَمْوَاتِهمْ
وَالمَيَّتُونَ شِرَارُ مَنْ تَحْتَ النَّرَى
يَتَعَاوَنُونَ عَلَى أَذَى جِيرَانِهمْ
فَإذَا عَوَى كَلْبٌ لِصَاحِبِهِ عَوَى
فَمتَى تُصَاحِبْهُمْ تُصَاحِبْ خَانَةً
وَمَتَى تُفَارِقْهُمْ تُفَارِقْ عَنْ قَلِي
إنَّ الكَرِيمَ إذَا أَرَدْتُ إِخَاَءهُ
لم تُلْفِ حَبْلِى وَاهِياً رَثَّ القُوَى
أَرْعَى أَمَانتَهُ وَأَحْفَظُ عَهْدَهُ
عِنْدِي، وَيَأتي بَعْدَ ذَلك مَا أَتَى
ارْفَعْ ضَعِيفَكَ لا يَحُرْ بِكَ ضَعْفَهُ
يَوْماً فَتُدْرِكَهُ العَوَاقِبُ قَدْ نَمَى
يَجْزِيكَ أَوْ يُثْنِى عَلَيْكَ، وَإن مَنْ
يُثْنِي عَلَيْكَ بِمَا فَعَلْتَ فَقَدْ جَزَى
يَا كَعْبُ مَا رَاحَ مِنْ قَوْمٍ وَلاَ بَكَرُوا
إلاَّ وَللِمَوْتِ فِي آثَارِهِمْ حاَدِي
يَا كَعْبُ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلاَ غَرَبَتْ
إلاَّ تُقَرِّبُ آجَالاً لِمِيعَادِ
إذَا لَقِيتَ بِوَادٍ حَيَّةً ذَكَراً
فَاذْهَبْ وَدَعْنِي أُمَارِسْ حَيّةً الوَادِي
وَلَوْ غَيْرُ أخوَالي أرَادُوا نَقِيصَتِي
جَعَلْتُ لَهُمْ فَوْقَ العَرانِينِ مِيسَما
وَمَا كُنْتُ إلاَّ مِثْلِ قَاطِعِ كَفِّهُ
بِكَفٍّ لَهُ أُخْرَى فَأصْبَحَ أَجْذَمَا
يَدَاهُ أَصَابَتْ هذِهِ حَتْفَ هذِهِ
فَلَمْ تَجِدِ الأُخْرَى عَلَيْهَا مُقدَّمَا
فَلَمَّا اسْتَقَادَ الكَفَّ بالكَفَّ لَمْ يَجِدْ
لَهُ دَرَكاً فِي أَنْ تَبيِنَا فَأَحْجَمَا
فَأَطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ يَرَى
مَساغاً لِنَابَيْهِ الشُّجاعُ لَصَمَّمَا
مَشَتِ الهُوَيْنَي في العَدُوِّ رِمَاحُنَا
حَتَّى عَرَفْنَ مَسَالِكَ الأَرْوَاحِ
سَخِطَتْ جَمَاجِمُهُمْ عَلَى أَجْسَادِهِمْ
فَتَحَشَّدَتْ غَصًّا صُدُورُ رِمَاحِ
إنِّي وَإنْ كَنْتُ حدَيثَ السِّنِّ
وَكَانَ في العَيْنِ نُبُؤٌ عَنّي
فإِنَّ شَيْطَانِي كَبِيرُ الجِنَّ
يذَهبُ بِي فِي الشَّرِّ كُلَّ فَنَّ
أعَبْدَ اللهِ لَوْ شَتَمَتْكَ عِرْسِي
تَسَاقَطَ لَحْمُ بَعْضِي فَوْقَ بَعْضِ
مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَشْتِمْنَ عِرْضِي
وَأن يَمْلِكْنَ إمْرَارِي وَنَقْضِي
إذَا عِرْسُ الفَتَى شَتَمَتْ أَخاهُ
فَلَيْسَ بِحَامِضِ الرِّئَتَيْنِ مَحْضِ
تَبَغَّ ابن عَمَ الصِّدْقِ حَيْثُ وَجَدْتَهُ
فَإنَّ ابن عَمَ السَّوْءِ أوْعَرُ جَانِبُهْ
تَبَغَّيْتُهُ حَتَّى إذَا مَا وَجَدْتُهُ
أَرَاني نَهَارَ الصَّيْفِ تَجْري كَواكِبُهْ
وَفي النَّاسِ مَنْ يَغْشَى الأبَاعِدَ نفْعُه
وَيَشْقَى به حتّى المَمَاتِ أَقَارِبُهْ
لِلهِ دَرُّك مَا ظَنَنَتَ بِثَائِر
حَرَّانَ لَيْسَ عَنِ التَّرَاتِ بِرَاقِدِ.
أحْقَدْتَهُ ثُمَّ اضْطَجَعْتَ وَلَمْ أنم
أسَفاً عَلَيْكَ وَكَيْفَ نَوْمُ الحَاقِدِ
إن تُمكِنِ الأيَّامُ مِنْكَ وَعَلَّها
يَوْماً أُجَازِكَ بالصُّوَاعِ الزَّائِدِ
عِنْدَ اللهِ حِسْبَةُ أَهْلِ بَيْتِي
دُعُوا فَتَبَوَّأوا دَارًا قَرَارَا
أُصِبْتُ بِهِمْ وَقَدْ كَانُوا كَفَوْنِي
وَقَدْ رَبَّيتُهُمْ حَتَكَا صِغَاراً
عَلَى حيِنَ أغْتَرَبْتُ فَرَقَّ عَظْمِي
وَأصْبَحَتِ الخُطَا مِنِّي قِصَارَا
وَحَلَّ الشَّيْبُ حَيْثُ أرَادَ مِنَّي
ووَدَّعَنِي شَبَابِي ثمَّ سَارَا
أَلاَ مَنْ لِي بِأنْسِكَ يَا أُخَيَّا
وَمَنْ لِي أَنْ أبُثَّكَ مَا لَدَيَّا
طَوَتْكَ صُرُوفُ دَهْرِكَ بَعْدَ نَشْرٍ
كَذَاكَ خُطُوبُهُ نَشْرًا وَطَيَّا
فَلَوْ نَشَرَتْ قواك لِيَ المَنَايَا
شَكَوْتُ إلَيْكَ مَا صَنَعَتْ إلَيَّا
بَكَيْتُكَ يَا أُخَيَّ بِدَمْعِ عَيْنِي
فَلَمْ يُغْنِ البُكَاءُ عَليْكَ شَيَّا
كَفَى حَزَناً بِدَفْنِكَ ثمَّ إنّي
نَفَضْتُ تُرَابَ قَبْرِكَ عَنْ يَدَيَّا
وَكَانَتْ فِي حَيَاتِكَ لِي عِظَاتٌ
فَأَنْتَ اليَوْمَ أوْعَظُ مِنْكَ حَيَّا
أصْبَحْتُ بَعْدَ مُغَلِّسٍ وَمُضَرِّسٍ
غَرَضًا بِصَرْدَحَةٍ لِمَنْ رَامَانِي
فَلأَرْمِيَكَّمُ بِرَغْمِ أُنُوفِكُمْ
يَوْماً عَلَى عَدَمِي مِنَ الفِتْيَانِ
وَإنِّي وإسْمَاعِيلَ يَومَ فِرَاقِهِ
لَكَالغِمْدِ يَوْمَ الرَّوْعِ زَايَلَهُ النَّصْلُ
فَإنْ أَغْشَ قَوْماً بَعْدَهُ وَأَزْرهمُ
فكَالوَحشِ يُدْنيَها من القَانِصِ المَحْلُ
وَالخَيْرُ لاَ يَأْتِي عَلَى عَجَلٍ
وَالشرُّ يَسْبِقُ سَيْلُهُ مَطَرَهْ
وَمِنَ الحوَادثِ أنَّ عيْنَك بُدِّلَتْ
سُهُدَ الهُمُومِ فَمَا تَذُوقَ غِرَارَا
كَانَتْ تَنامُ إلى رِجَالٍ أصْبَحُوا
تَحْتَ القُبُورِ أعِفَّةً أَبْرَارَا
غَمزَ الرِّجالُ حَدِيدَتِي لِفِراقِهِمْ
فَوُجِدْتُ لاَ قَصِفاَ وَلاَ خَوَّارَا
ذَهَبُوا وَسُوجِلَتِ العَدَاوَةُ بَعْدَهُمْ
لَيْتَ القُبُورَ تخَبَّر الأخبْارَا
أَعَدَّاسُ هَلْ يَأْتِيكَ عَنِّيَ
أنَّهُ تَغيَّرَ خُلاَّنٌ وَطَالَ شُحُوبُ
أعَدَّاسُ مَا يُدْرِيكَ أنْ رُبَ هَالِكِ
تَقَطَّعُ مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِ قُلُوبُ
وَقَدْ كَانَ يَخْشَى أنْ أرَى المَوْتَ قَبْلَهُ
فَبَانَتْ بِهِ عَنّي الغَدَاةَ شَعُوبُ
أُؤَمِّلُ عَدَّاساً كَمَا يؤْمَلُ الحَيَا
إذَا خِفْتُ أوْ مَالتْ عَلَى خُطُوبُ
وَشَيَّبَ رَأْسِي أَنَّنِي كلَّ مَرْبَعٍ
يُوَدِّعُنِي بَعْدَ الحَيَاةِ حَبيبُ
لَعَمْرُكَ مَا ندْرِي أفِي اليَومِ أوْ غَدٍ
نُنَادَى إلى آجَالِنَا فَنُجِيبُ
إنَّ المُلُوكَ مَتَى تَنْزِلْ بِسَاحَتِهمْ
تَطِرْ بِنَارِكَ مِنْ نِيرَانِهِمْ شَرَرَهْ
لَوْ كُنْتُ أصْبِرُ أنْ أرَى أثَرَ البِلَى
لَتَرَكْتُ وَجْهَكَ ضَاحِياً لَمْ يُقْبَرِ
دَثَرَتْ مَحَاسِنُهُ وَأصْبَحَ مَاؤُهُ
سُقِى التُّرَاب وَكَانَ أَحْسَنَ مَنْظَرٍ
تَرى خَيْرَهُ في السَّهْلِ لا حَزْنَ دونَهُ
إنْ كانَ بَعْضُ الخيرِ في جَبَلٍ وَعْرِ
فَتًى لاَ يُحِب الزَّادَ إلاَّ مِنَ التُّقى
وَلاَ المَالَ إلاَّ مِنْ قَنَاً وَسُيُوفِ
فَقَدْنَاكَ فِقْدَانَ الرَّبِيعِ وَلَيْتَنا
فَدَيْناكَ مِنْ دَهْمَائِنا بأُلُوفِ
إذَا الرَّجَالُ وَلَدَتْ أَوْلاَدُها
واضْطَرَبَتْ مِنْ كِبَر أَعْضَادُهَا
وَجَعَلَتْ أسْقَامُهَا تَعْتَادُهَا
فَهِيَ زُرُوعُ قَدْ دَنَا حَصَادُهَا
لَقَدْ كُنْتُ جَلْداً فِي المُلِمَّاتِ قَبْلَهُ
فَلَمْ أَسْتَطِعْ إذْ بانَ أَنْ أتَجَلَّدَا
إذَا قُلْتُ يُسْلِينِي تَقَادَمُ عَهْدِهِ
أَبَى ذِكرُهُ فِي القَلْبِ إلا تَجَدُّدَا
لست بباغي الشر والشر تاركي
ولكن متى أحمل على الشر أركب
فأنعم بجدك لا يضرك النوك ما أعطيت جدا
فالموت خير في ظلال النوك ممن عاش كذا
تقول ابنة المجنون هل أنت قاعد
ولا وأبيها حلفة، لا أطيعها
ومن يكثر التطواف في جند خالد
إلى الروم مصبوبا عليها دروعها
فلا بد يوما أن تحدث عرسه
إذا حدثت عنه حديثا يروعها
لا يمنعنك من بغاء الخير تعقاد التمائم
ولا التشاؤم بالعطاس ولا التيمن بالمقاسم
ولقد غدوت وكنت لا أغد على واق وحاتم
فإذا الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم
وكذاك لا خير ولا شر على أحد بدائم
ما بال من أسعى لأجبر عظمه
حفاظا وينوي من سفاهته كسرى
أعود على ذي الجهل والذنب منهم
بحلمي ولو عاقبت غرقهم بحري
أظن صروف الدهر والحين منهم
ستحملهم مني على مركب وعر
ألم تعلموا أني تخاف عرامتي
وأن قناتي لا تلين على الكسر
ويبقى بعد حلم القوم حلمي
ويفنى قبل زاد القوم زادي
لا تسألي الناس عن مالي وكثرته
وسائلي القوم عن مجدي وعن خلقي
أعطي السنان غداة الروع حصته
وعامل الرمح أرويه من العلق
فإن كنت لم أذنب فبعض ملامتي
بني جعفر أو كنت أذنبت فاغفروا
لن يدرك المجد أقوام وإن شرفوا حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مسفرة
لا عفو ذل ولكن عفو أحلام
فإن تميما قبل أن يلدا الحصى
أقام زمانا وهو في الناس واحد
كفى حزنا أن الغنى متعذر
على وأني بالمكارم معزم
فما قصرت بي في المطالب همة
ولكنني أسعى إليها وأحرم
وصهباء جُرجانية لم يطف بها
حنيف ولم تنغر بها ساعة قدر
ولم يشهد القس المهيمن نارها
طروقا ولم يشهد على طبخها حبر
أتاني بها يحيى وقد نام صحبتي
وقد غابت الجوزاء وانغمس النسر
ففلت اصطبحها أو لغيري فاهدها
فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر
تجاللت عنها في السنين التي مضت
فكيف التصابي بعدما كلأ العمر
إذا المرء وفي الأربعين ولم يكن
له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى
وإن جر أسباب الحياة له العمر
وأعرضت وانتظرت به غدا
لعل غدا يبدي لمنتظر أمرا
لأنزع ضبا جاثما في فؤاده
وأقلم أظفارا أطال بها الحفرا
ولا بعدي يغير حال ودي
عن العهد الكريم ولا اغترابي
ولا عند الرخاء أطوف يوما
ولا في فاقة دنس ثيابي
ولا يغدو على الجار يشكو
أذاتي ما بقيت ولا اغتيابي
وما الدنيا لصاحبها بحظ
سوى حظ البنان من الخضاب
إذا ما الخصم جار فقل صوابا
فإن الجور يدفع بالصواب
سأقعد في بيتي فإني أميره
وآخذ أمري مكرها بأسده
فليست لبواب على إمارة
ولا حجب أخشى سماجة رده
صارمتني ثم لا كلمتني أبدا
إن كنت خنتك في حال من الحال
أو انتجيت نجيا في خيانتكم
أو خقت خطرتها مني على بال
هي الخمر حسن وكالخمر ريقها
ورقة ذاك اللون في رقة الخمر
وقد جمعت فيها خمور ثلاثة
وفي واحد سكر يزيد على السكر
أيا حسرتي لم أقض منكم لبانة
ولم أتمتع بالجوار وبالقرب
وفرق بيني في المسير وبينكم
فها أنا ذا أقضي على إثركم نحبي
ولما قضينا من منى كل حاجة
ومسح بالأركان من هو ماسح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
وسالت بأعناق المطي الأباطح
سل الله صبرا واعترف بفراق
عسى بعد بين أن يكون تلاقي
ألا ليتني بعد الفراق وقبله
سقاني بكأس للمنية ساق
وإني لأرضي منك يا ليل بالذي
لو أيقنه الواشي لقرت بلا بله
بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى
وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي
أواخره لا نلتقي وأوائله
وكنت كذي داء تبغي لدائه
طبيبا فلما لم يجده تطببا
لولا الحياء وأن رأسي قد عسا
فيه المشيب لزرت أم القاسم
وكأنها بين النساء أعارها
عينيه أحور من جآذر عاسم
وسنان أقصده النعاس فرنقت
في عينه سنة وليس بنائم
يصطاد يقظان الرجال حديثها
وتطير بهجتها بروح الحالم
أصددن بعد تألف الشمل
وقطعن منك حبائل الوصل
كحل الجمال جفون أعينها
فغنين من كحل بلا كحل
فما ماء مزن من شماريخ
تحدر من غر طوال الذوائب
بمنعرج أو بطن واد تحدرت
عليه رياح الصيف من كل جانب
نفى نسم الريح القذى عن متونه
فليس به عيب تراه لشارب
بأطيب ممن يقصر الطرف دونه
تقى الله واستحياء بعض العواقب
كأنا من بشاشتنا ظللنا
بيوم ليس من هذا الزمان
إني بنار عند زينة أوقدت
على ما بعيني منعشا لبصير
وقد زادني حبا لزينة أنها
مقوت لأخلاق الرجال نفور
تنول بمعروف الحديث وإن ترد
سوى ذاك تذعر منك وهي ذعور
قبيلة لا يقرع الباب وفدها
بخير ولا يأتي السداد خطيبها
كساني قميصا مرتين إذا انتشى
وينزعه مني إذا كان صاحيا
فلي فرحة في سكره وانتشائه
وفي الصحو ترحات تشيب النواصيا
فيا ليت حظي من سروري وترحتي
ومن جوده أن لا علي ولا ليا
نيام وما أضيافهم بنيام
أضحت أسنتنا وكل قبيلة
في الناس تظلم دوننا وتضام
لعن الإله معاشرا يهجوننا
شاه الوجوه وضلت الأحلام
غلبوا ضلالتهم فلما أسلموا
ألقى الصغار عليهم الإسلام
وتكعم كلب الحي من خشية القرى
ونارك كالعذراء من دونها ستر
إذا انتسبوا ففرع من قريش
ولكن الفعال فعال عكل
ومرجي إذا اختلف العوالي
إباضي إذا حضر الخوان
ومولى كضرس السوء يؤذيك مسه
ولا بد إن آذاك أنك بلقره
دوى الجوفِ إن يُنزع يسؤك مكانه
وإن يبق تصبح كل يوم تحاذره
يسر لك البغضاء وهو مجامل
وما كل من يجني عليك تناكره
كذئب الروايا رابضا إن غلبته
شكاك، وإن يغلب فلأم غالب
فمر وقد كانت عليه غباوة
يخال حزون الأرض سهلا وواديا
سيعلم أينا أبذى وأقوى
وأقول للعظيم ولا يبالي
ومن بتواتر السبات أحرى
إذا نحن ارتمينا في النضال
ومن أخلاقه قذع ولؤم
ومن يَرمي بأمثال الجبال
في مضغ أعراضهم من زادهم عوض
وبغض أولهم من أفضل الدين
فيوم منك خير من رجال
كثير عندهم نعم وشاء
فبورك في بنيك وفي أبيهم
إذا ذكروا ونحن لك الفداء
جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت
بنا نعلن في الواطئين فزلت
أبوا أن يملونا واو أن أمنا
تلاقي الذي يلقون منا لملت
وقالوا هلم الدار حتى تبينوا
وتنجلي الغماء عما تجلت
كنت قذاة الأرض عينها
يلجلج شخصي جانب ثم جانب
إن العرانين تلقاها محسدة
ولا ترى للئام الناس حسادا
كم حاسد لهم يعي بفضلهم
ما نال مثل مساعهم ولا كادا
لما عبأت لقوس المجد أسهمها
حين الجدود عن أحساب تنتضل
أحرزت من عشرها تسعا وواحدة
فلا العمى لك من رام ولا الشلل
أنسيتنا في الندى أسلاف أولنا
فأنت للجود فيما بعدنا مثل
ترى المنبر الشرقي يختال أن يرى
جبينك يوما حاسرا ومعمما
وحق له من منبر أنت زينه
وحق بأن يحتال أو يتفخما
بك الله أحي الجود بعد مماته
وقد بارت الأحساب إلا توهما
يغدو إذا ما خلاج الشك عن له
على صريمة أمر غير مردود
ركاب ما تكره الأبطال يقدمه
رأى جميع وقلب غير رعديد
وموت على فوت سمعت ونظرة
تلافيتها والليل قد كان أدهما
بحدثان عهد من شباب كأمه
إذا قمت يكسوني رداء مسهما
أرى بصري قد رابني بعد صحة
وحسبك داء أن تصح وتسلما
ولن يلبث العصران يوم وليلة
إذا طلبا أن يدر ما تيمما
قصر الليالي خطوه فتدانى
وحنى الزمان قناته فتحانى
لبس الزمان على اختلاف فنونه
فأرته منه عزة وهوانا
ما بال شيخ قد لحمه
أفنى ثلاث عمائم ألوانا
سوداء حالكة وسحق مفوف
وأجد لونا بعد ذاك هجانا
يصبو إلى البيض الحسان وما صبا
بعد المشيب إلى الحسان أوانا
والموت يأتي بعد ذلك كله
وكأنما يعني بذاك سوانا
فلا يبعد الله الشباب وقولنا
إذا ما صبونا صبوة سنتوب
يعد الشهور ويبلينه
وماذا يغادر منه العدد
فللثكل ما تلد الوالدات
وللدهر جمع القوى المجد
نزل المشيب فحل غير مدافع
وعفا المشيب من الشباب دثارا
وتجاورت خصل السواد ومثلها
لُمَع البياض على القرون جوارا
وإذا هما اجتمعا هنالك حقبة ظعن
السواد عن البياض فسارا
ذهب الشباب فماله مردود
ومضت بشاشته فليس تعود
ظعن الشباب وحل في عرصاته
خلق يقال له المشيب جديد
وصلتك لما كان لي فيك رغبة
وأعرضت لما صرت نهبا مقسما
ولا يلبث الحوض الجديد بناؤه
على كثرة الوراد أن يتهدما
لا أشتهي رنق المياه الذي
يخاض وتغشاه المطردة الجرب
ولا أشتهي إلا مشارب أحرزت
على الناس حتى ليس في مائها عتب
وإني للماء الذي شابه القذى
إذا كثرت وراده لعيوف
أراك طموح العين ميالة الهوى
لهذا وهذا منك ود ملاطف
فإن تحملي ردفين لاأك منهما
فخبي بردف لست ممن يرادف