مختارات من حماسة الخالديين
لعمرك للشبان أسرع غارة
وللشيب إن دارت رحى الحرب أصبر
إذا ما محضْتَ الودَّ منك لصاحبٍ
فعافَ عليك المحضَ فامذُقْ له مذْقا
وكن كامرئٍ جازَى امرأً ببلائه
وكاذَبَه إذ لم تجدْ عندَه صِدقا
وما أوثقوا منّا الأكُفَّ شجاعةً
ولكنْ رأونا حاسرين فأقْدموا
يهزّون بيضاً لو غدتْ في أكُفِّنا
لظلَّتْ تشظَّى فيهم وتثلَّمُ
بأبي فمٌ شهدَ الضَّميرُ له
قبلَ المذاقة أنَّه عذبُ
كشهادةٍ لله خالصةٍ
قبلَ العيان بأنَّه ربُّ
أيا زينةَ الدُّنيا ويا منتهَى المُنَى
ويا أملي هل لي إليكِ سبيلُ
وكنتُ إذا ما جئتُ جئتُ بعلّةٍ
فأفنيتُ عِلاَّتي فكيف أقولُ
بلاءٌ ليس يُشبهه بلاءٌ
عداوةُ غيرِ ذي حسبٍ ودِينِ
يُبيحُك منه عِرضاً لم يصنْهُ
ويرتعُ منك في عرضٍ مَصونِ
ألا من لعين قد نآها حميمها
وأرقها بعد المنام همومها
وباتت لها نفسان شتى هواهما
فنفس تعزيها ونفس تلومها
وإني لأستبقي إذا العسر مسني
بشاشة وجهي حين نبلى المنافع
ولو كان يبدو مقبل الأمر للفتى
كمدبره ألفيته لا يغامر
وجه جميل وقلب غير وجاب
إمَّا ترَاني وأثوابي مُقاربةٌ
ليستْ بخزٍّ ولا من نَسْج كتَّانِ
فإنَّ في المجدِ هَمّاتي وفي لُغَتي
عُلْوِيَّةٌ ولِساني غيرُ لحَّانِ
يقول المُشفِقون عليَّ حتَّى
متى تلقَى الجنودَ بغير جُندِ
وما مَن كانَ ذا سيفٍ ورمحٍ
وطابَ بنفسه مَوتاً بفَرْدِ
ويخبرني عن غائب المرء هديه
كفى الهدي عن ما غيب المرء مخبرا
إنِّي إذا ما الأمرُ بُيِّنَ شكّه
وبدتْ عواقبُه لمن يتأمَّلُ
وتبرَّأ الضُّعفاء من إخوانهم
وألحَّ من حُرِّ الصَّميم الكلكلُ
أدَعُ الَّتي هي أرفقُ الحالاتِ بي
عند الحفيظةِ للَّتي هي أجملُ
رافع الأسديّ وكان جنى جنايةً فطلبه الحجَّاج فهرب وقال:
تهدَّدْ رويداً لا أرَى لك طاعةً
ولا أنا ممَّا ساءَ وجهَكَ مُعتبُ
فإنْ أهلِكْ فقد أبقيتُ بعدِي
قوافيَ تُعجبُ المتمثِّلينا
لذيذاتِ المقاطعِ محكماتٍ
لَوَ أنَّ الشِّعرَ يُلبسُ لارْتُدينا
لا أمدحُ المرءَ أبغِي فضلَ نائلِهِ
ولا أظلُّ أُداريهِ إذا غَضبا
ولا تَرَيني على بابٍ أُراقبُهُ
أبغِي الدُّخولَ إذا بوَّابُهُ حَجَبا
إذا كانَ يحلُو فيكمُ كذبُ المُنَى
إذا ما ذكرْناكم فكيف يقينُها
مُنًى إنْ تكنْ حقّاً تكنْ أفضلَ المنَى
وإلاَّ فقد عِشنا بها زَمَناً رَغْدا
خطيب غداة الفخر مرتجل
ثبت المقام أريب غير مفحام
كالسهم لا يكتفي بوحدته
القانص حتى يعينه وتره
قام بعض الشعراء إلى قُتيبة بن مسلم الباهليّ أول ما وافى خراسان والياً عليها فأنشده:
شُدَّ العِقابَ على البريء وما جنى
حتَّى يكونَ لغيره تنكيلا
والجهلُ في بعض الأمور وإنْ علا
مُستخرجٌ للجاهلين عُقولا
فقال له قتيبة: قبَّحك الله من مُشير لا أقمتَ معي في بلدة، ونفاه إلى خراسان.
أتانا بها حمراء يحلف أنها
طبيخ فصدقناه وهو كذوب
فهل هي إلا ليلة غاب نجمها
أواقع فيها الذنب ثم أتوب
فلا يبعد الله الشباب وقولنا
إذا ما صبونا صبوة سنتوب
وتعاقبتك كتائب ابن مطرف
فأرتك في وضح النهار نجوما
إذا لم تجد بدا من الأمر فاته
رحيب الذراع لا تضيقن به صدرا
وإني امرؤ لا آلف البيت قاعدا
إلى جنب عرسي لا أفارقها شبرا
وهبني امرأ راعيت ما دمت شاهدا
فكيف إذا ما غبت عن بيتها شهرا
أرى كل ريح سوف تسكن مرة
وكل سماء لا محالة تقلع
فما الشر كل الشر لا خير بعده
على الناس إلا أن تذل رقابها
ثنتان لا أصبو لوصلهما
عرس الخليل وجارة الجنب
جذلان من ظفر حران أن رجعت
أظفاره منكم مخضوبة بدم
رويدك إن الدهر فيه كفاية
لتفريق ذات البيت فانتظري الدهرا
كذبتم وبيت الله لا تأخذونه
مراغمة ما دام للسيف قائم
متى تجمع القلب الذكي وصارما
وأنفا حميا تجتنبك المظالم
ومن يطلب المال الممنع بالقنا
يعش ماجدا أو تخترمه الخوارم
وإني ليدعوني لطاعة الهوى
كواعب أتراب مراض قلوبها
بهن من الداء الذي أنا عارف
وما يعرف الأدواء إلا طبيبها
ذكرت الصبا فانهلت العين تذرف
وراجعك الشوق الذي كنت تعرف
وكان فؤادي قد صحا ثم هاجه
حمائم ورق بالمدينة هتف
يا أكرم الناس آباء ومفتخرا
وألأم الناس مبلوا ومختبرا
يغضي الرجال إذا آباؤه ذكروا
له ويغضي إذا ما لؤمه ذُكرا
وبعض التنحي من صديقك أقرب
نسب الإنسي يعرف نجره
وللجن من شكله وشمائله
مقاديم في الروع وصالون خطوهم
بكل رقيق الشفرتين يمان
فإن يمنعوا منا السلاح فعندنا
سلاح لنا لا تشترى بالدراهم
جنادل أملاءُ الأكف كأنها
رؤوس رجال حلقت بالمواسم
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه
خلَق وجيب ...
يطاعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا
ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
غدونا إليهم والسيوف عصينا
بأيماننا نعلو بهن الجماجما
وأطرق إطراق الشجاع ولو يرى
مساغا لنابيه الشجاع لصمما
حتى إذا أمكن الطعن ومن شاء ضرب
وما أخذت كفي بقائم نصله
فحدثت نفسي بانهزام ولا فر
سبقتَ بمعروف فصلى ثنائيا
فلما تمادى جرينا صرتَ تاليا
كأن يديها حين جد نجاؤها
طريدان والرجلان طالبتا وَتر
لا خير في بلد يضام نزيله
وعن الهوان مذاهب ومنادح
فما زلت أسقى شربة بعد شربة
لعمرك حتى رحت متهم العقل
خرجت أجوب الأرض أركل متنها
إذا هي مالت بي فيعدلها ركلي
فإن أهلك فقد أبقيت بعدي
قوافي ليس يلحقها الفناء
وإلاَّ يعقْني الموتُ والموت غالب
له شرك مبثوثة وحبائلُ
أُحبِّرْ له قولاً تناشد شعره
إذا ما التقَتْ بين الجبال القبائلُ
أبَى لي أن أُطيلَ الشعرَ قصدي
إلى المعنى وعلمي بالصوابِ
فأبْعثهن أربعةً وستّاً
مثقفة بألفاظ عذابِ
وهنَّ إذا وسَمتُ بهن قوماً
كأطواق الحمائم في الرقابِ
وهنَّ وإن أقَمنَ مسافراتٌ
تهاداها الرواةُ مع الركابِ
وأنا الَّذي أوضَحتُ غيرَ مدافع
نهجَ القوافي وهو رسمٌ دارسُ
وشهرتُ في شرقِ البلاد وغربها
وكأنَّني في كلِّ نادٍ جالسُ
تعلم من أعمامه البأس والندى
وورثه الأخوال حسن التجارب
تبحثتم سخطي فغير بحثكم
سجية نفس كان نصحاً ضميرها
ولا يُلبث التخشين نفساً كريمة
عريكتها أن يستمر مريرها
وما النفس إلا نطفة بقرارة
إذا لم تكدر كان صفواً غديرها
خليلي إني مشتك ما أصابني
لتستثبتا ما قد لقيت وتعلما
أمنتكما إن الأمانة من يخن
بها يحتمل يوما من الله مأثما
فلا تفشيا سرا ولا تخذلا أخا
أبثكما منه الحديث المكتما
لتتخذا لي بارك الله فيكما
إلى آل ليلى العامرية سلما
وقولا إذا وافيتما أرض عام
ر وجاوزتما الحيين نهدا وخثعما
نزيعان من جرم بن ربان إنهم
أبوا أن يريقوا في الهزاهز محجما
وسيرا على نضويكما وتقصدا
ولا تحملا إلا زنادا وأسهما
وإن كان ليلا فالويا نسبيكما
وإن خفتما أن تعرفا فتلثما
وقولا خرجنا تاجرين فأبطأت
ركاب تركناها بتثليث قوما
فإن أنتما اطمأننتما وأمنتما
واخليتما ما شئتما فتكلما
وقولا لها ما تأمرين بصاحب
لنا قد تركت القلب منه متيما
أبيني لنا إنا رحلنا مطينا
إليك فلم نبلغك إلا تجشما
فجاءا ولما يقضيا لي حاجة
إليها ولما يجعلا الأمر مبرما
فما لهما من مرسلين لحاجة
أسافا من المال التلاد وأعدما
بقول يحل العصم سهل الأباطح
تكنفني الوشاة ..
نمت بي من شيبان أم نزيعة
كذلك ضرب المنجبات النزائع
إِذا ما تَعاطَوها سَمِعتَ لِصَوتِها
إِذا أَنبَضوا عَنها يتيماً وَأَرمَلا
أخذه الشماخ :
إذا أنبض الرامون عنها ترنمت
ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز
والشنفرى :
إذا زل عنها السهم حنّت كأنما
مولهة ثكلى ترن وتُعوِل
وبعضهم جعلها عيبا إذ يقول :
وكل كتوم السر تصمي رميها
ولم تدر من أي الجوانب أقصدا
والثاني : كاتمة السر إذا شر ظهر
إذا تولى السهم عنها وانشمر
لم تعذر الظبي بترنيم الوتر
طلابُ العُلى بركوب الغررْ
ولا ينفع الحذِرين الحذرْ
وقد يُنكبُ المرءُ من أمْنِه
ويأمنُ مكروهَ ما ينتظرْ
ومَن رامَ بالخفضِ نيلَ العُلى
فقد رام منه مراماً عسِرْ
وما الحزمُ إلاَّ لمستأثِرٍ
إذا همَّ بالأمرِ لم يستشرْ
وإنِّي لأصفحُ عن قُدرةٍ
وأعذُب حيناً وحيناً أَمَرّْ
ويُعجَم عُودي إذا رابَني
من الدَّهرِ ريبٌ فلا ينكسرْ
وأجزي القُروضَ بأمثالِها
فبالخيرِ خَيراً وبالشرِّ شرْ
وما تَزدهيني جِسامُ الأمورِ
ولا أستكينُ لِصَرفِ القَدَرْ
وتعلمُ نفسي بأنَّ الفتى
لهُ ما يُقَدِّمُ لا ما يَذَرْ
وآنَسُ بالبيضِ عند الرَّخاءِ
وأصبو وأسحَبُ فضلَ الأُزُرْ
وإن دَهِمَ الخطبُ شمَّرتُها
برأيِ جميعٍ وقلبٍ حَذِر
أنا ابنُ الذُّؤابةِ من وائلٍ ..
وفي السَّمعِ من عِجلها والبَصَرْ
إنما يعادي الفتى أكفاءه ويصالحُ
وقد كنت أرجو أن تموتَ صبابتي
إذا قدُمَتْ آياتُها وعهودُها
وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى أزورها
أرى الأرض تُطوى لي ويدنو بعيدُها
من الخفرات البيض ودّ جليسُها
إذا ما قضَتْ أُحدوثة لو تعيدها
خليليّ إنِّي اليوم شاكٍ إليكما
وهل تنفع الشكوى إلى من يزيدُها
حَزازات شوق في الفؤاد وعَبرةً
أظلُّ بأطراف البنان أذودُها
نظرتُ إليها نظرةً ما يسرُّني
بها حُمرُ أنعام البلاد وسودُها
إذا جئتُها وسطَ النساء منَحتُها
صدوداً كأنَّ النفس ليس تريدُها
ولي نظرةٌ بعدَ الصدود من الجوى
كنظرة ثكلى قد أُصيبَ وحيدُها
رفعتُ عن الدُّنيا المُنى غير وجهها
فلا أسألُ الدُّنيا ولا أسْتزيدُها
أواثب ضيفي حين يقبل طارقا
بسيفي ولا أرضى بما صنع الكلب
وإنا لنجفو الضيف من غير عسرة
مخافة أن يضرى بنا فيعود
وكنتُ إذا ما أردتُ القَريضَ
تخبِّرُني الجنُّ أشعارَها
أرُوضُ صِعابَ قوافي القريضِ
حتَّى تذِلَّ فأخْتارَها
فأُقسمُ ما جشَّمتُهُ من عظيمةٍ
تَؤودُ كرامَ النَّاس إلاَّ تجشُّما
ولا قلتُ مهلاً وهْوَ غضبانُ قد غَلا
منَ الغيظِ وسطَ القومِ إلاَّ تبسُّما
بالله أحلفُ إنِّي لستُ أذكرُهُ
وكيفَ يذكرُهُ مَن ليس ينساهُ
نزح البكاءُ دموعَ عينك فاستعِرْ
عيناً لغيرك دمعُها مِدرارُ
مَن ذا يُعيرك عينَه تَبكي بها
أرأيتَ عيناً للبكاءِ تُعارُ
إذا المرءُ أولاكَ الهوانَ فأولِهِ
هَواناً وإن كانتْ قريباً أواصرُهْ
فإنْ أنتَ لم تقدِرْ على أنْ تُهينهُ
فذرْهُ إلى اليومِ الَّذي أنتَ قادرُهْ
وقاربْ إذا ما لم تكنْ لك قدرةٌ
وصمِّمْ إذا أيقنتَ أنَّك عاقرُهْ
إذا خافك القومُ اللِّئامُ وجدتَهم
سراعاً إلى ما تشتهِي وتُريدُ
سقاهُ الكرَى كأسَ النُّعاس فرأسُهُ
لدِين الكرَى من آخِر اللَّيل ساجدُ
امرئ القيس:
والخيرُ ما طلعتْ شمسٌ وما غربتْ
معلَّقٌ بنواصِي الخيل معصوبُ
هل سويدٌ غيرُ ليثٍ خادرٍ
أجدبتْ أرضٌ عليه فانتجَعْ
كم مُسرٍّ ليَ حِقداً قلبُهُ
فإذا قابلهُ شخصي ركَعْ
مُقعياً يَرمي صفاةً ولم تُرمْ
في ذُرَى عَيطاءَ ليست تُطَّلَعْ
غلبتْ عاداً وردَّتْ قيصراً
وأبتْ هضبتُها أنْ تُقتلَعْ
لا يراها النَّاسُ إلاَّ فوقَهم
فهيَ تأتي كيفَ شاءتْ وتدَعْ
وارْتَمينا والأعادي حُضَّرٌ
بنبالٍ ذاتِ سمٍّ قد نقَعْ
بنبالٍ كلُّها مَذروبةٌ
لم يطقْ صنعتَها إلاَّ صنَعْ
ورأَى منى مقاماً ثابتاً
صادق الحملة كتام الجزع
ولساناً صَيرفيّاً صارماً
كالحُسام العَضْب ما مسَّ قطَعْ
فكفاني اللهُ ما في نفسهِ
ومتَى ما يكفِ شيئاً لم يُضَعْ
فإنْ تَدَعِي نجداً ندعْهُ ومَن به
وإن تسكُني نجداً فيا حبَّذا نجدُ
يضعِّفُني حِلمي وكثرةُ جَهلكم
عليَّ وأنِّي لا أصولُ بجاهلِ
فكشِّفْهُ عمَّا في يدَيه فإنَّما
يُبيِّنُ أخلاقَ الرِّجال الدَّراهمُ
خاصمت بعض نساء العرب زوجها وقالت له: ما رأيت معك خيراً قطّ، فقال:
لمْ أبغكِ المالَ قد تعلمينَ
وجُبتُ العراقَ وجُبتُ الشَّآما
وجُبتُ الشّريف بأكنافهِ
وجُبتُ اليمامةَ غِرّاً غُلاما
فأنتِ الطَّلاقُ وأنتِ الطَّلاقُ
وأنتِ الطَّلاقُ تماماً تماما
تمَّت عُبيدةُ إلاَّ في ملاحَتها
فالحُسنُ منها بحيث الشَّمسُ والقمرُ
جرير :
قوم إذا حضر الملوكَ سراتهم
نتفت شواربهم على الأبواب
فمن بنى مدرا من خوف حادثة
فإن أسيافنا تغني عن المدر
وما أودعت أحشاء الليالي
أضر عليك من حقد الرجال
ألا لا أريد البيض حتى يردنني
ويتضع المهر الذي كان غاليا
وإنا ذممنا كل نجدة سيد
بطين ولا يرضيك إلا المخفَّف
فلا أنفيك كي تزداد لؤما
لألأم من أبيك ولا أذلا
وما هو لي ند فأشتم عرضه
ولا هو لي عبد فأبطش بالعبد
نحمي حماهم ونرمي من ورائهم
ويولجون حمانا من يرامينا
فأن أك لا ترمى وترمى كنانتي
تصب جانحات النبل كشحي ومَنكبي
ومن يكن ذا رهط كرهطي يعتد
فقلت له أمسك عليك فإنني
على القسر لا أزداد إلا تماديا
فإن كنت مطبوبا فلا زلت هكذا
وإن كنت مسحورا فلاا برأ السحر
وما المال والإخوان إلا وديعة
ولا بد يوما أن ترد الالودائع
وتظل خاشعة تضائل طرفها
من المكر وهي تفلق الجلمود
وأسنان سوء شاخصات كأنها
سوام أناس سارح قد تبددا
عن الأصمعي قال: حجَّ وفاء بن زهير المازنيُّ فرأى في نومه كأنَّه حاض، فغمَّه ذلك فقصَّ رؤياه بسوق عكاظ على قسّ بن ساعدة الإيادي، فقال له: أغدرت بذمَّة جارٍ؟ قال: لا، قال: أفغدر أحدٌ من أهلك؟ قال: لا أعلم، فقدم على أهله فوجد أخاه قد قتل جاراً له، فانتضَى سيفه فناشده أخوه الرَّحِم وخرجت أُمُّه مُبديةً شعرَها قد أظهرت ثدييها تناشده الله في قتل أخيه، فقال لها: فعلام سمَّيتني وفاء؟ ثمَّ ضرب أخاه ضربةً قتلته وقال:
يُناشدُنِي قيسٌ قرابةٌ بَيننا
وسَيفي بكفِّي وهوَ مُنجردٌ يسعَى
غدرتَ فما بيني وبينك ذِمَّةٌ
تُجيرك من سيفي ولا رَحِمٌ تُرعَى
على مَ أُسمَّى بالوفاء إذا جرَى
ليَ الغدرُ في شِرْب المُجاور والمَرعَى
كثرت فيهم المواشي إلا
أنها من مناكح وديات
فمضى وغادرني أعالج بعده
حرب النوائب في زمان مدبر
إني وإن أبديت صبرا لمنطو
على حر أحزان أحر من الجمر
دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت
إليك المنايا لم نجد عنك مدفعا
لئن حسنت فيك المراثي وذكرها
لقد حسنت من قبل فيك المدائح
ونصبت نفسي للرماح دريئة
إن الرئيس لمثلها لفعول
فألقت عصاها واستقرت بها النوى
كما قر عينا بالإياب المسافر
إن الأمور إذا الأحداث دبرها
دون الشيوخ ترى في سيرها خللا
لست بنحوي يلوك لسانه
ولكن سليقي أقول فأعرب
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه
خَلَق وجيب قميصه مرقوع
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا
أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
إشراق وجهك غرني
حتى توهمت المساء صباحا
وشعر كبعر الكبش فرق بينه
لسان دعي في القريض دخيلِ
و قد زادني تيهاً على الناس أنني
أرانيَ أغنـاهم و إن كنتُ ذا فـقـر
ولو غيرُ أخوالي أرادوا نقيصتي
جعلت لهم فوق العرانينِ ميسما
وأزهدُ في مدحِ الفتى وهو صادقٌ
فكيفَ قبــولي كاذبــــاتِ المدائــحِ
سَـارَتْ مُشَـرِّقَةً وسِـرْتُ مُغَـرِّباً
شَـتَّانَ بَيْـنَ مُشَــرِّقٍ ومُغَـرِّب
فكان ما كان مما لست أذكره
فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
واللهِ لن يَصلوا إليكَ بجمعِهم
ْحتى أُوَسَّدَ في الترابِ دَفينا
فاصدَعْ بأمرِك ما عليكَ غَضاضة ٌ
وأبشِرْ بذاكَ، وقرَّ منهُ عُيونا
ودَعَوْتَني، وزَعمتَ أنك ناصح
ٌولقد صدقْتَ، وكنتَ ثَمَّ أَمينا
وعَرضْتَ دِيناً قد علمتُ بأنَّهُ
مِن خيرِ أديانِ البريَّة ِ دِينا
لولا المَلامة ُ أو حِذاري سُبَّة ً
لوجَدْتني سَمحاً بذاك مُبِينا
يا ابن المديني الذي شرعت له
دنيا فجاد بدينه لينالها
ماذا دعاك إلى اعتقاد مقالة
قد كان عندك كافرا من قالها
أمر بدا لك رشده فقبلته
أم زهرة الدنيا أردت نوالها ؟
فلقد عهدتك - لا أبا لك - مرة
صعب المقادة للتي تدعى لها
إن الحريب لمن يصاب بدينه
لا من يرزى ناقة وفصالها
إن كنت عن شكري غنيا فإنني
إلى شكر ما أوليتني لفقير
إذا استدرك الإنسان ما فات من علا
فللحزم يعزى لا إلى الجهل ينسب
بحب العلى لا بحب أم جندب
أقضي لبانات الفؤاد المعذب
خلقت امرأ جلدا على حمليَ الهوى
فلست أبالي بالقلى والتجنب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى
ولكنما وجه الكريم خصيب
أصلحتني بالجود بل أفسدتني
وتركتي أتسخط الإحسانا
من جادك بعدك كان جودك فوقه
لا كان بعدك كائنا من كان
تَخَيَّرْتُ مِن نَعْمَانَ عُـودَ أَرَاكَـةٍ
لِـهِنْدٍ فَمَــنْ ـذَا يُـبَـلِّغُـهُ هِـنْدا
خَلِيلَيَّ عُـوجَا بَارَكَ اللهُ فِيـكُمَا
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِنْدٌ لأَرْضِكُمْ قَصْدا
وَقُـولاَ لَهَا لَيْـسَ الضَّلاَلُ أَجَارَنَا
وَلَكِنَّـنَا جُرْنَا لِـنَـلْـقَـاكُـمُ عَـمْـدا
وَأُمّي قَينَةٌ إِن لَم تَرَوني
بِعَورَشَ تَحتَ عَرعَرِها الطِوالِ
وإني لشر الناس إن لم أبتهم
على آلة حدباء نابية الظهر
بقيت وفري وانحرفت عن الأعلى
ولقيت أضيافي بوجه عبوس
عَفا رابِغٌ مِن أَهلِهِ فالظَواهِرُ
فَأَكنافُ هَرشى قَد عَفَت فَالأَصافِرُ
مَغانٍ يُهَيِّجنَ الحَليمَ إِلى الصِبا
وَهُنَّ قَديماتُ العُهودِ دَواثِرُ
أَفِق قَد أَفاقَ العاشِقونَ وَفارَقوا ال
هَوى وَاِستَمَرَّت بِالرجالِ المَرائِرُ
وَهبها كَشَيءٍ لَم يَكُن أَو كَنازِحٍ
بِهِ الدَارُ أَو مَن غَيّبَتهُ المَقابِرُ
أَمُنقَطِعٌ يا عَزَّ ما كانَ بَينَنا
وَشاجَرَني يا عَزَّ فيكِ الشَواجِرُ
إِذا قيلَ هَذي دارُ عَزَّةَ قادَني
إِليها الهَوى وَاِستَعجَلَتني البَوادِر
إنا لنفرح بالأيام نقطعها
وكل يوم مضى يدني من الأجل
لئن كنت بلغت عني خيانة
لمبلغك الواشي أغش وأكذب
وكل غريب للغريب نسيب
أزمعت يأسا مريحا من نوالكم
ولا ترى طاردا للحر كالياس
ما أخر الحزم رأي قدم الحذرا
فالصبر من كل أمر فائت خلف
لا يحسن البر إلا بعد إنصاف
مختارات من ديوان حاتم :
برواية ابن الكلبي عن مدرك
أما والذي لا يعلم الغيب غيره
ويحيى العظام البيض وهي رميم
لقد كنت أطوي البطن والزاد يشتهى
مخافة يوما أن يقال لئيم
يَرى البَخيلُ سَبيلَ المالِ واحِدَةً
إِنَّ الجَوادَ يَرى في مالِهِ سُبُلا
إِنَّ البَخيلَ إِذا ما ماتَ يَتبَعُهُ
سوءُ الثَناءِ وَيَحوي الوارِثُ الإِبِلا
لا تَعذِليني عَلى مالٍ وَصَلتُ بِهِ
رَحماً وَخَيرُ سَبيلِ المالِ ما وَصَلا
يَسعى الفَتى وَحِمامُ المَوتِ يُدرِكُهُ
وَكُلُّ يَومٍ يُدَنّي لِلفَتى الأَجَلا
إِنّي لَأَعلَمُ أَنّي سَوفَ يُدرِكُني
يَومي وَأُصبِحُ عَن دُنيايَ مُشتَغِلا
إذا أوطن القوم البيوت وجدتهم
عماة عن الأخبار خرق المكاسب
وشر الصعاليك الذي هم نفسه
حديث الغواني واتباع المآرب
وَغَيَّرَها طولُ التَقادُمِ وَالبِلى
فَما أَعرِفُ الأَطلالَ إِلّا تَوَهُّما
وَعاذِلَتَينِ هَبَّتا بَعدَ هَجعَةٍ
تَلومانِ مِتلافاً مُفيداً مُلَوَّما
تَلومانِ -لَمّا غَوَّرَ النَجمُ- ضِلَّةً
فَتىً لا يَرى الإِتلافَ في الحَمدِ مَغرَما
فَقُلتُ وَقَد طالَ العِتابُ عَلَيهِما
وأوعدتاني أَن تَبينا وَتُصرَمش
أَلا لا تَلوماني عَلى ما تَقَدَّما
كَفى بِصُروفِ الدَهرِ لِلمَرءِ مُحكِما
فَإِنَّكُما لا ما مَضى تُدرِكانِهِ
وَلَستُ عَلى ما فاتَني مُتَنَدِّما
فَنَفسَكَ أَكرِمها فَإِنَّكَ إِن تَهُن
عَلَيكَ فَلَن تُلقي لَها الدَهرَ مُكرِما
تَحَمَّل عَنِ الأَدنَينَ وَاِستَبقِ وُدَّهُم
وَلَن تَستَطيعَ الحِلمَ حَتّى تَحَلَّما
إِذا شِئتَ ناوَيتَ اِمرَأَ السوءِ ما نَزا
إِلَيكَ وَلاطَمتَ اللَئيمَ المُلَطَّما
وَذو اللُبِّ وَالتَقوى حَقيقٌ إِذا رَأى
ذَوي طَبَعِ الأَخلاقِ أَن يَتَكَرَّما
وَعَوراءَ قَد أَعرَضتُ عَنها فَلَم تضِر
وَذي أَوَدٍ قَوَّمتُهُ فَتَقَوَّما
وَأَغفِرُ عَوراءَ الكَريمِ اِدِّخارَهُ
وَأَصفَحُ عن شَتمِ اللَئيمِ تَكَرُّما
وَلَيلٍ بَهيمٍ قَد تَسَربَلتُ هَولَهُ
إِذا اللَيلُ بِالنَكسِ الضَعيفِ تَجَهَّما
وَلَن يَكسِبَ الصُعلوكُ حَمداً وَلا غِنىً
إِذا هُوَ لَم يَركَب مِنَ الأَمرِ مُعظَما
لَحى اللَهُ صُعلوكاً مُناهُ وَهَمُّهُ
مِنَ العَيشِ أَن يَلقى لَبوساً وَمَطعَما
يَنامُ الضُحى حَتّى إِذا يومه اِستَوى
تَنَبَّهَ مَثلوجَ الفُؤادِ مُوَرَّما
وَلِلَّهِ صُعلوكٌ يُساوِرُ هَمَّهُ
وَيَمضي عَلى الأَحداثِ وَالدَهرِ مُقدِما
إِذا ما رَأى يَوماً مَكارِمَ أَعرَضَت
تَيَمَّمَ كُبراهُنَّ ثُمَّتَ صَمَّما
تَرى رُمحَهُ وَنَبلَهُ وَمِجَنَّهُ
وَذا شُطَبٍ عَضبَ الضَريبَةِ مِخذَما
وَأَحناءَ سَرجٍ قاتِرٍ وَلِجامَهُ : أحناء قربوس السرج وآخره ، قاتر يترك على ظهر الدابة أثرا
عَتادَ فَتىً هَيجاً وَطِرفاً مُسَوَّما
فذلك إن يهلِك فحُسن ثناؤه
وإن عاش لم يقعد ضعيفاً مذمّما
وَلا آخُذُل المَولى لِسوءِ بَلائِهِ
وَإِن كانَ مَحنِي الضُلوعِ عَلى غِمرِ
مَتى يَأتِ يَوماً وارِثي يَبتَغي الغِنى
يَجِد جُمعَ كَفٍّ غَيرَ مِلأى وَلا صِفرِ
يَجِد فَرَساً مِثلَ العِنانِ وَصارِما
حُساماً إِذا ما هُزَّ لَم يَرضَ بِالهَبرِ
وَأَسمَرَ خَطِّيّاً كَأَنَّ كُعوبَهُ
نَوى القَسبِ قَد أَربى ذِراعاً عَلى العَشرِ : القسب نوع من التمر
إذا ما بخيلُ النّاسِ هَرّتْ كِلابهُ
وشقّ، على الضّيفِ الضّعيفِ، عَقورُها
فإنّي جَبانُ الكلبِ، بَيْتي مُوَطّأٌ
أجودُ، إذا ما النّفسُ شَحّ ضَميرُها
قبح الله طعاما عليه حجاب . ابنة عدي بن حاتم
إذا كان الشيء يكفيكه الترك فاتركه . عدي يروي عن أبيه حاتم