الرسالة السبعية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : 

فهذه رسالة الحبر اليهودي المهتدي إلى الإسلام / إسرائيل بن شامؤيل الأورشليمي منسقة ومهذبة بتصرف يسير ، وقد بعثها إلى قومه إجابة لسؤالهم الآتي .. فلنشرع في رسالته على بركة الله :


السؤال الموجه لإسرائيل -رحمه الله- من قومه:

ألا يا حبيبي: ما الذي ألجأك إلى أن تترك دين آبائك وأجدادك وتوراتهم وشريعتهم، وتنتقل إلى دين الكوئيم دين الإسلام، الذي كنت تبغضه وتشنؤه، كما نحن الآن جماعة اليهود، ونكره الدخول فيه؟.


صورة الجواب:

ألا يا بني إسرائيل، يا أقربائي وبني جنسي: إني أعلمكم بأن الذي ألجأني إلى أن أترك ما عندكم وأدخل في دين الإسلام هو مركب من سبعة قضايا:


أولها: أني فحصت الفحص البليغ، وتركت الغرض والعناد القبيح، فوجدت كلام الأنبياء عليهم السلام وإشاراتهم عن هذا النبي العظيم محمد، الذي اتبعته هي منطبقة عليه من كل الجهات، ثم هذه النبؤات التي رأيتها في كتب الأنبياء وسمعتها، فعلى ظني أن ليس عليها مرد مطلقا، ولا ناقض بوجه الحق، وهي من سيدنا موسى وأشعيا وداود وزكريا وغيرهم.

فمن جملة ما ذكرت التوراة في سفر التكوين المسمى بالعبراني (باراشيب) بأن لسيدنا إسحاق جد الأنبياء بركة واحده، وذكرت لسيدنا إسماعيل جمله بركات، وعليكم يا أحبائي بمراجعتها.


وثاينها: إن قبل مطالعتي لهذه البراهين كان دائما يخطر لفكري –كما الآن يخطر لفكركم– وكنت أقول لذاتي بأن توارتنا وزبورنا ونبوات أنبيائنا لم يوجد فيها أدنى إشارة عن نبي المسلمين. 

ولكن بعد مدة مديدة من الزمان راجعت ذاتي وقلت في عقلي: وَيْه وَيْه، كيف نبي مثل هذا الذي تبعته ألوف وكرات ومليونات، وشعوبه وأمته أكثر بكرات من شعوب موسى، وتبشيره للناس وإنذاره بترك الكفر والحث على الإيمان بالله، ومجاهدته وغيرته الشهيرة، أيهمل ويترك، وينسى من الذكر عند أنبياء بني إسرائيل؟

فهذا القول بهذا الشكل الذي يعلمنا فيه أحبارنا والحاخاميم هو مضاد لكل عقل سليم، بحيث إن أنبياء بني إسرائيل أنبأوا عن أشياء كثيرة كلية وجزئية، والإشارة عن هذا النبي هي من الأشياء الكلية اللازمة، فكيف يتركونها وينسونها، ويه ويه. أنا لا يقبل عقلي كلام الحاخاميم الباطل وتأويلاتهم.


وثالثها: اعلموا يا أقربائي وبين جنسي أني أخبركم أن الذي حملني بعد ذلك أن أتبع هذا النبي الجليل محمد: من كوني نظرت أن جماعة اليهود على بكرة أبيهم في كل مصر ومكان هم عائشون بغير شريعة التوراة ولا عاملون بأحكامها اللازمة لكون غير ممكنهم العمل بها، لا بل ممتنع. وقد تصرمت عنهم بالطبع وتلاشت، وهي باقية بالورق فقط.

ويظهر من ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد استخدمها إلى أزمنة معلومة محدودة، غير راض بخلودها، لا بل إنه راض بانقضائها وتبديلها. والبرهان على ذلك هو من المشاهدات والمتواترات والتجريبات والحدسيات والأوليات، إذ أننا نرى أن أعمدة وأركان هذه الشريعة الموسوية التي كانت مسندة عليها وفيها قوامها واستيلاؤها قد انهدمت بالكلية وعدمت، مثل إبادة الملك والرياسة، وعدم وجود الأنبياء، وإبطال الكهنوت، وخراب الهيكل السليماني، وهدم المذبح واندثار الذبائح، ومحق الأسباط وما يتعلق بهم. 

لو كان قصد الله خلود هذه الشريعة الموسوية وحفظها ودوامها لما كان هو ذاته سبحانه ربطها في قضايا تُنظر إبادتها وإعدامها عيانا، ظاهرا في كل حين عند العالم والغبي والعاقل والجاهل والشيخ والشاب، وجميعهم بالسواء قد ينظرون بأنها قد أعدمت وبطلت ومضى على بطلانها مئات كثيرة من السنين. وكل عاقل يرغب ثواب الآخرة قد يستدل على أن الانتقال منها إلى شريعة نبينا محمد المصطفى ﷺ هو أمر ضروري ولازم.


ورابعها: وهي الأغرب من كل ما ذكرناه – أن (أشداي أصباؤت أهيه شراهيه) حينما وضع شريعة التوراة وفرضها قد جعل على الأمة اليهودية شرائع ووصايا يجمع عددها ستمائة وثلاث عشرة وصية، وهذه الوصايا الحاوية على هذا العدد قد ربطها وحكم حكما صارما على من لم يعملها بستمائة وثلاث عشرة لعنة. لأنه يقال في سفر التثنية الاشتراع في الأصحاح السابع والعشرين والثامن والعشرين «ملعونا يكون من لا يعملها واحدة واحدة».

وقد وُضع على من يخالف هذه الوصايا للتخلص من تلك اللعنة : تطهيرات وتكفيرات وغفرانات وذبائح وقرابين. ورُسم أن تصنع وتقرب ضمن الهيكل والمذبح ورسم أيضا بأن من يقدم قربانا خارج الهيكل يقتل. وأمر بأن تكون القرابين مقدمة له تعالى على أيادي الأحبار ورؤساء كهنتهم.

وأما الآن يا أقربائي وبني جنسي، وقد رأيت أن عامة اليهود الباقية من بني إسرائيل عندما يخالفون وصية من هذه الوصايا، وتلزمهم لعنة من هذه اللعنات المشروحة من سيدنا موسى في التوراة ليس لهم وجهة للتخلص منها مطلقا، وهم حزنانين من كونهم غير ممكنهم العمل بكامل الوصايا المشروحة، ويمتنع أيضا فرارهم بالتطهيرات لأن الهيكل الذي عمره سليمان مع المذبح اللذين لا تكون هذه القرابين إلا بهما قد خربا وانهدما، والذبائح والقرابين مع الكهنة ورؤساء الكهنة الذين كانوا يعملونها في الهيكل والمذبح للفداء والتطهير مع باقي ما ذكرناه من النبوة والملك والأسباط ومتعلقاتهم قد اضمحلوا وتلاشوا، وما بقي لهم أثر بالكلية.

وهذا القول ليس هو قولي، ولا يجوز عندي أن ألعن، بل هي لعنات شريعتكم وتوراتكم، فإني قصدت أن أذكركم إياها للتخلص منها إن شئتم كما تخلصت أنا منها بدخولي إلى الديانة المحمدية المبين عنها من موسى والأنبياء.

ثم حدثت نفسي وقلت: إذا كان غير ممكن العمل بكامل الوصايا، وممتنع أيضا التطهير للواقع تحت مخالفتها وديانة التوراة هي مربوطة بالوجهين، ومن لا يعمل بهما فهو كالذي بغير دين، فكيف أقعد أنا بغير دين ولا شريعة؟ وكيف أنسب نفسي أني يهودي وتحت شريعة موسى والتوراة وأنا عار منهما وبريء؟ وهما بعيدان عني بعدا كبعد السماء من الأرض؟ وبذلك أكون بلا شك لا سمح الله من أهل العذاب، لأنه ممتنع عليّ أن أعمل الوصايا، ولا أقدر أن أجري ما فرضه الله علي من التطهيرات والتكفيرات كما سبق من القول.

ومن هنا أدرك أن الذي بناها بحكمته هو هو الذي هدمها بحكمته، واحد لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون. إذ أن مقاصد الحكمتين بعيدة عن معرفة عقولنا.


وخامسها: يا أحبائي، ليس خافيكم أن في الزمان الماضي قد جاء سيدنا عيسى فاستكبرتم عليه وتكلمتم في حقه ألفاظا غير جائزة ومحرمة. لا سيما أنها مبنية على التزوير والبهتان والكذب التي بسببها مع غيرها قد ورد عليكم القصاص في القرآن الشريف أكثر من أربع مرات، بألفاظ متعددة ومفزعة جدا. ومضمونها تكرار ما وضعه سيدنا موسى عليكم على مخالفتكم الوصايا المار شرحها. 


وسادسها: وإذ رأى الأحبار والحاخاميم الكثير من جماعتهم اليهود الموجودين في تلك الأعصار تابعين لدين هذين الرجلين النبيين العظيمين [عيسى ومحمد عليهم الصلات والسلام]، وما بقي عندهم إلا القليل من الناس، كما هو مشاهد فقد شرعوا في عمل تحريفات وتأويلات وتفسيرات مخالفة لمضامين الشهادة الواردة في التوراة بحقهما. واختراعوا آراء مسستحدثة، حتى قد رأوا أن يبقوا الباقين في دينهم إلى الآن. 

ثم ومن أقوى هذه الآراء المستحدثة قد اخترعوا لهم رأيا أبتر، ليس لهم عندهم سند في التوراة مطلقا، لا من موسى ولا من الأنبياء، وهو التقمص. أعني أن الإنسان اليهودي عندما يموت وهو غير مكمل الوصايا المشروحة، ومديون إلى الكثير منها ووقع تحت هذه اللعنات، فيلزمه الرجوع للدنيا ثاني مرة، أو ثالث مرة أو إلى أكثر من ذلك، إلى أن يكمل الوصايا ويتخلص من جرثومة هذه اللعنات رويدا رويدا.


وسابعها: إني قلت لنفسي: يا هل ترى، ما الذي يمنعني عن اتباع الحق؟ فقلت: لا مانع لك. ثم قلت: وما هو الفرق الحاصل فيما بين ديانتي وبين الديانة المحمدية؟ فأجبت ذاتي وقلت: إن الفروقات الباقية اللازمة والضرورية في هذا المعنى غير المتقدم شرحه. هن سبع:

الفرق الأول: هو ترك فرائض المأكولات التي حرمها الحاخاميم وأثقالها.

الثاني: هو التخلص من هذه اللعنات ونكباتها.

الثالث: أن أطرح الكلام الرديء والتجديف الذي كنت أتكلمه وأعتقده بحق عيسى وأمه وغيرهما من حواريه وتعليماته.

الرابع: أن أقر بأنه نبي ورسول من عند الله برسالة معلنة بأفرادها.

الخامس: أن أقلع البغضة المزروعة في قلبي بحق الأمم من الناس. وهي معي عن آبائي وأجدادي، وبحق محمد المصطفى ﷺ بنوع أبلغ، الحاوي أكثر المحامد وصفاتها.

السابع: أعترف أنه جاء بشريعة عدلية، وفضيلة كاملة، حاوية معنى جوهريات ما جاء في الشرائع السابقة، وأحسن القصص، مهندمة إياها بالاستثناء اللازم لها.

هذه هو الذي يزيد عليّ ويلزمني، إذ أن إيماني بوحدانية الله تعالى هو هو، وختاني بمطهوري هو هو، وبعدي عن المرأة في أوقات معلومة هو هو، وتطهيراتي وإسقاط غسلي هي هي، وكثير من الأحكام التوراتية، كأوجه الزواج بالقرابات عدا وجهين زائدين هي هي، واعترافي بموسى ونوح وإبراهيم وباقي الأنبياء هو هو، والشرائع العدلية كالعين بالعين والسن بالسن هي هي. وقد رأيت كل ما يلزم ويتعلق اتباعه لذلك هو هو، محرر في القرآن الشريف، زائد الهندام، حسن التوقيع، مرتبط بأظرف عبارة، ومتعانق إليه كل ما يلزم من الأمور العائدة لإصلاح الدنيا والآخرة.


فهذا وأمثاله هو الذي أحوجني أن أترك الدين اليهودي المتروك الطبع إذ نراه كميت لا يتحرك، وأتبع الدين المحمدي الحي المتحرك والمحبوب صافيه ومخلصه عند كل عاقل، وأجهر بصوتي وأقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.