!ما قالته خِزانةُ الأحذية

إلى أي الأمكنة ستقودني قدميِّ، يقال الأحذية الجيدة ستنقلك للأمكنة الجيدة” كما حدث في قصة ساندريلا والحذاء الزجاجي الذي دلَّ الأمير لمعرفة هويتها الغامضة، بعد أن غادرت هي فجأة عند منتصف الليل غائبةً عن الحفل الراقص، حينها أصبح الحذاء العلامة الوحيدة المتأججة بالأمل في العثور عليها.


شيء ما هناك لم يختفي كما اختفى السِحر!

تقول الحكاية أن الطيبة ستجعلك حتمًا تحصل على مكاسب عظيمة، وإن كان هذا من بابٍ مستحيل كما حدث مع ساندريلا عندما ساعدتها الساحرة، لنقل أن شخصية الساحرة في القصة هي تعبير آخر عن الخيال سنجد فعلًا أنها كانت رغبة ساندريلا الحالمة في أن يتحوَّل القرع الى عربة تنقلها للقصر، وأن تحظى بالمساعدة والدعم بواسطة أصدقاء من البشر، يمكنهم أن يفعلوا ما استطاعوا ليؤثروا في عالم ساندريلا المظلم، تجسدت هذه الرغبة في هيئة الحيوانات التي كانت تواسيها، لكنها لم تكن قادرة على أن تدعمها دائمًا في القصة، خيال ساندريلا مليء بالرغبات والتمني، أنه في يوم من الأيام سيحدث الحدث السعيد لينقذها من واقعها الصعب والمرير.

كل الأشياء التي اختفت كانت كلها رغباتُ وأماني ساندريلا التي أشعلت شغاف قلبها عبر الخيال.

ففي النهاية عادت الأشياء إلى طبيعتها، العربة عادت يقطينة ملوثة بالطين، واصدقاءها البشر عادوا إلى هيئتهم السابقة حيوانات والفستان الأنيق عاد للفستان الذي تمَّ افساده بأيدي الحسد والغيرة، لكنه بقي وحدة الحذاء الذي دلَّ على الاقدام والسعي للخروج من واقعها المرير وملاحقة السعادة، بقي إقدام ساندريلا وحده حاضرًا بجوهرة القوي من داخل تلك الحياة التي اثقلتها المعاناة وغلفها الرماد.

ظِلُ الخَيال

جلستُ في الصالة لوحدي، لكنها كانت أمي موجودة، لكنني لوحدي هائمة في مكانٍ بعيد لم أعد قادرة على العودة من العوم على سطحه أو الغرق في أعماقه، تُبادر أُمي دائمًا في الحديث عن أشياء كثيرة يصنفها عقلي في خانة تافهة لذا ينتابني شعور بأني وقحة وقليلة التهذيب ولستُ بارة بأمي، وبأني حتمًا سأشتعل بنيران الجحيم مرتين الأولى هي ما يحدث الآن، والثانية ما سيحدثُ في الآخرة.


أرى ظهر أمي، جالسة على كرسي المطبخ الخشبي، أمام خزانة الأحذية بقرب الباب، ثم بدأت كالعادة تُردد، وفي يدها كيس قمامة أسود، لمن هذا الحذاء؟ فأجيب لا أدري يا أمي، تشمئز أمي وهي أمام الخزانة، فهي عندما لا تعرف شيئًا من هذه الأشياء “التافهة” تغضب وتصبُ جام غضبها على من حولها، لكني أظن أني ابتعدتُ كثيرًا لذا أنا لست ضمن الذين “حولَها” أخرجت أُمي من الخزانة حذاء كعب عالي مزين بكرستال في المنتصف، قالت: لمن هذا الحذاء؟ قلتُ لأمي لا أدري،أظن أنه من أحذية شهد، لقد استعرته قبل ثلاث سنوات بمناسبة حفل تخرجي، لا زال لمعانه يقودني للذكرى حتى الآن.

كعادتي أضم ساقي إلى صدري وأتنفس.. بينما تقلب أمي في الخزانة بين الأحذية، تكرر السؤال مع كل حذاء مختلف: لمن هذا الحذاء؟ لم أره من قبل كان حذاءً مسطحًا ومفتوحًا بلون الخُزامى، قُلت يبدو لي أنه لشهد، قالت أمي: لو أنها تنفق مالها فيما ينفعها، كم حذاءً وجدته مدسوسًا في أسفل الرف وصار لها! لا أراها ترتدي هذه الأحذية، تقلبُ أمي في خزانة الأحذية، وتجد حذاءً في كل مرة لشهد، وأحذية أُخرى لأشقائي الآخرين، لكن معظم الأحذية كانت نسائية وكانت على مقاس 36 وهو مقاس أحذية شهد، تستمرُ أُمي في عرض عددٍ لا متناهي منها علي، لمن هذا الحذاء؟ 

فأجيب لا أدري..


بعد حوالي ربع ساعة، صمتت أمي لبرهة، وبقيت أفكر قليلا وأنا انظر لأصابع يدي الخمس، أتذكر ذكرى قديمة عندما كنا صغارًا جدًا في المرحلة الابتدائية، أنا وشقيقاتي الأربع اجتمعنا على طاولة خشب قديمة الطِراز كنا قد جعلناها في مكان اجتماعنا السري الصغير والنسائي، بعد أن شاهدنا مقطع فيديو لشقيقات يتخاصمن ويتفرقن، قلنا ونحن نمد أيدينا الصغيرة: وعد أننا لن نُخلف، لن نتشاجر ولن ننسى بعضنا في يوم من الأيام، لن نتفرَّق.

ستكون سعادةُ أمي في المقامِ الأول عندما نكبُر! 

تصاحبنا بالطريقة التي كانت دارجة آن ذاك (صحيب) نعقدُ خناصرنا الصغيرة عند كل وَعْد.

 


لكن ما الذي حل بنا الآن؟ 

قالت أُمي فجأة، لم أجد أحذيتك أين هي؟ أجبتُ نسيتِ؟ لا أملك من الأحذية إلاَّ حِذاءً رياضيًا واحدًا، والبقية منزلية.. 

ردت أمي: 

بالأصل حتى لو لم تملكي أحذية، الخزانة ممتلئة يمكنكِ أن تأخذي منها، لا أعرف ما الداعي لامتلاكِ مثل هذا العدد الهائل من الأحذية! 

قلت: أمي ألا تشتاقين لشهد؟ 

ردت: ولما اشتاق لها؟ 

أراك تحدقين في باب المدخل بين حين وآخر، حتى عندما تجلسين وظهرك للباب، على الرغم من الم رقبتك تستمرين في الالتفاف.

-أنا فقط أتمنى لو لم يأتي والدك! 

-أظنكِ تشتاقين اليه هو أيضًا..

-لماذا تقولين ذلك؟ 

-ألم تلاحظي يا أمي لماذا عدد أحذية شهد كثيرة ومتعددة، ولماذا لم تعثري على حذاءٍ واحد لوالدي، ولماذا لا يوجد لي إلا حذاء واحد؟ هذا بالإضافة إلى استعارتي المستمرة للأحذية التي ليست لي؟ 

-لماذا؟ 

-إنها كناية عن الأمكنة التي نقدم على زيارتها ونبتعد من خلالها عن البيت.

-الأمكنة؟ 

-أحذية شهد المتعددة والتي لا تزال موجودة في الخزانة، تخبرنا بأنها موجودة في البيت لكنها لا تبقى لفترة طويلة، هي خارجة عنا بقدر ما استطاعت لشتى الأماكن لهذا تتنوع أحذيتها بقدرِ تنوع الأماكن التي تقصدها، والدي يا أمي كم عامًا مرّ ولم نره؟ ليس له حذاء واحد في الخزانة، وأما أنا باقية في البيت معكِ لذا لا ضرورة لي لشراء أحذية متعددة، لم أزر أمكنة لوحدي إلاَّ في محطاتِ عقلي، لذا عندما أخرج أستعير أحذية ليست لي، تريني الخِزانة أن شقيقاتي وأشقائي يشقون طريقهم لرحلات خارجية ومستقلة لأماكن جديدة. 

صمتت أمي فسألتها: ولكن يا أُمي لماذا لم نجد أي حذاءٍ لكِ في الخزانة؟

كما في السِحر اختفت أُمي، لكنها بالتأكيد كانت موجودة، لِذا بقيتُ طوال الليل أفتشُ في خزانةِ الأحذية عن حذاءٍ واحد يدلني على المكان الذي ذهبت اليه.



Join