عزل العادات

أعود دائمًا للقول بأن الإنسان كائن عجيب، نحن في العادة نشعر بالصعوبة عندما نفكر في مواجهة عاداتنا بالاستبدال أو التعديل أو الكف أحيانًا عن بعض السلوكيات التي تضر بنا أو أدت بعد وقتٍ طويل لنتائج غير سارة، مع ذلك نظل ملازمين للنظام الذي تفرضه علينا العادة وأحيانًا نفعل العادات آليًا وقد نرى أنها أساسية، وفي الغالب هي أفعال يومية لصيقة بنا، حتى أصبح مزاجنا وأداء مهام أُخرى لا تتعلق بها مرتبط بها بشكل أو بآخر!

نحن في الغالب نشعر مع العادات بالراحة، فهي مرتبطة بدائرة أمان، هذه الدائرة تُشعرنا بأننا قادرون على السيطرة على أنفسنا، لكنها في الحقيقة هي المسيطرة، غالبًا نجد أنفسنا قد دخلنا في حالة من الرتابة والملل واللا جدوى تَظهر هذه العلامات بشكل واضح متى تحولت العادة من كونها أمرًا صغيرًا تافهًا إلى أن تكون أساسًا قائم في تركيبة يومنا العادي.


مُحرِّك للأحداث

الشهر الثاني من عام2023

جَلستْ الشقيقة الرابعة على كرسي طاولة الخدمة وبيدها كوب من القهوة المقطرة الساخنة الخالي من الإضافات مراقِبةْ أبخرته المتصاعدة وعقلها غارق في التفكير، لم يهتم الأخ الأول لهذا المظهر فهو يبدو في نظره لغة جسدٍ اعتيادية فاستهل الكلام مبددًا للهدوء:


-ما رأيكِ لو خرجنا في نزهة بالسيارة والتقطنا الصور، أود فعلًا أن أشارك فرحي بيوم التأسيس على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

- يوم التأسيس! حل موعده بهذه السرعة، كنت أُتابع منذ مده تشكيلة الأزياء الشعبية لكل مناطق المملكة وأقرأ الردود الناقدة لأن النساء في بعض المناطق يفضلن أزياء ليست من مناطقهن، كنتُ في حيرة أيضًا فالمنطقة الوسطى وأزيائها ليست على ذائقتي، لكنني أحبُّ أن أكون معبِّرة عن منطقتي ومع ذلك لا أُمانع لو تبادلنا الأزياء ألسنا مِن وطن واحد في النهاية؟ 

 

-ما الجدوى من التقسيم إذًا؟ في الحقيقة قد أعجبني الزي الشمالي للرجال أكثر من المناطق الأخرى، مع ذلك لا يبدو لي أنه من الصائب ترك زي المنطقة الوسطى بسبب أمر ندعوه (ذائقة).

 

-يتساءل عقلي أحيانًا هذا الذي ابتكر الزي لماذا لم يبتكر ذائقة مُتوارثة كما أورثناه؟ 


                         (موجة مرتفعة من الضحك المفرط) 

 

-أخي، هل حقًا مرَّ عامٌ كامل منذ بدأنا نحتفل بيوم التأسيس؟ لا أصدق ذلك!

 

 -ولماذا لا تـصد…

 

-أكملت مقاطعة: لحظة لحظة! هذا عام كامل! عام كامل ماذا كنتُ أفعل؟

 

-يبدو لي أنك تمرين بحالة يقظة، وكأنك كنت تحلمين طوال أيام العام ثم استيقظتِ الآن، يبدو هذا كعمل روائي بديع!

 

-نعم نعم! أشعر بأني واعية الآن، عندما أسأل نفسي ما الذي كنت أُفعله في العام الماضي؟ كنت كالعادة أُمارس عاداتي اليومية تلك العادات التي لا تنمو مع الأيام لكنها تحفر مقرها بعمق فيني، مُحاطةً بهذه الأشياء، وغائبة عن الزمان ؛عن اللحظة، الأمس يتكرر دون أن أُدرك بأنه يوم جديد وبأن الحركة خارج دائرة النظام الذي صنعته بنفسي ستصنع فارقًا في حالي!

 

-ألستِ ترهقين نفسك بالتأنيب؟ من يسمع كلامك يظن بأنك كنت تجلسين دون فعل شيء؛ لقد كتبتِ عددًا من المقالات، قرأتِ عددًا من الكتب، واستمعتِ لعدد كبير من المحاضرات في مجالات متعددة، حضرت مؤتمرات علمية الكترونية ..و

 

-نعم، لكنها العادة، فقط العادة!

 

-عادةٌ جيدة خير من سيئة في نظري!

 

-يبدو لي أني يا أخي قد كوَّمتُ على نفسي جبلًا من الأشياء المفيدة غير المفيدة حتى ضِقتُ اختناقًا.

 

-ماذا تعنين؟

 

-أعني أن الأشياء المفيدة هذه لم تضع لمستها في حياتي، إذ أنني كنت حاضنه لها لكنها لم تعكس افادتها علي. 

 

-كيف ذلك؟

 

-مثلًا تخيل شخصًا يوفر وقتًا من يومه للاستماع الى برامج تحث على العناية بالصحة وهذه البرامج تثقيفية ومعلوماتها مفيدة حقًا، هذا الشخص يستمع ويعرف ويدرك أنها مفيدة لكنه في المساء يتناول الوجبات السريعة لا يمارس الرياضة..! 


-هذا راجع لكونه يستمع ولا ينفذ إذا هو يجعل عقله كالوعاء وسلوكه لا يتماشى مع محتوى هذا الوعاء! لن استغرب لو حاربته هذه المعرفة، لأنه يوقن بصحتها ويفعل ما يخالفها.

 

-نعم، دعني أخبرك بمثال آخر ليتضح قصدي أكثر: شخص يبحث عن الراحة الفكرية، يتجه للكتب الجيدة، فإذا به يُنهك من فرط التفكير!

 

-البحث بحد ذاته يستوجب التأمل والصبر، فهل تأمل هذا الشخص ولو بالقليل مما يقرأ، أم أنه يقرأ لأنه يريد حل سريع لمشكلته!

 

-يبدو لي أننا لن نصل لنقطة تفاهم! 

 

-أعتقد بأنك تؤنبين نفسك على الأشياء، ففي الوقت الذي تحاولين أن تعملي أو تشغلي نفسك، لا تدركين أنها وسيلة تعزيز لبقائك في دائرتك الآمنة. 

 

-أنا في نظر نفسي الآن، أُمثل الضائع تحت أجيج الشمس واتساع الأفق داخل صحراء كبيرة، وعاداتي المفيدة هي تمامًا كالواحة في الصحراء؛ تلك البقعة الخضراء التي أحلم بأنها ستُنجيني.

 

-بما أنكِ محاطة بها فأنتِ قريبة مما تبتغين!

 

-إني أتذكر دائمًا أفلام الكارتون التي كانت تعرض لنا خيال الواحة لا الواحة نفسها، الضباب انقشع، والآن وجدتُ نفسي أسيرة الحال السيء.

 

-والحل؟ 

 

-تسألني عنه أنا! 

 

-عندي يقين أن الحل دائًما عند صاحب المشكلة!

 

-لدي فكرة تلمع في ذهني بين حين وآخر، مرتبطة بالاتزان. 

 

-ماهي الفكرة؟

 

-تقول الفكرة إذا ركزت على أمر فإنك ستهمل في المقابل أمر آخر.. في السنة الماضية ركزت على التفكير وتحليل الأفكار والكتابة وكذلك القراءة كلها أعمال أقوم بها وأنا مستقبلة عادةً، ماعدا الكتابة مع أني شعرت بأن التكرار قد أكل منها ما أكل حتى تركني في ضائقة شك رهيب نابع من سؤال من أين لي بهذه الفكرة؟ قد تكون فكرة هاربة من عقل شخص آخر استمعت له وانتقلت إلى عقلي ثم قيمها هو على أنها من بنات أفكاره! هل تَرى هذا النوع من الأفكار إنها حقًا حرب قائمة، ذلك لأني مِلتُ كل الميل إلى التفكير وأهملت بالتالي جوانب أخرى.. لِذا

 سأقطع حبلي الغارق في داخل محيط الذهن، حبلي المعقود بالمرساة الثقيلة، أود حقًا لو جربت أشياء جديدة ولو كانت مهملة عندي وتافهة في نظري، سأعزل عاداتي القديمة بالجديد الذي لا أعتاد عليه.

-أول خطوة إذًا؟

-أفعل مالا كنتُ أفعل، ثم سأوازن بين هذا وذاك بعد فترة من الزمن، انظر سأبدأ بكتابة تغريدة جديدة على تويتر وهي كالتالي: “حياة بعيدة عن مواقع التواصل الاجتماعي.” أما عن الخطوة التالية، لنخرج لنتناول القهوة في المقهى، قهوة بالحليب على سبيل التغيير.

 

-أخبريني على الأقل، حقًا لن تستخدمي مواقع التواصل؟

 

-بالتأكيد، سأشغل نفسي بأعمال جسدية وسأدخل دائرة الواقع من خلال الاحداث اليومية العادية.

-مثل ماذا؟ 

-ترقَّب و تشوَّق مع الأيام أخي العزيز!


Join