بطل سياسة وعيش بشوقك!


السياسة أحد ابشع الأمور المثيرة للإهتمام حقاً، أكتب هنا لأذكر نفسي لماذا توقفت عن محاولة قرائتها.

بدأ اهتمامي بها في المرحلة المتوسطة إنطلاقاً من فضولي المقيت لمحاولة فهم مايحدث وكان الأنترنت في تلك الفترة بين 2008-2011م  بيئة خصبة جداً لكل القضايا التي يمكن أن تتخيلها بداية بالإرهاب كمفهوم حديث في وقته وصولا لديموقراطية الغربية المنشودة في المجتمعات العربية.

الأختلاف في السياسة هو اختلاف رؤية لا أختلاف مبدأ غالباً - لابس نظارة غير نظارتك بالعامي- فالسياسيين ينظرون لِلإشكاليات من جانب تأثيرها على الدولة موقفها مكانتها  علاقتها بالمجتمع الدولي بينما ينظر لها العامة من منطلق خلفياتهم الفكرية والثقافية فهمناك الإنساني الذي يراها من منطلق تأثيرها على البشر، والمادي الذي يراها من منطلق تأثيرها على الإقتصاد. 

هذا الأختلاف لشخص العامي مشتت مقيت ومرهق جداً، فالجميع لديه وجهة نظر صائبة من موقفه ولذلك يستمر النزاع الذي تحاول جاهداً فهمه، بدأت محاولاتي فضولاً وامتدت لتبني مختلف القضايا المتاحة في وقتها من أهمية الجهاد الأفغاني، لضرورة تحرير فلسطين امتداداً لتوحيد الدول العربية! 

في كل قضية كنت أقرأ كشخص ناضج اسهر اياماً واكتب اكتب بنشاط واعود في كل عطلة اسبوعية - الوقت المتاح لي لتصفح الانترنت حينها- لرد على كل المنتقدين لقضيتي العظيمة! 

استنزفتني تلك القضايا فترة طويلة كانت تجربة ممتعة لا انكر، أعطتني احساساً بالأمتياز كنت اعتقد اني أفضل،أنضج من الآخرين واستمرت حتى فترة الربيع العربي توقف الناس عن الحديث عن فلسطين والإحتلال للحديث عن رجل احرق نفسه طوعاً غريب غير منطقي وغير مفهوم تماماً بالنسبة لي والأغرب كان وضع العالم وكأنك اسقطت قطعة ضومنة! الجميع سقط والجميع مهدد، والكل يطلب التغيير!

كانت فترة مخيفة جداً والمرعب اكثر كيف تحول الأنترنت من مجتمع ناضج مليء بالمثقفين الثائرين إلى مجتمع همجي يسيء لك ويتهجم عليك لمجرد كونك من بلد يعتقد أن لها يداً فيما يحدث، والاسوأ من ذلك كانت نهاية تلك المسرحية البشعة كيف هدأت الشعوب عادت الأمور لطبيعتها وظهر المستفيدون على السطح لأخذ الغنائم! وبدأت الشعوب بالقبول، ايقنت وقتها أن لايمكن لي فهم مايجري لا أعلم هل عقلي صغير جداً أم أن السياسة معقدة جداً لكن الأكيد أن كل محاولاتي للقراءة لم تكن مفيدة ولم توصلني إلا لمزيد من التشت. حيث لا أحد يمتلك الصورة الكاملة لأي مما يحدث ما يطرح لايتجاوز كونه فلسفة تستحق الأطلاع واثبت ذلك ماينشر لاحقاً من تقارير حكومية وتسريبات تتجاوز كل التوقعات والدراسات لما يجري والتي أيضاً لا أحد يجزم بدقتها. 

“لا يمكن أن تكون محايدًا في قطار منطلق”

 هوارد زن, قصص لا ترويها هوليود مطلقاً

الحياد خيار الجبناء والعقلانيين، الدرس المرهق الذي تعلمته في تلك المرحلة أن أكون أكثر موضوعية واترك السياسة (لرجال) كما كان يطلب أبي دائماً و اوجه جهدي لقضايا يمكنني فعلاً المساهمة فيها، دعم الابتكار، الأعمال الإغاثية وتوقفت تماماً عن القراءة في السياسة منذ 2012. 

كانت اكثر خطوة حكيمة اتخذتها ،حيث كنت سابقاً  كمن يرتدي عباءة رثة ليكون جزء من الآخرين بدل محاولة المساهمة فعلاً في ايجاد حلول لدعمهم. 

منذ ذلك الحين وحتى 2020 لم احاول العودة للقراءة حتى مع تطور منهجتي بالقراءة بحكم دراستي للقانون والذي ركزت على التخصص بالمسار التجاري منه هروباً من كل مايتعلق بالأنسان، ولكن في هذه المرحلة وبين خلافات دول الخليج ومحاولات قبول الكيان الصهويني وبين كونه نشأ بأعتراف بريطاني أم بجهود يهودية لقتل اليهود واجبارهم على الهجره - نعم عدت للقراءة! عدت مشتته ضائعة أحاول الفهم والتأكد مما تربيت على كونها مسلمات أم مجرد أوهام !  

أعلم أن محاولة الفهم مرهقة، وموقنه أنه لايمكنني الخروج منها كما كنت لذلك احاول ايقاف تلك المراهقه الفضولية عن البحث ومواجهة كوني جبانة هربت سابقاً ولم تتحمل عبء الفهم. 

الجبن ليس سيئاً الشجاعة المفرطة يمكن أن تدمرنا فكرياً لاسيما كجيل نشأ وتتلمذ على صفحات الانترنت بأفكار معرفات مجهولة لا على يد مشايخ أو معلمين لايمتلك أي أساس فكري رصين. 

لكن كل هذه الفوضى مربكة جداً “لايمكن أن تكون محايداً في قطار منطلق” ! 


الإعتراف بالجبن خطوة أولى لتجاوز، الخطوة الثانية فهم حقيقة المجتمعات وأن موقفك السياسي أو الفكري كفرد مستقل لايملك تحريك عجلة الأقتصاد لا يؤثر في هذا العالم بتاتاً أنت تكتب، تعترض لمجرد إرضاء ضميرك واثبات شجاعة وهمية فلا انت حررت فلسطين ولا ساهمت بمساعدة النازحين ولا حتى انهيت مسؤولياتك اليومية التي تركتها لتغرق نفسك بلعنة الصورة الكبير متناسياً دورك في الصغير في تشكيلها. 

الجميع سيعيش- وربي فوق زي ماكانت جدة الله يرحمها تقول- دع الخلق للخالق احتفظ بآرائك تحت وسادتك أو احرقها إن امكن عيش بشوقك وركز على دورك الرئيسي في هذا العالم ودع العالم يمضي! 

أنت ابقى!

إن قدرة المصري اللانهائية علي التكيف مع أصعب الظروف والاستمرار في الحياة، هذه القدرة صفة حضارية رائعة يتميز بها شعبنا بجدارة.. فربما لا نكون أشجع الشعوب ولا أمهرها لكننا بالتأكيد أساتذة كبار في الدفاع عن الحياة ضد كل ما يهددها، فنحن نعرف تماماً كيف ننتزع من الطغاة مساحة ما ولو صغيرة لنعيش ونستمتع ونبدع.”

علاء الأسواني _ لماذا لايثور المصريون؟
Join