التصميم لعالم أكثر عدلاً
مرحباً جميعاً،
تحمل هذه التدوينة الكثير من الثرثرة وعليه جرى التنويه .
بدأت علاقتي بتصميم الأعمال متأخرة جداً اكاد اجزم أني آخر من سمع بهذا المفهوم! حيث كانت أول مره تعرفت على منهجيات تصميم الأعمال في أواخر 2016 حينما كنت أعمل على تصميم مشروع متطلب لبرنامج الملك سلمان لريادة الأعمال واحتجت وقتها لبناء نموذج عمل ناضج وانطلقت من هناك إلى فهم أعمق لتصميم من مجرد مخرجات بصرية إلى دوره في بناء الأعمال ، تقديم الخدمات وتحسين الحياة.
في 2017 كانت أول ورشة عمل تفكير تصميمي حضرتها مع أ.عبدالرحمن القحطاني ، كان المختلف فيها عن كل تجاربي السابقة هو نضجي القانوني في تلك المرحلة التي تزامنت مع السنة الرابعة في دراستي للأنظمة، وكان من المضحك أنه وخلال عملنا على مرحلة بناء الفكرة أني بدأت ببنائها وفق نموذج بناء القضايا التقليدي من جمع وتحليل وربط حدث ذلك بشكل تلقائي جداً مضحك ومثير في آن معاً حيث بدأت في استيعاب مدى تأثير التخصص على طريقة تفكيري وأيضاً مدى ارتباط المجالات ببعضها مهما جزمنا بالاختلاف.
هنا كانت مرحلة التغيير فإن كنت استطيع التصميم بمنهجيات قانونية فمن المنطقي أن أستطيع تطوير القانون بمنهجيات التصميم! بدأت بعدها بالبحث في مجال التقنيات القانونية وتصميم عدد من المشاريع الناجحة نظرياً، الفاشلة تماماً عملياً حيث لم تتجاوز تجاربناً حصد الجوائز المادية والاستمتاع بها في اجازة الصيف!
ومن خلال التجربة والبحث استوعبت أكثر التصميم والقانون معاً، حيث يعد مفهوم التصميم القانوني مفهوم شائع جداً وتدرس منهجياته ضمن برامج أكبر كليات القانون على مستوى العالم مثل Duke و Stanford.
Legal design aim to improve people’s comprehension of the rules, systems that apply to them and give them the power to navigate the legal system in the most strategic and intelligent way.
Dr.Margaret Hagan
التصميم التقنية أم الإبتكار :
يمكننا تعريف نهج الابتكار القائم على التصميم المتمحور حول الإنسان على أنه تقديم الحلول للمشاكل البشرية الحقيقية والمعيشية. من خلال تقدم مجموعة واضحة من العمليات ، المنهجيات، وتوظيف التقنيات المتقدمة التي يمكن أن تساعدنا على التفكير بشكل مختلف حول كيفية التعامل مع العديد من المشاكل من خلال النظر لها بشكل أكثر طموحًا وإبداعًا - وذلك استناداً على تعريف د. Margaret Hagan لتصميم في كتابها lawbydesign -حيث يتعلق التصميم بقابلية الاستخدام ،المشاركة، وبالنظر إلى جميع الأشياء والأنظمة في حياتنا والتفكير - كيف يمكن أن تكون أفضل؟ كيف يمكن أن يكون استخدامها أسهل؟ كيف يمكنهم أن يقدموا لنا قيمة أكبر.
وإنطلاقاً من ذلك يمكننا تعريف التصميم المتمحور حول الإنسان في القانون (" التصميم القانوني") بأنه: التصميم الذي يركز على علاقة الإنسان بالقانون ، ويعمل لجعل النظم والخدمات القانونية أكثر تركيزًا على الإنسان وقابلة للاستخدام ومرضية.
ويركز التصميم القانوني على جلب ثقافة التفكير التصميمي ، وبحوث المستخدم ، والتصميم المتمحور حول الإنسان إلى المجال القانوني . وفي هذه العملية ، تحدد المقاييس الجديدة الرئيسية لكيفية عملنا في مجال القانون. حيث نركز على تقديم خدمات (1) صالحة للاستعمال و (2) مفيدة و (3) جذابة.
ماذا يضيف التصميم للقانون:
نصمم في المجال القانوني لثلاثة أسباب رئيسية( وفق أهداف التصميم القانوني التي حددتها د. Margaret Hagan لتصميم في كتابها lawbydesign ):
لمساعدة الأفراد والمهنيين القانونيين.
خلق واجهة أفضل للنظام القانوني.
العمل على تحسين الخدمات على المدى القصير وخلق التغيير على المدى الطويل.
ويبدأ ذلك من إعادة تصميم الإجراءات واللوائح وطرق إنفاذها وتطوير أدوات التواصل والعمل إلى تصميم الخدمات والحلول القانونية لضمان حل المشكلات بفاعلية أكبر وبشكل جذري يتجاوز مجرد تقديم الإستشارة القانونية.
وبشكل طموح جداً يمكننا القول أنه من خلال منهجيات التصميم المتمحورة حول الإنسان والتقنيات المتقدمة يمكننا جعل العالم أكثر عدالة ، وشفافية وتقديم خدمات قانونية أقل تكلفة وبدقة أعلى.
ولكن كل هذا الحديث المبهر حول التصميم وتطوير التقنيات المتقدمة والذكاء الإصطناعي وتأثيره على القطاع العدلي من حيث تحليل السوابق والوصول لأحكام أفضل وأكثر عدالة، والطموحات العالية حول البيانات الضخمة وإمكانية تحليل النصوص القانونية وضمان الالتزام دون تدخل بشري و بتكاليف محدودة كلها تغييرات لن تحدث نفسها ولن تخرج من النطاق البحثي ما لم يتكاتف الممارسين المهنيين من قانونيين وتقنيين ومصممين لبناء هذه التغييرات.
وللمزيد حول تطبيق التفكير التصميمي في المجال القانوني اشجعك على الإطلاع على المقال التالي من (Designs on the Law The arrival of design thinking in the legal profession)
لماذا التغيير الآن :
يعد القانون أحد أبطأ المجالات في معدل التحول الرقمي ويتنافس في معدل البطئ هذا ثلاث مجالات رئيسية ( الخدمات القانونية، المالية، والتأمينية) - العجائز الثلاثة إن صح التعبير- ويأتي ذلك من كون هذه المجالات تمس بشكل أساسي ومباشر حقوق الأفراد وبناء عليه تنظمها الأنظمة والتشريعات بشكل صارم ويشكل التغيير فيها دون الإخلال بالانظمة ودون تعريض حقوق الأفراد للخطر تحدياً كبيراً.
ولكن خلال الخمس سنوات الماضية تطورت تقنيات الأمن السيبراني بشكل كبير وشكلت قفزة عظيمة وافقت أيضاً نمو تشريعي هائل على صعيد أنظمة أمن المعلومات وحماية البيانات، والتي تزامنت مع ارتفاع مستوى الوعي لدى الأفراد وتطلعهم لفهم القانون وأن يكونوا جزءً من المنظومة القانونية التي تعمل على صياغة وإنفاذ القوانين والانظمة التي تحكم حياتهم والتي تتمثل في شكلها الحالي بـ ( المهنيين، والأكاديميين، المشرعين" الأشخاص المعنيين بسن الأنظمة")، وتوجهت الشركات و المؤسسات العلمية والجامعات لدعم الأبحاث في مجال الإبتكار القانوني بداية من مسرعة التقنيات القانونية التي أنشأتها شركة lexisnexis وانطلقت عام 2018 ، وصولاً إلى مسرعة معمل دوك لتقنيات القانونية وهي مسرعة تعد بقيادة الجيل القادم من الخدمات القانونية وتم تأسيسها من قبل عدد من أعضاء التدريس وخريجي جامعة Duke، أيضاً أسست الجامعة مركز الابتكار التقني القانوني والذي يدير عدد من المبادرات المتعلقة بتصميم القانون وتطوير الخدمات القانونية، أيضاً جامعة هارفرد في مركز الدراسات المهنية بكلية القانون تركز على الإبتكار في القطاع القانوني ، ونقابة المحامين الأمريكية أيضا ساهمت في قيادة الإبتكار القانوني مهنياً بإنشاء Legal Technology Resource Center (LTRC) لتقديم المعلومات التقنية للقانونيين. لكن الجهود الكبرى في مجال الإبتكار القانوني وتصميم الخدمات تذهب جامعة stanford التي أسست Legal Design Lab والمتخصص بالابتكار للعدالة! يعمل المركز بشكل أساسي على تطوير الأدوات لتصميم الخدمات القانونية، السياسات، الإجراءات وحماية الإنترنت ومساعدة القانونيين في الإلمام بمفهوم التصميم المتحور حول الانسان.
أين نحن من هذا التغيير:
منذ إنطلاق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والجهات الحكومية تعمل على قدم وساق فيما يتعلق بتطوير الأنظمة والتشريعات وخلق بيئة مشجعة على الإبتكار، كان أبرز هذه المبادرات فيما يتعلق بالابتكار القانوني هو النقلة التي حققتها وزارتي العدل فيما يتعلق بأتمتة الانظمة والإجراءات وتيسير العمليات حيث تتم عملية رفع دعوى قضائية بالكامل ومتابعتها والتوكيل الشرعي لحضور الجلسات عبر منصة الخدمات العدلية الإلكترونية في المملكة العربية السعودية (ناجز)، واخيراً اطلقت الوزارة خدمة المحاكمة عن بعد .
أيضاً تعمل عدد من الشركات المحلية والأجنبية على تطوير التقنيات القانونية بداية من إدارة العقود، تحسين إجراءات العمل واستخدام الذكاء الإصطناعي لتقديم الإستشارات القانونية الأساسية.
لكن لايزال تصميم الخدمات القانونية مرتبط بمبادرات متفرقة من الجهات وليس عمل مؤسساتي لقيادة القطاع لانزال لا نمتلك مراكز بحثية متخصصة في مجال الإبتكار القانوني ، ولا يزال لا يوجد أي ورشة عمل في المنطقة إجمالاً حول التصميم القانوني.