ماذا بعد العزلة
هل نحن تحت وقع صوت فيروز وهي تغني ( خليك في البيت )
وبين المشهد الختامي الأخير لغانم الصالح في خرج ولم يعد ؟
ما زال الجميع يقطن في منزله ، الأبواب موصدة ، مظهر القفاز والمعقم بات وكأنه مشهدًا إعتياديًا إعتدنا عليه ، المؤذن ينهي أذانه ب (صلو في بيوتكم ) محطات التلفاز ، الراديو مواقع التواصل لا تخلو من ذكره ؛ وكأنه في محل موضع البوصلة التي ما من تستقر على الاتجاه الصحيح ستجعلنا نعود لحياتنا ونهج حياتنا السابق ، نجد ذواتنا محاطين بهواجس عديدة تشكل أيامنا طويلها أو قصيرها بسذاجتها وعمقهـا ، بضجرنا أو حتى بتأييدنا .
نجد ذواتنا نتسآل هل لعبة ( الكيرم ) مثلاً لعبة ، صممت للطبقات الكادحة أم للطبقات المخملية مالذي جعلنا نتقسم لطبقات منذ الأزل هل نحن كبشر صممنا لنكون رأس ماليين ونميل للطبقية بطبيعة الحال ! ، أم أننا تحت وقع الإجبار تطبعنا بالطباع ! ! حيث نجدنا في سعي ولهث مستمر للبحث عن المادة و النجومية وللسعي نحو الصعود لا النزول لتعبئة نصف الكأس حتى يفيض لا أن يبقى في وضع المنتصف ولا في وضع الانسكاب ، تنهي هواجسك بقولك ( يالله إنها الحياة بطبيعة الحال ) و ( يالله نحن البشر بطبيعة الحال )
ولكننا بطبيعة الحال والظروف ما زلنا نمارس ثقافة اللهث المستمر ، حيث تجد نفسك منكب على عملك و مهامك التي صممت مؤخرًا لأن تكون عن بعد تحت دوامة الواقع " الإفتراضي " أما عن نفسك نهاية يومك تجدك تتقاسم بروتوكلات الجلسة الجماعية بغض النظر عن انحيازك لأحدها ( شاي ، قهوة ) والبحث عن عمل كوميدي وطرافة تلهيك عن كل من العالم الإفتراضي أو حتى الفعلي تحت مبدأ ( الشفاء بالضحك والكوميديا )
تجد هاتفك أخيرًا ملئ بطن كبير من الإشاعات اللاذعة والأخبار التي تزخم بعدادات المصابين والوفيات وحالات الشفاء وحالات الإصابة ، و الذي بودك أن توقفه من الطنين المتكرر فوق رأسك وكاهلك .
فيروز ( تغني خليك في البيت الله يخليك )، ومحطات التسويق ترقص على ليلاها
والواقع يثبت ويعزز لنا مبدأ أن من بطن المعانات والكوارث تتحق إلهامات الأفراد والمجتمعات !؟ والشركات تحديدًا على وجهٍ خاص
ليكون الخروج عن المألوف وصنع مواد إبداعية خام أمر واسع لا ينضب ؟ وليلاقي التسويق حدفه وناصيته بجعل التوعية بالبقاء بالمنزل أمر متمثل بالرسائل التوعية الا مباشرة ، التي تخبرك بأن تتعامل بالمادة مع الشركات وتلتزم بالتعليمات بالوقت ذاته ، وذلك مما يعزز أمرين لا ثالث لهما
أن الاقتصاد تحت كفة الصمود المؤقت أو الانحدار المطول
أن التسويق سلاح جديد فعال لعالم الثورة المعلوماتية للوقت الراهن
فكرة الاقتصاد المؤقت حسب مقالات عديدة سابقة مطروحة تحت هذه الجائحة تأكد إن عدادات الاقتصاد لشركات الأفلام والمتاجر الإلكترونية ومواقع الصيدليات لبيع الكمامات في تزايد ضخم لم يسبق أن يصله في السابق ، إما بخصوص الانحدار المطول الذي أقصده أو الذي يحتاج فترة بل يحتاج استعادة ثقة المجتمعات والعودة من جديد للحياة الطبيعية بعد كل ما مرو به يتمثل بشركات السياحة والطيران ، ومحطات الترفيه في المدن الكبيرة والصغيرة مما يشير أن هذه الجائحة ما أن طالت أو قصرت إلا أن الاقتصاد العام للعالم سيكون تحت صراعات وتهديدات وتحديات صعبة جدًا تحتاج تداركات عدة وتحتاج بشكل أكثر تحديدًا عودة البشر ، أي نحن إلى الشعور السابق نحو الانفتاح للعالم والحياة كما في السابق
حيث تنبأ الكثير تجاه ٢٠٢٠. بنهضة وتطور كبير في عجلة الاقتصاد العالمي ، على صعيد كلا من النفط ، والسياحة ، والصناعة ، والتصدير والاستيراد بل ومن باب الخيال المحض ، وجود السيارات الطائرة ونهضة العمران ونهضة الكثير من الدول الساعية نحو مبدأ النهضة والنمو
لكن ما أن جاء المدعو (...) والذي أود أن أطلق عليه" هيروشيما "عصر النهضة الاقتصادية ، اختلت موازين كل الاحتمالات الاقتصادية لتجد نفسها تحت سلم الخوف من أزمة الركود الدائم ، وأزمة المواصلة ولو بمجرد الحفاظ على الرصيد المادي السابق
ماذا بعد العزلة وماذا قبل العزلة ؟
قبل العزلة وحدها المقاعد التي خلفناها وراءنا ، مقعدك في الساحة الأكاديمية أو حتى في عملك لدفع عجلة التنمية الذي كان شاهدًا على ضجرك وإنهاكك ، و مقعدك الذي كان في قاعة انتظار إحدى المستشفيات والذي جعلك تسمع قصة أحدهم بالصدفة ، ومقعدك في إحدى المقاهي الذي جعلنا منهـا ما قبل الجائحة مقر أساسي لتكون مجتمعات مصغرة أي مجتمعاتنا نحن ؛ حيث كانت تكتض بالناس وضجيج أصواتهم ، فتارة يفتح موضوع عن القهوة وتارة يفتح حديث عن التراث الشعبي وأمتداداته ، وتجد نفسك بذات المقعد مضطر لسماع إحدى الحوارين ! أما الآن الكل عزل نفسه وبقيت المقاعد وحدها تفتقد أصحابهـا .
طوال فترة العزل المنزلي وصوت نهاية مسلسل خرج ولم يعد تتكرر على سامعي ومشهد غانم الصالح الأخير فارًا للهرب من منزله بعد إنهاكه من جمع ضرتين في منزل واحد والتي كانت تؤديه كلاً من ( حياة الفهد ، وسعاد عبدالله ) والتي كانت كل واحده منهم تنصب المقالب والتنفير للأخرى
سؤالي الأساسي
هل ما بعد إنتهاء الأزمة ، ستتمثل هذه الجائحة بهيئة الضرتين ؟
وهل سنمثل دور غانم ؟
وهل بعد الهروب المتلهف سنسلم ؟ دعنا من السلامة ، هل سنستمر بممارسة أفعالنا السابقة من غير فرط في الوسوسة ، سواء في إلقاء التحية على بعضنا أو تناول وجبة طعام أو كوب قهوة في إحدى الأماكن العامة ، هل سنستمر بالتعقيم والتنظيف وكأننا في مشهد للينارديو في aviator ، ماذا عن مسافة المتر ، ماذا وماذا وماذا ، وهذه الماذا لن تنتهي أبدًا . أخيرًا أعتقد أن وقع هذه السنة بعد تخطيهـا ستأخذ طابع شعور أزمة حرب الخليج ، حيث جسدنا مشهد تجمع الأسر ، مشهد الألعاب الجماعية ، مشهد الفراغ والعمل في حد الوقت ذاته ، المهم والذي أخشاه لا أود ان نخرج وكأننا غانم الصالح اود أن نخرج جميعنا بأكبر قدر من السلامة ومن الإطمئنان ، أتمنى للجميع الإطمئنان والسلامة دائمًا ولاتنسو ( خليك في البيت الله يخليك ) .