ساحرية أم عبثية سيادية ؟!
رولا عبدالرحمن
كُتب هذا النصّ ليعبر عن تأثير الكلمة منذ الديباجة الأولى ، إلى عالم الرسوم المتحركة ، وأخيرًا بالكلمة والسيادة و الكلمة التي تعتلي خشبة المسرح تخليدًا لوفاة أبرز أبطال مسرحية باي باي لندن ، اتمنى لكم قراءة ممتعة
منذ نعومة اظافرنا قد جبلنا على الكلمة ، الكلمة في مبدأ الإصلاح ، التوعية ، الغضب ، التعبير عن مشاعرنا ، حل نزاعاتنا الشخصية أو حتى الإجتماعية ، بنيت آمال كثيرة على الكلمات وسقطت آمال كثيرة بتأثير الكلمات ، شعبٌ وثق بالكلمة فكانت خير وليف ، وشعب وثق بالكلمة ليحل محلها زعزعة وانهيارات لا رجعة فيهـا ، وبقيت الكلمات بين الساحرية وبين عبثية السيادة تحت مبدأ ، ( بيع الكلمات للبحث عن البريق ) أو تلقين الكلمات بدافع العادة ، أو الكلمة بدافع الحب جميعها تصب في مساحة صاحب الكلمة والذي بدوره قد يحيطه برونق رنان و بلمعة ما بين الجمال والبهتان .
الديباجة الأولى | ( الملعقة الأولى ) ، في التكوين الأسري
من منّا لم تكن الكلمة هي المؤثر الأكبر على صعيده النفسي والعاطفي وحتى السلوكي ، مؤمنة تمامًا ولطالما كنت أطلق على تكون شخصياتنا بمبدأ ( الملعقة الأولى ) وهو مبدأ لطالما كنت اكرره بيني وبين نفسي وبين اصدقائي ، ملعقة أولى كبرى ينطلق منهـا كل شيء ، حتمًا كل شيء ملعقة تلقنا افعالنا كلماتنا سلوكياتنا مبداؤنا انحيازاتنا وتوجهاتنا الثقافية السياسية والإجتماعية ، وقد لا تكون صحيحة بالمطلق إلا انها تلقن على اية حال وتكبر مع ذواتنا و تكون عامل فعال سلبًا أو حتى إيجابًا في نمونا البشري ، وفي تطورنا الفكري ، تكبر معنا وكأنها أطرافنا التي تحمل على عاتقها ان تحركنا وتسير بنا الى افق اعلى او الى منحدر لا رجعة فيه ، او إلى حالة من التزعزع والتي تتأرجح ما بين هذا وذاك ، حتى ندرك صوابها من عدمه .
لقمان بن باعوراء الحكيم ، وساحرية الكلمة في الأُطر الإيجابية
ولطالما كانت قصص التراث الإسلامي قصص تكبر معنا نبحث فيها ونتفكر فيها تروى ليلاً لتبيت معنا ومع احلامنا ولنورثها لأجيال تلينا ، وخير مثال على ساحرية الكلمة في الأطر الإيجابية هو لقمان الحكيم ؛ حيث قال تعالى :
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ
يعظه أي الموعظة الحسنة والتي كانت على مبدأ الوصاية ، ومبدأ التربية وتهذيب النفس والتي جمعت في تسع وصايا عريضة وهامة من الناحية الدينية او حتى السلوكية ، وقس على لقمان الحكيم عدد لا نهائي من المواعظ التي تلقيناها تحت إطار الكلام والخطاب والتي تصب في قالب الأسرة والمدرسة ( الديباجة الأولى ) لتكوين كل شيء على الصعيد الإنساني و البشري سواء كلمة بدافع الحب أو وبدافع الصد عن فعل الخطأ ، او كلمات التلقين المتوارثة والتي تحتمل الصواب والخطأ .
صندوق الرسوم المتحركة وعلاقتها مع الديباجة الأولى في تكويننا الإنساني
تعضك ديزني والرسوم المتحركة منذ كنت طفلاً ، تكبر معك موسيقا بالدبلجة المصرية ، او بالفصحى أو حتى باللغة الإنجليزية ، وتبقى تسمعها مرارًا وتكرارًا ، ولأن الديباجة الأولى تعني التكوين أي الأسرة والفرد تقول لك ديزني بحوارات رنانة في إطار الرسوم المتحركة بين سامبا في الأسد الملك وطرزان وعلاء الدين ومولان و الوحش والجميلة أو حتى ميكي وبطوط والكثير من الشخصيات الرائعة والتي جميعها تكون مجتمعات مبسطة لرسوم متحركة كانت ممزوجة بالخيال المحض والكلمة التي كبرت معنا :
لذلك ؛
اسمع ايها الطفل لا يمكنك التخلص من الخوف انه مثل طبيعة الأم لا يمكنك هزيمتها او ايقافها لكن يمكننا تجاوز الأمر ، و يمكننا معرفة ما تنوي فعله و أسمع وادرك انت يجب أن تضع ماضيك خلفك و عندما يدير العالم ظهره إليك ، قم بإدارة ظهرك للعالم و عندما تخذلك الحياة هل تعرف ماذا يجب ان تفعل ؟ فقط تابع السباحة .. واعلم تمامًا انه ليس مافي الخارج ، ولكن مافي الداخل هو الأهم وعندما تجد نفسك عالق كن مبدعًا ، قوي القلب ، ويجب أن تحاول مع الأشياء التي لا تعمل وأن لا تسمح لأي شخص بتحديد حدودك بسبب المكان الذي أتيت منه و أيها الشاب في بعض الأحيان، الطريق الصحيح ليس هو الأسهل لكن أذهب وعش أحلامك وأدرك انك مثل الدب ويني فأنت أكثر شجاعة مما تعتقد وأقوى مما يبدو لك وأكثر ذكاء مما تعتقد و الحياة ليست مجرد رياضة للمشاهد إذا كانت المشاهدة هي كل ما ستفعله. فستشاهد حياتك تمر بدونك ولا تنسى في كل وظيفة يجب القيام بها ؛ هناك عنصر من المرح ، اعثر على المتعة والتقط القطع مرة اخرى و، أخيرًا كل ما يتطلبه الأمر هو الإيمان والثقة ، وتذكر ( هكونا ما تاتا ) هو شعارنا الدائم أي لا تقلق والذي بات شعار لوجهات سياحية مختلفة حول العالم تحت تأثير الكلمة وتحت تأثير صندوق الرسوم المتحركة حتماً
ثلاثية | السيادة ، الجماهير والتلاعب العاطفي النفسي ؟!
يضع القائد في اطار دبلوماسي خطابي خطابه ،والذي قد يضع تحته ألف خطٍ وخط أو قد يدعه عائمًا ، قد يكون منصفًا وقد يكون ركيكًا ، قد يكون عادلاً وقد يكون ضالما ، لكن المنقاد الأكبر هو السامع بل الجمهور على وجه التحديد أي انه عدد لا بأس به من المستمعين يسمعون رنة الكلمات والتي قد تحمل في طياتها معاني اخرى سواء من الخير او حتى الشر ، وقد تتخذ الكلمات أسلوب الفخ ، و التلاعب على حبل مشنقة العاطفة ، أو ما يدعى :
Priming effect
هو التأثير في الذاكرة الضمنية للجماهير والأفراد، عن طريق تكرار مصطلحات وتعابير، والحديث عن مواضيع معينة بشكل مستمر وعلى فترات متعددة، أو ربط فكرتين معاً لخلق ارتباط بينهما في أذهان الناس وترسيخه كفكرة جديدة لاستخدامها لاحقاً.
( مقتبس من مقالة عبدالرحمن بن هاشم )
لكن يبقى التأثير الأكبر عندما يكون الجمهور مفرط العاطفة بدلاً من كونة ناقد و مفكر ومحلل للكلمات المسموعة ، و نماذج الخطابة بالعالم الدولي والمحلي كثيرة وعديدة ما بين ترسيخ ولاء الشعب والجمهور للقائد ، ومابين كراهية الشعب وانقلاب الجمهور
وفي هذا الجانب برزت مقولتين لأرسطو تعبر عن الخطاب السياسي
حيث عرف الخطابة على أنها :
الكشف عن الطرق الممكنة للإقناع في أي موضوع كان
ورأ أن المخاطب : يوحي بالثقة إلى من يسمعونه
" لذا عليه أن يمتلك شخصية مؤثرة مميزة مطواعة تتماشى مع المتغيرات وتتفاعل معها حتى تستطيع فعلاً التأثير في المتلقي . "
أما عن جوانب الخطاب البارزة والتي تتلخص ب ٧ عناصر :
( الاقناع ، التدرج ،الـ نحن ،التبرير ، القصدية ، والتحريض ، والإثارة )
والتي بدورها قد تحمل الخطاب إلى أفق تأملات الجمهور أو إلى هاوية إنقلاب وعداوة الجمهور إعتمادًا على الرمزية وعلى الموقف الخطابي ، أما عن الــ نحن وهي المقصود بها إلينا وهي عندما يعبر المخاطب بمصطلحات ذات إشارة إلينا وإليه إشارة إلى الشعب كافة أي حين يستخدم مصطلحات كــ أوطاننا ، حرياتنا ، أمتنا ، وديارننا والتي حتما تقع تحت أطر التأثير العاطفي والإنقياد الخالص ، جانب السيادة والخطابة جانب عريض طويل ممتد يستحق مقالة أخرى للتفصيل فيه ، حيث برزت فيه مقالات وبحوث اكاديمية طويلة وممتازة جدا تصب في البحث عن ما وراء ستار الخطاب السياسي وجوانبه عن مصر وحقباتها المختلفة وعن إلمانيا وعن جوانب الأوطان العربي كافة وغيرها الكثير .
أعرفك بنفسي أنا نهاش فتى الجبل والبراري والقفار ، خبير
شؤون الفندقة والزندقة الأوربية | الكلمة في الإطار المسرحي
هكذا عرف عن نفسه بطل باي باي لندي نهاش (غانم الصالح ) عن نفسه ليحاكي شخصية البدوي الذي عاش في لندن ١٥ عاما .
باي باي لندن هي مسرحية الفكاهة والرقص مرارا وتكرارا على الضحك بغرض عرض الإسقاطات الإجتماعية والسياسية على صعيدنا العربي حيث تنقلنا حوارات غانم وعبدالحسين في مقدمة المسرحية عن الوضع الراهن لفلسطين ومخيمات اللاجئين
" كامبينق يعني مخيمات ؟ ايه ! غالبينهم من زمان أنا اعرفلك جماعة من جماعتنا صار لهم ٣٠ سنة مخيمين ما فكو عن مخيماتهم شبر كل ما جو يفكون شوي تولوهم طيارات من فوق ،، من هم ؟! اخواننا الفلسطيينين ،
يفزع نهاش ويصرخ بنبرة عالية يا خوك مهب وقته خل المخيمات في مكانها ويشرب كأسه بسرعة الذي بيده "
وهذا تجسيد واضح عن تخاذل الشخصية العربية بالتمسك بمبدأ العروبة ورفض الواقع الراهن والذي يمس
العروبة والإنسانية على حدٍ سواء ، أما عن مبدأ العروبة ووجهة نظر المسرحية عنه يتجسد بالحوار والذي ينتهي بالأقربون أولى بالمعروف والذي طُرح عندما طرحت فكرة العروبة وأن العربي عضيد أخوه العربي
وأن العرب يتبعون مبدأ العربي يقاتل اخيه العربي على مبدأ الأقربون أولى بالمعروف وعدم قدرتهم على مقاتله والدفاع عن انفسهم ضد الغريب ، وهذا الإسقاط كان لامع لافت طرح قبل الأربعون سنة ومازال يتجدد مع عرض المسرحية أيام العيد على مختلف القنوات الفضائية للتفاقم الوقائع ولتكون رمزية الكوميديا السوداء كغصة العروبة الممتدة . أما عن كتاب الجغرافيا والتاريخ وسلم التعليم مقابل الرأسمالية والعروبة حتماً يقول عبدالحسين في دوره :
" شيكاتي هي سلاحي .. اهم دفتر بالحياة هو دفتر الشيكات .. دفاتر المدراس تعور العيون وتشتت العقول ، تفتح كتاب الجغرافيا وتحفظ اسم الديرة صم والسنة اللي وراها تدور اسم الديرة ماكو يا بالعها الزلزال، يا ضامينها بالقوة لدولة ثانية ، تفتح كتاب التاريخ تلقى العصابات صارت دول تهدد وتخرع وتحارب واللي كانوا هم الأساس صاروا
اسفل سافلين ".