صلابة القضية

رولا عبدالرحمن


أستغرقت وقتًا طويلاً بالتفكير حول قضايانا من صغيرهـا إلى كبيرهـا ووجدت نفسي في نهاية المطاف كحبةٍ  في منتصف الإناء لم تنحاز لا لليمين ولا حتى لليسار أرتكزت في منتصف الإناء بفعل الجاذبية ، في المنتصف فحسب  مما جعل فكرة القضية تؤرق أيامي   وبفكرة تشبه الخيال المحض  طرأت عليّ فكرة ماذا لو وجدت محكمة عليا تستدعي بني البشر عند بلوغهم منتصف العمر لتحدد القضية الكبرى التي ستستمد عليها حياتهم والتي بدورها تتغذى على قوة وصلابة وعزيمة البشر ،   و من ثم تستأنف القضية جلستها الثانية والأخيرة عند بلوغنا الربع الأخير من حياتنا لتحاكمنا وتقوّم هل كنا أقوياء كفاية ، هل أنصفنا قضايانا وهل صبرنا كفاية  ، بالحقيقة هل النضال وحده كافٍ أم الدفاع ، أم التحمل  ، اي التحمل الذي بدوره قد يكلفنا حياتنا وقد يجعل حد السكين هو الحد الفاصل بين نهاية حياتنا المكللة بقوتنا  وبين حياتنا وجبننا المكلل بضعفنا

إن القضية الكبرى والتي تستند عليها جميع قضايانا تنبع من منبع
( حقوق الإنسان )  

، والتي بدورها تشمل الفرد والجماعات والتي تشمل الدفاع والحماية والقوة والصلابة حيث ورد في مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عدة مواد ومن ضمنها : 

المادة الأولى : يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق ، وقد وهبو عقلا وضميرًا ، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الاخاء .  

المادة الثانية : لكل انسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الاعلان ، دون أي تمييز بسبب العنصر أو اللون او الجنس او اللغة او الرأي السياسي أو أي رأي آخر..

المادة الثالثة : لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه 

المادة الخامسة : لا يعرض أي انسان للتعذيب او للعقوبات او المعاملات القاسية والوحشية او الحاطة بالكرامة . 

المادة العاشرة : لكل انسان الحق ، على قدم المساواة التامة مع الآخرين ، في ان تنظر قضيته امام محكمة مستقلة نزيهة نظرًا عادلاً علنيا 

المادة الثانية عشر : لا يعرض احد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو 

مراسلاته أو لحملات على شرفه أو سمعته ..  

وعلى ذكر حقوق الإنسان والقضايا التي تستمد منها قوتهـا جاءت الجزائر كقضية متجسدة بفعل الثورة  للدفاع عن حقوق الشعب والوطن الجزائري لتحقيق الإستقلال  وتحرر الجزائر حيث برزت ثلاث جميلات في النضال عن القضية

( جميلة بوحيرد ، وجميلة بوباشا ، جميلة بو عزة )

وكأي مناضل تجاه قضيته ووطنيته مدافعًا بكل قوته مكرسًا عمره ضد الإستعمار مطالبًا بالحرية والإستقلال   جاءت العواقب وخيمة لتكلل قصة جميلة بوحيرد بالعواقب الوخيمة التي جعلت حياتها تحت رهن الإعتقال و السجن والعذاب والقمع والإضطهاد لفترة من الزمان إلى أن وصلت للمحاكمة التي حكم عليها بالإعدام لتنقلب الأمور حينها  وتصبح قضية جميلة من قضايا الرأي العام عربيًا ودوليًا  والتي أشغلت الكثير حيث كانت البرقيات  تتراسل من الولايات المتحدة للجزائر  تحت رأية (انقذو جميلة)

وفي المحاكمة التي سبقت تحرر جميلة وتحرر الجزائر والتي تعاون فيها الفرنسيين لجعل جميلة هي المذنبة بإدعاءات مزورة وكاذبة ، وتنصيب محامي من قبلهم والذي رفضت  جميلة بدورها أن يدافع عنها لمعرفتها حيل الفرنسيين وتأمرهم عليها ، إلا أنها بنهاية المطاف قبلت وجود المحامي الفرنسي  ( جاك فيرجيس )  الذي دافع عنها  ببادر الإنسانية والذي لم يكن منصبا من قبل المستعمرين الفرنسيين الذين تأمرو ضدها 

 جاك فيرجيس عرف بموهبته وفوزه الدائم بالقضايا الموكله له  والذي اطلق عليه عدد من الألقاب منها  محامي الرعب وسفاح المرافعات ، حيث  لم تخلو السينما الفرنسيه من تناول قصته كعمل سينمائي والذي انتهت قصته بزواجه من جميلة وإسلامه مؤخرًا بعد التحرير 

 

أما عن جميلة في قاعة المحكمة والتي اثارت استفزاز القاضي الفرنسي عندما ضحكت عندما قرر حكم الإعدام عليها مما جعل القاضي يغضب ويقول لها  اتضحكين  في لحظة الجد

إن جميلة بوحيرد قصة كبرى تجسد معنى قضية الدفاع عن الإنسان الحر والمجتمع المتمسك بروح الوطنية والتي تجعل حد الإعدام كمنبر لإحتمال وطأة الدفاع عن القضية    

كانت تقول جميلة في محاكمتها

أيها السادة، إنني أعلم أنكم ستحكمون علي بالإعدام، لأن أولئك الذين تخدمونهم يتشرفون لرؤية الدماء، ومع ذلك فأنا بريئة، ولقد استندتم في محاولتكم إدانتى إلى أقوال فتاه مريضة رفضتم عرضها على طبيب الأمراض العقلية بسبب مفهوم، وإلى محضر تحقيق وضعه البوليس ورجال المظلات وأخفيتم أصله الحقيقى إلى اليوم، والحقيقة إنني أحب بلدي وأريد له الحرية، ولهذا أؤيد كفاح جبهة التحرير الوطني، أنكم ستحكمون علي بالإعدام لهذا السبب وحده بعد أن عذبتموني، ولهذا السبب قتلتم أخواتي بن مهيرى وبومنجل وأضور، ولكنكم إذا تقتلونا لا تنسوا أنكم بهذا تقتلون تقاليد الحرية الفرنسية، ولا تنسوا أنكم بهذا تلطخون شرف بلادكم وتعرضون مستقبلها للخطر، ولا تنسوا أنكم لن تنجحو أبداً في منع الجزائر من الحصول على استقلالها 

ولم تخلو قصة جميلة من اغاني فيروز الجميلة ، وقصائد بدر خالد السياب ونزار القباني 

حيث غنت فيروز أغنية ( رسالة إلى جميلة )  بكتابة وتلحين الرحباني مبتدأه الأغنية ب 


جميلة ، صديقتي جميلة تحية إليكِ حيث أنتِ في السجن في العذاب حيث أنتِ تحية إليك يا جميلة ، من ضيعتي أغنية جميلة .... وأنهتها ، تحية إليك للحرية ، تحية لكل شعب صالح يطمح بالحياة والسلام ، تلوح الأعلام ، تلوح الأعلام 

لم تختلف كثيرًا قصص جميلة بوباشا ، وجميلة بو عزة حيث برزو جميعهم في فترة الثورة الجزائرية كرمز نسائي قوي دافع بدافع الحب للوطن والإستقلال والحرية ، ولم يختفي صيتهم حيث كانت قصصهم قصص تتناول اعلاميا سواء عالميًا أو محليًا مما جعل الرسام بابلو بيكاسو يرسم المناضلة جميلة بوباشا مجسدًا شجاعتها   


اما عن جميلة بوعزة والتي لم تختلف كثيرًا عن الجميلتين السابقتين حيث انضمت للدفاع عن الجزائر في عمر صغير متولية مهمة  زرع المتفجرات  ضد عدوان الإستعمار الفرنسي مما جعلها تزرع رسالة واضحة وصريحة وجاده تجاه العدو المستعمر الفرنسي والذي كلف المستعمرين الفرنسيين الكثير من الخسائر المادية قبيل القبض عليهـا 

ساحة الحياة تبرز الكثير من الشخصيات نساء ورجال ، شيوخ وشباب ، عرب وأجانب الدافع المشترك للنضال هو حراك القضية المتماثل مع النفس البشرية ، قد نكون إحدى الجميلات وقد نكون المحامي جاك فيرجيس وقد نكون غيرهم الكثير ، بقضايا ومبادئ مختلفة ، حيث تبرز القضايا  الإنسانية في واقعنا المتمثل حول قضية الدفاع عن القمع ، و عن العنف ، و عن قضية حقوق  الأطفال ، و عن قضية الدفاع عن الحيوان ، والأرض ، والصحة النفسية جميعها قضايا كبرى تندرج تحت دستور ومواد حقوق الإنسان والتي تندرج تحت استمرارنا نحن بني البشر

إذن مالدافع الذي يجعلنا نناضل ، ونبحث عن قضايانا اذن لماذا لا 
ندافع على الدوام ؟
 

 

بإعتقادي الشخصي  هناك  امرين يلخصون اجابة السؤال وهي متمثلة ( الخوف ، الجهـل )

الخوف والجبن الناجم من الشخص ذاته الذي يولد شك خالص تجاه كفاءته بالنضال والإستمرار الدائم تجاه قضيته بالإضافة  إلى الخوف من عدم الإنتصار ،  والخوف من التغيير

إن المشكلة الكبرى التي تواجه مجتمعنا المعاصر  هي الخوف ، الخوف  من التغيير حتى ولو كان الواقع المجرد الذي يعيشه الفرد سيء وغير سليم وغير مرضي على الصعيد الشخصي أو حتى الجمعي 

أما المسألة الثانية المتمثلة بالجهل أستعرضها بكلمة لعبدالرحمن منيف في أحد مقالاته والتي جمعت بين أهمية التصدي للخوف والجهل ورأيه في الثقافة الوطنية الخالصة وكراهية الإستعمار الأجنبي المجرد للثقافة العربية

Join