التطبيل للوحدة المُطلقة خرافة الخرافات
الإنسان والبشرية أجمع لم تُخلق صماء من العدم المطلق و لم تُخلق لتعيش بلى تكافؤ و بلى نظائر بشرية متماثلة
أي نظائر الإنسان التي تمس الروح بالروح ، والفكر بالفكر ، والقلب بالقلب .
خُلق الإنسان بمحض الوجود وبمحض الإندماج ضمن الجماعة يطالب ويسعى لها أحياناً ، وأحياناً أخرى يؤدلج عليهـا بمحض العادة ؛ يؤدلج على الإنخراط ضمن الجماعة سواءً كان سيدًا سلطوياً أو حتى فرد يكدح ضمن الطبقات الكادحة لا يهم أين كانت مكانته بينهم تحديدًا ! المهم وجوده ضمن الجماعة !
فالجماعة بدورهـا تورث إليه مبادؤها وأفكارها وكلماتها ولغاتها ودينها وحتى همها ومخاوفها وولاءتهـا وأشياء كثيرة أخرى .
منذ بداية البشرية من آدم وحواء أي منذ خليقة حواء بجانب آدم أي منذ بداية نشء جماعة البشرية على هذا الكون الفسيح لم يكن الكائن البشري وحيداً بالمطلق فإما تجده بل بالأصح نجدنا نبحث عن وجود بشري نأنس فيه أو نعاديه كنوع من تحقيق غرائز الإنسانية والبشرية
كما قادت البشرية الأنس في آدم وحواء والكراهية في قابيل وهابيل ، وأساطير البشرية قائمة ودائمه حول البحث عن كيان بشري متآلف يجتمع ضمن راية الجماعة
ينشر كثيرًا عبارات سواء كانت صحيحة أو مختلقة في تعزيز وحدة الإنسان المطلقة وإكتفائه بذاته وحدهـا أو إكتفائه بمكتبته وتعلقاته باللاشيء واللامعنى بل تحديدًا بالشيء الذي يفتقد الروح البشرية التي تتخلله سواء كانت صادرة من أباطرة او نخب او حتى أشخاص عاديين أجدها نوع من التطبيل ونوع من التظليل اللاذع الزائف و نوع من انتفاء طبيعة البشرية الحقيقية
العزلة خيار جيد ولا بأس به فمن منّا لا يصاب بأيام وفترات يود أن يكون مختليّا بذاته مستأنساً بها وبأشيائه القريبة لقلبه لكن المقصد هُنا خيار الوحدة والتنصل من الواقع بل والهرب الطويل الذي لا نهاية له هروب البشرية عن طبيعتها البشرية سواء طوعًا أو كرهًا أجدهـا مصيبة قد تؤدي للهلاك .
ما زلت عالقة بآخر رواية قرأتهـا وكأنها أصابت جزء من قلبي جعلته يهـتز يحتار ، يخاف ، بل يخشى من الوحدة كخيار عدواني تجاه البشرية
تدور قوقعة مصطفى خليفة عن ضياع دام ١٣ سنة من عمره بين السجون وبين القوقعة تحديدًا كما سماها ، فيدخل السجن بتهمه لا يعرفها ويستحقر من قبل الشرطة ويحاول الدفاع عن نفسه عندما يتهم بأنه ضمن جماعة الإخوان فيتفوه دفاعاً عن نفسه بأنه ملحد غير مسلم وبعدها تأتي المصيبة الأدهى بأن يُستحقر من قبل السجناء داخل الزنزانة فيعادونه ويبغضونه ويقاطعونه بل ويعتقدونه جاسوساً نجسًا يتجسس عليهم ، فيخضع للتعذيب من قبل السجانين ويضيق صدره من معادات السجناء له فيعيش عشر أعوام من عمره من غير كلمة او حديث عابر يتفوهه مع احدهم فيحتم عليه الصمت ويجبر على الوحدة إكراهـًا .
يذكر بمقاطع كثيرة بالرواية أنه أشتاق لصوته كثيرًا فيفكر كيف قد يبدو صوته الآن ويشتاق كثيراً لبشريّ يتشاطر معه حديثاً ولو عابراً أو بمحض الصدفة بعد ضياع دام ١٠ سنين من التعذيب و من مشاهدة المذابح و من اذلال السجانين للسجناء .
يقول مصطفى خليفة واصفاً شعوره:
( فمي مطبق لا يفتح إلا أثناء إدخال الطعام ، أحس أن لساني بدأ يصدأ . هـل يمكن للإنسان أن ينسى عادة الكلام إذا لم يتكلم لفترة طويلة ؟.. يجب أن أن أتكلم حتى لو مع نفسي وليقولو أنني مجنون!! )
أخيرًا أود أن أنهي هذا النص بتعزيز ضرورة وجود الإنسان في سياق الجماعة وفي سياقٍ بعيداً عن الوحدة التامة
ادعم النهاية بشعور مصطفى خليفة بالجماعة وبالوجود البشري عندما اختلط مع صديقه بالقوقعة بعد انقطاع ١٠ سنوات عن البشرية والحديث مع البشرية إلى علاقة تجمعه مع نسيم علاقة تجسد الفكر الواحد والحديث المشترك واللعب والضحك واللحظات المؤنسة المشتركة المدعمة بروح الجماعة
أخيرًا إقتباسة من القوقعة :
أقبع في قوقعتي طوال هذه السنوات أحاول أن أرقب وأفسر وأسجل كل ما يحدث أمامي ضمن هذا التجمع الإنساني ، رصدت الكثير من الأمور وفسرتها وسجلتهـا . هذه الثنائيات منذ بداية تشكلها أثارت اهتمامي ، راقبتها .. وتحولاتها ، وتطوراتها ، وفسرتها في سياق الحاجات الإنسانية للإجتماع ، والتواصل .. إلى أن نشأت الحالة الثنائية بيني وبين نسيم بفضل المرحوم ،أبو القعقاع . في بداية العلاقة كنت مأخوذًا بأمر واحد فقط .. أن يكون لي من أحادثه !.