القصص الخرافية وتشكل البشرية
رولا عبدالرحمن
Fairy tales are more than true: not because they tell us that dragons exist, but because they tell us that dragons can be beaten
Neil Gaiman
" كان يا مكان في قديم الزمان ، وسالف العصر والأوان "
" إلا يانا ولاياكم شرًا تعدنا وتعداكم "
" once upon time "
" فيما وراء سلاسل الجبال السبع "
تختلف البدايات ، الراوي ، السامع والقارئ إلا أننا بطبيعة الحال نحب الحكاية بل نعشق ما قد تفعله القصة فينا ، حيث أن القصة ذلك المفهوم المتأرجح ما بين الواقع والخرافة القادر على فعل الكثير في دواخلنا ، وعلى شاكلة قلّ من تصاحب أقل لك من أنت ، فأنا أقول : قلّ لي ما روي لك في طفولتك فهو أنت ، وقل لي ماذا كان يرعبك في طفولتك فأعرف هل كنا نشترك بمخاوفنا أم لا كحمارة القايلة على سبيل المثال لا الحصر
و لأن القصة حسب دراسة تحليلة قادرة على أن تخزن في عقلنا اللاواعي منذ طفولتنا
فالشاهد على كل ذلك أن الكثير من القصص ، منها تلك القصص الخرافية التي تجاوز عمرها آلاف السنين والقرون ، والتي تناقلت بلغاتٍ عدة وأشكال مختلفة والتي من الصحيح جدًا أنها تختلف بشكل ضئيل عن سابقتها إلا أنها باقية ومحافظة على بقائها نتيجة للحب المتوارث لدى البشرية والذي يشترك في حبنا للقصص وحكايتها .
الحكاية الخرافية :
ولأن جامعنا المشترك كان يتمثل بالقصة والدهشة ، فالقصة بصورتها الأولى كانت منذ بداية نشأة البشرية
عنصر كالمرسال ناقل للحدث والخبر المتردد مابين لسان فرد سريع الحفظ والبديهة قادر على نقل القصة بحذافيرها و لسان فرد آخر كثير النسيان أو محبٍ للعبث ، فمن منّا لا يعرف قصة سندريلا و ذات الرداء الأحمر قصة بسيطة المعالم تحكي لأطفالنا في وقتنا الراهن كأرث توارثناه منذ طفولتنا
إلا أن تلك القصتين بالذات مرت بعدد من الأطوار والتي اجتمعت في حلقات الوصل الرئيسية إلا أن بعض من رمزياتها المتغيرة على مر العصور قادرة على تغيير المفهوم العام وطريقة وصل مبادئه إلى عقولنا اللاواعية فلنجعل قصة سندريلا الركيزة لهذا النصّ
والتي استطيع ان اشكلها لكم بثلاثة أطوار مفصلية :
طور قبل أن رواج القصة والتحولات التاريخية
طور رواج القصة وإنتاج ديزني
طور ما بعد رواج القصة على يد المفكر عبدالوهاب المسيري
طور قبل رواج القصة وتحولات عبر التاريخ
كلا من سندريلا و ذات الرداء الأحمر في طور ما قبل رواج القصة كانت متشكلة وبعيدة البعد عن كونها قصص تربوية باعثة للأمل بل مُلأت بالشوائب التعنيفية المترابطة مع هفوات كل عصر ومبادئ ترسيخ بعض من المفاهيم الخاطئة كترسيخ ضرورة الدخولإلى عش الزوجية واختلال كفة التكامل بين الجنسين (ذكور/إناث) ، وتهميش وتسطيح أحد العنصرين
فقصة سندريلا التي كانت بداية تشكلها في مصر قصة حقيقية وقعت قبل مئات السنين بين حاكم مصري وشابة يونانية أو بالأصح حسب سرد المؤرخين للقصة ( عبدة يونانية )
تم بيعها من قبل أشخاص كثيرين لينتهي بها المطاف في مصر ، حيث بدأت سلسلة البحث الوطنية التي كرس بها الحاكم كافة حشده وجنوده وحاشيته للبحث عن صاحبة الحذاء " الصندل " الذي أتى إليه بمحض صدفة عشوائية من قِبل عصفور ألتقط فردة الصندل التي كانت على جانب طرف نهر النيل عندما كانت الشابة تستحم بمياهه ، فظاهرة استعباد النساء عبر الزمان هي ظاهرة رُسخت وكانت تحاكي أحد السلوكيات الخاطئة بالماضي وهي تهميش ومحو ماكنة ودور المرأة !
أما عن سندريلا الصينية ، وبِبُعدٍ آخر تباينت معالمه ، تنقل لنا قصة مشابهة جدًا لقصة سندريلا المعتادة فبدلاً عن القصر هناك مهرجان وبدلا من الفستان هنالك رداء صيني وبدلاً عن الساحرة هناك حكيم ساحر طاعن بالسن
إلا أن الاشتراك بكلا القصص عبر مر الزمان والمكان يعتمد على ٣ عناصر
١- شابة
٢- شاب
٣- عامل مشترك يجمع بينهما ومبدأ وسلوك خاطئ يترابط مع تسطيح كينونة النساء ودورهن وبطبيعة الحال تختلف تلك القصص بما قد تتخله كالخرافات والأساطير والحيوانات الناطقة والقوى السحرية
إلا أن أبشع وأعنف سرد قصصي لسندريلا كان بواسطة الاخوين (غريم)
والتي حدث بها حادثة بشعة من قبل زوجة أب سندريلا التي اضطرت لقطع أرجل أحد ابنتيها ليكون الحذاء الصغير مناسبًا لها للضرورة الحصول على شريك الحياة والدخول في عش الزوجية !! ( مما يثبت أن هفوات البشرية الخاطئة كانت راسخة بغض النظر عن اختلاف العصر والثقافة ولم تكن حصرًآ على منطقةٍ بعينها)
إلا أن تلك الحيلة لا تطول كثيرًا فيفضح الحيلة عصفورًا صغير ناطق قائلاً :
خداع ودهاء
ثمة دم في الحذاء
القدم في الحذاء كسجين محبوس
هذه الفتاة ليست العروس
فتطير بعدها مجموعة من سرب العصافير لاقتلاع أعين الفتاتين
قبل رواج القصص وعالم ديزني كانت القصص بمنظورها قصص لا تصلح أن تروى للأطفال لشدة بشاعتها
ولسوء احتفاظها بالمبادذ النبيلة الحسنة
طور رواج القصة وإنتاج ديزني
طور عالم ديزني سلك سلوك مغاير تمامًا حيث محور تلك القصص لعمل يشاهده الصغير والكبير عمل ناتج عن تحريك رسوم متحركة متبوع بـ موسيقا تصويرية وأصوات دبلجة مُتقنة وبديعة ما زالت ترن بآذاننا، إلا أن :
" علماء التاريخ يكرهون ديزني لمحوههم التاريخ القصصي المحلي وتوحيد كافة القصص إلى نسخة موحدة متمثلة بحكايات ديزني الملونة "
explained
لكن دعونا نرى المشهد العام لأعمال ديزني ما بين البدايات والحاضر والتغيير الجذري الذي لامسناه الفترات الأخيرة
فعن سندريلا ، وسنوايت كان ذلك العملين عبارة عن تسطيح تواجد المرأة أو حصرها بفكرة البحث عن فارس الأحلام فحسب وكأنه محط أو مصباح علاء الدين لاقتلاع البؤس بالسعادة
لكن لو رأينا الجانب المغاير الجديد لمسيرة عوالم ديزني المختلطة بمبادئ تعزز من الارتباط الأسري ، النضال ، دور المرأة والرجل ، النجاح ، تحمل المشاق ، الصبر والجلد وغيرها الكثير
كقصة فروزن ، مولان ، موانا والتي جميعها قصص نسائية كانت مغايرة عن الفكرة الوردية التي عززت سندريلا وسنوايت .
طور ما بعد رواج القصة على يد المفكر عبدالوهاب المسيري
سندريلا وزينب هانم خاتون
المفكر عبدالوهاب المسيري كان يؤمن بالقصة ففي حوار معه قال :
أنا أؤلف قصص للأطفال منذ السبعينيات عندما رزقني الله بأولادي نور وياسر.. نور كانت نشيطة وذكية وكثيرة الأسئلة وكذلك ياسر، وكنا في الولايات المتحدة الأمريكية أنا وزوجتي ندرس للدكتوراه
فعن سندريلا وزينب هانم خاتون وماذا فعل عبدالوهاب بسندريلا لتكون سندريلا تحمل رايةً حسنة فعالة قادرة على غرس بذرة تروبية ناجحة قال :
جعلتها مثقفة وذكية.. تذهب للحفل مع صديقتها و تستعير الفستان من صديقة لجدتها، وعندما تعود مبكرًا إلى المنزل يبحث عنها الأمير ثم يتزوجها دون أن تجرب فردة الحذاء لأنه أحبها هي وأعجبه ثقافتها وعقلها، وتختم القصة بالديك حسن الذي يحاول إضحاك الناس في حفل الزفاف.. إنها محاولة مزج الشخصيات القديمة وإدخالها في القصص الغربية التي "نلعب بها" ونغيرها لأنها ليست نصًا مقدسًا، فلا نتجاهلها ولكن نطورها وندخل عالمها برموزنا فتصبح أقرب لنا ونشعر بقدرتنا على التغيير.
تمت .. و
" توتة توتة خلصت الحتوتة "