سامي سعد
لا تجعلوهم في الظلام يا مجلس الشورى!
تناقلت الأخبار اليوم عن أن مجلس الشورى سيناقش قرار الزامية فحص المخدرات و الأمراض النفسية قبل الزواج.
هنا سأضع عدة نقاط سريعة أناقش فيها فكرة هذا القرار و التبعات التي ستحدث لو تم إقراره على الواقع.
لو تم تطبيق هذا القرار على الواقع فالمشهد سيكون عبارة عن غرفة سيدخلها شاب/ة و عند خروجه منها فإما أن تكون في نظر الناس شخص سليم و صحيح نفسيا و ذو مناعة ،،أو أنك معتل و (نفسية) طيلة حياتك!
أظن أن هذا المشهد كافي لإخباركم بالضرر الذي سيحدث.
لا يوجد ،، تماماً لا يوجد اختبارات نفسية طبية أو تحليلية تخبرك أن هذا الشخص مصاب باعتلال نفسي و تكون جازمة في نتائجها،نحن لا نملك تحاليل أو أشعة أو خزعات في وقتنا الحاضر تخبرنا دائماً ما يعانيه الشخص الذي يدخل إلى عيادتنا، نحن لا نملك ذلك للمرضى بعياداتنا فكيف لعامة الناس؟
حتى ذات الأطباء و المختصين النفسيين اللامعين في تخصصهم لا يزعمون أنهم يملكون فن التشخيص بالمرض النفسي من جلسة واحدة بل في غالب الأمر نحتاج لجلسات و سؤال من هم حول المريض بل و نسأل زملاء المهنة لو استعصى الأمر
فكيف هي دقة التشخيص في هذا الفحص في دقائق معدودة؟!
و لو افترضنا مثلا أن الفحص اكتشف مرض هذا الشخص ،،أنت هكذا وضعت الشخص في درجة مساوية بمريض آخر يعاني من أمراض لا علاج لها كالتي يتم الفحص لها بالعادة قبل الزواج و هذه مساواة غير صحيحة علمياً للأمراض النفسية، حتى الفصام في أعتى حالاته توجد حالات مسجلة حصل لها شفاء تام منه.
هذا قرار لو تم اقراره أظنه سيضع جميع من يعاني من اضطرابات نفسية في خانة مظلمة منبوذة سوداء لا تصلح لشيء حتى أنها لا تصلح في نيل حقها الإنساني الفطري بالزواج، وصمة المرض النفسي تقاوم الغرق و هذا القرار سيكون كاليد التي بدل أن تنقذه ،، ستزيده غرقاً!
هو قرار سيجعلهم هم في خانة ،، و نحن الأصحاء الأسوياء في خانة و بئس المكيال، كلنا فينا ما يخالجنا من أفكار و خلجات نفس ما نشتهي أن نتحادث فيها مع مختص نفسي، المرض النفسي ليس دلالة ضعف في أغلب حالاته لكنه اختلاطات عوامل تجمّع الكثير منها لأحدهم و لم تتجمع (كلها) لغيره.
عايشت شخصيا أناس يرون العلاج النفسي نوع من الرفاهية بل أن من اشتراطات حصولي على دبلوم العلاج النفسي السلوكي كان خضوعي شخصيا لساعات من العلاج و ذلك لتدريبي على أجواء العلاج و الأهم مساعدتي على معرفة نفسي و خلجاتها و ما يعتيريني من ضعف، الضعف يا أعزاء ينالنا كلنا و لو بدرجات.
يظهر أن مُقترح القرار لا يملك خلفية طبية و اقتراحه كان بنية جيدة و لنا حق الرأي و الإيضاح، إن كان المجتمع فيه خلل في (تأسيس) منظومة الزواج فليس من أهم مبررات هذا الخلل هو المرض النفسي،
و هنا سؤال جوهري ،، هل هنالك احصاءات ملموسة وجدت أن المرض النفسي هو أهم مسببات الطلاق لدينا؟
قرار كهذا لابد أن يُبني على مجموعة دراسات فأين هذه الدراسات التي قامت عليه؟
من حق الطرفين أن يتعرفا على بعضهما البعض قبل الزواج و أن السرية تزول بينهما لكن هل ورقة (خال) من المرض النفسي ستكون الضمان للنجاح؟
المجتمع بحاجة بإقتراحات تزيل هذا الغبش الذي ما زال يحدث لكثير من الزيجات قبل حدوثها،، لماذا ما زلنا نرى الزواج بين الطرفين كالبطيخة الذي لا نرى مضمونها الا بعد نزول السكينة عليها؟!
الزواج هو معايشة و ود و تكاتف لأي شيء يحدث خلاله أو حتى بعده، القرار يقول أن المريض النفسي بالمطلق عامل خطر للزواج،، إذن من يُصاب بالمرض بعد الزواج هو عامل خطر و هذا يضاد فكرة التعاضد لمن وقع بالمرض، بل أن القرار لا يعطي للطرف الآخر فرصة التعبير بحبه في معاونة من يحب في ضعفه
هو قرار يفتح الباب لقرارات أخرى تصنّف المرضى النفسيين في تصنيفات جائرة و لو كان التصنيف فقط في أذهان الناس لإنني لا أرى شيء أكثر مرارة من مناقشة حق المريض الطبيعي في الارتباط و الزواج
من لهم إذا نحن حتى في حقهم الفطري نقايضهم؟!
حتى فحص المخدرات غير منطقي علميا و واقعياّ لإنه من أسهل الأمور التحايل على هذا الفحص و اسألوا المختصين، بحثت بالنت سريعا عن وجود مجتمع قد قام بهذه الخطوة الملزمة قبل الزواج لفحص المرض النفسي فلم أجد إلا بعض المواقع الكاثولوكية التي تتكلم عنه
ختاماً ،،
أتمنى أن يتم نقاش مختصين قبل مناقشة هذا القرار و هذا يجعلني اسأل هل لدينا نحن كعاملين بقطاع الطب النفسي جمعية تمثّل صوتنا في قضايا كبرى تمس تخصصنا كهذا القرار الذي سينال حرفياً من كل مواطن؟
انتهى
سامي سعد. طبيب نفسي متدرب بالسويد - ستوكهولم - مبتعث من مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة
Diplomat in CBT + ISTDP psychotherapies
Stockholm - Sweden