رسائل الفن السابع

ريما الحاتمي

لا يوجد أي فن بمقدوره نقل تفاصيل الحياة بحلاوتها ومرها، باستثناء الفن السابع وبجميع أنواعه الفريدة، فالسينما تقوم بعمل رائع في تقديم المواضيع وإيصال رسالتها بمهارة وذكاء ومزجها بمتعة سينمائية تبحرك بعيدًا عن عالمك لفترة من الوقت، تمنحك فرصة الحصول على الكثير من الإجابات على الأسئلة التي تأتي على بالك، تعيشك حياة وتجارب مختلفة وأحداث عديدة مع أبطال كُثر، فيا لها من صناعة جميلة عندما تمثل الإنسان وهمومه، وتطرح مشاكله وقضاياه، وتعكس أفعاله، وتشعر بعواطفه، وتهدئ روحه بجماليات ما تصنعه فكريًا وبصريًا، فيدرك مبتكرو وقادة هذا الفن مدى تأثيره على الناس، لذا فهم يحرصون على كيفية تفعيل الأفكار التي تحتوي على الرسائل التي يريدونها وإيصالها للجمهور بمزيج من المتعة والترفيه.

وفي هذا المقال سوف أستعرض بعض من الأفلام التي لها فكرة عميقة تغلغل بسلاسة في عقول ووعي الجمهور في أحداثها المنسوجة بعناية، وبالفعل أثرت فيني وجعلتني أعيد حسابات كثر في حياتي.


 فيلم (About Time) أين تكمن سعادتنا؟

قصة الفيلم تتحدث عن رجل (تيم) يكتشف ان لدى رجال عائلته قوة سحرية تمكنهم من العودة بالزمن لتغير بعض الأحداث في حياته، ويقرر تيم بأن يكرس هذه القوة لسعادته فقط ليعيش حياة مليئة بالسعادة والحب دون القلق بشأن استثمارها في المال وغيرها.


أصبحنا نضيع أوقات غالية قد تكون هي سر ومركز سعادتنا، فكم من أشياء نحلم بعودتها لكي نعيشها بالشكل التي ينبغي عيشها ونشعر بها، لماذا نتساءل ونبحث عن السعادة الفعلية متناسين تفاصيل حياتنا، من الممكن نرى تلك التفاصيل هي أمور عادية وأصبحت روتين يومي، ولكن قد تكون سعادتنا برؤية العائلة كل صباح بخير وعلى أتم الاستعداد للذهاب للعمل، قد تكون برؤية الأصدقاء ومشاركة الأحاديث وحمل الهموم عن بعض، قد تكون بمساعدة فقير لا تعرفه تراه بالشارع، قد تكون بمشاهدة مسلسلك المفضل مع كوب من الشاي بعد يوم طويل من العمل والجهد، أو جلسة عائلية نتبادل فيها أحداث يومنا والذكريات الجميلة.


بعيدًا عن المثالية، الحقيقة السعادة لا تعني امتلاك الأشياء المادية، السعادة الفعلية هي تفاصيل حياتنا البسيطة ولو فقدناها سوف نشعر بها ونتمنى لو نعيدها حتى نعطيها حقها بالشعور، وتأكدت من هذه الحقيقة عندما فقدت بيت الطفولة الذي لطالما كبرت وترعرعت ولجأت فيه ولم أتخيل حياتي مستقبلًا إلا به، وهنا لا أعني بفقدانه كشيء مادي، ولكن شعرت بفقدان ذكرياتي والأحداث التي حصلت به بحلوها ومرها وتمنيت لو أعيد بالزمن حتى أعيشها مره ومرتين وثلاث وأعطيها حقها وأعيش أيام أجمل بداخله.

فيلم (One Day) يقال الفرصة غنيمة

تدور أحداث الفيلم حين يلتقي كلا من إيما وديكستر، بعد يوم واحد من تخرجهم من الكلية، وتبدأ علاقة صداقة بينهما، والتي سوف تستمر لمدى الحياة.


هذا الفيلم وجه رسالته بصورة غير مباشرة من خلال علاقة إيما وديكستر وتذبذبها على مر السنين، نحن قد لا نرى الشيء الخير لنا، وقد لا نفهم بأن تلك اللحظة هي فرصة العمر إلا بعد فوات الأوان، ونضل نتحسر على ضياعنا لتلك الفرص.

من الممكن ضياعنا لبعض الفرص ليست نهاية العالم، بل تأتيك فرص أفضل بكثير من الفرصة الضائعة، ولكن بعض الأحيان قد تكون تلك الفرصة هي فرصة حياتنا مثلما حصل مع ديكستر فهو لما يفهم أبدًا إيما ومحاولتها في نجاح علاقتهم، ضل أنانيًا مهتم بشؤون حياته ونجاحها متجاهل إيما وحبها له، وعلى أن ديكستر في النهاية رأى إيما وما تفعله من مجهود لنجاح علاقتهما، ولكن حصل بعد فوات الأوان وضياع سنين من العمر كان من الممكن أن تحمل ذكريات رائعة بينهما بعيدًا عن المشاكل والتجاهل.

تعلمت انتهاز الفرص التي تأتيني، أرى مجهود غيري وأقدره حتى على أبسط الأشياء، فالفرص فعلًا لا تأتي مرتين.

 فيلم (COCO) نحن نموت عندما نُنسى

تدور أحداث الفيلم عن طفل يعشق الموسيقى وحلمه أن يكون عازف جيتار، ولكن عائلته الموسيقى شيء ممنوع، فيحاول يكسر عادات وتقاليد العائلة

 

هذا الفيلم تحديًدا حمل رسائل عديدة من أهمية العائلة ودعمها لمواهب أطفالها، إلى تحقيق الأحلام وعدم الاستسلام أمام الصعوبات، ولكن هناك رسالة خفية أثرت فيني شخصيًا وجعلتني أفكر بها لأيام، في المكسيك هناك يوم يسمى بيوم الموتى، حيث يزور الأشخاص قبور أحبابهم الذين فارقوهم، بعيدًا عن المعتقدات الدينية أوقفني هذا الحوار قليلًا وظللت أفكر به حيث كانت الأرواح الميتة تقول:

الموت الأكبر ليس موت الجسد بل عندما ينساك جميع الأحياء الذين عشت معهم في حياتك بعدما تموت ولا يعودون يتذكرونك، ذلك ما نسميه بالموتة الكبرى!

نحن مع مشاغل الحياة وهمومها قد ننسى أحبابنا الذين فقدناهم، وهم لا يحتاجون منا إلا الدعاء والرحمة عليهم، فهذا الفيلم جعلني في كل أمر يحصل بحياتي سواء من فرح أو حزن وبكل فرصة أتذكر الأشخاص القريبين الذين فقدتهم والذي لطالما احببتهم وتمنيت أن لا يرحلوا عنا بالدعاء لهم والصدقة عنهم، رحمهم الله وغفر الله لهم هم وجميع اموات المسلمين.


ختامًا، الفن السابع فعلًا قد يحاكي واقعنا بمزيج من الخيال والدراما، وقد تيقظنا على أمور نحن غافلين عنها، ناهيك عن المتعة التي تقدمها، فلا تستهين بإيصال رسالتك عن طريقها.

Join