ثلاثُ قراءاتٍ للحيــاة
قراءاتٌ متواضعة لبيت من قصيدة مدرسة الحياة
للشاعر عبدلله البردوني
Black Sea،Georgia،Batumi 2019
عزيزي القارئ؛
هذهِ قراءة خفيفة و متواضعة جدًا لبيت
شعرٍ دسم أتناوله هنا.
لعلي أُصيب في إيضاح قراءتي له ويسعفني
متن اللُغة في إيضاح ما يختلج عقلي وقلبي
فور قراءة هذا البيت.
علمًا بــأنَّ قراءة هذا البيت الضخم معنىً وحرفًا
مُكلفة،مُكلفةٌ للتعبير والرغبة بداخلك.
لأنك لن تُصادف ما يجول بداخلك
عدة مرات لمحاولة تفسيره.
و لن تستطيع أن تصف المعنى تمامًا
لأنهُ انطباعك الخاص.
هل تدرك صعوبة أنْ يشرح المرء انطباعه؟
لطَالما نَظرتُ للأدب والشعْر على وجه الخصوص
لا سيما عندما يتعلق بمعنىً ضخم كهذا المعنى
على انه أكثرُ أنواع الأدب قدرةً
على تجسيد التَجِربة الإنسانية
الاّ أنّ أبعاد هذا البيت الذي ضلّ يتردد في داخلي لبرهةٍ من الزمن. يجعلني أشعرُ أحيانًا بالتردد
عن الحديث عنه.
عن عكس انطباعي الخاصّ له
وما يحتويه وما يعنيه.
لأنه في نهاية المطاف انطباعنا عن كل شيء
هو قراءةٌ أولى شفّافةٌ لدواخلنا.
وهنا عزيزي القارئ؛ تكمنُ الصعوبة.
و المرء لا تُشقيهِ الاّ نفسهُ
حاشا الحياة بأنها تُشقيه
عبدالله البردوني
هذا البيت مُقتبس من قصيدة «مدرسة الحياة»
للشاعر عبدلله البردوني المتوفي عام ١٩٩٩ م رحمة الله، والذي قضى مُعظم عمره كفيف لا يرى، الاّ أنّ روحه كانت عينه الأولى، تدلهُ بصيرته.
والله وحده العالم بأحواله عند كتابة هذا البيت، ولكن أؤمن إيمانًا تامًا أنّ ما وصل لهُ وجعله يُسطِّر هذا البيت بهذا الاستنتاج الواثق كأنهُ يقطع الشكّ باليقين هو قناعةٌ تامة عن الحياة وهذا ما تستشفهُ من قراءتك الأولى للبيت.
القراءةُ الأولى:
لم يكن المعنى واضحاً كان المعنى مُختلفًا.
في الحقيقة؛ لم يكن المعنى واضحًا هنا بل كان مختلفًا تمامًا.
في المرة الأولى، تشعر أنك المُلام في شتى اختياراتك بالحياة و أن الأُفق تفتح كُل أبوابها الطّيبة لتُيسر البذل لك في هذهِ الحياة بتسخيرٍ من الله و أنَّ أصل الأمور يُسر وما فيها من تعقيد فهو نتاجِ بني آدم.
أي ان الرياح رياحنا والمركبُ مركبنا.
القراءةُ الثانية:
هل السعي للكمال هو شقاءُ هذه الحياة ؟
في قراءتك الثانية لهذا البيت، تتضح رؤيتك أكثر.
و تجدُ هذا السؤال. هل السعي للكمال هو شقاء هذهِ الحياة؟
وكيف يكون السعي للكمال من شقاء هذه الحياة؟
في كل مرةٍ نكابد فيها لأجل السعي في هذهِ الحياة السعي لمواضع القوة، السعي للأحلام في كل صباح هل هذا هو الشقاء المُزدرى في بيت البردوني؟
ايُمكن للحلم السرمدي الذي كان يعتلي أعلى قائِمة تحقيق احلامك ان يُصبح رمادًا الآن؟ و أن يعتليه حُلم آخر؟ هل عدم المرونة في خيارات وسُبل هذهِ الحياة و الإصرار هو الشقاء؟ هل البردوني هُنا يقصد المرونة في خيارات الحياة مطلب كي لا تختلف ولا تشقى نفسك ولا الحياة عليك في كل مرة؟
هل يجب ان تكون مرنًا في كل مرةٍ يسقط عنك حُلم؟
في كل مرة تضيع فرصة؟
القراءةُ الثالثة:
المعنى العادل
عند قراءتك لهذا البيت للمرة الثالثة، تجد أنَّ الإنصاف يملأُ هذا البيت، لأنهُ في كل مرةٍ تتأنى أو تجد نفسك مُجبرًا عن التخلي عن هدف او مرحلة، او وضع هدف آخر في أعلى قائمتك يعتلي هدفك الأسمى لأن الأمور شاءت ذلك، في كل مرةٍ تجدُ أنك في بحرٍ هائم يأخذك المركب يمنةً ويُسرة
تُجبر حينها لخطو خطوة!
ربما هذه الخطوة تكتبُ بها لنفسك سعادةً او شقاء.
ولكن في مجمل الأمر تجنب اختلاط الأمور!
نعم، لتجنب الشقاء تجنب اختلاط الأمور
وعند اختلاطها أَحسن الفصل فيها، و الأهم!
كُن مرنًا في كل مرة .
هذا الاختلاط، إن لم تكن مدركًا لهُ تمامًا قد يكون شقاءك في هذه الحياة، أو ربما إن كنت مُدركًا لهُ من البداية قد يكون سعادتك الأبديّة عندما تتقوىّ بما يبقى لك، كـ حفنة لون النهار التي يتحدث عنها مروان باشي
في رسالةٍ عذبةٍ جدًا كتبها إلى صديقه عبد الرحمن مُنيف في كتاب
«أدب الصداقة» يقول فيها:
تختلط علي برلين مع دمشق، والغابات النديّة في الشمال بسهول الشرق، تُجاوز الخيبة الأمل وتُسرع الأيام والفصول وانا أنظر إلى راحتي يديّ أحاول أن اقبض على حفنةٍ من الزمن قبل الضياع ولكن لا تفزع ما يزال هُناك قسط من لون وطرف من نافذة وحفنة من لون النهار وأحبائي وما تبقى من البدو.
جميعُنا لدينا «حفنةٌ من لون النهار»
نُعاملها كأملٍ صغيرٍ جداً لمواجهة شقاء هذه الحياة
لمواجهة بطشها
لمواجهة تقُلب موجها العاتي.
«حفنةٌ من لون النهار»
تُجنبنا اختلاط الأمور.
«حفنةٌ من لون النهار»
تجعلنا نصرخ مع البردوني ونقول:
"حاشا الحياةُ بأنها تُشقيهٍ ."