في عمق النظر بين الصم و البكم 


نسمع و نرى لنصبح بذلك نتحدث أكثر من أن نرى و تتناسى أن مرآة روحك تبدأ من عينيك وصولًا الى كلامك المنطوق ، فنعيش على الكلام حتى نخاف من حقيقة ما قد نرى 



كنت اجلس أمام بحيرة يملؤها البط و يطوف حولها الأطفال

و ما بين هدوء الليل و صوت لعب الأطفال و بصحبة عقلي الذي قد كان حاضرًا كله في تلك اللحظة ، احتسي كوبًا من الشاي قد أعددته مسبقًا قبل خروجي من المنزل …


الهواء يحرك شعري ، و يدغدغ روحي داعيًا إياها للحياة … 


هناك على سور البحيرة

يقف رجلان ينظر كل منهم إلى عيني الآخر بعمق و انسجام لم أشهده منذُ وقت طويل ،لغة اجسادهم و حركات اياديهم توحي بأنهم يتحدثون بلغة الإشارة

كان صوت البط و الشارع و الأطفال خلفية هذا المشهد الذي لم افهم مشاعري اتجاهه إلا بعد بضع ثواني من التأمل .


شعرت بالأسف على الشاب الذي لم يكن يسمع الأصوات الموجوده حولنا الآن .. ضاق صدري على حاله ، إلا انه بعد بضع دقائق أخرى من التأمل الصامت و تداعي المشاعر في قلبي و الافكار في عقلي تحولت مشاعري من أسف على حاله إلى اسف على حالي . 


متشتتين ، خائفين و مساكين لأننا نحسب أن الآذان الصاغية وحدها تكفي ، لم ننظر قط إلى عيني بعضنا البعض بهذا العمق و هذا القدر من الاهتمام 

و كأن شيئًا مفقود في داخلي شعر للمرة الأولى بالوضوح

عيناي تشتاق أن تُعطى مساحتها في تأمل حقيقة الأرواح و أن تسمح أذني لعيني بأن تكون هي الحاكمة على الحقيقة من عدمها،تحتاج  روحي أن تُرى بهذا القدر من العمق و الاهتمام لأن لساني و كل حصيلتي اللغوية غير كفاية في أحيانًا كثيرة 


 رن هاتف احدهم وفهمت بأن الشاب الذي يقف على الجانب الأيمن ذاك الذي يضحك كثيرًا و يحرك يداه بحماس أكثر تعلم لغة ليخاطب روحًا أحبها بصدق ، لا شيء أوضح من أن تشعر بصفاء ارواحهم وهم يتحدثون و كأن لا أحد حولهم … أو هم كذلك في عالمهم 

عالم تخلو فيه الروح  بروح اخرى بعيدًا عن ثرثرة البشر     


شيئًا بهم كان يشبه براءة الأطفال في حماسة حديثهم 

تلمع أعينهم و يبذل كل منهم كل حواسه ليتحدث إلى الآخر 

تارة يبعد النظر ليرى العالم من حوله ثم يضرب يديه بخفة على كتف الآخر لينتبه له فينفصل الآخر بتلك المناداة من محيطه ليلج في عالم  تتحدث فيه فقط الأعين و الاجساد و كأنها دعوة للدخول الى عالم تتلاقى فيه فقط الأرواح.


شعرت اني اشتاق هذا النوع من العمق ، هذا النوع من التواصل

 أن تكون العين و كل الحواس منشغله في الاهتمام بحديث الآخر

 

لم تكفيني قط آذان صاغية و لطالما شعرت بفجوة وعرفت اليوم أنها قد تكون النظر بعمق لينساب الحُب و الحقيقة بطريقة سلسلة طبيعية و بسيطة، و أدركت حينها كم نحن هاربون برفضنا التواصل بالعيون ، فالعيون لا تكذب ، العيون تحدق مباشرة في مشاعرنا انها طريق مباشر لمعرفة القلب

 

فهل نخاف من الحقيقة ؟ و أية حقيقة تلك التي نخافها ؟ هل نخاف من حجم الشعور الذي نحمله ؟ ذاك الذي نحاول جاهدين الوصول له بالتعبيرات اللفظية ؟  فتخوننا التعبيرات أو تخيفنا الصريحة فنلفظ كلمات تعقد الوصول إلى الحقيقة الواضحة فنتوه في محيطات الشعور    ويتوه معنا من كان بها المقصود



العيون مرآة الحقيقة ، و بوابة لعوالم خفية .

Join