الإنسانية في عالم الإنتاجية

تقدم لنا الموضة معطيات كثيرة تتراوح ما بين صيحات متجددة، قطع براقة آسرة وبساطة وتعقيد على مستوى يؤصد الأفئدة، لكنها أيضًا تقدم لنا صور مجحفة وقاهرة لمشاكل مؤرقة بحق العاملين في أدنى درجاتها العملية وأضعف مستوياتها الأخلاقية على سبيل سوء البيئة العملية والرقابة المصنعية وضعف المرتبات حتى جودة المنتجات، سواء في الموضة الفاخرة أو السريعة قلما نجد قصص إنسانية قابعة في طيات الأقمشة وعلى الرغم من ذلك لا يعني هذا انعدام وجودها بالبتة ففي هذه المقالة أسلط الضوء على مصممين تكمن وراء تصاميمهم الناجحة دوافع ملهمة مشرفة تخدم المصالح البشرية وترفع أسمى رايات الإنسانية.



الأخوات ماتوشي

نهاية النهاية

ينبت الزهر من تحت الأنقاض وتولد الحضارات من رحم الأزمات فمثل ما قامت برلين اليوم من سقطة موجعة وخرجت اليابان المعاصرة من ضربة مفجعة؛ تلمع بارقة أمل مرجو في شفاء جسد كوسوفو الهالك على يد الجيل الواعد. بعد مطلع منتصف التسعينات عانت الدولة من حرب مضنية أردتها وشعبها لنتائج مرعبة.



لصورة أوضح في عام 1998 شنت السلطات الصربية حملة تطهير عرقي شرسة على سكان كوسوفو وذوي الجذور الألبانية في جهود متواصلة لفرض سيادتها السياسية على المنطقة وحرصًا على استمرار عملياتها في الإبادة الجماعية مما أسفر عن مقتل الآلاف المؤلفة من المدنيين الأبرياء المنتمين لجميع فئات المجتمع صغارًا وكبارًا. 


لم يحترم الصرب المبادئ الأخلاقية والإنسانية فمسمى "الحرب" مكنهم من استحياء النساء وسحل الرجال وهدم البيوت، حتى يومنا هذا تقف صربيا كلقمة غاصة في حلق كوسوفو تأبى بالنزول؛ ترفض السلطات الصربية الإعتراف بكوسوفو كدولة مستقلة وتحاول جاهدة قطع كافة السبل الارتقاء المعيشي على الدولة الشابة. 



توتا

نشأت المصممة في عائلة مكونة من 9 أطفال ووالدين محبين وفي مقتبل سنواتها بدأت بتعلم الخياطة فمن رقع أقمشة نسجت حُلل لأسرتها، لاقت هذه الثياب إعجابًا من قبل زملائها في الدراسة وتراكمت عليها طلبات تفصيل خاصة.


خلال الحرب عانت المصممة من نقص في الأقمشة واليد العاملة نظرًا لأحداث الصراع الحاصل إذ أنه من الصعب إيجاد فريق مؤهل ذو خبرة في الخياطة الراقية؛ فشقت طريقها خارج البلاد بحثا عن الموارد والمصادر لتعود وتدرب مجموعة من العاملين على الخياطة من الصفر، بما في ذلك تواصلها مع مئات الأشخاص في كوسوفو لتشييد علامتها التجارية الفاخرة حتى أضحت واحدة من أفضل المصممين الصاعدين في الساحة.


ليريكا

ولدت في عام 1996 أي على مشارف الحرب وتحت عناية شقيقتها توتا استطاعت إتقان الحرفة والسير على ذات الخطى نحو نجاح باهر ولافت حظي بأصداء مسموعة عند نجوم الفن والسياسة. 

تستذكر المصممة الماضي بعباراتها الخاصة :

  • " ترعرعت في ظل القصص المرعبة وعن مدى تأثير آفات الحرب على البلاد، كيف اغتصبت النساء وقتل الأبرياء"

  • " سائر حلمي أن أضرب الأرض ترحالًا وتمثيلًا للوطن وأن أكون يد عون قدر الاستطاعة". 


سويًا أتحدت الشقيقات في تأسيس دار خاصة لتصنيع الأزياء عبر طاقم عمل مكون من نساء كوسوفيات وذلك في مساع دائمة لمحاربة العطالة في البلاد وَقَضاء لِلْوطر في ظل الظروف الصعبة من قلة الوظائف وضعف المرتبات بفعل الركود الاقتصادي مما أدى لهجرة الأغلبية بحثًا عن المال.


ما كان حرصي على دعم النساء إلا غرسَ والدتي لذلك

ليريكا ماتوشي

سارة بيضون

يد بيضاء ممتدة

في قبيل سنتها الجامعية الأخيرة اختارت سارة العمل على أطروحة جوهرية عن دعارة النساء والمرأة في السجون اللبنانية وبمساعدة دار الأمل وهي "مؤسسة خيرية لبنانية تهتم برعاية الأطفال وضحايا العنف من النساء وإعادة تأهيل الأسر المتضررة والسجينات أو ممن قضين فترة في السجون". 


 دأبت سارة على الذهاب لسجن في مدينة بعبدا حيث هنالك تجد ذاتها محفوفة بأرواح بشرية تعبق بقصص تراجيدية، فيما تجاذبتها دوامة المشاعر وشدتها حبال المنطقية تحررت لتطلق فكرها نحو آفاق جديدة واعدة بالنسبة لتلك النساء تختزل بفكرة برنامج عملي يختص بالأشغال اليدوية.


أثناء تعدد زياراتها لتدريب النساء في السجن والإشراف على أعمالهن من التطريز والحياكة، تطور البرنامج مما أحاله لمستوى أكبر ليصبح شركة ناشئة تحت مسمى "حقائب سارة" علامة ليست فارقة فقط بطابعها الخلاب وجودة نسيجها لكن أيضا بالقصص الملهمة الكامنة وراء الأيدي المصنعة فهي ما تجعل القطعة ثمينة لا سعرها.


 يتجلى الهدف السامي للشركة بتصحيح المعتقدات الاجتماعية عن تلك النسوة وتمكينهن عمليًا وماديًا في بادرة تعتبر من الأولى في نوعها على مستوى الشرق الأوسط.


الملكة رانيا تحمل حقيبة من تصميم علامة حقائب سارة

أشعر اليوم بأنني أملك شيئاً أكثر من مجرد تجارة خاصة؛ بل أملك واجباً تجاه تلك النساء، وأشعر بأن مشاركتي تلعب دوراً مهماً بمساعدتهن في الحفاظ على كرامتهن وثقتهن بأنفسهن، ومساعدتهن في الاختلاط بالمجتمع

سارة بيضون

صوفيا ميني

نحو مستقبل أفضل

Join