الجزء الأول

كيف يمكن لمليارات الميكروبات أن تؤثر على كل مرحلة في حياتك- من الولادة حتى الكهولة؟

  يعتقد العلماء بأن فهمنا للميكروبات بشكل أكبر سيفيد في اكتشاف أدوية جديدة لكثير من الأمراض الحديثة المستعصية

Images were made with the support of the Institute of Pathology, University Hospital of Basel, Switzerland; Center for Cellular Imaging and NanoAnalytics, Biozentrum, University of Basel; and the School of Life Sciences, FHNW, Muttenz.

Cedit: University of Basel  
الصورة السابقة هي لحديقة ميكروبات اخذت من شفة إمرأة عندما قامت يتقبيل طبق بتري به بيئة  مخصصة لنمو الميكروبات. يحمل الأزواج عادةً نفس البكتيريا في الفم بسبب تبادل القبلات 

المكيروبات تعيش فينا وعلينا! نحن البشر نحمل حوالي 38 مليار خلية بكتيرية وهذا العدد يفوق بشيء بسيط عدد الخلايا البشرية لجسم الإنسان لذلك نحن البشر نعتبر غير نقيين فنحن عبارة عن 50% ميكروبات و 50% بشر. حوالي 90% من المكيروبات التي نحملها تتواجد في أمعائنا وهي مسؤولة عن تصنيع وتوفير الكثير من احتياجاتنا اليومية الضرورية فعلى سبيل المثال فيتامين K وفيتامين B12 تصنعه بكتيريا معوية تسمى E. coli وهي فيتامينات مهمة وضرورية في عمليات تخثر الدم وانتاج خلايا الدم الحمراء. كذلك البعض من هذه المكيروبات التي نحملها تستوطن جلد الإنسان وهي بالتالي تعمل كخط دفاع أول لنا ودورها يكمن في محاربة وطرد أي ميكروبات ممرضة تحاول ان تستوطن جلدك.


يرى الباحثون بأنه كلما تعمقنا في دراسة وفهم عالم المكيروبات المجهول والمهول كلما دُهشنا وتفكرنا في كيف لمثل هذه المكيروبات التي لاترى بالعين المجردة بأن تتحكم في تشكيل صحتنا، شخصياتنا، شعورنا، وردة أفعالنا. المكيروبات هي أساس تكوين كل الكائنات.  

علم وعالم الميكروبيوم

مصطلح الميكروبيوم يستخدم لتعريف مجموعة البكتيريا التي تعيش في وعلى الإنسان والكائنات الحية الأخرى والتي تتواجد عادةً على جلده وداخل أمعائه. يعتبر هذا العلم من العلوم الحديثه ويقدر عمره ب 15 عام فقط. يوجد هناك تحرك علمي وبحثي عظيم من أجل فهم هذا العلم الغامض وفهم تأثيره المباشر والغير مباشر على الكثير من الأمراض بما فيها السمنة، التوحد، العاطفة، الاكتئاب، السرطان الخ.  مؤخراً، وجدت دراسة فنلدية بأن الأطفال الذين يحملون في أمعائهم تراكيز عالية من بكتيريا Bifidobacterium خلال أول شهرين بعد الولادة يكون لديهم عاطفة إيجابية في عمر الستة أشهر وقد يكون الرابط بين وجود هذه البكتيريا والعاطفة الإيجابية يكمن في قدرة هذه البكتريا عى إفراز مواد كيميائية تؤثر على خلايا العقل بشكل إيجابي.

بشكلٍ عام, يوجد هناك العديد من الدراسات في الوقت الحالي التي تربط بين اصابة شخص بمرض معين وبين نوعية الميكروبيوم التي يحملها في أمعائه. على سبيل المثال في أحد التجارب العالمية المشهورة، قام علماء بأخذ مجموعة ميكروبيوم من أمعاء توأمان (اختان) إحداهما كانت سمينة والأخرى وزنها مثالي ونقلت المكيروبات المأخوذة منهن إلى فأرين بلا ميكروبات. الفأر الذي حصل على الميكروبات من الأخت السمينة أصبح سمين (كما توضح الصورة التالية) والفأر الذي حصل على المكيروبيوم من الأخت ذات الوزن المثالي أصبح ذو وزن مثالي.

رسم توضيحي لتجربة نقل المكيروبيوم من الأخت السمينة والأخت ذات الوزن المثالي إلى فئران التجارب
Walker et al., 2013

كيف تصل الميكروبيوم للإنسان

منشأ ومصنع الإنسان الأولي هو الرحم وكما هو معروف علمياً ينبغي أن يكون هذا المصنع آمن, معقم وخالِ من أي ميكروبات من أجل صناعة إنسان جديد. وعليه يخلو الجنين والسوائل التي يسبح فيها بداخل بطن أمه من أي كائنات مجهرية. لكن, خلال عملية الولادة بالشكل الطبيعي تنشأ أول علاقة تبادل منفعه بين الإنسان والميكروبات. العلاقة تبدأ عند خروج الجنين من بطن أمه من منطقة المهبل! حيث يتعرض لكمية كبيرة من المكيروبات التي تشكل بعدها ما يعرف بالميكروبيوم على وفي جسم الإنسان. لتقوم بعدها الميكروبيوم بعمل محادثات ومفاوضات مع الجهاز المناعي للطفل تنتهي بتقوية وتدريب جهازه المناعي على مواجهة الأمراض المتسقبيلة. وعلى النقيض تماماً، فالأطفال الذين يولدون بعمليات قيصرية غالباً لا يكون لديهم هذا التنوع المكثف من الميكروبيوم مما يجعلهم عرضة لأمراض كثيرة قد تستمر معهم لمدى الحياة. في دراسة أجريت في جامعة لوكسمبورغ على 13 طفل ولدوا بطريقة طبيعية و18 طفل ولدوا بعملية قيصرية، وجدت الدارسة بأن من ولد بالعلملية القيصرية لديهم مستوى أقل من البكتيريا وبالتالي مستويات متدنية من مادة البولي سكرايد التي تفزره البكتيريا (يعرف عن هذه المادة بأنه تعزز وتقوي من الجهاز المناعي) ونتيجةً لذلك أصبح لديهم جهاز مناعي غير محفز بالمقارنة مع من ولدوا بولادة طبيعية. يعتقد بعض العلماء بأن الولادة القيصرية تؤدي إلى التقليل من التنوع البكتيري (الميكروبيومي) وبالتالي هذا قد يجعل الطفل عرضة لأمراض مزمنة مستقبلاً مثل الحساسية، السمنة، الالتهابات.

صورة توضح كمية الميكروبيات المتواجدة في منطقة السره والمتعايشه بسلام معنا. لكل شخص بصمته الخاصة من الميكروبات سواءً داخل الجسم أو خارجه
وللحديث بقية - نكمل في الجزء الثاني من هذه المقالة
Join