وكيف تصبر على مالم تحط به خبراً
هذا التساؤل ذكر في سورة الكهف ليوضح الكثير من أسباب تخوفنا من تغير الحال وحرصنا على التشبث بصورة واحدة للحياة
تحمل سورة الكهف أحد أجمل الشروحات لحال الإنسان وسبب شقائه في مقاومة ما يواجهه من تغيير في مختلف أحواله. وهذا التساؤل لم يأت وحيداً بل ذُكرت معه الكثير من الأسرار والحلول التي تساعد الإنسان على تقبل أحداث حياته بل وحتى السعي لتغيير مالا يسايره منها. وتوضح لك أن بعض الأحداث المزعجة في هذه الحياة لا تحصل لك بل تحصل من أجلك. فبين الفقد والألم والتحديات تكون الحكمة “فخشينا أن يرهقهما”، و”أردنا أن يبدلها ربهما خيراً منه”. وحين نتأخر في الوصول لبعض الأحلام والأهداف فأننا لم نكن جاهزين لحمل ما يأتي معها من مسؤوليات ”فأراد ربك أن يبلغا أشدهما” ونحتاج أن نتعلم دروساً توفر علينا الكثير من المتاعب لاحقاً.
أن بعض الأحداث المزعجة في هذه الحياة لا تحدث لك بل تحدث من أجلك
أحد الأسباب الجوهرية لمقاومة التغيير أنه يحرمنا أحد أهم صمامات الأمان النفسي التي نتمسك بها دائماً وهي قدرتنا على معرفة وتوقع أحداث حياتنا. حين تكون حياتك اليوم كحياتك بالأمس فإنها وأن كانت صعبة أو مملة تكون “متوقعة” إلى حد كبير. فيومك يبدأ في نفس الوقت الذي تحدده نفس الوظيفة التي عملت بها في الأمس، وستذهب لنفس المقر وتقابل نفس المجموعات. وحتى أن أغلبنا يدعم ذلك بنفس الروتين في كامل يومه. فيشرب قهوته من نفس المكان ويستمع لنفس الأغنية ويمارس نفس الأنشطة يومياً وهذا شيء طبيعي سائد يتفاوت فيه الأشخاص حسب تفاوت شخصياتهم.
حين تضرب رياح التغيير هذه السفينة المستقرة في بحار هادئة من الروتين، يفقد الإنسان قدرته على التوقع وبناء الاحتمالات “شبه المؤكدة عادة” عن كيف سيكون يومه، سنته، أو حياته حسب شدّة التغيير الذي مر به. وهنا يفقد الاطمئنان والأمان وتبدأ لبنات حياته المرصوصة بالتساقط فمنا من يفقد بعضها ومنا من يفقد جدرانه كاملة. والسبب لذلك أننا لا نستطيع تقبل التغيير مالم “نحط به خبراً” ونعرف كيف سيؤثر هذا التغيير على حياتنا مستقبلاً وهل سيضيف لها أم يأخذ منها. ولكن الإجابات على هذه الأسئلة لن تأتيك إلا بعد أن يكون التغيير أثرا بعد عين. بل إن الكثير من الناجحين يردّون الفضل في نجاحهم لتجارب مؤلمة عاشوها في مراحل عمرهم. قد تكون تجربة فقد لعزيز جعلت أحدهم عصامياً يسبق أقرانه في النجاح، أو حتى مجرد رفض من تخصص جامعي حوله لمسار أكثر ملائمة لقدراته، أو فشلاً وظيفياً دفع به لتجارة جعلته أكثر ثراءً. ولكن! كل هذه النتائج لم تظهر إلا بعد أشهر أو سنوات.
إذا تقبلت أن نعمة التغيير لا يمكن تجنبها، فيجب أن تعلم أن ثمارها قد لا تنضج فوراً وقد تأخذ سنوات
إيمانك التام أن التغيير حالة مستمرة سيساعدك في تقبل ما يمر عليك من أحداث دون مقاومة أو تعلّق، وستجد نفسك أقدر على قراءة المنح داخل المحن التي تواجهك. كما أنه سيعلمك الشعور بالامتنان تجاه ما تملكه من امتيازات في حياتك لأنك تعلم أنها لم تكن يوماً ملكك ولكنها نِعَم أنت تعيشها اليوم ولا تضمنها في الغد. هذه العقلية الناضجة في التعامل مع التغيير لن تكون بهذه الصورة المثالية دائماً بل قد هو جهد مستمر منك في تهذيب نفسك كما هو الحال في كل شؤونك الأخرى. ولكن البدء في تبني هذه العقلية سيكون مفتاح لدخول الرضا والسعادة “كحالة ذهنية وروحية” إلى حياتك.