الحياة عنوانها الختام
“الكتاب باين من عنوانه”… المقولة المعروفة التي نرددها حين نود تأكيد قدرتنا على توقع القادم والمجهول عبر ما نراه اليوم. بغض النظر عن عدم دقة هذه العبارة٫ الكتاب الذي سأتكلم عنه اليوم يحكي قصة مختلفة لا يحدد معناها إلا في صفحة الختام.
هذه القصة لا تقيّم بحماس البدايات أو العقد الدرامية في المنتصف … وبراعة المؤلف فيها لا تقاس بعدد مرات المسح والتعديل بل بقدرته على خلق الفصول وتكوين القصص القصيرة داخل هذه الملحمة.
كتاب اليوم عنوانه يظهر فقط عند إغلاق صفحاته .. هي قصتك أنت! وقصة كل شخص لا زال يحمل روحه داخل جسده ويمر بالأيام مؤثراً ومتأثراً بها.
قد تعتقد أن شخصيتك اليوم أو أحلامك وواقعك هي كل ما ستكون عليه في هذه الحياة٫ ولكنك لن تستطيع تحديد الأثر الذي ستتركه بعد رحيلك. وأنا هنا لا أتكلم عن تأثير كالذي صنعه نيلسون مانديلا في العالم أو رسالة كالتي قدمتها هيلين كيلر، بل أتحدث عن القيمة التي ستشعرك بالرضا عن نفسك في لحظاتك الأخيرة، من كونك أباً صالحاً أو كونكِ ابنة بارّة إلى كونه بطلاً سجل اسم بلاده في مجال علمي أو رياضي، أو مخترعاً وفيلسوفاً غير وجه العالم للأبد.
سواء كبرت هذه الرسالة أو صغرت فهي المعنى الأسمى من هذه الحياة وحتى نصل لهذه الرسالة يجب أن تفهم عزيزي القاريء أنها رسالة لا تدرك بالتفكير بل تستشعر بالروح٫ وسألخص القليل مما يساعد على تسهيل هذه الرحلة.
هدف حياتك الأسمى لا يظهر في الحاضر، هو يُقرأ من ماضيك عند الختام
تبدأ رغبتنا لتحسين الحياة بتحديد هدف٫ لكن المشكلة تبدأ حين نعتقد أن الهدف يجب أن يكون ثابتاً أو يكون هدف حياة.
اجعل أهدافك مرحلية تناسب قدراتك وتطلعاتك اليوم و تذكر أن هدف حياتك الأسمى يظهر فقط عند النظر إليها كماضي. تذكر اللحظات الجميلة أو الحزينة التي مررت بها سابقاً وسترى أن نظرتك لها اليوم أعمق وأصدق من وقت حدوثها وأنك ترى فيها شرارة للتغيير الذي حصل في حياتك ومداركك. سيتكرر هذا النمط في كل أهدافك وإنجازاتك وستعرف يوماً ما أن كل ما سعيت له سواء نجحت به أو فشلت كان يقودك لنسخة أقوى وأفضل من ذاتك. حين تحمل هذا الفكر ستتعلم أن تركز على ما تفعله اليوم وتستمتع بفعله والالتزام به وستترك حرصك على تحديد الهدف الأسمى في حياتك ولكنك قد تصل له بشكل أسرع!
لا تبحث عن الهدف ابحث عن الحياة وستصل للهدف
اعتق نفسك من قيود التوقعات وابدأ بنفسك.
حين نتكلم عن التوقعات قد تسود فكرة الضغط المجتمعي والأسري في تحديد حياتنا ضمن صور أو توقعات محددة٫ ولكن الواقع أن توقعاتنا لأنفسنا أيضاً تثقل كواهلنا في أحيان كثيرة.
لا تكن رهيناً لتوقعات حددتها لنفسك سابقاً متأثراً بآراء الآخرين أو حتى ثنائهم. حين يمتدحنا الآخرون لصفات معينة نمتلكها في سن معينة أو حتى في طفولتنا قد تتشكل لدينا رغبة غير واعية في الحفاظ على هذه الصورة ونتوقع من أنفسنا أن نحملها معنا في كل الأحوال. راجع مبادئك وتوقعاتك عن نفسك بشكل مستمر فهي التي تصنع واقعك وتأكد أن لا تحمل منها إلا ما يتناسب معك اليوم ويخدمك في صناعة مستقبلك وسعادتك.
اعتق نفسك من قيود التوقعات
قد تضيع عليك الكثير من الفرص لتكون شخصاً أفضل لمجرد كونك مقتنعاً بأنك وصلت للمعرفة الحقيقية. حين تؤمن بجهلك تظهر لك الكثير من الأجوبة الصحيحة عن الحياة٫ فلا تشغل نفسك بامتلاك المعرفة بل للسعي لها.
وتبدأ هذه المشكلة حين ننشغل بالحكم على الأشخاص من سماع ما عندهم من حكمة قد تنفعنا في مجال معين. يحصل أن يلتقي الإنسان بمعلم عظيم في مجال ما تكون له فرصة معه في زيادة معرفته ووعيه بالحياة ولكنه يقضيها في الحكم عليه ثم مناقضته والتشكيك بما يسمع وهو بهذا يحرم نفسه من معرفة قد تنفعه ويقتنع بها بعد سنوات من التجربة. حين ترغب بالتعلم يجب أن تؤمن بــ “خذ الحكمة ولا يضرك من أي وعاء خرجت” ثم لك أن تختبرها وتقيمها فيما تملك من وقتك الخاص.
حين تؤمن أنك لا تعرف تظهر لك الكثير من الأجوبة
المستقبل مقبل سواء كان معلوماً أم مجهولاً وهو مقدر سواء كان خيراً أم شراً٫ ولكنك أكثر قابلية أن تقضي حياتك بسعادة وتختمها برضا لو أقبلت عليها بتوكل لا يهزه الخوف. من أهم المقاييس لجودة قراراتك أن تعي إن كنت اتخذتها بدافع الخوف خصوصاً الخوف من فوات أمر ما أو الخوف من الخروج عن المألوف للمجهول. رغم أن الخوف من المجهول شعور فطري ولكن المشكلة ليست بوجوده فهو شعور يمتلكه الشجعان قبل غيرهم ولكن الفرق في تعاملنا مع هذا الشعور.
حين تتعامل بمبدأ “الخوف” يخصّ و”التفاؤل” يعم في تعاملك مع مستقبلك ستكون أقدر على الوصول لرسالة سامية في حياتك أما حين يكون الخوف مثل السور حول توجهك وطموحاتك وحتى أفكارك فلن تتجاوز دائرة أول رسمت حولك في هذه الحياة وأول عنوان كتب لحياتك سواء من القريب أو من الغريب.
خصّص الخوف وعمّم التفاؤل
أين ما كنت في رحلة حياتك اليوم تأكد أنك وإن ولدت بدون اختيار فإن تحقيقك لرسالتك في هذه الحياة لا يكون إلا باختيارك. فابدأ رحلتك وأنت تعلم أنك ستنظر لها يوماً ما كماضي وأنها كانت انعكاساً لك من خياراتك اليومية وحتى قراراتك المصيرية. لأن ما يشعرك بالرضا عن نفسك قد لا يزيد عن قناعتك بأنك عشت روحاً حرة تملك الشجاعة لعيش خياراتها بمسوولية.
اللهم حسن الختام