شجرتنا وشجرتهم!
لنا قصص وذكريات مع تلك الشجرة..
من أوثقها تعلقًا في ذاكرتي، (تلك الشجرة..)
كان ذلك في بيت شعبي من طابق واحد، حجراته مصفوفة بشكل ممتد على كامل السور، مستندة إليه وهو المتواضع في طوله.
له باحة متوسطة مركز البيت، تتنفس مباشرة من رئة السماء، لا يعزلها عن هواءها النقي سوا بعض الأغصان لشجر السدر، ونخلات يعتني بها حارس المدرسة.
جمعتنا ذكريات وقصص مع (تلك الشجرة!)
كان آخرها وأجملها في تلك المدرسة الابتدائية بقريةٍ ما..
وفي يوم ربيعي قبل نهاية العام الدراسي..
تحديدًا أثناء الاستعداد لحفل ختام الأنشطة المدرسية.. وكنا نسميه إذ ذاك (حفل الأمهات).
لم يكن هناك من حفلات تخرج كما اليوم لسبب وبلا سبب..
غير أن طالبات الصف السادس على أية حال وإن لم يحظين بحفل تخرج؛ كن يحصلن على نصيب الأسد من التكريم والثقة وربما بعض المناصب القيادية بالمدرسة..
في ذلك العام كان لنا دور مع (تلك الشجرة..)
في يوم الحفل..
وبإمكانيات مدرستنا التي لم تكن سوا بيت شعبي بسيط, وقريب من القلب..
وبمعلماتنا العظيمات، والعبقريات في تطويع الظروف, بعاطفة الأمهات الفطرية لديهن..
كأي أم تسعى لإسعاد أطفالها بالمتاح من الإمكانات.
في يوم الحفل قمن بإخراج طاولاتهن وجمعها، ورصها، وترتيبها ، وتنسيق ارتفاعها مع بعضها حتى تبدو مستوية قدر المستطاع.
وإشراكنا معهم في النقل والترتيب.
-حيث كانت المعلمة أم، والأم لا تتدخل في عمل المعلمة ولا تشكك في نوياها-
صففنا طاولات معلماتنا في قلب الباحة، ثم حملنا مسرعات بعض الفرش وغطيناها بها، لتتهيأ لنا خشبة المسرح؛ عروسًا لحفلنا البهيج..
كان لنا نحن طالبات الصف السادس معظم الفقرات والأدوار في الحفل من التقديم والتنظيم والضيافة وتقديم الحفل وقراءة القرآن والإنشاد والتمثيل..
أقنعتنا معلمتنا أن أصواتنا شجية وأننا مبدعات!!
واقتنعنا بذلك..
اعتلينا خشبة المسرح التي اقتنعنا أيضًا بأنها مهيبة وعظيمة وفارهة!
ولعدم وجود مكبر للصوت ولأن معلمتنا أخبرتنا بأن الصوت قد لا يصل للجالسات على الكراسي في طرف الباحة، فلابد أن نرفع أصواتنا لنسعد جميع الأمهات الحاضرات..
وبدأنا نردد بصوت مرتفع مشيرين إلى الشجرة:
انظر لتلك الشجرة، ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبةٍ وكيف صارت شجرة؟!
فانظر وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة؟
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة...
كنا نردد الكلمات، ونعيشها، ونشعر بدقائق معانيها
ننظر للشجرة التي تظلنا بعض أغصانها على خشبة مسرحنا المهيب
ونتخيل كيف أنها كانت حبة!!
ونسمع تسبيح معلمتنا التي تعقب بها كل بيت من قصيدة معروف الرصافي من جانب المسرح وهي تخشى أن يتعرض مسرحنا لأي خلل وتصاب إحدانا بأذى!! وكان هذا ديدنها منذ كانت تدربنا وحتى يوم الحفل..
كانت تلك شجرتنا؛ فماذا عن شجرتهم!!
من ذا الذي يحاول إقناع أطفالنا أن الشجرة يتعدى نفعها عن إنتاج الثمرة والذي لا يكون إلا بإذن ربها!
من جعل الشجرة إلهًا! وهي التي تسبح بحمد ربها ولا تشرك به!
من استورد لنا عقيدة غلفها بخيوط الهدايا الملونة، وقدمها ببطاقات المرح والتسلية!
من أوجد هذه الفجوة العميقة التي قد تبتلع قلوبًا بيضاء نقية وتهوي بها في هوة عميقة!
من ذا الذي يجمل خرافاتهم ويكبر شأنها وينبهر ويبهر بها غيره!
إنما هو قسم أقسمه الشيطان (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)
اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه