لا تدع الآخرين يحتلون رأسك

ما مدى تأثير الآخرين على نظرتنا للأمور وحكمنا عليها؟

قد يكون لدينا الوعي الكافي لصد تدخلات الآخرين في قراراتنا، وحياتنا بشكل خاص، ولكن هل يمكن اختراق رأي شخص مجهول لمصدات الوعي التي نغلف بها رؤيتنا للأمور.

ولأقرب الفكرة بمثال:

خلال مشاهدتي لمقطع في اليوتيوب اخترته برغبتي وكنت أمارس دور الوعي التام بما أختار وأنتقي حتى لا يسرق هذا التطبيق ملكي الخاص من الوقت، ولا ينتهك ذوقي ومعاييري في المشاهدة.

وخلال مشاهدتي للمقطع وكان جزءًا من تصفيات لمسابقة في حفظ القرآن الكريم بالقراءات، كانت المسابقة جميلة والمتنافسون يمتلكون أصواتًا من الجنة، القراءة تطير بالقلوب وتحلق بها في الفضاء..

استمتعت بالمشاهدة واستفدت من لجنة التحكيم وملاحظاتهم، عشت لحظات من أمتع ما يكون، حتى وقعت عيني على تعليقات المشاهدين وبدأت أقرأ ما تحت المقطع!!

بدأت أرى المشهد بعين ذبابة بغيضة، لم ترَ سوى ارتباك المتسابق، وخطأ المحكم، ورداءة الإخراج، وعصبية التحكيم وظلمهم، ولم تسمع سوى نشاز في صوت المتسابق الفلاني، وخلل في الطبقات لدى الآخر، وسمعة سيئة لراعي المسابقة!! ...

آراء الناس المختلفة والمتناقضة هي سنة من سنن الحياة يتمايز بها البشر عن بعضهم، ولكن التميز الحقيقي يكمن في إدارتنا لأنفسنا ولما نتأثر به وما نؤثر فيه..

اختبرت نفسي بعد هذا الحشو الكريه، لأعرف مدى تأثري بما قرأت، فأعدت المشاهدة:

وللأمانة لم أستطع أن أستمتع، ولم أستطع إغفال ملاحظات المعلقين على المسابقة، ولم أخرج نفسي من مأزق التأثر بسلبية من حولي..

وماذا بعد؟!

شخصيًا خرجت من هذا الموقف بفوائد:

-        لا تدع الآخرين يحتلون رأسك، رأيك يمثلك، ورأيك إنما هو فرع من تصورك عن الموضوع أو الموقف الذي يمر بك.

-        لا نستطيع عزل أنفسنا عن آراء الآخرين، إلا أننا نستطيع تخطي السلبيين منهم.. من حق المسلم على أخيه أن يقدم له العذر، أن يبرر لموقفه، أن يبحث عن الزاوية المنيرة فيما يطرحه ويعرضه، والمبرر المستتر لما يحدث أمامنا.

-        المستفيد الأول من حسن الظن، هو محسن الظن نفسه.. استمتعت، واستفدت مما شاهدت، وطرت في فضاءات لا متناهية من الجمال والخشوع عندما رأيت بعيني، ووقعت على رأسي من ذاك الارتفاع، وعُدمت كل آثار الجمال عندما رأيت بعين غيري.

-        أن هذا حدث بوعي مني، فكيف بما يحدث لنا من تأثر ونحن لا نعلم!؟ لذا فإنه من الإنصاف أن نعرض أنفسنا لفلاتر واضحة ومحددة قبل أن نحكم على أي شيء، وأن نؤمن بأننا غير مطالبين بالحكم على الأشخاص، نحن نتعامل معهم بما يظهرونه وما نعلمه وما تبقى فهو على ربنا وربهم سبحانه، والحكم على الأمور أحياناً يكون حقًا للمختصين دون غيرهم.

-        إذًا فنحن لا نعيش دور الحكام، فلا تفسد متعة غيرك بإطلاق أحكامك، ولا تجرح غيرك بتصويب انتقاداتك، ولا تشغل نفسك عن نفسك؛ فهي ميدان حكمك وتغييرك وإصلاحك، فلا يعرفها سواك، ولن يبنيها ويطورها غيرك.

                                                                             حرر في/ 18 محرم 1442هـ

Join