متى سيتجاوز الذكاء الاصطناعي الأداء البشري؟


بدأ الذكاء الاصطناعي يغير العالم من حولنا، وهو يفعل ذلك بسرعة فائقة، وما نأمله هو أن تصبح الآلات الذكية قادرة على تنفيذ المهام بكافة أنواعها بشكل أفضل وأقل تكلفة مقارنة بالبشر. وسواء كان ذلك صواباً أم خطأً، فإن الصناعات تسقط الواحدة منها تلو الأخرى في قبضته، على الرغم من أن عدداً قليلاً منها قد استفاد بشكل ملموس حتى الآن.


وهذا ما يطرح سؤالاً مثيراً للاهتمام: متى سيتجاوز الذكاء الاصطناعي الأداء البشري؟ وبصورة أكثر تحديداً، متى ستتمكن الآلات من القيام بعملك أفضل منك؟


وفي هذا الموضوع، قدمت كاتيا جريس (Katja Grace) في عام 2017م دراسة في معهد مستقبل البشرية في جامعة أكسفورد للإجابة على هذا السؤال .. حيث طرحت كاتيا وفريق عملها أسئلة على الخبراء وقاموا باستطلاع آراء كبار الباحثين في العالم في مجال الذكاء الاصطناعي عبر سؤالهم: متى ستتفوق الآلات على البشر باعتقادهم في طيف واسع من المهام؟ وقد كانت العديد من الإجابات مفاجئة إلى حد ما.


إن الخبراء الذين تم اختيارهم من قبل كاتيا وفريق علمها كانوا خبراء من الوسط الأكاديمي وقطاع الذكاء الاصطناعي، وكانوا قد قدموا أوراقاً بحثية في المؤتمر الدولي للتعلم الآلي في يوليو 2015، وفي مؤتمر نظم معالجة المعلومات العصبونية في ديسمبر 2015. وهما اثنان من أهم الأحداث بالنسبة لخبراء الذكاء الاصطناعي، لذلك فمن الجيد أن قائمة الأسماء ضمت العديد من خبراء العالم.

طلبت كاتيا وزملاؤها من الجميع -1,634 منهم- أن يملؤوا استبياناً حول متى سيكون الذكاء الاصطناعي أفضل وأقل تكلفة من البشر في مجموعة متنوعة من المهام. وقد أجاب 352 من هؤلاء الخبراء، لتقوم كاتيا وزملاؤها بعد ذلك بحساب القيم المتوسطة لردودهم.


كما وجدت أن الخبراء قد تنبؤوا بأن الذكاء الاصطناعي سوف يتفوق على البشر في السنوات العشر القادمة (ابتداء من 2016) في مهام مثل ترجمة اللغات (بحلول 2024)، وكتابة المقالات في المرحلة الثانوية (بحلول 2026)، وقيادة الشاحنات (بحلول 2027). ولكن العديد من المهام الأخرى سوف تستغرق وقتاً أطول بكثير حتى تتمكن الآلات من إتقانها. فالذكاء الاصطناعي لن يتفوق على البشر في العمل في مجال البيع بالتجزئة حتى العام 2031، ولن يتمكن من تأليف كتاب يحقق أعلى المبيعات حتى العام 2049، ولن يقدر على العمل كجراح حتى العام 2053.


ويبدو أن دقة التنبؤات التي تنبأ بها الخبراء كانت سيئة للغاية. فقد تنبأوا أن الذكاء الاصطناعي سوف يتفوق على البشر في لعبة جو بحلول العام 2027 تقريباً (وقد تحقق ذلك في 2015 إن كنت تذكر). وفي الواقع، فقد طورت ديب مايند، وهي الشركة الفرعية التابعة لجوجل، ذكاء اصطناعياً قادراً على هزيمة أفضل اللاعبين من البشر، وقد استغرقها ذلك عامين فقط بدلاً من 12 عاماً. ومن السهل الاعتقاد بأن هذا يكذِّب تلك التنبؤات.

ويواصل الخبراء التنبؤ بأن هناك فرصة بنسبة 50% في أن يصبح الذكاء الاصطناعي أفضل من البشر في كل شيء تقريباً في غضون نحو 45 سنة.


هذا التنبؤ من النوع الذي ينبغي تناوله بشيء من الارتياب؛ فالتنبؤ الذي يبلغ أجله 40 عاماً ينبغي أن يقرع أجراس الإنذار على الدوام. ووفقاً لبعض خبراء الطاقة، فإننا سنتمكن من إنتاج الطاقة الاندماجية الفعالة من حيث التكلفة بعد نحو 40 عاماً، ولكنها لطالما كانت كذلك. فقد كان أمام هذا الحلم 40 عاماً لكي تتحقق عندما بدأ الباحثون باستكشاف مفهوم الاندماج لأول المرة قبل أكثر من 50 عاماً. ولكنه بقي حلماً بعيد المنال؛ وذلك لأن التحديات تبيِّن أن الأمر أكثر صعوبة بكثير مما يتصوره أي شخص.


وتمثل الأربعون عاماً رقماً مهماً عندما يُقدم البشر على وضع التنبؤات، ذلك لأنه رقم يعادل مدة الحياة العملية لدى معظم الناس. لذا فإن أي تغيير متوقع سيحدث أبعد من ذلك، يعني أن التغيير سيحدث بعد انقضاء مدة الحياة العملية لجميع الأشخاص القائمين على رأس عملهم اليوم. بمعنى آخر: لا يمكن أن يحدث باستخدام أي من الحلول التكنولوجية التي يمتلك خبراء اليوم خبرة عملية فيها؛ وهذا يشير إلى أنه رقم يجب التعامل معه بحذر.


ولكن إثارة هذه الأرقام أظهرت شيئاً مثيراً للاهتمام. فهذا التنبؤ -الذي تبلغ مدته 45 عاماً- هو متوسط جميع الأرقام التي ذكرها الخبراء. فهل هذا يعني أنه ربما كان هناك مجموعة جزئية من هذه المجموعة أكثر خبرة من الآخرين؟


ولمعرفة ما إذا كانت المجموعات المختلفة قد أجرت تنبؤات مختلفة، بحثت كاتيا وزملاؤها في كيفية تغير هذه التنبؤات مع تغير أعمار الباحثين، ومع عدد المرات التي تم الاقتباس عنهم في المقالات البحثية (أي أنه مؤشر عن خبرتهم)، ومع المنطقة التي نشأ كل واحد منهم فيها.


وتبين لهم أن العمر والخبرة لا يُحدثان فرقاً في التنبؤات، لكن منطقة المنشأ هي التي تحدث الفارق. ففي حين أن باحثي أميركا الشمالية يتوقعون للذكاء الاصطناعي أن يتفوق على البشر في كل شيء خلال 74 عاماً، وجد الفريق أن الباحثين من آسيا يتوقعون حدوث ذلك خلال 30 عاماً فقط.


إنه فارق كبير يصعب تفسيره، وهو يطرح سؤال مثيراً للاهتمام: ما الذي يعرفه الباحثون الآسيويون ولا يعرفه باحثو أميركا الشمالية (أو العكس)؟

Join