رسالة شكر متأخرة
صيف هذ العام ٢٠٢١، حمل موجات لا نهائية من القيظ، اعلنت الأرض تمردها و قررت ان تحتفل بالشمس فوق رؤسنا أكثر من أي وقت مضى، احتفالات الشمس العمودية أزهقت صباحاتنا و مساءاتنا و حرمتنا من النسمات.
و أنا اودع ساحات الثلاثين من عمري، أترقب بوابة الأربعين و أتلمس الخطى بقلق، دخولي عمر الأربعينات يخيفني كثيرا، الآن اقول أني كبرت، لا توجد أي شعرة بيضاء في مفرق رأسي، العمر مجرد رقم؟! هذا الكليشيه ينهزم أمامي، الرقم أربعون يوترني و يعلنها صريحة بلا هوادة كبرت، نضجت، و سألجأ للحيلة التي نعشقها كل النساء، “أبدو اصغر بكثير من عمري الحقيقي..”
اصبحت لا أطيق النقاش و الجدال، اشتري لأطفالي الكميات التي يرغبونها من الأيسكريم و المثلجات، حرارة الجو تنهي أي رغبة لدي للتنظير و توضيح أن الإكثار من الأيسكريم سيضرهم في نهاية اليوم.
أتذكر والدي، رحمه الله، و أتذكر حصص الايسكريم اللا نهائية التي ابتاعها لنا أنا واخوتي من مراكز التسوق و مدن الملاهي و العربات المتنقلة، كنت أشكره بحرارة في كل مرة يمد يده إلي بكوز من الايسكريم الناصع. كان يناقشنا و يسعى لتأديبنا في كل مرة نطلب منه شراء الشوكولاتة و غيرها من المفرحات السكرية المطاطة، لكن هذا الدور يتجمد مؤقتا حينما نطلب البوظة، كان يبتاع لنا ما نشاء ثم يختار لنفسه النكهة التي يفضلها و يجلس بمعيتنا مغلقا الدائرة أو منهيا الصف. كان يتفنن لأخذنا إلى محلات المثلجات التي تفتتح فروعا في الرياض، كنا أول من زار فرع ديري كوين و أخذنا نكرر الزيارة اسبوعيا حتى تذوقنا كل الأصناف الموجودة في القائمة. كنا نتناقش حول أفضل نوع و أفضل نكهة من الصوصات الموجودة، النقاش المستعر كان حول إذا ما كان من المحبذ أن نضيف الصلصات المختلفة أو نكتفي بتذوق الأيسكريم بنكهته الأصلية؟
أريد أن أشكر أبي بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على مفارقته الدنيا
أريد أن أشكره و أنا أعبر بوابة الأربعين بجزع..
أريد أن أشكره و بمعيتي أطفالي الثلاثة..
شكرا أبي على كل نكهات الأيسكريم التي سمحت لي بتذوقها، شكرا على ذكريات كالنسمات الباردة خلقتها لنا أنا و أخوتي في أيام الصيف شديدة الحرارة
شكرا انك لم تمت إلا بعد أن عبرت ساحات الأربعين التي لم تعمر فيها طويلا..