العادات السبع للناس الأكثر فعالية
لي صديق كان يمر بفترة انتقالية بين عمله السابق وعمله الجديد، هذه المرحلة التي كان يمر بها كانت مرحلة مراجعة للنفس عن مناسبة وجوده في عمله السابق، ورغم كل الكفاح الذي بذله في ذلك العمل، وكل النتائج العظيمة التي حققها والعلاقات التي استفادها، إلا أنه كان يسأل نفسه: هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء؟ في عمله الجديد الذي انتقل له شعر أنه الآن وصل لمكانه المناسب الذي ينبغي أن يكون فيه، ورأى حياة العمل الحقيقية التي يكون راضيا عنها تماما وسعيدا.
حدثني صديقي هذا عن كتابين قرأهما في تلك الفترة الانتقالية وكان الكتابان مهمين وذي أثرين عليه حسبما يقول، ولأنني أؤمن أن الإنسان في المراحل الانتقالية من حياته يكون يقض الذهن، يقرأ من النصوص ومن معاني الحياة ما لا نقرأه، ولما أعرفه من الوعي والمعرفة والذكاء لدى صديقي هذا، عرفت أنه من الضروري أن أقتنيه، لذا قررت أن أشتري هذين الكتابين الذين قرأهما ونصحني بهما، وكان أحدهما: كتاب “العادات السبع للناس الأكثر فعالية” لـــ ستيفن آر. كوفي.
ذهبت للمكتبة واقتنيت الكتاب، ولا أخفيكم أني كنت أحتاج هذا النوع من الكتب، وكنت أثناء قراءته أدون الفقرات المهمة، وأحيانا أكتب من وحي ما استفدته من الكتاب، لا بالضرورة أن أن أتقيد بمخرجات الكتاب الحرفية. وربما شاركت بعضاً من تلك الكتابات مع الأصداقاء أو في منصة “تويتر”.
وعلى كل حال، ولأني أؤمن أن هذا الكتاب يتضمن لفتات مهمة، إذا أخذها الإنسان بجدية وعمل بها فإنه سيتغير وسيكون أكثر فاعلية في حياته، فسؤحاول باختصار تضمين هذه العادات في هذه المقالة وقد يمتزج معها شيء من الخاطر مما لم يذكره المؤلف.
العادة الأولى:
كانت العادة الأولى تتحدث عن رؤيتك الشخصية لنفسك ولحياتك، والتي تتطلب (المبادرة لتشكيلها) أو سيشكلها الغير.
صحيح أن بعض الأمور الخُلقية متوارثة، وأن كثير منا هو نتاج التربية وتجارب الطفولة، والواقع المحيط، وأن هذا ما يُشكّل أو يقود مستقبل كثير من الناس. إلا أن قوة الإنسان تكمن في الاختيار، أي في ألا تكون أفعالنا هي مجرد ردات فعل للمؤثرات الماضية والحالية. وإذا كانت كذلك فهذا يعني ضعف بالإرادة، وكما جاء في الحديث: "إنما الشديد الذي يملك نفسه عنده الغضب" لأن الغضب ردت فعل لا قرار. والأصل أن الإنسان يفعل بنفسه، لا ينتظر الظروف ليشكل ردت فعله، والإنسان الذي نتاجه محصور على ردات الفعل، فإن نتاجه سيكون محدود بالظروف التي قد تساعده وقد لا تساعده أحيانا، فضلاً عن كونها ردات فعل سلبية أحيانا. تطوير الإنسان نفسه سواء على مستوى الأخلاقيات أو المهارات تكون بأخذ زمام المبادرة، لا بانتظار الظروف لتشكّلنا أو تعيد تشكيلنا. الظروف مجرد أمور تساعدنا، أو تكون عقبات نواجهها ونتحداها، يجب ألا تتجاوز هذين الأمرين.
باختصار:
هناك مثير بحياتنا، وهناك استجابة من قبلنا، قبل أن تستجيب لهذا المثير لديك مرحلة (اختيار)، فلا تجعل الاختيار هنا مرهون بتجارب الطفولة والتربية ومنظور المجتمع وظروفك الحالية، بل عليك أن تعتاد على أن تبادر بتشكيل الاستجابة وفقا لما تراه وتريده أنت لا غيرك!
أنت جائع (مثير) ستكون (استجابتك) هي الأكل، لكن عادات الطفولة ربما، والمحيط لك من دعايات إعلانية لألذ الأطعمة، وأسرة، وأصدقاء، قد يجعلك تتناول أكلا ضارا! بينما أنت تؤمن أن عليك أن تتناول طعاما صحيا، انظر كيف كيف كانت (استجابتك) رهينة لا للمبدأ، بل لأمور أخرى!
العادة الثانية:
تدور العادة الثانية على القيادة الشخصية لنفسك، فبعد أن تقرر العمل بعادة المبادرة، فكيف ستقرر كقائد لشخصيتك خياراتك؟
إذا قلنا إن قوة الإنسان تكمن في قدرته على الاختيار، وفي تحديد مساره لا الاستجابة التلقائية للمثيرات، وأن قوته هي في تخلّصه من أن ترسم الظروف والناس حياته، فإن هذه القوة بحاجة لدرجة عالية من الوعي لتمييز الإرادة الناشئة عن المبادئ، وتلك الناشئة عن الظروف والعادة والنص الذي رسمه لنا الآخرون. أنت مسؤول بشكل أساسي عن قيادة نفسك، باستخدام وعيك، وخيالك، وإبداعك لرسم اتجاهاتك المبنية فيما يُفترض على المبادئ، وليست المبنية على الآخرين أو الأشياء. فمتى كانت حياتك تتمحور لا على المبدأ، بل على الآخرين كصديق أو أسرة أو زوج، أو على الأشياء كالمال، أو الجاه، أو المنصب، فإن قوتك، وأمانك، وحكمتك المستمدة، وتوجهاتك ستتأثر سلبيا بالتقلبات التي تصاحب تلك الأشياء.
أنت بحاجة للوعي وفهم كيف تفكر وطريقة عمل الدماغ، أنت تحتاج وعي عالي بالمؤثرات عليك سواء المؤثرات الداخلية أو الخارجية، وأن تكون يقضا ومنتبها لها.
فإذا كانت العادة الأولى تقول أنت المبرمج لحياتك فإن العادة الثانية تقول: اكتب برنامج حياتك وفقا للمبادئ.
باختصار:
ستحتاج تنمية الوعي والمعرفة لديك، وأن تتأمّل اختياراتك، هل كانت بناء على مبادئك؟ أم أنها اختيار لا واعي يتمحور حول المال أو الأسرة أو الصديق أو تربية المجتمع، أو الظروف؟ عليك أن تتصرف كقائد هنا!
العادة الثالثة:
تدور العادة الثالثة حول (الإدارة الشخصية) ومن ذلك أن تضع (الأهم) قبل المهم)
اسأل نفسك: ما الشيء الذي يمكنك أن تعمله (ولا تفعله الآن) والذي إذا انتظمت في فعله سيحدث فرقاً هائلا وإيجابيا في حياتك الشخصية؟
إذا كانت العادة الأولى تقول بأننا المسؤولون عن تغيير نصوص حياتنا، وتقول العادة الثانية بأنه علينا أن نحدد ما هي نصوص حياتنا، فإن العادة الثالثة تقول: طبق النصوص التي وضعتها!
وهذا أمر يحتاج لإدارة لحياتك الشخصية بشكل قوي. فإن كانت القيادة هي التي تقرر الأشياء، فإن الإدارة هي التي تضع الأولويات، وتقوم بتطبيقها بانضباط، وفاعلية في إدارة الوقت ابتداء من تحديد الأوليات.
صحيح أن ذلك لن يكون سهلاً في خضم هذه الحياة التي تتضمن الكثير من الأمور المغرية، وأحيانا العاجلة الملحة، والتي قد لا تكون مهمة، وتؤثر على مسار تنفيذنا ومداومتنا على الأمور المهمة التي تصنع الفرق! إذ من المؤسف جدا أن كثيرا من الأمور العاجلة تتحكم فينا على حساب الأمور الهامة في حياتنا، لكون العاجلة تكون مرئية واضحة، تلح أن نقوم بها، لكنها في الغالب غير مهمة، بل وتجعل الأمور العاجلة حياتنا مجرد ردات فعل، غير مبنية على معيار الأهمية، فمتى ما انتقلت حياتنا بين الأشياء العاجلة فقدنا السيطرة على إدارتنا لوقتنا.
يوضح المؤلف: أننا في حياتنا لن نتمكن من قول (نعم) للأمور المهمة إلا إذا قلنا (لا) للأمور غير المهمة، ولكي نتمكن من قول: (لا) يحتاج أن تكون الأمور المهمة مشتعلة متأججة في نفوسنا، فحقيقة عدم قدرتنا على الالتزام بالأمور المهمة هو كونها لم تغرس في عمق القلب والعقل. هل تتذكر مثال الأكل الصحي المذكور أعلاه؟ ربما تحتاج لكي تقوم بتنميته في قلبك وعقلك أن تقرأ عنه وعن الآثار السلبية بشكل معمق ومتكرر بنية أن تحيي ذلك في قلبك، فأنت في معركة بين المبدأ وغير المبدأ، وتلقوية المبدأ في نفسك ستحتاج الكثير، فنحن لا نبالغ إذا قلنا أن بعض الأمور في حياتنا هي معارك، معارك بين الدعايات الإعلانية وعادات الناس المحيطين بنا وغير ذلك، وبين مبادئنا.
لنعيد السؤال: ما الشيء الذي يمكنك أن تعمله (ولا تفعله الآن) والذي إذا انتظمت في فعله سيحدث فرقاً هائلا وإيجابيا في حياتك الشخصية؟
إذا استطعت أن تجيب: فهذا الأمر هو ما يحتاج أن تتمسك قائلا (لا) لكل ما يشغلك عنه، مطبقا بذلك العادة الأولى والثانية والثالثة.
العادة الرابعة:
بعد أن تكلم المؤلف عن العادات الداخلية بالنفس، انتقل ليتحدث عن عادات تتعلق بالتعامل مع المحيط، فالعادة هنا هي كيف تحقق في تعاملاتك الاجتماعية مع الناس المكسب للجميع، لك ولغير.
يحث المؤلف على أن يقوم الشخص بتدريب نفسه على المنفعة المتبادلة مع الأشخاص، فجميعنا نكسب، لا يوجد هناك شخص خاسر بيننا، حتى في العلاقات التجارية ونحوها. مبدأ المكسب/المكسب الذي يحث المؤلف عليه، لا يرى أنه مجرد أسلوب، بل فلسفة كاملة للتفاعل البشري.
يرى المؤلف أن لهذه العادة أبعاد عدة، ومنها البعد الشخصي، إذ يرى أن القيام مبدأ (المكسب/ المكسب) يتطلب شجاعة منا لنكسب، ويتطلب كذلك شعور وإحساس بالآخرين لنجعلهم يكسبون هم أيضا! كما يتطلب هذا البعد أن نؤمن بالوفرة لا الندرة، فهناك وفرة تكفي الجميع لكي يكسبوا! ومن الأبعاد بُعد العلاقة مع الآخرين، والذي يتطلب منها بناء الثقة معهم، وبناء بنك للأحاسيس معهم يجعلهم يتسامحون معنا.
العادة الخامسة:
من العادات مع الغير، أن تسع إلى فهم الآخرين أولا، ثم أن تسعى إلى أن يفهموك.
العادة السادسة:
من العادات مع الغير أن تحيي بمدئ التعاون الخلاق مع الآخرين، وأن تتكاتف معهم.
يوضح المؤلف أن التكاتف ببساطة يعني أن الكل أعظم من مجموع الأجزاء. ويقوم التكاتف على اعتبارات عدة منها تقدير قيمة الاختلاف، إذ أن الفروق الذهنية والعاطفية والنفسية هي التي تعطي قيمة للتكاتف. إذا كان الشخص الآخر مماثل لك فقد لا يكون هناك حاجة للتكاتف، ولكن دائما ما يكون هناك اختلاف وفروق يمكن الاستفادة منها من خلال التكاتف.
لتحقيق التكاتف لابد أن نأخذ بالاعتبار العلاقة مع الآخرين، فكلما كان الارتباط صادقا كان التكاتف فاعلا.
العادة السابعة: (الأخيرة)
سماها المؤلف بـ”اشحذ المنشار” (مبادئ التجديد الذاتي المتوازن)
هذه العادة التي ختم بها المؤلف العادات هي من أهم العادات، والسبب هو أنها تجعل العادات الأخرى تعمل وتكون ممكنة! هي بمثابة القدرة الشخصية على الإنتاج، والقدرة على العمل بجميع العادات بفاعلية.
يستفتح المؤلف هذه العادة بأن يطلبك منك أن تتخيل أنك في غابة ومررت بشخص يعمل بكد من أجل قطع شجرة، فتسأله: (ماذا تفعل؟) فيقول: (ألا ترى؟ إنني أحاول قطع الشجرة) فتضحك متعجباً وتسأله: (ولكنك تبدو منهكاً، منذ متى وأنت تعمل)؟! فيجيب: (منذ أكثر من خمس ساعات، وقد تعبت للغاية، فهذا عمل شاق). فتستفسر منه: (لماذا لا تأخذ استراحة لمدة خمسة دقائق وتشحذ المنشار؟ لأنه لو شحذته ستنجز العمل بشكل أسرع) فيقول الرجل: (ليس لدي وقت لشحذ المنشار، فأنا منشغل بالقطع)!
من الواضح أن المؤلف يشير إلى أن انهماكك بتحقيق أهدافك دون مراعاة حاجاتك الأساسية سيجعلك غير قادرا أو ضعيفا في تنفيذها، مشيرا إلى أن هناك أربعة أبعاد: البعد البدني ويتمثل بنوع الغذاء والراحة والرياضة، والبعد الروحي، والبعد العقلي، والبعد الاجتماعي العاطفي.
في نهاية العادات،
يحكي المؤلف قصة مختصرة تنطوي على جوهر هذا الكتاب، وقد تكون هي السبب وراء تأليفه، إذ يحكي أنه قبل سنوات من تأليف الكتاب أخذ عطلة مع أسرته للتفرغ للكتابة، وفي إحدى المكتبات وجد كتاباً يجذب انتباهه، وعندما فتحه وقعت عيناه على فقرة واحدة كان لها أكبر الأثر في حياته. وأخذ يقرأ الفقرة عدة مرات، كانت هذه الفقرة تتضمن فكرة بسيطة للغاية مفادها: أن هناك فجوة أو مساحة بين المثير والاستجابة، ومفتاح نمونا وسعادتنا يكمن في استغلال هذه المساحة! (الفجوة بين المثير والاستجابة!)
أخيراً:
بينما ترى مجموعة من البشر يعيشون بين الثلوج في الأجزاء الشمالية من الأرض، تجد مجموعة أخرى تعيش في قلب الصحراء مع شدة الحر، ومع أن كل منهم بشر إلا أنهم يعيشون طريقة حياة وعادات مختلفة تماماً، بما في ذلك الطعام واللباس. وقد تسمع أن حياة الأجداد وسلوكياتهم مختلفة تماماً، ولو عدت لما دوّن من قصص القدماء وجدت ذلك واضحاً. وربما لن تجد أولئك يشعرون بالتعب والمشقة التي تتخيلها حينما تسمع عن صعوبات الحياة في قديم الزمان، أو في بعض البقع في هذه الأرض! لماذا؟ لأنهم متأقلمين، ويرون هذا أمر حتمي.
يمكن أن نستنتج من ذلك ثلاثة أمور: الأول/ أن الظروف والبيئة ترسم لك مسار وعادات بالحياة بدون شعورك. الثاني/ أن الإنسان خلق الله له قدرات عالية للتكيف والتعايش مع بيئات متناقضة ومختلفة تماماً. الثالث: أنك قد تظن نفسك غير قادر على العيش في حياة معينة، ولكن هذا غير صحيح، فإن الظروف فقط هي من جعلتك تظن ذلك.
أهمية هذه الاستنتاجات تكمن فيما يلي: ١/ أن الله وهبك قدرة عالية جدا جدا للقيام بأمور مختلفة تماماً، وأحيانا لن تدرك وتتنبه بقدرتك هذه في حالة لم تتعرض للظروف التي تظهر لك هذه القوة والتعايش الذي تمتلكه؛ لذلك عليك السعي والعمل وتحقيق ما تظن أنك غير قادر على تحقيقه. ومن ذلك: [٢] أن أهمية وضع نفسك في محيط مُعين، لا يُعَدّ كلاماً مثالياً. وأن مكابرتك بقدرتك لوحدك على صنع المستحيل غالباً قلة وعي بأثر المحيط. المحيط المعين مجتمع، أصدقاء، أهل، كتب، محتوى مسموع ومرئي، وغيره، كل ذلك محيط مؤثر على المدى البعيد في دينك وسلوكك وصحتك، وأخلاقك، وعاداتك، ومبادئك، وتصوراتك. ومن يلقي نظرة بسيطة لعشرين سنة مضت سيتضح له ذلك كيف يكون.
لذلك: الوعي/القدرة/الخيال/المبادئ، الإرادة ستساعدك لاختيار مسارك الصحيح للعيش فيه، فلا تكن أسير البيئة والعادات والمجتمع، هذا على مستواك الديني، والصحي، والأخلاقي، والعقلي.