محمية هورنستراندر
عن هورنستراندر
محمية هورنستراندر هي محمية ضخمة شمال غرب آيسلندا، يعرف عنها وجود فصيلة نادرة من الثعالب تسمى الثعالب القطبية.
رغم أن المحمية شبه جزيرة متصلة بآيسلندا، إلا أنها أشبه بجزيرة معزولة كون الطريق الوحيد لها عن طريق البحر، وانعدام شبكة الجوال فيها. في هذه "الجزيرة" عدد قليل من المباني المتمركزة حول المرسى. هذه المباني بنيت عندما كانت هذه الجزيرة مسكنًا دائمًا، وأصبحت تستخدم الآن كمنازل صيفية للبعض.
بعيدًا عن المرسى، تكاد لا ترى أثرًا للإنسان، فتظن أن الأرض غير ملموسة، فلا يوجد "مسار" محدد للمشي والتسلق، ولا لوحات إرشادية.
طريقنا
وصلنا أنا وخالد حوالي الساعة السادسة مساءً ونيتنا كانت استكشاف المنطقة حول مرسى الوصول (رقم 1 في الخريطة أعلاه)، ثم قطع الجزيرة باتجاه المرسى الآخر (رقم 3) الذي سنعود منه في صباح اليوم التالي، لكن قررنا الانطلاق مباشرة بعد نصيحة سيدة آيسلندية بحجّة أن الطقس سيزداد سوءًا غدًا.
نبرة السيدة كانت كافية لإخافتنا، فوصلنا وانطلقنا مباشرة.
كانت البداية جميلة، فرغم عدم وجود مسار واضح وسهل، كان الطريق مستويًا الى حدٍّ ما.
وصلنا بعد نصف ساعة إلى نهرٍ لا يوجد ممر عبور فوقه، فقررنا المشي عكس التيار بحثًا عن منطقة ضحلة لنقطع منها النهر مع تجنّب تبلل أحذيتنا.
واجهنا بعد النهر تل حاد الارتفاع مليء بالأعشاب الطويلة اللتي تصعّب المشي، والذي جعل الموضوع أصعب هو حملنا لحقائب ثقيلة محمّلة بمعدات التخييم والطبخ،انتقلنا من التل إلى منطقة صخرية حادّة الارتفاع تحتاج إلى التشبّث بأطرافك الأربع لصعودها.
صعدنا الجبل أخيرًا، وأكملنا المشي على سطحه المطل على منظرٍ ساحر ، والمليء ببرك المياة العذبة.
توقّفنا بعد فترة للراحة، وبدأنا بتجهيز الشاي -الذي تطلّب صبرًا كثيرًا في انتظار الماء ليغلي- ليساعد على التدفئة قليلًا .
كان واضحًا جدًا أن الجزء الأصعب من المسار قد انتهى، وان الباقي -رغم طوله- إلّا أنه مسار سهل نسبيًا، فأكملنا مسيرنا إلى بعد غروب الشمس (مع انها لا تغرب بشكل كامل فعليًا).
واجهنا في طريقنا عدة ثعالب قطبية، لم تعترضنا ولم تسبب مشاكل، وإنما كانت تلحقنا من بعيد وتصدر صوتها العجيب.
بعد ثمانية ساعات، وصلنا أخيرًا إلى منطقة التخييم في الثانية بعد منتصف الليل، وملابسنا متبللة من المطر - حسافة مشوار النهر- والتعب يغشى أجسادنا تمامًا، نصبنا الخيمة والرياح الباردة تكاد تخلعها وتحملنا معها. لكن إجهاد أجسادنا كان أقوى، فخلدنا إلى النوم، لا ندري مالذي سنفعله غدًا.
اليوم الثاني:
لم نستطع النوم جيدًا بسبب شدة البرد والرياح والمطر، وفي صباح اليوم الثاني، كان الطقس صعبًا جدًا للخروج في جولة في الجبال، فذهبنا الساعة الثامنة صباحًا للاحتماء في مقهًا صغير يخدم بشكل رئيسي سياح ال"كروز" اللذين يزورون المحمية لمدة ساعة ويعودون.
عن المقهى
اسمه "منزل الطبيب القديم" لأنه كان يسكن فيه طبيب القرية عندما كانت مسكونة بشكل دائم.
يسكن في المقهى ثلاثة أشخاص خرولفر، ميرا، أديلّا، خرولفر هو صاحب المقهى، باعه "الطبيب القديم" لأمه ، وورثه هو منها.
أديلّا فتاة بلجيكية، تعمل في المقهى منذ شهرين كطاهية وتساعد في أعمال المنزل.
ميرا فتاة ألمانية، وصلت قبل بضعة أسابيع، متفرغة للرسم أغلب الوقت، وتساعد في أوقات الحاجة.
بسبب عدم وجود تمديد كهرباء في الجزيرة، ركّب صاحب المقهى مولّدات كهربائية في النهر المجاور لتوليد كهرباء للمقهى، بدلًا من نقل الوقود لتشغيل مولّد كهربائي كيميائي. وفّر صاحب المقهى ثلاث غرف للإيجار في الدور الثاني، للسياح والمصورين الذين يرغبون في استكشاف الجزيرة أكثر.
أكرمنا صاحب المقهى بقهوة مجانية كوننا أول سعوديين يقابلهم، ودلنا على مبنى لنحتمي فيه من البرد والمطر حتى وقت رحلة العودة في السادسة مساءً.
وصلنا الى المبنى الذي كان مدرسة قديمة، وإذا برجل بلجيكي (لوك) يستقبلنا بملابسه الداخلية ! اعتذر انه ينتظر ملابسه لتجفّ، ظننا في البداية أنه صاحب المنزل واننا في المكان الخطأ، لكن اتّضح أنه في حالة مشابهة لحالتنا، كان ينوي تسلق الجبال المجاورة، لكن سوء الطقس منعه من ذلك، وليس لديه خيار إلا التسكّع حتى وقت الرحلة.
دخلنا وتركنا أمتعتنا وبعض ملابسنا بالقرب من السخّان لتجفّ، وإذا برجل كبير بالسن (جيمز) يدخل المنزل علينا نحن والبلجيكي، وظنّ الآخر - كما ظننا نحن- أن هذا الشيخ هو صاحب المنزل، لكن أتّضح أنه كحالنا تمامًا.
جلسنا نحن الخمسة -جيمز ورفيقته أنجيلي، أنا وخالد، ولوك- نتبادل أطراف الحديث حول تجربتنا في هذه المحمية، ثم انتقلنا للحديث عن قارب السياح الذي سيصل الساعة التاسعة ويعود في العاشرة وعن إمكانية العودة معهم بدل الانتظار تسع ساعات حتى موعدنا الأصلي.
وصل القارب المحمّل بالسياح، فذهبت أنا وأنجيلي للتحدث مع أحد المرشدين عن إمكانية العودة معهم، ولكن حتى بعد المحاولة من عدة جهات ومن نقاش "المرشد للمرشد" كونها كانت تعمل مرشدة سياحية في القطب الشمالي، لم يسمحوا لنا بالركوب لامتلاء القارب تمامًا.
كونه لم يبقى لنا خيار سوى الإنتظار، عدنا للمبنى وبدأنا نتحدث في عدة مواضيع، اقتصادية وسياسية واجتماعية وسياحية وغيرها. قام جيمز بعد مدة بتقديم بسكوت، وشاركنا بعض المؤن المحفوظة عندنا.
*تعليق جانبي، منذ بداية الرحلة حيث نقلنا على قارب مطاطي الى الجزيرة، ومن شكل الجزيرة والمنازل والطبيعة، وجلوسنا ومشاركة المؤونة مع غرباء يجمعنا هدف الخروج من هذا المكان في أسرع وقت، وأنا أشعر أنني جزء من رواية "ثم لم يبق أحد" لأجاثا كرستي
بعد ذهاب السياح عدنا إلى المقهى لوجبة أكبر وألذ، فقدّم لنا صاحب المقهى "بانكيك" وقهوة، ثم احضرنا خبزًا ومعلّبات لنتشارك المزيد. بعد الأكل ، عدت انا وخالد للمدرسة للصلاة والراحة، وبقي جيمز ولوك وأنجيلي في المقهى.
بعد حصة تعويض نوم جيّدة في مبنى المدرسة، عدت للمقهى لقضاء آخر ساعاتي في هذا المكان مع صاحب المقهى اللطيف، وشكره على كرمه.
عدنا للجزيرة الرئيسية، وحجزنا غرفة في فندق لننام فيها في هدوء ودفئ وراحة.
*لم أكن أصوّر بنية النشر، فلم أصور مقاطع كثيرة، لكن على أية حال، هنا تجميع لها: