لم تختف الكعكة!
بالأمس فقط كانت عند والدتها تجاذبها أطراف الحديث بينما تحضّر خادمتها كعكة السَّمر.
سمعت كل الآذانِ القريبة صوت الحب في الكلمات، ورنين جرس السعد الذي لم يهدأ.
هي دائما هكذا لا تحظى بالفرحة إلا حين تقابل والدتها..
تشتم رائحتها وتعانق ودها، وتستأنس بصحبتها.
إن أطالت مدة البعد فلن تمكث أكثر من أسبوع بقوة احتمال لا تسعها..
تظل تتعارك مع مهامها حتى تنجزها وتركض لبيت الرحمة والعطف، وللشوق الذي ينتظرها.
دوما ما يتكرر السيناريو..
استئناس الأم والابنة، وكعكة العصرية.
ابتسمت ذات مرة وهي تجلب الكعك لكلتيهما وتمنت في ذاتها أمنية ومضت.
لم تتصور الفتاة أنها دون سابق إنذار ستحبس هي وخادمتها في المنزل خلف قضبان سميكة تمنعهما من الذهاب لمنزل حُبها.
عادت الأحذية للمنازل واختفت الزيارة، ولكن لم تختف الكعكة!
استبدلت الفتاة الزيارات بمكالمات مرئية..
_ مرحبا ماما...
_..
هاهي تراها من خلف الشاشة، ترمق ابتسامتها الحزينة وينزف قلبها أكثر.
شاشة!
كيف أصبحت الزيارة عبر الشاشة، وكيف توقفت الحياة فجأة دون أن تتلطف معنا؟
تساءلت كثيرا مع نفسها حتى أُنسيت تناول الكعكة التي طلبت إعدادها في سبيل محاولات تلطيف الجو وصنع ذات الذكريات مع والدتها .
لم تكن قد ابتعدت عنها سوى يومان أو ثلاثة.
ما لا يتجاوز عن اثنان وسبعون ساعة لا أكثر!
يومها أهمّها أمرٌ آخر فذهبت تبحث باهتمام شديد عن خادمتها، ولمّا وجدتها تعمل بصمت كعادتها في المطبخ وجهت سؤالها الذي لم تنتبه له يوما..
كم لك مذ قدمتِ إلى هنا وتركت والدتك؟
حين أرادت أن تفتح شفاهها لتجيب انطبقت على حديث مقلتيها.
على الدمع المغترب الذي نسي مايسمى بالوطن والألفة والعزة.
على الحب والكلم العذب.
على الأهل والأصحاب...
.... * * *
في خضّم هذه الأحداث لو تأملنا كم اشتقنا لمن نحب وكم بعث فينا شعور الشاشات ألم البعد.
قد نعاود التفكير بلطف ونعيد أفلام السينما الباهتة لنتذكر تصرفات كثيرة مرت دون أن نهتم، أو فعلناها دون أن نلقي لها بالا.
أيام وشهور تعد باليد هي كل فراقنا الذي عشناه في أزمة كورونا، لكن هل فكرنا كم عدد السنين الضوئية التي اغترب فيها كل هؤلاء الذين قد تُنسى مشاعرهم؟
خواطرهم محطمة وقلوبهم ملتاعةٌ مشتاقة، فرفقًا بهم..
لنمدهم بلطفٍ وجبرٍ يعيد النبض إلى ذواتهم..
يبعث فيهم الأوكسجين لإكمال الحياة بـ حياة!
ودمتم لأحبتكم🌷