-كيف أتعامل مع مَن لديهم مشاكل نفسية؟
ملحوظة مهمة:
*هذه التدوينة مهمة لكل شخص لا يُجيد التعامل مع الاختلاف.. اقرأها بتمعّن.
دائماً أُلاحظ أن بعض الناس لا يتقبّلون الاختلاف ولا يعرفون كيفية التعامل مع أي شخص مُختلف عنهم ولهذا أكتب التدوينة الآن، خاصةً لأني رأيت هذا التصرف مُنتشر بكثرة في الآونة الأخيرة ولطالما كان لهذا التصرف وقع سيء علي وأتمنى لو بإمكاني نشر الوعي حول هذا الموضوع بكافة أشكاله.. لكن تدوينتي هذه ليست عن الموضوع بشكل عام بل عن عدم تقبّل تصرفات من لديهم مشاكل نفسية.
أتفهّم عدم معرفة البعض بمعاناة الآخرين لكن هذا لا يعطيك الحق في إصدار الأحكام عليهم، ما دامت حياة الأشخاص ليست ظاهرة لك ولا تعرف عنهم الكثير إذن لا حق لك في الحكم أو التحدث بشأن تصرفاتهم (بحال لم يتجاوزا الحد معك)
أعتقد أن الجميع يعرفون ما هي المشاكل النفسية نظراً للتحدث عنها بكثرة في الفترة الأخيرة، فالعديد من صنّاع المحتوى يتناولون هذا الموضوع في برامجهم وكتاباتهم، وهذا الانتشار يدل على أهمية الموضوع وأهمية نشر الوعي اتجاهه، وأصبح من اللازم أن يؤخذ على محمل الجد بسبب تأثيره وما قد يؤدي إليه.
والمشاكل النفسية قد تكون اضطرابات، أو نوبات تؤثر على السلوك والتفكير والمزاج العام للشخص، وقد تصل لفقدان الشهية أو الشراهة مما يسبب مشاكل جسدية أيضاً، ويأتي من ضمن المشاكل النفسية -الاكتئاب- وكما نعرف له مراحل وحالات بعضها خفيف وآخر حاد.
جميعها تؤثر بشكل أو بآخر على من يعاني منها، صحيح أن التأثير متفاوت بين الأشخاص لكن بجميع الأحوال يجب مراعاتهم حتى لو كانت معاناتهم غير ظاهرة، فسوء المعاملة قد يزيد المشكلة سوءاً.
لنتحدث أولاً عن السؤال الذي من الممكن أن يُراودك: كيف أعرف أن الشخص لديه مشاكل نفسية؟
سأتحدث عن الموضوع ببساطة لكيلا يتعقّد الأمر لديك.. لنفترض أن لديك صديق، زميل، أو مجرد شخص تراه في المدرسة أو الجامعة أو العمل
في بعض الأحيان إن دار بينكم حديث ستُلاحظ انزعاجه من بعض الكلمات (العادية) أو سيفهم بعض أسئلتك على أنها تهجّم وتدخل في حياته بالرغم من أن الأسئلة لم تكن خاطئة (وعليك أن تتأكد من ذلك) سترى الخوف والقلق المتكرر في أحاديثه وتصرفاته، تقلباته المزاجية الحادة بكثرة وبغير سبب، عند القيام بعملٍ ما ستُلاحظ أنه يواجه صعوبة حتى عند أبسط الأشياء ويتوتّر ويشعر بأن عمله ناقص بالرغم من كونه أتمه على أكمل وجه، أيضاً سترى عدم ثقته بنفسه وتشكيكه المستمر في ذاته، عندما يتحدث عن علاقاته ستكون جميعها أو أغلبها غير مستقرة وغير واضحة، ترى كم يبذل من الجهد للحفاظ على الأشخاص حتى عند أذيتهم له.. وغيرها العديد من المواقف.
*هل تشعر أن هذه الأشياء طبيعية؟ هل لاحظت الفرق بين تصرفاتكم؟
*هل تتذكر الآن كم مرة تحدث معك عن توتره وقلقه وكنت ترد ببرود تام
(دعك من تكبير المواضيع، الأمر عادي، افعله ببساطة)
*هل حقاً ترى أن هذا الرد هو المناسب لشخص شاركك قلقه ومخاوفه؟ حتى إن كان لا يعاني من أي مشاكل نفسية الرد خاطئ جداً.
سننتقل الآن لنقطة أخرى تمثّل سؤال آخر.. لما علي أن أتفهّم وأتقبّل شخص كهذا؟
بكل بساطة لأنه يجب عليك أن تتقبّل اختلاف الأشخاص بجميع أشكاله (بحال كان لا يُخالف الدين، ولا يسبب ضرر لأي شخص) مثلاً: اختلاف شخصيات، أشكال، بيئات العيش والعمل، العادات والتربية..
هُنا أنت مُجبر على التفهّم والتقبّل ولا يحق لك إصدار أي حكم على الشخص بسبب هذه الاختلافات، لا يمكنك أن تقول له أي تعليق سيء يشعره بالخجل والنقص، لا يمكنك أن تنشر شائعات عنه فقط لاختلافه عنك وعن مجموعة أشخاص، بأي شكل أنت لست مسؤول عن تقييمه وتقييم حياته وسلوكه.
كيف يمكنني مساعدتهم؟
الأمر المهم هو أنه يجب أن تدرك حقيقة أن العالم ليس نسخ مكررة منك لذا ستختلف طريقة المعاملة مع الأشخاص، بمعنى:
إن كنت تشعر بأن الأمر عادي فكّر بأن هناك أشخاص يرونه كبير، إن كنت تقول ببساطة! فهناك من يراه صعب، إن كنت لا تعاني من أي مشاكل نفسية فهذا لا يعني أن الجميع كذلك.. تذكّر -العالم لا يدور حولك فقك-
بحال شعرت برغبة لمساعدة من لديهم مشاكل نفسية فعليك أولاً أن تتقبّلهم وتتفهّم مشاعرهم، فهُنا الاحتواء له دور كبير في تحسين شعورهم؛ لأن عند إحساسهم بأنهم مفهومين ولو قليلاً سيخفّف ذلك عنهم عبء المشاعر الأخرى كالتوتّر والخوف، بالإضافة لكونهم يحتاجون مثل هذه المساعدة في هذه الأوقات (أي عندما يشتد عليهم القلق، عدم الثقة، الحزن) حاول قدر المستطاع أن تنظر للأمور من وجهة نظر مُختلفة حتى يساعدك ذلك في تفهمهم أكثر.
ما التأثير الناتج عن معاملتهم بطريقة سيئة؟
للأسف أن عدم التفهّم قد يزيد من سوء الوضع وحتى قد يساهم في اتخاذ قرارات سيئة بالنسبة لهم، بالإضافة لشعورهم بأنهم منبوذين وغير مرغوب بهم (ولا تستغرب لأنهم حقاً يفكرون بهذه الطريقة) وليست مبالغة بل هذا ما تفعله المشاكل النفسية.
من يعاني من مشاكل نفسية لا يفكر بطريقة سليمة أو صحيحة (وليس عيباً فيه) بل بسبب تأثره بالمشكلة، فمخاوفه في محلّها بالنسبة له.. لماذا؟ لأنه عانى سابقاً في أوضاع كهذه وتكوّن لديه الخوف حتى أصبح هاجس في كل موقف مشابه.
فلك أن تتخيل أن يواجه الإنسان مخاوفه مع رفضك له، مع تعليقاتك السيئة، وأحكامك التي لا أساس لها من الصحة.. أليس كثيراً على شخصٍ واحد؟!
ضع نصب عينيك قبل أن تتعامل مع أي شخص هذا الكلام وتصرف وفقاً له..
تذكّر أن كلامك الذي تراه عادياً قد يفكر به شخص لعدة أيام وحتى لفترات، تذكّر أنه قد يسبب تأثير سيء قد لا ينساه المرء أبداً، تصرفاتك التي تسميها عفوية قد تجرح شخص جرحاً لا يلتئم.
تذكّر ذلك جيداً.
لا يمكن وصف ما يمر به أي شخص يعاني من المشاكل النفسية، أنت لا تعلم كم من الأفكار في رأسه بوقت واحد! لا تعلم ما الذي يراه، ماذا يشعر بداخله، كم عدد النوبات التي يحاول أن يتحكّم بها ولا يستطيع، لا تعلم ما شعوره حيال الحياة قد يكون بجانبك يبتسم وبداخله يتمنى شيء آخر تماماً، الحياة تتطلب قوة ومواجهة لكل الناس ولن يكون سهلاً، فما بالك بشخص لديه أشياء كهذه؟ سيتطلب الأمر منه قوتان.. واحدة للمواجهة وأخرى للتغلّب على شعوره ومخاوفه ومشاكله النفسية.
المشاكل النفسية ليست عيباً أو شيء نخجل منه فهي قد تصيب أي شخص نتيجةً لظروف حياته، لا تعلم ما مر به الآخرون فلكل شخص حكاية ظاهرها (أو كما تراه) جيد، لكن واقعها مختلف تماماً، حيوات الناس مختلفة بشكل لا تتخيله فإن كنت سعيد وبحالة نفسية جيدة احمد الله على ذلك وفكّر بالآخرين فليس الجميع مثلك لا يعانون (مع إن الجميع لديهم مشاكل بشكل أو بآخر).
الحياة متقلبة ولا تقف على حالٍ واحد فمن قللت من مشاعره اليوم قد تصبح مثله غداً وعندها ستدرك كم كان مؤلماً لكنك ببساطة تغاضيت واخترت أن تجرح ولا تتفهّم، كُن رحيماً ومتفهماً دائم فلن تخسر أي شيء بل على العكس ستكسب سعادة شخص آخر حتى أنك قد تساعده بدون علمك..
تصرف بسيط منك قد يكون البداية لشخص آخر.
ولا أبالغ بهذا فأنا في مرات عديدة شعرت بذلك فقط بسبب تصرف بسيط، كلمة لطيفة، ابتسامة عابرة.. لا تستهن بهم.
_lq998