الطفولة أساس كُل شيء..

مُنذ فترة طويلة وأنا أود الكتابة عن هذا الموضوع لما يحملهُ من أهمية بالنسبةِ لي، ونظراً لأثره المُمتد حتى لأصغر وأبسط التصرفات والتفاصيل، ولملاحظتي تأثيره علي حتى بعد مرور كل هذه السنوات. بالإضافة لما يحمله من جانب نفسي وهذا ما يُثير اهتمامي دائماً، كما أنني مصادفةً قرأت كتابين وبكلاهما لاحظت نفس المشكلة وكان تأثيرها سيء لدرجة أذية الآخرين. لذا قررت الكتابة عنه حتى أوضّح شعوره وتأثيره للآخرين (سواء خاضوا تجربة مماثلة أم لا) والأهم حتى يعرف كل شخص أنَّ تصرفاته لها تأثير قوي وليست مجرد أفعال تُنسى بعد فترة! 

.

بدايةً سأوضّح المحاور الأساسية وأكتب عن كل واحدة؛ حتى يسهل فهمها ولأنّي أود تفسير كل نقطة لتصوّر الموضوع كاملاً.


-البداية من الطفولة.

-تأثير البيئة علينا.

-الاحتواء.

-ما تأثير كل هذا؟

-كيف يمتد الموضوع حتى نكبر؟

-العالم من حولنا (الكتب، الأفلام، والأهم.. الواقع)

الطفولة:

لما الطفولة هي البداية؟

وذلك لأنَّ الطفل يتأثر بسهولة بأي تصرف يراه حتى لو لم يكن موجّه له، بالإضافة إلى كونه لا يفسّر كل شيء بشكلٍ صحيح؛ وذلك لعدم إدراكه لأنه لا يستطيع رؤية جميع جوانب التصرف أو الموضوع ككل، مما يزيد من حدّته وسوء تأثيره عليه. وجميع هذه الأشياء تؤثّر على تكوين شخصيته.


ما يحدث في الطفولة يكون كالأساس الذي تُبنى عليه باقي التصرفات لذا يجب على كل شخص أن يحذر بتصرفاته -خاصةً الوالدين أو المسؤول- وليس فقط بتصرفاتهم مع الطفل إنما حتى بين بعضهم البعض لأنه سيتأثّر بكل شيء مُحيط به.

*مثلاً.. لو كان الأساس مراقبة الله سيكبُر وهو يتصرف وفقاً للأحكام الشرعية، أما لو كان العكس والأساس مراقبة كلام الآخرين سيتصرف وفق نظرة من هم حوله.

والنتيجة؟ في الحالة الأولى تأثيره بالطبع جيد عليه، أما الحالة الثانية سيرتكب الأخطاء لكن بعيداً عن الآخرين ظناً منه أنَّ لا أحد يراه.

البيئة:

أولاً ماذا تعني كلمة -بيئة-

باختصار هي كل شيء مُحيط بالطفل (العائلة، المنزل، الأصدقاء، المدرسة، المجتمع) 

وبالطبع أنَّ -العائلة- هي الأكثر تأثيراً؛ وذلك لقربها في المكان والمكانة.


*بحال كانت البيئة تُعرِّض الطفل بشكلٍ دائم لتصرفاتٍ مؤذية سيكون تأثيرها سيء لدرجة أنه قد يفعل بعض التصرفات الخاطئة فقط للفت النظر وطلباً للاهتمام، كما أنها ستمتد مستقبلاً وتظهر على هيئة مشاكل نفسية، واضطرابات في الشخصية، وفي النهاية اكتئاب قد يكون حاد للأسف.

*ولو كان عكس ذلك ستزيد فرصة أن يُمارس الطفل حياته بشكل طبيعي، ولا يحتاج للتصرفات الخاطئة لأنه يعلم بأنَّ هناك من يهتم لأمره، ومستقبلاً من الممكن أن يكون شخص طبيعي يتصرف بشكلٍ سوي.

(هذه ليست قاعدة، بالطبع هناك أشخاص كانت طفولتهم رائعة لكن مستقبلاً حدثت لهم ظروف أدّت لمشاكل نفسية)

في تدوينة سابقة تحدثت عن الصدمات المدفونة وتطرّقت لنقطة -البيئة وتأثيرها- اطلعوا عليها لفهم الموضوع بشكلٍ أفضل.

الصدمات المدفونة

الاحتواء:

ماذا يعني الاحتواء؟

هو التفهّم والاستيعاب.. أي أن يتم تفهّم صفات وشخصية الطفل حتى لو كان مُختلف عن الآخرين، وبعدَ ذلك استيعاب جميع جوانبه ليشعر بالأمان والثقة، والأهم -الاحتواء-


*النتيجة؟

شعوره بالاحتواء سيجعله يتحدّث دونَ خوف عن كل ما يشعر به، فلو حدث عكس ذلك قد يصبح كتوم مع مرور الوقت أو سيلجأ للكذب خوفاً من العقاب أو التحدّث معه بطريقة سيئة، لذا من المهم أن يشعر بالأمان والثقة.


*كيف يؤثّر على الشخصية؟

عندما يشعر بأنه مفهوم وآراؤه تؤخذ على محمل الجد ستتكوّن لديه الثقة مما يجعله أكثر جرأة ليُبدي آراؤه، ويستطيع أن يعبّر بشكل أفضل.

(ليست قاعدة أيضاً، قد يختلف التأثير لكن في الغالب الاحتواء أثره جيد على الشخصية.)

التأثير:

النقطة الأهم: ما هو التأثير الناجم عن التعرّض المستمر للتصرفات الخاطئة من قِبَل الآخرين أثناء مرحلة الطفولة؟

ستتكوّن عادات وتصرفات خاطئة نتيجة كل موقف سيء، وبحال لم يتم الانتباه لها وتقويمها قد تستمر لمراحل عمرية أخرى..


مثلاً..

*إن كان يُعاقَب بشكلٍ قاسٍ قد يجعله ذلك يكذب باستمرار حتى يتفادى العقوبة.


*وبحال لم يتلقّى الاهتمام الكافي سيبدأ باستخدام التصرفات السيئة للفت الانتباه، كالصراخ والاستعطاف والكذب.


*وإن لم يشعر بالأمان والاحتواء من قِبَل العائلة قد يصبح كتوم ولا يُفصح عن مشاعره ويلجأ دائماً للصمت حتى لو تعرّض لموقف صعب، بالإضافة لشعوره بعدم الاستقرار والخوف.


*وإن كانت بيئته سيئة دائماً قد يجعله ذلك عدواني اتجاه نفسه والآخرين، أو مُنعزل بشكلٍ دائم، وبحالات أُخرى قد يشعر بأنَّ الخطأ نابع منه بالتالي سيكره نفسه ويبدأ بلومها على أي شيء.


*بحال تعرَّض الطفل للمقارنات بشكلٍ دائم ستتكوّن لديه بعض الصفات السيئة كالحقد والحسد اتجاه نجاحات الآخرين، أو سيكون أقل ثقة بنفسه مما يجعله لا يُبدي آراؤه ولا يستطيع أن يعبّر عمّا بداخله بأريحية.

كيف يمتد التأثير معنا حتى نكبر؟

مثلما قلت سابقاً (بحال لم يتم تقويم هذه التصرفات قد تستمر معنا)

إما تستمر نفسها ولا تتغيّر، أو قد تظهر على شكل مشاكل نفسية ونقاط ضعف. ومن جرّب عيش تجربة مماثلة سيُلاحظ بعض التصرفات اللاإرادية اتجاه العديد من الأمور.


*مَن كان يُعاقب بشكلٍ قاسٍ مستقبلاً إما سيُكرر ذلك مع الآخرين (ويظهر على شكل عقدة سيطرة وتحكّم) وإما سيكون لطيف أكثر من اللازم لدرجة قبول الأذى على نفسه.


*أما مَن لم يتلقَّ الاهتمام الكافي سيكبر وهو مقتنع بفكرة أنه لا يستحق الاهتمام والحب (وتكوّنت الفكرة من مبدأ: إن لم أتلقَّ الحب من العائلة فلما غيرهم قد يعطيني إياه؟)

-بالإضافة لذلك قد يفعل تصرفات خاطئة وهو يعلم بضررها لكن يستمر بها فقط من أجل الاهتمام (مثل أن يسمح باستغلال الأشخاص له.) وهذه النقطة بالذات يجب أخذها على محمل الجد سواء من الشخص ذاته أو من العائلة.

-وأيضاً قد يلجأ للاستعطاف للفت النظر (مثل ادّعاء المرض، أو أي شيء سيء.)


*مَن لم يشعر بالاحتواء والأمان سيكون أكثر الأشخاص شكّاً بأي علاقة، ولا أقصد يشك بالأشخاص ذاتهم إنما يشك بالتصرفات (مثلاً اتجاه الصمت المُفاجئ، أو اتجاه بعض الكلمات) يعني باختصار لن يشعر بالأمان حتى لو لم يحدث أي شيء.


*وبحال تلقّيه للمقارنات سابقاً سيكبر وهو محطّم بلا ثقة ويكوّن أسوأ الأفكار عن نفسه، ومهما يفعل لن يشعر بالرضا عن شكله أو شخصيته، وسيضع نفسه بمقارناتٍ مستمرة مع المحيطين به.

العالم من حولنا:

أعتقد أن أغلبيتنا مر عليهم كتاب أو فلم أو حتى شخص في الواقع يظهر عليه أثر مواقف الطفولة.

*وكما ذكرت سابقاً (قرأت كتابين) ولاحظت نفس المشكلة. سأكتب عن الكتب في تدوينة أخرى لكن سأترك لكم اقتباسات منها لتتضح لكم الفكرة، الأول -الرجل المفقود- والآخر -ليست عائلة سعيدة-

التصنيف والقصة متشابهة لكن ما لفت نظري هو الأثر الواضح لمعاناة الطفولة وما أدّت إليه.

*وبالنسبة للأفلام والمسلسلات سواء مُقتبسة من قصة حقيقية أم لا دائماً يكون ماضي -المجرم أو الشرير- سيء، ويتضح لنا أنهم عانوا من مشاكل وكره أثناء طفولتهم (ليست مبرر لكن سبب.. للأسف)

لذا يجب أخذ المشاكل على محمل الجد قبل أن تصل لمراحل مُتقدمة تسبّب أذى للناس.

.

Join