نظرة على نموذج الإدراج المباشر الجديد ببورصة نيويورك للأوراق المالية
د. عبدالعزيز بن باتل الباتل
حصلت بورصة نيويورك لتداول الأوراق المالية "NYSE" على اعتماد الجهة التشريعية بأمريكا الـ SEC باستحداث آلية جديدة لإدراج الأوراق المالية. حيث اعتمدت الـ SEC بتاريخ 27 من أغسطس للعام الجاري مقترح بورصة نيويورك القاضي بالسماح للشركات الراغبة بالإدراج المباشر، إلى استصدار وبيع أسهم جديدة، ويعد هذا الخبر داعم لزيادة جاذبية منصة بورصة نيويورك للشركات الباحثة عن التحول لشركة عامة، ويمنحها ميزة تنافسية مقابل منافستها نازداك.
مقدمة عن الإدراج المباشر
الإدراج المباشر بشكل عام هو أحد الأدوات المتوفرة للشركات التي ترغب بالتحول لشركة عامة تتداول أسهمها للعموم. حيث يقوم ملاك الأسهم (ما قبل الإدراج) ببيع أسهمهم في السوق المالية، ويحدد سعر السهم بناءً على العرض والطلب في منصة التداول أثناء مزاد الافتتاح. وفي الإدراج المباشر، لا تحتاج الشركة إلى المرور بذات إجراءات الطرح الأولي العام "الاكتتاب" مختصرة بذلك الوقت والمال. وعلى عكس الاكتتاب التقليدي المعروف بـ IPO، الذي تقوم من خلاله الشركة بتحرير أسهم جديدة تباع للمرة الأولى لمستثمرين محددين قبل التداول بيوم، ومن ثم تودع الأسهم في محافظ المستثمرين.
وما الجديد؟
الآلية الجديدة والتي أُطْلِق عليها بـ "الطرح المثالي"، تخول الشركات التي تتقدم للإدراج المباشر ببورصة نيويورك بطرح وبيع أسهم جديدة؛ الأمر الذي لم يكن مسموح فيما سبق. حيث سيمنح هذا الخيار الشركة ببيع قدره 100 مليون دولار من أسهم جديدة للشركة التي تبلغ قيمة أسهمها الإجمالية 250 مليون دولار كحد أدنى.
كيفية عملها؟
تعد هذه الآلية المستحدثة نموذج هجين بين الاكتتاب التقليدي والإدراج المباشر. حيث تجمع هذه الآلية الميزة التنافسية بالاكتتاب العام والإدراج المباشر، فتشابه الاكتتاب من ناحية السماح للشركة الراغبة بالإدراج المباشر إمكانية رفع رأس مال الشركة بتحرير وبيع أسهم جديدة على العموم. ومن ناحية أخرى، فإنها تشابه الإدراج المباشر من ناحية عدم الحاجة لمرور الشركة بإجراءات الاكتتاب التقليدي، أي لا يلزم المرور بذات المدة الزمنية التي تمر بها الشركة الراغبة بالاكتتاب، إلى جانب أنها أقل كلفة مادية على الشركة بشكل عام.
وفيما يتعلق بسعر السهم، فإنه يحدد بمزاد الافتتاح بأول يوم تداول للشركة. الأمر الذي قد يمنح سعر السهم كفاءة سعرية تحدد بناء على العرض والطلب، ويقلل من التقلبات السعرية المفاجئة أثناء الإدراج.
من سيستفيد من الآلية الجديدة؟
نظراً لحداثة هذه الآلية، فقد يبرز التساؤل عن من ستكون أولى الشركات التي ستقوم بتجريبها، لتمهد الطريق لغيرها من الشركات. وحتى تاريخ كتابة هذا المقال فإنه لا يوجد شركة تقدمت رسمياً بطلب الإدراج المباشر الذي يصاحبه طرح أسهم جديدة ، ولكن من المتوقع أن شركة Airbnb قد تكون أولى المرشحين لتجربة هذا المسار، حيث سبق وتقدمت بطلب الإدراج المباشر إلى أنها لم تعلن عن الآلية المختارة. ومع استحداث إمكانية تحرير وبيع أسهم جديدة غير أسهم الملاك، فقد تستفيد الشركة من هذا الخيار للحصول على سيولة نقدية لا سيما في الوقت الراهن. وعليه، فإن هذه التجربة حديثه وقد تتخوف الشركات كثيراً من الأخذ بهذا المسار، نظراً لأنه غير مجرب. ومن ناحية أخرى، فإن وول ستريت سيسلط الضوء على أول تجربة لمعرفة مزايا وسلبيات هذا المسار وعن مدى مناسبته. وفي جميع الأحوال فإن من سيتقدم لتجربة هذا المسار بالتأكيد سيشجع الشركات العازفة عن التقدم لطلب الإدراج بالسوق المالية عن طريق الاكتتاب التقليدي وترغب بالإدراج المباشر، إلى جانب توفير سيولة نقدية.
هل نحتاج إلى مثل هذه الآلية في السوق المالية بالمملكة؟
ولله الحمد، فإن البيئة التنظيمية بالمملكة المتعلقة بالسوق المالية تعد نشطة ومواكبة لما هو جديد باستمرار. وفي الوقت الراهن، فإن خيار الإدراج المباشر ليس متوفر إلا لدى السوق الموازي "نمو". ولتداول السبق في ذلك على أسواق الخليج باستحداث هذا الخيار، ولكن أسوة بقواعد الإدراج المباشر فإن الشركة تقوم ببيع أسهمها الحالية، ولا يتسنى لها طرح وبيع أسهم جديدة.
عليه فقد يكون من المناسب النظر في المسار المستحدث من بورصة نيويورك ودراسة إمكانية استحداث مثل هذا المسار في السوق المالية بالمملكة. لما في ذلك من زيادة جاذبية السوق ومنح الشركات الراغبة بالإدراج مزيداً من الخيارات، حيث أن الإدراج المباشر يعد خياراً مناسباً للشركات التي لا ترغب بالمرور بإجراءات الاكتتاب التقليدي. ومع إضافة خيار امكانية توفير سيولة نقدية من خلال طرح أسهم جديدة للإدراج المباشر، سيمنح السوق المالية مزيداً من التنافسية مقارنة بالأسواق المالية الأخرى. وقد يُرَى أيضاً مناسبة إضافة هذا الخيار في السوق الرئيسية. ولضمان عدم التأثير على جاذبية السوق الموازي، فقد يكون من الملائم تخصيص خيار الإدراج المباشر في السوق الرئيسية للشركات الأكبر حجماً. وبالتالي يُضمن عدم التأثير على السوق الموازي كمهد للشركات الأصغر حجماً.
وعلى أي حال، ستكون الفترة القادمة هي الفيصل في قياس مدى نجاح ما استحدثته سوق بورصة نيويورك، من ناحية عدد الشركات التي تجرب هذا المسار. إلى جانب النظر فيما سيحمله هذا الخيار من مزايا وسلبيات، وعلى إثره يتم النظر في مناسبة استحداث نموذج شبيه في سوقنا المالية.