د. عبدالعزيز الباتل
شركات تطبيقات الهواتف والتكنولوجيا وإدراجها بالسوق السعودي
كنت قد قرأت في الأيام الماضية عن شركة بوست ميتس (Post-Mates) واستحواذ أوبر (UBER) عليها قبل إدراجها بالسوق الأمريكي مقابل صفقة قدرت بما يزيد عن أثنين مليار دولار.[1] وباطلاعي على الخبر تبادر إلى ذهني سؤال، ما سبب عدم وجود شركات تقنية أو تطبيقات هواتف ذكية مدرجة بالسوق السعودي؟ بالرغم من أن حجم بعض شركات التقنية بالمملكة يعد كبيراً نسبياً، وبعضها يمتد نشاطها لخارج المملكة.
وحيث أن الإدراج بالسوق كشركة عامة له فوائد عديدة منها:
1. دعم توسع الشركة ونشاطاتها.
2. استعمال المال الذي تم جمعة في البحث والتطوير.
3. تخفيض المخاطر بالنسبة للمؤسسين من خلال بيع بعض حصصهم.
4. كما أنه ينقل إدارة الشركة للتفكير الإستراتيجي طويل المدى لديمومة الكيان واستقراره.
5. تعريف العامة بالشركة ومنتجاتها وزيادة ثقة المتعاملين معها.[2]
وبالنظر إلى حال الشركات التقنية بالسعودية، نجد عدد لا بأس به ممن أثبتوا تميزهم وانتقالهم من مرحلة النشئة إلى النضوج. ونستذكر منها على سبيل المثال لا الحصر شركة كريم قبل استحواذ أوبر عليها. وشركات توصيل الطلبات، كـ (جاهز) والتي تقارب قيمتها المليار ريال، [3] في قطاع تجاوز نشاطه عام 2019 الـ 4 مليارات ريال والمتوقع أن يتجاوز مع نهاية هذا العام مبلغ الـ 5 مليار.[4] يوجد أيضاً من تميز على مستوى الأجهزة والخدمات السحابية لإدارة المطاعم، كـ (فودكس) والتي تخطت مبيعاتها السنوية المليار ريال في العام الحالي.[5]
كما وجدنا نماذج لشركات تميزت في تنمية قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وساهمت في إيصال عامة الناس بصغار المنتجين كـ منصة زد و سلة وساري ونعناع.[6] وهذا النوع من النشاطات سيشكل عصب رئيسي في دعم رؤية المملكة - بإذن الله - من خلال خلق المئات من الوظائف المباشرة، ناهيك عن تحفيز التاجر الصغير للوصول إلى أكثر عدد من الزبائن بأقل التكاليف وأفضل كفاءة.
على ذلك وبالرغم من النماذج المشرفة التي استعرضناها أعلاه ، وغيرها الكثير ولله الحمد، لماذا لا نرى مثل هذه الشركات مدرجة بالسوق؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب النظر إلى الأسباب المحفزة للشركات عموماً للإدراج في السوق المالية.
وأهم الأسباب وسيدها بوجهة نظري هو الحصول على التمويل، فالشركات التي تدرج أسهمها أو تصدر أسهم جديدة لإدراجها في السوق ستسفيد بالحصول على أموال من العامة مقابل حصة من الشركة. ومن المعتاد ان لا تلجأ الشركات للإدراج إلا في حال الحصول على تقييم تراه إدارتها مناسباً يوافق القيمة العادلة للشركة أو يزيد. وما يميز الإدراج كذلك هو سهولة تداول حصص الشركة وذلك خلال البيع والرهن والشراء، على عكس الشركة الخاصة.
ومن أهم الأسباب أيضاً الشهرة، وأن الشركة المتداولة للعموم تحظى على إهتمام أكبر من الشركة الغير متداولة. وهي فرصة لجعل العامة على علم بأعمال الشركة ومنتجاتها وفريقها التنفيذي وغير ذلك.
ونستذكر في ذلك شركة (LMND) والتي أُدرجت بالسوق الأمريكي في شهر جولاي من العام الجاري. ننظر للإرتفاع الواضح في البحث أدناه عن الشركة في 90 يوماً. والإهتمام الذي جلبه إدرجاها كشركة عامة:
ولا يخفى على القارئ الكريم معرفة الأيام المصاحبة للإدراج من النظر للرسم البياني أعلاه. لذا يستنتج أن للشركة الاستفادة من الزخم الذي يصاحب الإدراج، وذلك بتسهيل فتح الخطوط الائتمانية مع البنوك، وتقوية علاقتها مع مورديها الحاليين، وبناء شبكة موردين أكبر، وبالإمكان الوصول للمستهلك من خلال تعريفه بمنتجاتها وأعمالها. كل هذه المزايا التي تأتي من شهرة الشركة تعتمد على كيفية إدارتها لـ Roadshow المصاحب للإدراج، وهذا موضوع لمقال آخر.
بعد أن تم بإيجاز مناقشة أهم أسباب إدراج الشركات للتداول، لننظر إلى الجانب الآخر، أسباب عدم إدراج الشركات للتداول:
وحيث أن أهم حافز للإدراج هو أهم مانع له وهو التمويل. ذلك أن الشركات قد لا تجد مبرراً لإدراج أسمهما في السوق طالما وجد المال من مصدر آخر وبأقل عبئ تشريعي. ونعني بذلك أنه لطالما كانت الشركة قادرة على الحصول على التمويل من خلال جولات استثمارية من السوق المغلق، فإنه يزيل عنها الأعباء الملزمة على الشركات المساهمة العامة.
ومن ناحية المستثمر، فهو يجد الطريق إلى فرص الاستثمار في شركات تنمو بمعدلات عالية لا توجد في الشركات المدرجة والتي تباطئت معظم معدلات نموها والبعض الاخر من خسائر إلى أخرى. لذلك فإننا لا نستغرب النمو المتسارع في المملكة بقطاع الرأس المال الجريء حتى في ظل جائحة كوفيد 19. والأرقام تثبت ذلك، حيث نرى النمو المتسارع بمعدل 102% عن العام الذي سبقه في الإستثمار بالشركات الناشئة وبرقم قياسي قدره 95 مليون دولار للنصف الأول لعام 2020م.[7] وكل هذه الأموال المستثمرة هي أموال غيرت وجهتها من الاسواق الرئيسية للأسواق الخاصة في قطاعات الواعدة كالتكنولوجيا والخدمات اللوجستية والخدمات السحابية.
المصدر : تقرير الإستثمار الجريء في المملكة العربية السعودية للنصف الأول من عام 2020
وهذا النوع من المشكلات في أسواق المال هو من المشكلات الجميلة للجهات التنظيمية. حيث يوجد حالياً منافسة بين السوق العام والخاص على احتواء الشركات الجديدة والإستثمار فيها. لذلك فقد ترى هيئة السوق المالية مناسبة النظر إلى حوافز الإدراج الحالية وأن يُطرح التساؤل، كيف نحفز هذه القطاعات الواعدة للإدراج بالسوق؟
ومن الموانع المعلومة: التكلفة المادية العالية التي تصاحب للإدراج.[8] فمن يرغب بطرح شركته بالسوق عليه بتحقيق كثير من المتطلبات التي قد تكون مرهقة للشركات الجديدة. ومنها أعباء مالية: كرسوم الطرح، وتعيين المستشارين، وبعض الوظائف المتعلقة بالالتزام. إضافةً إلى الأعباء المادية المشار لها يوجد عبئ إداري يتمثل في الكثير من الافصاحات التي قد تتطلب الشركة مدة طويلة للإلمام بها وإتقانها. وهذه الأعباء تعد طبيعية وموجودة في كبرى الأسواق المالية في العالم.
ومن ناحية أخرى، فقد أحسنت هيئة السوق المالية وتداول باستحداث السوق الموازي " نمو"، والذي يهدف إلى خلق سوق ثانوي أكثر مرونة من السوق الرئيسي، ليمنح الشركات فرصة الحصول على مصدر إضافي للتمويل وزيادة الخيارات الإستثمارية للمستثمر.[9] وبمراجعة متطلبات الإدراج في "نمو" نجدها سهلة قياساً على متطلبات السوق الرئيسية. حيث أنه يتيح للشركات الصغيرة (ذات القيمة السوقية 10 ملايين) الإدراج بأعباء إدارية ومالية أقل. وبمراجعة بعض الشركات الذي ذكرت بالمقال، نجد تحقيقها للكفاية النظامية والمالية للإدراج بالسوق الرئيسي فضلاً عن الثانوي.
إذا فما أسباب عدم وجود شركات تقنية بالسوق؟
من اطلاعنا البسيط، وجدنا عدد لا بأس به من الشركات التقنية تأسس خارج المملكة، بعضها تأسس بالإمارات وجزر الكايمن. الأمر الذي يشكل تحدي للشركة الراغبة بالإدراج. لذلك، فقد يكون من المناسب دراسة إمكانية وضع شروط للشركات المؤسسة خارج المملكة، وتمارس نشاطها الرئيسي فيها من خلال استحداث أوراق مالية تناسب كيانها القانوني.
وننظر بشكل مقارن السوق الأمريكية؛ الذي أوجد عدد من الحلول منها استحداث الـ ADR’s و ADS’s والتي ساهمت في جذب الشركات المؤسسة "الأجنبية" خارج أمريكا لإصدار وإدراج أوراق مالية لها بسوقهم والشرح فيها يطول.
وحيث أن السوق المالية لدينا قد سمحت بالإدراج المزدوج للشركات الأجنبية، لتتمكن من طرح أوراقها المالية بالسوق المالية السعودية. علماً بأنه حسب الاطلاع لا يوجد شركة استفادت من الخدمة المتاحة حتى تاريخه. وهذه الآلية لن تناسب الشركة السعودية المؤسسة خارجياً. لذلك فقد يكون من الأنسب استحداث فئة جديدة للإدراج تسمح للشركات السعودية المؤسسة خارجياً بالإدراج محلياً، دون أن يشار لها بالأجنبية، منعاً للبس.
ويمكن تجاوز هذا العائق من خلال استحداث وسائل إدراج جديدة كتأسيس فرع بالمملكة يتعهد بالإدراج نيابة عن الشركة الأصل أو إيداع الأوراق المالية لدى جهة مرخصة لها من السوق وتقوم هي بالإدراج نيابة عنها. ويمكن النظر إلى الحلول الموجودة لدى السوق الأمريكية حيث أن كبرى الشركات هناك قد تلجأ للتأسيس خارج أمريكا لأغراض ضريبية، كشركة أبل ومعظم الدوائيات ولم يمنعها ذلك من الإدراج.
لجميع ما سبق وحيث أن البحث عن الحل موضوعياً يتطلب مراجعة وضع كل شركة على حدة، ولكل شركة أسبابها الخاصة ، لكن من الممكن رصد نمط متشابه بين تلك الشركات العازفة عن الإدراج. والسؤال الذي قد يطرحه المنظم ممثل بهيئة السوق المالية هو: هل نحتاج إلى مثل هذه الشركات في السوق؟ إذا كانت الإجابة نعم، فإعادة النظر بحوافز الإدراج الحالية مطلب، بحيث يؤخذ بالحسبان منح الشركات المدرجة مميزات لا تملكها الشركات الغير مدرجة. وهذا هام لدعم السوق وتعميقه، إلى جانب منح المستثمر البسيط خيارات استثمارية أكثر وإمكانية الاستثمار في الشركات ذات النمو العالي. فضلاً عن أن الشركات العامة عمرها الإفتراضي أعلى من الشركات الخاصة. لانصباب تركيز إدارتها على الاستدامة من خلال التخطيط الاستراتيجي طويل المدى. وهذا هام للمحافظة على المكتسبات الوطنية واستدامتها بإذن الله.
المراجع:
1- https://techcrunch.com/2020/07/06/uber-takes-out-postmates/
7- تقرير الأستثمار الجريء في المملكة العربية السعودية للنصف الأول من عام 2020 المعد من MAGNIT و SVC
9- https://www.tadawul.com.sa/wps/portal/tadawul/knowledge-center/about/parallel-market?locale=ar