قوة التكامل بين التسويق

للبيئة الداخلية والخارجية في المنظمة

توضيح بدايةً ولتبسيط المقصود بالتسويق الداخلي يلزمني التنبيه على نقطة هامة جداً ألا وهي ضرورة التفريق وعدم الخلط بين : ( التسويق الداخلي Internal Marketing ) و ( التسويق الداخلي Inbound marketing  ) فهما مختلفان كلياً.
تمهيد ومقدمة:


لم أرَ منظمة ناجحة ومتميزة حتى اليوم إلا ووجدت من أهم سماتها ومميزاتها أن استراتيجيتها التسويقية تبدأ من أهم الموارد التي لديها ، وهي الموارد البشرية (الموظفين) .. المنظمات الناجحة تعطي الأولوية لموظفيها أولاً ثم يأتي من بعدهم العملاء . وهذا عكس الكلمة الشائعة والمتداولة دائماً (العميل أولاً) .


نعم العميل من أهم الأطراف التي يعتمد نجاح المنظمة عليه ولكن الموظف هو من يعمل على خدمة هذا العميل ويحرص على إشباع رغباته وتلبية احتياجاته هو وعملاء آخرين غيره كثيرين ويعمل على المحافظة عليهم وإقناعهم بأن المنظمة فعلاً تقدم لهم أفضل الحلول بمنتجاتها أو خدماتها.

مفهوم التسويق الداخلي Internal Marketing


مفهوم التسويق الداخلي يمكن وصفه بأنه مقدرة المنظمة على الوصول إلى جميع العاملين فيها في جميع أقسامها وفروعها وإقناعهم بكل ما يتعلق بها سواء النظام المتبع أو بيئة العمل أو المنتجات ومدى تميز هذه المنتجات عن غيرها وكيف يمكن لها أن تقدم حلاً لمشاكل العملاء وتلبي احتياجاتهم.

 

ونظراً لهذا العمق والتركيز على العنصر الأهم في موارد أي منظمة (الموارد البشرية) والذي يعتبر جزءاً من البيئة الداخلية لها والذي يقوم بجميع الأنشطة التسويقية الموجهة إلى العملاء ( خارج بيئتها ).


لذلك تم إطلاق مصطلح ( التسويق الداخلي Internal Marketing ) عليه.

 

ومما سبق يتضح لنا الفرق بينه وبين Inbound Marketing حيث يعتبر الأخير هو التسويق  باستخدام وسائل وأدوات تمتلكها المنظمة مثل تهيئة الموقع الإلكتروني لمحركات البحث SEO وكذلك التسويق باستخدام المدونات والنشرات الإخبارية والكتب الإلكترونية والتسويق بالإيميل والتسويق بالمحتوى بشكل عام بمختلف أشكاله.

 

هذا الطرح لست أول من يقتنع به ويتبناه ، ويكفيني أن أشير هنا إلى مقولة ريتشارد برانسون التي تدل على هذا المفهوم لديه وتبنيه له منذ زمن طويل حيث يقول :

 

"العملاء لا يأتون أولاً . الموظفون يأتون أولاً. إن اهتممت جيداً بموظفيك، سيهتمون هم جيداً بعملائك"

ريتشارد برانسون
أثر مفهوم التسويق الداخلي على تصنيف المستفيدين من المنظمة

 

بمفهوم التسويق الداخلي يتم تصنيف المستفيدين من أي منظمة إلى صنفين ، الصنف الأول هو المستفيدون من داخل المنظمة ، والصنف الثاني هو المستفيدين من خارجها. صنف المستفيدين من الداخل يضم جميع العاملين في المنظمة ويطلق عليهم "العملاء الداخليين"  وفي المقابل فإن قسم المستفيدين من خارج المنظمة فيشمل جميع العملاء سواء العملاء الحاليين أو العملاء المهتمين وكذلك العملاء المحتملين أيضاً ويطلق عليهم "العملاء الخارجيين".

 

وانطلاقاً من هذا التصنيف يتضح أن نجاح أي منظمة في التسويق للعملاء الخارجين الذين يعتبرون هم مصدر الدخل والقوة المالية الحقيقية التي تدر على المنظمة أرباحها مرهون بالنجاح في التسويق للعملاء الداخليين والذين يشكلون بلا شك أهم الموارد والطاقات التي تجذب العملاء الخارجيين وتحتفظ بهم بل وتعمل على تنميتهم وزيادة عددهم ورفع معدل الولاء لديهم ورفع قيمة مشترياتهم أيضاً ويعكسون الصورة المشرقة التي تتمناها أي منظمة لدى العملاء مما ينتج عنه في النهاية زيادة الأرباح ونمو المنظمة بشكل مستقر ومستمر.

 

مدى اقتناع العملاء الداخليين بأن المنظمة تحقق لهم إشباع رغباتهم وحاجاتهم بنظام عادل وبيئة عمل إيجابية محفزة قد يكون أحد أهم معايير قياس نجاح المنظمة الحقيقي . وهذا النجاح قطعاً سينعكس طردياً على نجاح المنظمة في تقديم الحلول المناسبة لإشباع رغبات وحاجات العملاء الخارجيين وكسبهم وتنمية ولائهم وحبهم للمنظمة والعلامة التجارية التي يعرفونها بها.

 

بهذا المفهوم سيتحول فوراً ترتيب الأولوية إلى العملاء الداخليين فيصبح الموظف هو "العميل الأول" للمنظمة ورضاه أيضاً باعتباره عميل سيصبح من أولى أولوياتها حتى تكسبه وتصنع له تجربة عميل مميزة ويتولد لديه حب المنظمة والولاء لها وسعيه جاهداً وتفانيه لتقديم كل ما يمكنه لها ، أيضاً هذا يعني أن العميل الأول "الداخلي" إن لم يحظ بتجربة عميل مميزة فإنه لا يمكن أن يتولد لديه الشعور بالانتماء والولاء الذي سيقوده في نهاية المطاف إلى خدمة العميل الثاني "الخارجي" كما تتمنى المنظمة

 

وهنا يكون المنعطف الخطير عندما يصبح ولاء الموظف لمصلحته الشخصية فقط ويقل اهتمامه بصنع تجربة عميل مميزة للعميل الخارجي وهذا هو ما سيسبب تضرر المنظمة في محصلة الأمر ويحد من نجاحها في تحقيق أهدافها . ولذلك فإن التسويق للبيئة الداخلية إذا لم يتكامل مع التسويق للبيئة الخارجية فإن الممنظمة تواجه خطراً حقيقياً وعميقاً جداً يهدد تحقيق أهدافها وربما يهدد قدرتها على الاستمرار والبقاء إن لم يتم تدارك الأمر وتقويم الخطأ في ترتيب أولوياتها نحو عملائها الداخليين والخارجيين.

سلم الأجور ونظام الحوافز هو جزء من التسويق الداخلي

 

كنا قد اتفقنا على أن الموظف هو العميل الأول وأن المنظمة بحاجة لكسبه ومنحه تجربة مميزة لخلق مشاعر الرضى والولاء والانتماء  للمنظمة وذلك يشمل الجانب المادي والمعنوي أيضاً.

 
عوامل تحدد السلوك الإنساني وهي :

أولاً سبب منشئ للسلوك

ثانياً هدف يسعى لبلوغه من خلال هذا السلوك

ثالثاً قوة دفع تحرك وتوجه السلوك.

والحوافز هي الوقود للقوة الدافعة بالإنسان نحو الهدف الذي يريد الوصول له .

أنواع الحوافز:

1- الحوافز السلبية والإيجابية :

    - الحوافز السلبية : هي الخوف من العقوبات وتقترن دائماً بأقل مستوى من الإبداع ويكون الإنجاز فيها فقط على قدر الإلتزام.

    - الحوافز الإيجابية : هي ما يحصل عليه الموظف من مكافآت أو ثناء وشكر وهذه دائماً ترتبط بتنمية روح الإبداع والتعاون والتجديد.

 

2- الحوافز المادية والمعنوية :

    - الحوافز المادية : هي حوافز تشبع حاجات الموظف المادية كالمكافآت الشهري والزيادات السنوية.

    - فرص الترقية : وتكون فعالة ومفيدة إذا تم ربطها بالكفاءة والإنتاجية وليس بالأقدمية.

    - تقدير الجهود : شهادات التقدير ورسائل الشكر على ما يتم تحقيقه من نتائج وإنجازات

    - الإشراك في القرار : وهذا يتولد عنه إبطال المقاومة وجعل الموظف يتبني القرار ويسعى لتنفيذه.

    - الإطمئنان والإستقرار : يحافظ على معنويات عالية وتركيز أفضل ينعكس على الإنتاجية.

    - تحسين ظروف العمل : كالإضاءة والتهوية والنظافة وتقديم القهوة وأماكن الإستراحة وخدمات رعاية الأطفال للسيدات ومواقف السيارات أو خدمة النقل المجانية.

 

كل الحوافز السابقة مؤثرة وحسب الدراسات فإن الحوافز المادية لازالت الأعلى تأثيراً وأهمها الأجور ، وحتى يكون سلم الأجور محفز مؤثر وناجح يجب أن يكافئ ما يستحقه الموظف مع مراعاة أن لا يبتعد كثيراً عن معدل ما يحصل عليه نظيره في المنظمات المماثلة في السوق.

 

لا تظن أن هذا تداخلاً أو تعارضاً في الصلاحيات والمهام ..

 

ليس هناك ما يُخشى أن يُعيق أو يُقوّض الدور الهام جداً لإدارة الموارد البشرية ، بل بالعكس تماماً ولعلها أصبحت فرصة للتأكد من أن السلم الموضوع أو أفضل سلم للرواتب والحوافز ويتماشى بالتوازي بين المعدل المتوفر في السوق والمحدد داخل المنظمة.

 

إذا نجحت المنظمة في وضع سلم رواتب منافس وجاذب ويميزها عن السوق فإنها تكون قد حققت نجاحاً في تسويق نفسها للعميل الداخلي وأقنعته بأنها تقدم له أفضل ما يمكن ولذلك فهي تستحق منه الاهتمام ، وبالتالي تكون قد صنعت لديه ولاءً كبيراً وحافزاً داخلياً يدفعه بقوة نحو العطاء والإنتاجية وأداء دوره بشكل صحيح لكسب العميل الخارجي بتفاني وأمانة وربما لا أبالغ إن قلت أن ذلك سيدفعه إلى البذل دون انتظار المقابل.

 

خلاصة القول أن التحفيز في بيئة العمل ليس مجرد شعارات حماسية نطلقها ونرددها للموظف في كل حين ، بل هي منافع حقيقية وتقدير عالي وتمييز لا يختلف عن تمييز المنظمة للعميل الخارجي.

 

هذه المنافع والميزات يرتبط الحصول عليها بما يحققه الموظف في معايير تقييم الأداء الواضحة والعادلة. ويمكننا بسهولة تشبيه سلم الأجور ونظام الحوافز للعميل الداخلي وكأنها العروض الخاصة والمميزات التي تقدمها المنظمة للعميل الخارجي بناءً على كمية الشراء وقيمته.

 

يجدر بنا هنا أن نشير إلى أن المنظمة التي تحتوي على بيئة عمل واعية ستهتم بالحوافز المعنوية بنفس درجة اهتمامها بالحوافز المالية وستكون إحدى ركائز النجاح فيها تلك البيئة الجاذبة التي تولي معنويات الموظف وتقديره اهتماماً كبيراً ، وهذا ما يجعل الموظف يتحول من الحرص على عدم تقديم أكثر مما يجب عليه إلى أن يعتبر نفسه شريكاً في المنظمة ونجاحها هو نجاح شخصي له ويعنيه ويهمه تماماً كما يهتم بحصوله على ميزاته المادية فيبادر ويتحمل ويبحث عن الحلول لأي عائق أو مشكلة وكأنها مشكلته هو وليست مشكلة المنظمة.

 

عندما تكون احتياجات الموظف ومستوى الرضا لديه اخر اهتمامات المنظمة بينما احتيجات تلك المنظمة تتمثل فيما يقرر عليه من مهام وواجبات ويتم مطالبته بها ومحاسبته بدقة على أدائه وتقصيره فيها ، هنا أقول أن المنظمة تتجه نحو الهاوية والمجهول وأنها تفتقر إلى خطة التسويق الداخلي الذي يساعد المنظمة بعد توفيق الله إلى أن تسوق نفسها للموظفين "العميل الأول" وبالتالي لم تنجح في أن تجعل احتياجاتها في قمة أولويات الموظف.

التسويق الداخلي وصناعة ثقافة المنظمة

 

قد تتبنى إدارة التسويق مفهوم وسياسة التوازن بين التسويق للبيئة الداخلية والخارجية للمنظمة ولكنها قطعاً ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن ذلك ولن تحققه دون أن تشارك جميع إدارات وأقسام المنظمة في وضع وتنفيذ خطة التسويق الداخلي وتطوير وتحسين بيئة العمل.

 

النجاح في ذلك يجعل الجميع يشارك بدوافع ذاتية داخلية وبقناعة عالية وذلك أقوى بكثير من أي أنظمة مراقبة وعقوبات رادعة للمتراخين والمقصرين ، ومع ذلك فإن ثقافة المنظمة وبيئة العمل لا تعني أبداً إلغاء الرقابة والمحاسبة شرط ارتباط ذلك بمؤشرات قياس الأداء ، والتركيز على هذه الثقافة أفضل بكير لأن نتائجها دائماً أعلى وأفضل من ثقافة التدقيق على أتفه وأدق التفاصيل ومحاسبة الموظف عليها.

 

من الأمور المؤثرة أيضاً في صنع ثقافة المنظمة جودة الاتصال الداخلي مع الموظفين فكلما كان راقياً ومحفزاً خصوصاً في الجانب المعنوي فإنه يصنع فرقاً هائلاً في تشكيل ثقافة الموظفين من مختلف المستويات الوظيفية وبالتالي ثقافة المنظمة ككل.

 

حتى في إجراءات مغادرة الموظف للمنظمة فإن طريقة التواصل معه وتوديعه وتسليمه مستحقاته ما يشير إلى صحة ثقافة النظمة ، التواصل معنوياً يصنع فرقاً مذهلا في اهتمام الجميع بالعميل الخارجي وخدمته كما يجب ، كل حسب اختصاصه حتى من الإدارات التي لا علاقة مباشرة لها مع العملاء الخارجيين. أيضاً ثقافة دعم الإبتكار وحفظ الحقوق الفكرية ثقافة لها مفعول السحر وفي جميع إدارات وأقسام المنظمة.

المنظمة التي لا تستطيع تسويق

ثقافتها مبادئها ورسالتها وقيمها وكذلك منتجاتها لعميلها الأول (الموظف)

سيكون نجاحها في تسويق أي شيء للعميل الثاني (الخارجي أو النهائي) أصعب

1- الدعم الإداري :


تسهيل إجراءات العمل وآليات حصول الموظف على مستحقاته وربط نجاح كل مدير دائرة بقدرته على أن يسهل على الموظف تحقيق المطلوب منه وحصوله على حقوقه بأسرع ما يمكن.

 

2- المعلومات التسويقية:


من أهم ما يجعل التسويق الداخلي ناجحاً وداعماً للأنشطة التسويقية الموجهة للبيئة الخارجية هو مدى توفر المعلومات ودقتها سواء عن المنتج أو الأنظمة والسياسات أو أي معلومات تهم الفريق وتسهل عليه أداء مهمته فمثلاً البائع الذي تنقصه معلومات عن المواد المستخدمة في صنع منتج يقوم بعرضه للبيع يحدث خللاً كبيراً يجهض أي جهود وتكاليف خصصت لجلب ذلك العميل الخارجي إلى معرض المنظمة.

 

3- أسلوب تعيين العاملين:


أن يكون غير معقد ويعتمد على قياس الأداء والاتفاق على وصف وظيفي يشمل المهام والمسؤوليات مما يسهل على المنطمة تقديم العرض المناسب وتحقيق رضا الموظف بتجربته لديها (باعتباره عميلها الأول).

 

4- البرامج التدريبية والتطويرية:


رفع كفاءة الفريق والاستثمار في ذلك من خلال أفضل برامج التدريب المتاحة والممكن تقديمها للموظفين يعزز قدرة المنظمة في التسويق للعملاء الخارجيين. حتى تدريب الفنيين على الصيانة بسرعة وبتكلفة أقل يعتبر ميزة تنافسية تكسب بها العملاء الخارجيين.

 

5- الحوافز والمكافآت:


مراجعة وتقييم نظام الحوافز والمكافآت كل سنتين أو ثلاثة سنوات من خلال استبيان بسيط لمدراء الإدارات واستقصاء معدل الأجور والحوافز في السوق لدى المنظمات المشابهة والمقاربة في الحجم سيعطي للمنظمة قدرة كبيرة على الاحتفاظ بالكفاءات المميزة ويرفع من سمعتها في السوق مما يجذب المزيد من المميزين.

هوية المنظمة وعلامتها التجارية وارتباطها بالتسويق الداخلي

 

هوية المنظمة هي الصورة والإنطباع والشعور الذي يتشكل من كل ما له علاقة بالجوانب البصرية والمعنوية مثل:

    - الشعار ( الرمز أو الوسم الذي يمثل كامل الهوية والعلامة التجارية ).

    - تصميم الديكور ( المعارض – المكاتب – المباني – اللافتات والسيارات .. إلخ ).

    - القوالب الرسمية ( نماذج التعاميم والقرارات الإدارية والترقيات وغيرها )

    - الأدوات المكتبية ( الأوراق الرسمية "الترويسة" وبطاقة العمل والأظرف وبطاقات التهنئة والدعوة ... الخ ).

    - ملحقات التسويق ( النشرات، المطويات، الكتب، المواقع، التطبيقات .. الخ ).

    - المنتجات ومواد التعبئة والتغليف ( المنتجات التي تباع والمغلفات التي تعبأ فيها ).

    - تصميم الزي الرسمي ونوعه ( الملابس التي يتم ارتداؤها من قبل الموظفين ).

    - مؤثرات ووسائل التواصل الأخرى ( الصوت ، الرائحة ، الملمس وغيرها ).

 

جميع ما سبق يعتبر من نقاط الإلتقاء بين هوية الشركة والتسويق الداخلي فكل نقطة من هذه النقاط تؤثر على عملاء المنظمة ، بعضها تأثيره على العملاء الداخليين أكثر ومع هذا ينعكس التأثير على العملاء الخارجيين. وبعضها هو من ضمن التسويق الخارجي أصلاً ولكنه يبقى له تأثير على العملاء الداخليين.

 

ودمتم بخير

Join