عن أمهات الآخرين
يقولون الأجانب” العشب يبدو أكثر اخضرارًا في الجهة المقابلة” ترجمة بتصرف :)، وذلك دلالة أن أشياء الآخرين تبدو أكثر جمالًا وإن لم تكن.
انتهيت من مشاهدة مسلسل “ Little Fires Everywhere” وبغض النظر أنه ما عجبني مرة إلا أنه أثار أهم فكرة تخطر عندي في سياق مشاكل الأمومة ألا وهي “ أمهات الآخرين”.
مع كل مرحلة من مراحل نموي واكتشافي لتغير نوع علاقتنا أنا و أمي وظهور العراقيل اللي تكبر كل ما كبرت في السن، كان يوجد في الجهة المقابلة العشب الأكثر اخضرارًا،أي الأمهات الثانيات.
الحقيقة أنني ما أعرف كيف بديت أركز مع هذي الفكرة، هل كانت ملاحظة تلقائية مني أو أنها ردة فعل عنيفة تجاه أمي لما تقارنني بباقي البنات، عالعموم كان عندي نماذج نسائية كثيرة أتمناهم يكونون بدائل لأمي! .
أعتقد بدا الموضوع في الابتدائية يوم شفت معلمة الصف وحبي لها وحبها لي، أعرف أن أغلب الأطفال يحبون معلماتهم، إلا أن حبي كان مختلف وكنت أعرف أنه مو في السياق الطبيعي ولعلي قلتها بشكل جهري كجملة مركبة ومرتبة” ياليت أستاذة صالحة تصير أمي!” .
كبرت وتغيرت نماذجي وصارت أقرب فكان عندنا جارة تحبني جدًا وما زالت للآن، وتسمح لي أسوي اللي أبغى في بيتها بدون محاسبة شديدة فقلت لأمي يوم رجعت “ ياليت أم هند هي أمي!” أتذكر أن امي أخذت الموضوع بشكل هادي و حتى أنها ذكرته لنفس جارتنا وضحكوا عليه.
على الجهة المقابلة أتذكر واحد من أقاربنا كان يقول لأمي أنه يتمنى تكون أمه لأنها تهتم بأطفالها جدًا وعلى العكس من أمه اللي مهملتهم على حد قوله!
المضحك أنني اعتقد لو طرح الخيار بشكل رسمي لاختيار أم ثانية ما بأقدر أختار! و السبب ليس روعة أمي بلا شك :) لكن كل ما نضجت عرفت مشاكل الأمهات الثانيات، و ليش هم ما يناسبوني،
اختياري لنماذج أمهاتي الافتراضيات صار أكثر انتقائية. وأقل واقعية.
فيه فكرة ثانية يطرحها المسلسل وهي مهمة بعد وتؤخذ بالاعتبار. اللي هي هل أمهاتنا كانوا يبغونا بهذا الشكل؟ وما أعني الشكل الخارجي أكيد ولو أنه سبب تفضيلي لحب الأم في بعض الأحيان:) إلا أن الفكرة هل هم راضيين عننا وعن ما أصبحنا عليه؟
هل تقول الأم سرًا على إحداهن” ياليتها بنتي”، الله أعلم لكن إذا كنت تتمنى أمك تتغير فاحتمال 90% بالمية أنها تتمنى أيضًا تغيرك بالمثل .
هذا القداسية الأمومية الخاصة بالخيال الديني تأثر في نظرتنا لأمهاتنا وتوقعاتنا منهن، كيف ما يمكن تَفهم أن الأم تتمنى طفل بسلوك مختلف وهي بشر بالنهاية؟ هذا الحب اللامشروط كاذب وغير حقيقي لكنه في نهاية الأمر منطقي وواقعي جدًا.
ما زلت أعتقد أن علاقة الأم والطفل من أعقد العلاقات الكونية نظرًا لاختلاف الأدوار بينهم و التوقعات.
بس الأكيد أن العشب حق الجيران ليس أكثر اخضرارَا من حقنا
انتهى.