2000/09/30

ترى الطفلَ مِنْ تحت الجدارِ مناديًا
أبي لا تَخَفْ والموتُ يَهْطُلُ وابِلُهْ..
وَوَالِدُهُ رُعْبًَا يُشِيرُ بَكَفِّهِ
وَتَعْجَزُ عَنْ رَدِّ الرَّصَاصِ أَنَامِلُهْ..
أَرَى اْبْنَ جَمَالٍ لم يُفِدْهُ جَمَالُهُ
وَمْنْذُ مَتَي تَحْمِي القَتِيلَ شَمَائِلُهْ..


تميم البرغوثي - قصيدة ستون عام

قبل يوم من مشاركة التدوينة وكتابتها؛ كان يوم مقتل الشهيد، ذكرى الانتفاضة الثانية، التاريخ الذي نسيته لولا مشاركات الأصدقاء عبر ستوري انستقرام. نعم، لم أتذكره إلا بمشاركات عابرة ومشاعر جامدة لم تتحرك إلا صدفةً. 

أعود قليلًا، عشرون عامًا مضت، مشهد الأيادي وهي ترتفع تحاول ردّ الرصاص، جمال الأب يصرخ، محمد يستند على أبيه، طلقات لا تأبه ولا تبالي ولا تعبأ.. واحتلال يغتال الانتفاضة ويمحو قصة الطفولة، لتخترق الجسد وتُردي الأرواح الحُرّة.. شهيدة. هذا المشهد أيقونة ورمز يُجسِّد التاريخ الملوث، وكيان المحتل الغاصب. وليس إلا ذكرى من مئات آلاف الذكريات وقصة من مئات الحكايات، دافع لأن تكون القضية هي البوصلة بين عشرات المؤلفات والروايات وما تتناقله الصحافة والأخبار من يوم الاحتلال الأول، وخطيئته التي لا تُغفر. 

يوم كنت طفلًا، أي قبل أن يطرأ على الخيال خيالًا أن تشوب القضية شائبة، أو يتحول العدو إلى صديق، أو تُطمس قصص البطولة التي واجهت الاعتداء.. كنت، وعائلتي، والأستاذ بالمدرسة، ومشرفة النشاط في الروضة، نردد كل صباح ومساء وعندما نلعب:

" فلسطين بلادنا بلادنا بلادنا
واليهود كلابنا كلابنا كلابنا
دقوا على أبوابنا أبوابنا أبوابنا
زي الشحاتين 
تين على تين
يابياع الفساتين.."

أعرف، تردد اللحن جيدًا، وتتذكر أيام النقيّة الواضحة وقضيتنا الطاهرة.. وعندما كُنّا جسدًا واحدًا، روحًا واحدة. الأطفال من حولي اليوم، لا يعرفوا الأنشودة. 


أتساءل من الذي باع القضية، إن كنت أنا وأنت ومن لا يحيد عن واجهته ولا تتغير مبادئه.. لم يتخاطر علينا أن نستسلم، أو نتوقف عند أضعف الإيمان عن مشاركة ودعوة غيب عن انتمائنا الخالص لنقطة الانتقال والقبلة الأولى والمكان الذي بُورك من حوله.. المسجد الأقصى. يتخاطر بالتوازي مع هذا التساؤل إجابة كتبها محمد نجم؛ 
”باع القضية عاهر .. و بدرهمين من الذهب

باعوك يا طفل الحجارة أنت تعرف ما السبب

خافوا على زيف الكراسي و المناصب و الرتب
خافوا من الفكر الذي يغزو العواصم إن وثب”

لماذا أيضًا؟
”لأنك البرق الذي يعني اقتراب العاصفة

كنتَ السبب

كل الوجوه الخائنات تكشفت.. ولم العجب؟

فصروح أرباب العمالة ضربتين وتنقلب

أنتَ السبب”

ويبقى بطل الحجارة، سليل النور، يقترف ذنب أرباب العمالة ويُعاقب.. يُنتهك ويُغتصب بدمٍ بارد وصحافة كاذبة. أخبرني صديقي مرةً خبرًا عن الحق -أي حق-؛
أنه لا يضيع ولو توارت معالمه، لا تموت عروقه ولو ذبل، لا يغيب ولو قلّ أتباعه وجمهوره ومن يطالب به، الحق دائم ومحفوظ وباقٍ حتى قيام الساعة، لكن لا يؤتى من قبلك، ولا تكن الذي اقترف خطيئة تجاهله. سيعود ولو طال الزمان، سيأتي بلمح بالبصر. وقال لي هذا الصديق عن الذين أُتي من قبلهم وتصدروا الانتكاس عليه؛ سيذهبون ويبقى، ويُنسون ويدوم، وإن ذُكروا.. لُعنوا ولعنهم التاريخ. 

ولأن التدوينة تجمّلت بأبيات تحمل المعنى وتعنيني، أختم بما يعزّي أيامنا المثقلة وزماننا العصيب ما ذكره الورديّ في لاميّته:
”أيـنَ نمـرودٌ وكنعانُ ومن .. مَلَكَ الأرضَ وولَّـى وعَـزَل
أيـن عادٌ أين فرعونُ ومن .. رفـعَ الأهرامَ مـن يسمع يَخَل
أينَ من سادوا وشادوا وبَنَوا .. هَـلَكَ الكلُّ ولـم تُـغنِ القُلَل
أينَ أربابُ الحِجَى أهلُ النُّهى .. أيـنَ أهـلُ العلمِ والقومُ الأوَل
سيُـعيـدُ الله كـلاً منـهمُ .. وسيَـجزي فـاعلاً ما قد فَعَل”

دُمتم ودامت فلسطين قضيتنا الأولى، والحق الذي لا يغيب. 

Join