مركب غير مثقوب (1)
بعدما أتقاعد سأشتري قاربًا وأخوض غمار البحر، أجُدِّف بكلتا يداي وأركب الأمواج العاتية، أشكي لنسمات الرياح الباردة وزرقة المياه الصافية.. إن كان من شكوى بعد التقاعد، أحجب الشمس عن رأسي بعمامة أو طاقية بصناعة ألمانية مضادة لأشعة الشمس فوق البنفسجية، سأستمع للراديو وهو يصدح، وأطالع ضفادع البحيرات الصغيرة وهي تسبح، وأحمل بصحبتي الروايات الحالمة والحكايا الماجنة وألف ليلة وليلة, وقبل أن أتكئ تحت شجرة جوز الهند المثمرة لأقرأ طويلًا، أُحكم رباط قاربي.. أو يختي الوديع بصخرة ثابتة وحبالٍ وتيدة، أحمل شعلة النار وخيمة الفرد الواحد وحقيبة بثلاث غيارات متنوعة، وقطع من الفواكه والمكسرات وأرز ومعكرونة وأدوات الطبخ التي تفي بالغرض ولا تثقل المسير ولا المركب. أستكنّ، أجمع الحطب بقطعِها يدويًا بسكينة سويسرية صغيرة أهداني إياها صديق سفر قبل التقاعد بعشرِ سنوات، عشرة أخشاب لليوم، وعشرة أخرى تكفيني عناء الغد وربما لضرورة الطقس المخادع بعد منتصف الليل. أُشعل قطع الخشب الصغيرة، أُرتب الأحجار بشكل مستدير لحماية شبة النار من الرياح غير المستقرة، أثبت إبريق الشاي وأجمع مياهَهُ من البحيرة بعد تعقيمها من الأملاح والرواسب بأداة تعقيم اشتريتها من كاليفورنيا في رحلة مسير سابقة بعد أن خشينا العطش وعلمنا ضرورة الاستعانة والتكيف مع البيئة المحيطة، يغلي الماء ويفوح، بحركة متزنة أضع أوراق شاي “الوزّة” بهدوء ساكن يشبه رحلاتي المستمرة عبر القارب، وفي لحظات انتظار خديره أُعدّ طعام المساء الأول؛ اخترت المعكرونة ذات الخواتم. أصلّي جمعًا وقصرًا صلاة الغروب والعشاء، وأبدأ بتناول الوجبة الشهية وأرتشف الشاي الخادر، لأتجاوز الزمان والمكان والعمر الطويل وكدر الأيام.. “وأتذوق طعم الأبدية، ولو للحظات”. ثم أشرع بالقراءة، بدأت بجزيرة الكنز مساء اليوم الأول حتى سكن جسمي وفترت قواي العقلية. فتحت الخيمة، ثبتها خلف شجرة تكون حاجزًا وملاذًا يحميها من الرياح الشمالية، فرشت اللحاف والغطاء بحشوة ريش الوزّ الدافئة؛ ونمت حتى أيقظتني طيور اللقلق المتألقة بطلوع الفجر..