الليلة الأخيرة

يهددنا تويتر بالرحيل، أو يلوّح لنا بذلك ليثير الشغب والحزن والعويل. أنا لا أحب المساومة ولا أن أكون تحت تأثير احتمالاته الضعيفة، أفسح المجال للخروج لمن أراد كما اعتدت.. وإن لقيت من المقابل لمحة أو رغبة، ربما سبقته ورحلت حتى لا أضطره أن يفعل ويسبقني وأصبح الطرف الأضعف والخاسر في معادلة الفقد. أيضًا أعفيه من مسؤولية المغادرة والأسى الذي يلحقها.

اتفقت مع صديق قبل أيام لتخفيف حدة التعلق بمواقع التواصل، أن ننتبه للحياة وما تتطلب، وأن الحد الزمني لاستخدامها مقنن وتلحق مخالفه العقوبة وفقًا لعقدٍ مكتوب ومقرر. حاولت الالتزام ولم يتغير الكثير.. لا زالت هي المحادثات التي أخوضها والتغريدات التي أقرأها والتفاعل الذي أراه والتنقل بين التغريدات من كارثة لبنان إلى تبرعات مركز الملك سلمان إلى سخرية وتندر ثم مقطع طريف يضحكني وأخيرًا تغريدة عاطفية حول العلاقات. كل هذا في دقيقتين. أعرف تمامًا ما تطبعه هذه التنقلات من تجاوز للوقوف أمام اللحظة وتقديرها، والتفاعل مع الحزن، والابتهاج للطرفة.. كلها تكون واحدة لوجودها في وقت واحد. الشعور ليس انسولين ينظم التفاعلات ويرتبها بتلك الطريقة. وإنما يطلب المزيد من الاستغراق والتأمل والعيش معه، ليحصل على التأثير والتفاعل الذي يستحقه. 


لاحظت أيضًا، أن كل الأشياء التي تعنيني تستمر بالتأخر ما دمت أتفاعل. أقصد الأشياء التي تملأني وتغرقني بالارتياح والسلام والتصالح، إنهاء أعمالي وقضاء لحظتي الكاملة مع من حولي وكتابة تدويناتي ومذكراتي ومطالبة مستحقاتي التي ينتظرها حسابي البنكي بشغف. والتفرغ لتلك المعاني التي تهمك وتشعر بمرور الأيام أنك بها “أحسن”. هذا الشعور يتضاءل ودماغي منشغل، ولحظتي مسروقة، وساعاتي مهدرة وتائهة.. في اللا شيء، تمنيت أنها ضاعت في متعة. حتى المسلسل الذي صنفه النقاد بأنه الأروع على مر التاريخ لم أشاهد نصف ساعة منه دون تقطع، لأن هناك تويتر ومحادثة قائمة مع أحد الذين أجهلهم. وفي أوقات فرحك، تقرأ كلامًا قد وجهك إليك وأنت المعني فيه، كلام لم يعبأ به صاحبه المتخفي بحسابه المجهول، وتتحول الحال إلى شخص غريب.. لأن ذاك الذي يسكن في بقعة بعيدة من أرضك، وهاتفه بقربه ولا يحسب تبعات كلامه ومقاصده، كتب كلامه ووخز قلبك. لم يكن ليفعل ذلك لو كنت بجانبه أو كان اجتماعكم على كوب قهوة.. حتى ولو كان عدوك اللدود. 

تويتر منحني شيء من القيمة والمساحة وسهولة التعبير والوصول، قيمة مضافة لأن أكتب رأيي المقتضب الذي أراعيه في كل العيون التي تراقب.. وأقرأ للرأي الآخر بحذر، غير أن عدم القدرة على الاتزان والتعامل كفيلة بأن تحبطني وتسخر الأيام مني، وأن أنتكس من الأشقياء. 

ولأنه أوهمنا وتركنا للشك، سأغادره لست آسفًا عليه حتى فترة بعيدة، تسريح بإحسان أنثر فيه المدونات الجديدة والأحداث الهامة لأفرح بها مع الذين فرحوا لأجلي وكان تويتر جسرنا الذي عرفني عليهم وكانت واحدة من حسناته القليلة. 

شكرًا لمن كسبتهم بهذه المنصة، ومن قرأ هذه التدوينة، وأنا متواجد عبر البريد كل وقت، أو تيلجرام “aalhusayani”. إلى اللقاء بتدوينة جديدة. 

Join