بداياتنا المترفة, وأيامنا الأولى

أنا ابن آدم، وأنا أحب البداية. معلق بها وأنتظر قدومها لأطرح فيها الحلم والأمل، فأرسم الخطط الطويلة وأكتب مقترحات الحياة السعيدة، لتبدأ بداياتي برسومات وخرائط وقوائم للمال والأعمال والكثير من البدائل دون حذر: أ-ب-ج. دائمًا ما كنت أكتب وآمل وأنتظر.. ولا يتحقق غير الخسارة، وخيبة تقصم الظهر وتجرح المتبقي الذي لم ينجرح. أحلامي اعتادت أن تكون بعيدة المنال، وأيامي تدفعني للتخلي عنها وأن أسير وأتماهى تبعًا لمشيئة الأقدار ومجريات الأيام.. وأحمل الفأل صاحبًا ورفيقًا يجيرني ويعينني على تلك الصدمات والخيبات والمنعطفات -غير المخطط لها عادةً. برغم البدائل المنطقية المكتوب، أنا فاشل بمرتبة الشرف في التعامل مع استراتيجات المخاطر-.

مشهد البداية آسر ويدعو للتأمل وتحفيز الدماغ والمشاعر؛ لذا أحب أن أتواجد مع الآخرين في بداياتهم التي تحمل بظاهرها توقعات ودعوات وسائر الأمنيات بتحقيق الكمال والنجاح والرضا؛ مشهد المشاعر المترفة التي يحملها الحبيب تجاه حبيبته في ليلتهم الأولى بأعين لامعة ولحظات دافئة تغلب درجات الحرارة وصقيع الغرفة الباردة، ذاك العراك الشرس مع معدات الحديد وأجهزة اللياقة في اليوم الرياضي الأول لمن جاوز وزنه 120 بقصد اللياقة وبناء العضل، تلك الأعين الملأى والمغرورقة بدموع السكينة والفرح على وجه المسلم في سجدته الأولى وخضوعه الذي يرتقي به ويرتفع، المشهد البديع للعصافير المحلّقة وزقزقتها بداية الإشراق فرادًا وجماعات.. باحثة عن رزقها وعائدة لأكواخها مترفة مشبعة، كما جاء في الحديث «تروح خماصًا وتغدو بطانًا»، يوم الميلاد الأول للطفل الوديع الذي بدأت حياته للتو بصحبة أهازيج الفرح ورسائل التهنئة والمنافسة على اختيار اسمه والحيرة في مستقبله: طبيب ولا طيار؟.. اليوم الجامعي الأول بخطة معدل 5/5 ورحلة اختيار صديق العمر.. المبتدأ الذي يتبعه الخبر، والبداية التي يتلوها منتصف ونهاية.  

كتبت رضوى بلسان الفلسطيني الذي لم يجد من حياته بد، يتنفس الموت ويعيش تحت المدفعية ولا يسمع غير طلقات النار التي لا تتوقف إلا لهدنة واتفافية سلام لا تعرف السلام: “فيتأكد لي مع كل صباح أن في هذه الحياة رغم كل شيء، ما يستحقُّ الحياة.”، اختلفت البدايات واتفقت على أنها تدفعنا لأن نتكئ عليها ونأمل بها ونرجوا منها حياة أفضل وأنقى وأصفى، نرتقي بها ونشد المئزر ونعقلها ونتوكل. نعم تجاوزت المنطق والعقل والواقع عندما وثقت بالبدايات وتأملت فتألمت، ظننت أني سأتجاوز بيزوس بأمواله، وأنافس الزاهد في صومعته بروحانيته، وأجاري أمي باهتمامها وحبها وخوفها على أولادها، وأعطي من الحب ما أعطى مجنون ليلى، والعديد من الأشياء غير المنطقية. ثم أتفاجأ: لماذا؟

برغم التجارب الخاسرة والبدايات التي انتهت في البداية، أُخبرني وأخبر بأن المقاومة تتطلب المقاومة، والصبر يحتاج المزيد من الصبر، ونهايات الورد طرقها وعرة، ومنطق الحياة لا يسير وفق خططنا الممنهجة.. دورات الأزمات والمخاطر لا تفيد دومًا مع المنعطفات الخارجة عن الحسبان ولغة الأرقام. والسفينة مخروقة والموج لا يرحم والرياح لا تحترم رغباتي، ولا تعرفها بداية المطاف ونهايته. وسأظل أتأمل. 

بداية سنة سعيدة، وأيام مليئة ومباركة، وأمنيات محققة، واحتفاءات بعد انتظار.. تنتظركم.

Join