العلم؟ نعم.. ولكن!
رسالة مفتوحة إلى مجهول..
أهلاً يا صاحبي..
بداية أشكرك على بث ما في خاطرك إلي، فكلنا يعاني من هموم ينبغي له بثها إلى من يسمع منه، ولابد من شكوى إلى ذي مروءةٍ *** يواسيك أو يسليك أو يتوجّعُ
إن ما تمر به يا صاحبي هو بداية الرحلة لليقين ، فلا تزد قلقاً وضيقاً..
بل أتدري يا رفيقي بأن هذا التساؤل قد طرق بال الكبار والصغار، والعلماء والجهال؟
تساؤل
دعني بدايةً أُفصح عن تساؤلٍ أشد خطورة من سؤالك : هل ما وصل إليه العلم اليوم كفؤٌ أن يطرح الإيمان بالغيبيات جانباً؟
أتدري ما جوابي على هذا التساؤل؟
سأقول: نعم.. ولكن!..
وضع كل تركيزك على ما بعد "ولكن".
يا صاحبي علوم اليوم قوية إلى درجة انها تكشف يومياً ما جهله العالم لسنوات..
ولكن هذه العلوم -وعلى جلالة قدر كثيرٍ منها وعلى قدر جهد علماءها- تبقى محلاً للأخذ والرد، للتجريب والنقد والنقض..
هل كنت تعلم أن العلماء ظلوا يسلِّمون لقرون طوال بأن مصدر حرارة الشمس هو الضوء الصادر منها وحسب! هل تعلم أن العلماء كانوا يؤمنون بأن الماء والهواء والنار والتراب هي أصل العناصر؟ بل هل تعلم يا صاحبي أن كثيراً من علماء الفيزياء كانوا متيقنين أنهم أدركوا كل مبادئ الفيزياء؛ أتدري ما الذي حصل بعد ذلك؟! في بداية القرن العشرين نقضت نظرية الكم كثيراً من هذا المبادئ!
أطلت عليك؟ حسناً دعني أطوّف بك حول ناحية أخرى من القضية.. إن أصل هذه المسألة قد يكون في طريقة نظرتنا لها.. تخيل معي أنك تريد أن تدرس طبيعة "شيء" ما.. ستحدد ماهيته أولاً، ثم تبدأ بالبحث عن المصادر التي تعينك على دراسة.. ثم تبدأ تجري تجاربك ومحاولاتك لفهم طبيعته.. ودعنا نقول أنك في نهاية الأمر أدركت مرادك من هذه الدراسة.
احسنت.. هكذا يعمل العلم التجريبي.. يدرس "الأشياء" بداية بتحديد ماهيتها أو أصلها.. المشكلة يا صاحبي أن العلم التجريبي يعجز عن معرفة الماهية الحقيقة لكثيرمن الغيبيات!
أعلمُ يا صاحبي.. قد يكون هذا المثال معقد التركيب والغايةِ قليلاً .. لكن تأمله وستدرك أن خلل الأصل يؤدي إلى خلل الفرع..
أما بالنسبة للغيبيات.. فلنعُد قليلاً إلى الوراء..
عندما كنت تحاول المراوغة في إجابة والدتك على معاتبةٍ ما، في طفولتك.. ثم تتفاجئ أنها كانت تعلم السر! .. كلنا مررنا بهذه اللحظات.. كبف لهذا الكائن أن يدرك ما يدور في خواطرنا وخلواتنا! نجتهد ونحلل.. هل أخبرها أحدٌ بما فعلنا أم أنها استرقت النظر إلينا على حين غفلة..
لكن عندما كبرنا قليلاً.. أدركنا أن تحليلنا كان وهماً.. الأمر بسيط للغاية.. كانت تعرف ما الذي وسخت لأنها رأت الحبر على ثيابك، ورأت حليبك المسكوب فعلمت أنك لم تشربه..
هذا المثال نفسه هو تفسير التساؤل الذي طرحته..
نحن لا نعلم ما في الغيب.. فنجتهد في تصور ماهيته، نترقب الأرصاد لمعرفة حال الطقس.. ونحلل الشخصيات لمعرفة أفكار الناس.. طقس الغد غيب.. وتفكير الناس أيضاً غيب.. نصيب نادراً ونخطئ في غالب الأمر.. ولكن يبقى ما في الغيب غيباً لا يعلم حقيقته إلا الله سبحانه.. قد يعلم بعض البشر شيئاً منه وقد يكشفونه للناس.. أما نحن فنصدّق به كما جاء في القرآن والسنة..
أتدري لماذا يا صاحبي؟
لأننا نؤمن أنهما جاءا من مصدرٍ لا يقبل النقض أبداً.. وحيُ الله تعالى..
ختاماً..
بيقى السؤال.. هل عرفت ماذا بعد "ولكن.." ؟.
والسلام عليك يا أبيض السيرة، وأترقب زيارتك بعد انتهاء ضغط الدراسة بشوق..