معًا من مكانٍ بعيد..
لحظة امتنان
على مدى هذه السنوات الأخيرة من العمر.. وعلى قدر ما تقلب وتغيّر فيها من حالي.. وبالرغم من عدد الأشخاص الذين التقيت، وعدد الذين فارقت..
هناك ما بقي ضمن الكثير الذي ثبت في حياتي ولم يتغيّر رغم تغيُّر الزمان والمكان..
بعد هذه السنين المعدودات على الأصابع، والمحسوبات تقدُّماً كعمرِ طفلٍ غدا كهلاً..
الآن أقول : شكراً لك يا صديقي..
شكراً بحجم الحياة التي عشناها معاً، وبقدر نجاحاتنا التي تحدثنا بها معاً.. شكراً بقدر الآمال وبقدر الآلام التي تُعدُّنا لها..
إن كنتُ بعيداً عنك، ظللت أنت على العهد وفيّاً.. وإن كنتُ قريباً تمسكت بحبال المودة والحب صادقاً..
معاً.. تألمنا وتعلمنا.. وخططنا ونفّذنا.. وأصبنا وأخطأنا..
إن نظر كل منا إلى الآخر.. وجدنا كل ما بيننا مختلفاً وكأنه لا طريق يجمع بين ساحتينا..
ولكن.. إذا أعدنا النظر بفحص أدق.. رأينا أنّ ما يميّزنا هو اختلافنا، وما يجمعنا هو حب التعلم من هذا الاختلاف..
لطالما دخلنا في سجال حول فكرة.. أو في حوارٍ حول مبدأ.. أو في نقاش عن قضية.. أو حتى في لهوٍ نعده تافهاً أو ممتعاً بعد الفراغ منه..
لكن يبقى أصل الحب صافياً لا يغيّره الزمن أو الحدَثْ.. ولا يشوبه وهنٌ أو دَنَس..
إن كنت سأحفظ أسماء الرجالٍ الذين غيّروا شيئاً في حياتي.. فسيكون اسمك في ذاكرةٍ تأبى النسيان..
كنت أتعجب كثيراً من تلك الحال.. التي يطول فيها الغياب، وتنقطع فيها سبل الوصل.. ثم ما نلبث أن تؤوب الأوضاع إلى سالف العهد أو مع قربٍ أشد..
ثم أدركت لما تأملت، أن أصل الأمر يعود إلى ذلك العهد الخفي الذي قطعناه وما بُحناه: أن رحلة الحياة سنعبرهاً يداً بيدٍ معاً.. وإن لم نكن في مكانٍ واحدٍ معاً..
لا أنسى تلك الأيام التي عانينا فيها من صعوبة التكيف، ومحاولة الفهم، وإرادة التعرف على ما تُضمر الشخصيات.. ثم ما نلبث أن نخوض في عوالمنا، كلٌّ يغرف مما عند صاحبه.. وما عندي غيرُ حوضٍ وأما ما عنده فاليمُّ والنهر..
ولا أنسى تلك الأوقات التي أكون فيها بعيداً عنه في مناسباته الخاصة والعامة أو عندما يكون نائياً عني في ما يشغله من أموره.. عندها لا يرق لنا جفن حتى نشعر في دواخلنا أننا معاً في ما يسر وما يُحزن؛ وإن كان البعد أميالاً وأسفار..
أحاول تعرف أخباره ويحاول التقاط ذكراي.. يحاول معرفة أيامي وما يجري فيها، وأحاول أن أكون قريباً منه روحاً وفكراً قبل قرب الجسد والمكان..
شكراً يا صديق، بحجم تلك الكلمات التي تكتمها في حال حزنك، وشكراً بقدر تلك التي تبثها في حالِ الفرح..
أما في الختام.. فآسف.. أهمسها في أذنك.. لأني لم أجد غير التعبيرِ بالقلم والهمس في القلب.. وآسف لكل تلك الأوقات التي تلتفت فيها ولا تجدني عن يمينك.. وآسف لكل مرة خدشت فيها قلبك بغير داع..
لكن لتعلم أني بجانبك دائماً.. و لكن أحياناً من مكان بعيد..