شوك القنفذ
أزمة العلاقات
لماذا نرى كثيراً من العلاقات تضطرب بمجرد زيادة توطيدها؟ ولماذا تبهت العلاقات إذا زالت بعض التكاليف بين أطرافها؟
لا نتحدث هنا عن العلاقات التي حددتها ظروف العمل أو أواصر الرحم.. ولكن نتحدث عن تلك العلاقات التي تقوى بزيادة الخُلطة، وتتجذر بكثرة اللقيا، نتحدث عن العلاقات التي قد تبنى بدايةً على مصلحة مشتركة أو إعجاب متبادل، ثم تتطور إلى أن تتحول لعقد محبة وصداقة يربط طرفيها..
إن هذا النوع من الارتباط، يكون التكلف فيه قوياً في بداياته؛ فنجد مراعاة الطرف الآخر، وتقديم مصالحة، ومداراته.. ثم تتحول تدريجياً -بطبيعة الحال- من التكلف الكامل إلى الأُلفة الكاملة، ومن المداراة الكثيرة إلى الصراحة المطلقة..
وقد نجد هذا التحول قوياً بين البعض، وضعيفاً بين البعض الآخرين.. فكلما كانت القلوب أميل والنفوس أقرب والمشتركات أكثر والحرص أقوى، نجد التحول أكبر، -وهذا أمر طبيعي- فتنتقل العلاقة من المعرفة الرسمية إلى الصداقة القوية أو الخُلة المتجذرة.
كلما اقتربت الأطراف، صارت الحاجة إلى تجنُّب التعارضات أكبر!
وفي أثناء هذا التحول، وبحسب قوة المرحلة التي وصل إليها تزداد الحاجة إلى زيادة مستوى التضحيات! ولو ضربنا مثلاً بالقنافذ البرية: حيث نجدها لا تقترب من بعضاها البعض إلى حد الاحتكاك خوفاً من أن يتأذى كِلا القنفذين بهذا الاقتراب عندما تنفش أشواكها، وليست المشكلة في أنها لا تُفضل الاقتراب، ولكنها لا تستطيع تقليم أشواكها كي لا تؤذي إخوتها..
وكذلك هذه العلاقات الإنسانية، كلما اقترب أطرافها، صارت الحاجة إلى تقليم وتجنُّب التعارضات أكبر!
فيكون الطرفان في حاجة إلى التنازل عن أشياء أكبر وأكثر..
فنجد أحدهم يضحي بما يُزعج الطرف الآخر حفاظاً على مزاجه، أو يتنازل عن عما يُحب إن كان يطمع في بقاء صاحبه معه. وزيادة على هذا وتوضيحاً له: كلما اقترب طرفا العلاقة أكثر، صارت الأستار بينهما أقل فيطلع كل منهما إلى ما كان مخبوءًا عنه عند صاحبه، وهنا إما أن يكون هذا المستور سبباً لزيادة دوافع المحبة؛ فتقوى روابطهما، أو أن يكون أمراً يزعج أحد الأطراف؛ فعلى الآخر أن يضحي أو يتنازل، أو أن يوقف العلاقة عند هذا الحد إن رآها تتعارض مع أمر ما في نفسه.
وعند هذا الحد، وعند هذه المرحلة تكون العلاقة في مفترق طرق، فإما أن تزداد قوةً بزيادة دوافع المحبة وبتضحيات المُحب، وإما أن تبقى على مستوىً ثابت من الخلطة والمعرفة -وقد يكون مقداره لقاءً في مكان مشترك او غيره-، وإما أن ينخفض مستوى الاهتمام ومقدار الحب بقدر ما انكشف لأحد الطرفين عن صاحبه أو بمقدار ما احدثته الأيام في من تغيُّرات!
فهذه العلائق تحدها المنافع والمصالح والأمزجة المختلفة من كل جهة، وتزداد التضحيات قوة بزيادة قوة تعارض هذه الثلاث السابقة، وتزداد أهمية التضحية بمقدار أهمية العلاقة وبمقدار قوة المحبة بين طرفيها.. وكلما سمت العلاقة، تذوب المصالح في بعضها مع الوقت، فيضحي كل منهم من أجل بقاء هذه العلاقة، بل وقد تزداد المصالح المشتركة بمضي الوقت والزمان، فتكون المحبة والألفة بين طرفيها قوية لا يكدرها تغير أحوال الطرفين.. بل قد تتحول إلى اندماج وانمزاج في الهوى تحت كل الظروف والأحوال.
وهذه هي الفكرة..
فليست القنافذ جافيةً بابتعادها عن بعض، ولكنها عاجزةٌ عن نزع أشواكها.. وأما نحن فأشواكنا هي مصالحنا وأهواؤنا التي تتعارض فيما بيننا..