كل عيدٍ ونحنُ بسعادة..
عيدٌ مختلف.. لكنه عيد سعيد!..
في السنة الماضية، وفي نفس هذا اليوم.. صادفت عيدَ فطرٍ مختلفًا تمامًا عن كل أعيادي..
ولك أن تتخيَّل لو أن عيدًا يُصبح عليك فلا تسمع فيه تكبيرًا، ولا تجد بجانبك رفيقًا تعايدهُ، ولا أبًا وأمًا تُقبّل رأسيهما بعد الصلاة، ولا صاحبًا أو أخًا تحضنه، ولا طفلًا تُلاعبه! سيكون ذاك عيدًا غريبًا أليس كذلك؟!
في تلك السنة.. بعد أن صليت الفجر في أول أيام العيد استلقيت على فراشي متمددًا لأرتاح بعد إنهاك أسبوعٍ كامل، وبدأت أتابع خروج الناسِ لصلاة العيد من بيوتهم مباشرةً.. لكن عبر تطبيق السناب شات!..
وفي تلك الأثناء، وبعيدًا عن شاشة الجوال، لم يكُن يملأ جو الغرفة إلا طنينُ المكيف البارد، ولم يكن يُحيطُ بالغرفةِ إلا هدوءُ الصحراء الساكنة، ولم حولي إلا ضجيجُ الحفار الضخمِ يخترقُ ذاك الهدوء ليصل إلى أذني مباشرةً.. نعم، فلقد كنت أبيت تلك الأيام في مخيم بئر حفرٍ ؛ كجزءٍ من التدريب الميداني المرتبط بالجامعة..
وبعد دقائق معدودةٍ على أصابعِ اليد، انتبهت من الفراش وقلت في نفسي حينها: “إنَّ هذا العيد لن يتكرر عليك أبدًا بهذه الحال مرة أخرى إلا أن يشاء الله، فعشه كما هو عيدًا تفرح فيه بختام شهر رمضان، وبأن لك أحبابًا تُدخل عيهم الفرحة بمعايدتهم”..
فقمت من فوري، واتجهت إلى خزانة ملابسي.. فاستحممتُ وتطيَّبت، ولبست أفضل ما كان فيها.. “قميص عنابي، وبنطالٌ قريب من لون الجينز ما بين الأزرق والسماوي”..
وخرجت على الفور من الغرفة.. فاستدبرت الحفار وضجيجه، ثم سرت نحوًا من 5 كيلو مترات في الصحراء.. ثم ظللت أسيرُ وأسيرُ إلى أن تأكدت بأني لم أعد أسمع ذاك الضجيج، وأن الهدوء قد احتضن المكان كله.. فالتفتُّ حولي وإذا بالظلام يغطي الأرض شرقها وغربها؛ إلا شيئًا من أنوار مخيم الحَفار، ولمحت نجومًا تتلألأ في السماء كأنها تهنِّئ الأرض بِعِيدِ المسلمين.. وهناك في الشرق بدا نور الشمس أيضًا بعد دقائق يُطلُّ وكأنه يقول لي “لست وحدك أبداً في هذا العيد”، والرمال الناعمة بينهما تمتد على مرأى البصر أمامي، فتوقفت أشهد هذا الجو المهيب والعظيم..
أخذت نَفَسًا عميقًا واستلقيت من فوري على تلِّ الرمال.. ثم بدأت أُكبر الله بتكبيرات العيد بهمس وأنا أنظرُ إلى السماءِ أسبِّحُ خالقها، وحمدته على كل نعمةٍ أنعم بها علي..
عيدٌ لم يكن كباقي الأعياد أبدًا..
انتظرت شروق الشمس.. ثم قدَّرت وقت صلاة العيد في الحاضرة، وانتظرت حتى تأكدت بأن الناس قد بدؤوا ينصرفون من المساجد إلى معايداتهم ومجالسهم وأهلهم، فرفعت هاتفي وبدأت أتصل بكل من خطر على بالي في تلك اللحظة.. والديّ، أهلي، أصحابي، وكل من حضر في ذهني حتى لو كان مسافرًا بعيدًا.. المهم أن أتصل وأوصل فرحة العيد إلى كُل من أستطيع لأشاركهم وأُهنِّئهم.. فمضت على تلك الحال نصف ساعةٍ، فساعةٌ كاملة، ثم امتد الوقتُ إلى أكثر من ذلك.. حتى شعرت في داخلي بأني قد أعطيت هذا العيد شيئًا كثيرًا من حقه في الفرح والإدخال البهجة عليّ وعلى الغير..
ثم أغلت الهاتف.. ووقفت لحظةً أراقبُ الشمس بعد أن ارتفعت وملأت الأرض بنورها وشعاعها الصباحي الدافئ.. ثم عُدت إلى المُخيَّم..
عدت أدراجي نحو ضجيج الحفارِ مرةً أخرى.. ولكنْ في هذه المرة كنت أمشي وأنا أكاد أن أطير من البهجة وشعور السعادة..
ومضيت إلى الغرفة، وإلى سريري وخلدت إلى النوم استعداداً لليلة حافلةٍ بالعمل بروحٍ فَرِحةٍ بالعيد..
نعم.. لم يكن ذاك العيد عاديًا أبدًا، ولا أظن بأني سأعيش عيداً مثل ذاك العيد!..
لكنني أيقنت حينها بأن فرحة العيد -والسعادة بشكلٍ عام- يكمُنان في شعورٍ داخل نفسِ الإنسان؛ يتحكم فيه هو، ولا تقدر الظروفُ على إفساده مهما كانت!
أما عيد اليوم.. فهو أيضًا تجربةً من نوع آخر، فعيد “كورونا” ليس كباقي الأعياد بالتأكيد.. إلا أنه يبقى عيدًا سعيدًا!..
فهنِّؤو من تحبون.. وتواصلو مع من تستطيعون.. افرحو والعبو وتواصلو بالخير.. فالعيد فرحةٌ تسكن القلب وتُشِعُّ منه لتُنير وجوه الناس بابتسامتهم ورضاهم..
وكل عام ونحن بعافيةٍ، وحمانا الله ومن نحب، وحمى اللهُ هذا الوطن العزيز من كل بلاءٍ وفتنة وسوء..