لوحة الحياة
بين الاتزامات والذكريات
دعنا نفترض أن حياتنا لوحةٌ نجتهد بكل ما أوتينا أن تزينها وأن نرسم بالألوان إبداعاً يعبر عن مشاعرنا ومشاريعنا، خبراتنا وتجاربنا، حاضرنا الذي نعيشه ومستقبلنا الذي نتخيله..
إننا في هذه اللوحة نتقلب بين البهجة والكآبة، وبين الرضا والسخط، وبين براءة الطفولة وتكلّف الكهولة واندفاع الشباب، قد يدفعنا للإبداع تقليدٌ عائلي، ويمسكنا عن المضي نظرةُ مجتمعٍ قاصرة..
وتصبح التزامات الإنسان وذكرياته علائق تقيِّده وتفرض حدوداً على واقعه وفكره وحياته، أو طاقةً تدفعه لأن يبدع في هذه اللوحة
فألوان لوحة حياتنا تتدرج وتتموّج مُشكِّلةً صورةً تُعبرُ عن اختلاط الاتزامات والذكريات؛ فبقدر أثر هتين الاثنتين تتدرج الألوان من الباهت إلى الداكن، وتزداد الصورة عُمقاً لونياً وتنوّعًا خطّيًا.. وبقدر النجاح في التوازن بين الاتزامات الظاهرة والذكريات الباطنة تكون اللوحة منتعشة وبقدر الفشل في هذا الاتزان، وبقدر التعقيد في طبيعة العيش والتعامل من الأشياء والأشخاص تتحول اللوحة إلى شيء يفقد شكل الحياة..
أما ذكريات الإنسان التي جاءت نتيجة خبراته، والتزاماته التي فرضها عليه واقعه الذي أراد عيشه: فهي الحدود التي تقيّدُ لوحة الحياة؛ فتفرض عليها مساحة لا تجرؤ أن تتعداها أبداً..
تأملت مشوار حياتي إلى هذه اللحظة.. وحاولت أن أسترجع كل ما قيَّدني عن المضي قدُمًا، وأوثقني عن أن أصل إلى ما كنت أخطط له أن يكون مستقبلي في يومٍ من الأيام..
فوجدت أكبر عائقين لي عن المسير لما أردت : ذكرى سيئة و أخرى أسأت فهمها، والتزامٌ بشيءٍ لا يزيدني ولم أتجرأ على الفكاكِ منه..
أما الذكريات فهي صورٌ انطبعت في عقولنا وترجمتها نفوسنا بإرادتنا نحن، وبحسب رد فعلنا تجاهها.. وأما الاتزامات فإمّا أن تكون أمرًا خارج عن حدود طاقتنا وسيطرتنا؛ فهذا لا سبيل إلى نفيه، أو أن تكون واقعًا رضينا بالمكوث فيه مُدَّةً من الزمان؛ فهذا هو القيد الذي يُمسكنا عن المسير..
الذكريات تُشكّل باطن الإنسان فتبني تفكيره وشخصيته، والاتزامات تُشكّل واقع ظاهر الإنسان فتحتوي نتاجه وثمرات أفعاله..
وفي الختام..
في الحقيقة لا أدري هل اتضحت الفكرة التي تخمّرت في رأسي لك أخي القارئ أم لا فقد أطلت في التعقيد والتقعيد حتى شدَّ اصبعي من الكتابة ومل عقلي من طول الفكرة.. ولكن إن أردت أن أختصر بشيءٍ واحدٍ للختام فهو تحكّم بقدِ الإمكان في التزاماتك، وعالج طريقة نظرك لذكرياتك؛ بما يتلاءم ويتناسب مع صورة الشخصية الناجحة التي تريد الوصول لها..
أو إن لم يكن هذا الكلام ذا جدوى فلا عليك.. فربما لست عبقرياً لأوصل الفكرة كما أراها.. فكما قيل: “العبقرية في التبسيط وليست في التعقيد”.. والسلام..