تجارب الحياة
كنت أؤمن وأصدق -قديماً- أن كل الأمور بسيطة؛ فلا يوجد شيءٌ مُعقد لا يستطيع العقل إدراكه أو مركب لا يستطيع التفكير تفكيكه..
وأعني بكل شيء: كل شيء! الأشخاص والعقول والعلاقات وحتى المعادلات الرياضية والأفكار العلمية.. كل شيء بسيط؛ لكنه فقط يحتاج قليلاً من العقل وشيئاً من التفكير والتحليل..
ثم تغيرت هذه النظرة قليلاً بعد صدمةٍ، وخيبة أمل أو خيبتين، حسناً ليس كل شيء بسيطاً يا أنا، عليك أن تقرأ لتفهم هذه العلاقة، وتلك الفكرة، وهذا الأسلوب، وهذه الحياة.. وظللت أعيش بهذا المبدأ أُسلي به شيئاً من نفسي وعقلي، "اقرأ قليلاً لتفهم كثيراً"..
ثم -وفجأةً- أصبحت التجارب أكبر، والتغييرات أصعب، أصبحت الحياةُ متغيّرة، الناس فيها كثير، والعلاقات أكثر.. ليس هناك شيءٌ ثابت.. ضربات من كل جانب، وأيدٍ تصافح في كل حين، وقلوبٌ تخفق هنا وهناك، وأفكار تطير في كل مكان.. أدركت حينها أن القراءة قد تبقيك ساكناً، رابطاً جأشك، لكنها لا تعينك بالضرورة على (فهم) بعض الأمور المعقدة.. إذاً ما الحَل؟! اسأل واستشر.. اسأل في كل شيء، واسأل كل أحد.. لا تسلم الأمور لقراءاتك، ولا لعقلك، اسأل واستمع، فما حوته عقول الناس وما صنعته تجاربهم، أكبر من أن تحصيه الكتب، أو تصوّرهُ الكلمات، أو أن يدركه عقلك المجرد..
والتجارب أكبر من تُحصيها الكُتب
حسناً.. هل تظن الحياة سارت على صفحةٍ بيضاء؟ أو هل تظنها سلّمت لي بأن أفهمها كلما أردت؟ لا ولن!.. أيقنت أن الحياة أكبر من أن تُفهم، والعلاقات أعقد من أن تُبسط، والتجارب أقدس من أن تختزل! تسبب الصداع أحياناً، وتشدخ القلب أحياناً أخرى.. ستحسُّ بأنك وعيت كل شيء، ثم -وفجأةً- تبدو متحيراً على وجهك ابتسامة بلهاء تقول "بالله عليك، ما الذي يحدث!؟".. آمنت أن كثيراً من الأمور أضخم من أن يفهمها العقل، أو يختزلها كتاب، أو أن تُبسطها تجارب الآخرين.. فسلمت للأمر الواقع، فأكملت المسير، وما لم أفهمه الآن سيأتي وقت وينكشف منه شيء، أو فليذهب هو وتعقيداته!