المناعة من الإنسان

من أقسى الظروف على الإنسان أن يكون حبيس عاداتٍ وسلوكياتٍ تكوّنت في شخصيته نتيجةً لبعض الذكريات المؤلمة!

فالذكريات تلعب دوراً كبيراً في تكوين شخصية وعقلية أي آدمي؛ فالطفل مثلاً عندما يلعب بكبريتٍ فيوقد شعلة في عود ثقاب، فتحرق هذه الشعلةُ إصبعه مسببةً له بعض الألم.. فهنا يكون بنىٰ في عقله ذكرياتٍ مؤلمة لهذه اللحظة السريعة، فترتبط هذه الذكريات بمشاعر الألم التيعاشها في تلك الثواني المعدودة..

وإنَّ هناك احتمالاً كبيراً لأن يتطور هذا الشعور العابر إلى رهبةٍ من كل عودِ ثقابٍ يجده أمامه حتى وإننسي منشأ هذه الرهبة الغريبة، بمعنى حتى وإن غاب الترابط بين الذكريات القديمة وتلك المشاعر!

وعبارة المناعة من الإنسان تصف سلوك الإنسان عندما يمتنع عن الاختلاط بغيره من الناس بل ويعارض رغبة الاجتماع بهم كما يصد الجهازالمناعي الفايروسات ويدافعها ويمنعها من التأثير على خلايا الجسم بأي شكلٍ من الأشكال..



وتظهر هذه المناعة في أشد حالاتها عندمايجعل آدميٌ حجاباً حاجزاً بينه وبين إنسان آخر من ببني جنسه، فيكون من الصعب عليه أن يثق بأي غريب، بل قد يتطور الأمر إلى صعوبةهدم هذا الحاجزِ بينه وبين القريب! وهذا النوع من التجنب ومحاولات الابتعاد عن الاختلاط بالأقربين والغرباء قد لا يكون نابعًا من ضعف ثقةٍعند هذا الآدمي، وقد لا يكون ناتجاً عن عدم تقديره للعلاقات الاجتماعية أو كرههِ للآخرين؛ بلْ ربما يكون منشأُه البعيد هو قليلٌ من المشاعرالتي ارتبطت بذكرياتٍ ما، مع آدمي ما، في زمن ما لا يذكره صاحبنا ولا يتذكره حتى هذا الآدمي الذي أفسد عليه عيشته -وربما من غير قصد!


وأما الحل مع مثل هذه السلوكيات، والعلاجُ لمثل هذه الأزمة؛ فنجده عند الأطباء النفسيين، ومتخصصي العلوم الإنسانية، وربما تكمن الخطوة الأولى للحلِّ في مواجهةِ صاحبِ المناعة الإنسانيةِ هذا لواقعه، ومُقابلتِهِ لنفسه واستراجعه لذكرياته البعيدة ومشاعره الدفينة؛ ليعرف ما هو منشأ مثل هذه السلوكيات وما هو سرُّ هذه الحواجز، وكيف تسببت ذكرياته القديمة في توليد ردود أفعاله الحديثة، ويحاول بقدر ما يستطيع من معرفةٍ وعلمٍ واستشارةٍ أن يزيل هذا النوع من المناعة..


وختاماً..

إنّ الإنسان اجتماعي بطبعهِ كما قال ابن خلدون؛ فمتى ما عارض أحدنا هذا الطبع -بالكلية أو بلا داعٍ معقول- فإنَّ هناك خللًا ما عليناإيجاده سريعاً وإبطال مفعوله..

Join