لماذا أصبح العالم الحديث قبيح
للغاية؟
الحرب على الجمال.. الوجه القبيح للعمارة والعمران الحديث على حياتنا
للكاتب: آلان دي بوتون
ترجمة: عبدالرحمن الصايل
من أعظم التعميمات التي يمكننا وصف العالم الحديث بها أنه عالم مليء بالقبح المعماري بدرجة غير عادية. ولو شاهد سلفنا قبل 250 عامًا ما نحن عليه الآن، فسوف يندهشون من تقدمنا التقني، ويتأثرون بثروتنا الهائلة، وينبهرون من تقدمنا الطبي، ولكن سيصدمون ولا يصدقون الرعب الذي تمكنّا من بنائه في المدن والضواحي.
مجتمعاتنا التي كانت أكثر تقدمًا في معظم النواحي بشكل كبير من تلك التي كانت في الماضي ، تمكنت من بناء بيئات حضرية أكثر فوضوية وإحباطًا وكراهية من أي شيء عرفته البشرية على الإطلاق
آلان دي بوتون
لإيجاد طريقة لإدراك واستيعاب هذه المفارقة والتناقض، نحتاج إلى فهم جذور المشكلة. وهناك ستة أسباب على الأقل لهذا القبح:
أولاً: الحرب على "الجمال"
منذُ بزوغ فجر البناء، كان من المفهوم أن مهمة المعماري لم تكن فقط في بناء مباني صالحة للعيش، بل لجعلها جميلة أيضًا. ويشمل ذلك مجموعة من المحاولات التي قد تتجاوز الضرورة المادية الخالصة. فقد يضيف المعماري بإسم الجمال مجموعة من البلاط الملون فوق النوافذ أو خط من الزهور المنحوتة على الباب، وقد يحاول إنشاء تناسق في الواجهة الأمامية، أو التأكد بعناية من أن نسبة حجم النوافذ تقل مع كل طابق.
حتى لو كان للمبنى وظيفة عملية، مثل القناة المائية أو المصنع، فإن المعماريين سعوا جاهدين لمنحه مظهرًا ممتعًا إلى أقصى حد. أدرك الرومان أن هيكل نظام ضخ المياه قد يكون جميلًا مثل تصميم المعبد، وشعر الفيكتوريون الأوائل أنه حتى المصنع يمكن أن يكون له بعض الخصائص الجمالية لخصائص منزل ريفي أنيق، وقد عرف أهل ميلانو أن رواق التسوق يمكن أن يحمل بعض الطموحات الكاتدرائية.
ولكن عندما وصلت العمارة إلى العصر الحديث، أصبحت كلمة الجمال من المحرمات. بدأ معماريو الحركة الحديثة في شن حرب على ما وصفوه الآن بالمبالغة والتبذير، كما قاموا بالتظاهر ضد كل حركات "التجميل" السابقة. في مقال بعنوان "الزخرفة والجريمة" (1910)، جادل الحداثي النمساوي أدولف لوس بأن تزيين مبنى بأي شيء "جميل" يعد خطيئة ضد المهنة الحقيقية للمعماري - وقام بإعادة تعريفها بمصطلحات وظيفية بحتة. اقترح زميله الحداثي لو كوربوزييه أن المباني غير المزخرفة هي فقط التي تكون "صادقة"، وأن كل أفكار الجمال كانت خيانة للمهمة الحقيقية للعمارة، وحصر مهمة المهنة في إنشاء هياكل وظيفية مانعة لتسرب الماء. كما أعلنت الحداثة القول المشهور "يجب أن يتبع الشكل الوظيفة". بعبارة أخرى، لا ينبغي أبدًا تشكيل مظهر المبنى من خلال مراعاة الجمال؛ بل الوظيفة المادية الأساسية للمبنى هي القضية الأهم.
في البداية ، بدا هذا أمرًا محفزًا ، ولكنه متحرِّر بعض الشيء. أنتج القرن التاسع عشر بعض المباني المبالغ في زخرفتها، حيث وصل الدافع التجميلي إلى مرحلة منحلة.
كانت العديد من المباني العصرية و مباني الأثرياء على وجه الخصوص غايةً في الأناقة بطريقة تورث في النفس شعورًا منعشًا و مُستطرفًا يشبه إحساس التلذذ بفاكهة الكيوي بعد الغرق في الشوكلاته. يبدو أن القول المأثور بأن الشكل يجب أن يتبع الوظيفة كان على وشك إطلاق نوع جديد جذاب للغاية من المنتجات المعمارية حول العالم.
ولكن سرعان ما تلاشى الحلم لسوء الحظ. ابتهج مطورو العقارات عندما علموا أن الطليعة الفنية تروج لمفهوم الوظيفة. إذ تم منح أكثر الدوافع عقلًا ختم الموافقة من قبل النخبة. لم يعد هؤلاء المطورين مضطرين إلى إنفاق أي أموال على أي شيء يتعلق بالجمال. يمكن أن يفعلوا شيئا من التماثل، والزهور، والمواد اللطيفة ولكنها ستكون أغلى قليلاً. ولكن يمكن أن تكون كلها قبيحة ورخيصة قدر الإمكان؛ بعد كل شيء، أليس هذا ما نصحت به عقول العمارة العظيمة؟
في أي وقت من الأوقات ، أصبح ما بدأ كفكرة متخصصة مثيرة للاهتمام مبررًا لضواحي شاسعة ومناطق تجارية خالية من أي مظهر من الجمال المدهش. حيث كثرت الأراضي المقسمة المتبعثرة والصناديق الوحشية.
على أي حال، لم يكن الحداثيون صادقين بشأن ما كانوا يفعلونه. ربما كانوا قد اقترحوا أنّ كلّ ما كانوا مهتمين به هو "الوظيفة"، لكن في الواقع ، عانى العظماء نفسيا من أمثال لو كوربوزييه أو ميس فان دير روه بسبب كل عنصر من عناصر المبنى. إذ كانوا - في الخفاء - مهتمين بالسحر البصري مثل أسلافهم. لقد أرادوا فقط إحداث ضجة من خلال تقديم أنفسهم على أنهم مهندسون أنيقون ودقيقون؛ لكنهم ظلوا طوال الوقت فنانين. ومع ذلك، تم فقد هذا الفارق الدقيق من قبل مطوري العقارات الذين جاءوا من بعدهم. حيث لم يتم تقليص تصاميم العظماء بأناقة ونعومة. لقد كانت مخرجاتهم أسوأ بكثير،حيث كانت تصاميمهم قذرة، وقبيحة التفكير. ولكن بسبب كلمات السادة الحداثيين ، يبدو أنه لا يوجد شيء يمكن أن يفعله المرء لتوجيه الاتهام إليهم بالتقصير في أداء الواجب. أصبح مفهوم الجمال قديمًا، ورائحته نخبوية وصوفية. فلا أحد يستطيع أن يشتكي من أن الجمال كان مفقودًا من العالم دون أن يتم وصفه بأنه غير عقلاني.
أصبحت الحداثة قبيحة لأنها نسيت كيفية التعبير عن أن الجمال هو في النهاية ضرورة للمبنى مثله مثل وظيفة السقف . لقد فقدنا المفردات لوصف ألمنا!
ثانيا: لا أحد يعرف ما هو التصميم الجذّاب في العمارة
يرتكز قبح العالم الحديث على خطأ فكري ثانٍ: وهي فكرة أنه لا أحد يعرف ما هو الجذاب في العمارة .
في عالم ما قبل الحداثة، كانت هناك قواعد دقيقة متفق عليها بشكل واسع حول ما يجعل المباني جميلة. تم تدوين هذه القواعد في الغرب في عقيدة تعرف باسم "الكلاسيكية". أنشأها الإغريق وطورها الرومان ، حددت الكلاسيكية ما يجب أن تكون عليه المباني الأنيقة لأكثر من ألف وخمسمائة عام. كانت الأشكال الكلاسيكية المعروفة موجودة في جميع أنحاء الغرب، من إدنبرة إلى تشارلستون ومن بوردو إلى سان فرانسيسكو.
ومن ثم اندلع شكل من الخلاف المهذب بشكل تدريجي. وبدأت أنماط أخرى تظهر على السطح، على سبيل المثال الطريقة القوطية للبناء من العصور الوسطى. وطرح آخرون حججًا حول العمارة الإسلامية، أو الطراز الصيني أو نمط جبال الألب أو النمط التايلاندي. وبدأت مجموعة متنوعة من المباني في الظهور في جميع أنحاء العالم الغربي، وظهر معها نقاشات حول أفضل أساليب البناء.
تم حل المناقشات بطريقة فكرية محترمة للغاية بمرور الوقت، وقد أدى ذلك إلى حدوث بعض النتائج العملية السيئة للغاية. إذ صدر قرار فيما يتعلق بالذوق البصري بأنه لا يمكن لأحد أن يفوز حقًا في الجدال الذوقي. كل الأذواق تستحق الاستماع، وليست هناك معايير تقييم موضوعية لماهية الجمال. ومن الواضح أن الجاذبية في العمارة كانت ظاهرة متعددة الأوجه وغير موضوعية.
كانت هذه الفكرة مرة أخرى موسيقى لآذان مطوري العقارات. فجأة ، لن يُسمح لأحد أن يصف المبنى بأنه "قبيح". بعد كل شيء ، كان الذوق مجرد مسألة شخصية. قد لا تعجبك أنت وأصدقاؤك منطقة جديدة ، وحتى الأغلبية الديمقراطية قد تكرهها ، لكن هذا كان مجرد حكم شخصي، وليس مرسومًا مهمًا قد يحتاج المرء إلى الاستماع إليه.
أصبحت المدن أقبح من أي وقت مضى ، لكن لم يُسمح لأحد بالحديث حول هذا "القبح". أليس الذوق مجرد رأي شخصي بنهاية المطاف؟
آلان دي بوتون
ثالثا: الأصالة
لم تكن "الأصالة" ضمن المبادئ التي يحتاجها المعماري تاريخيا، وكان ذلك مفهوما من المجتمع. حيث لا يرغب الناس عادة في الأصالة في عمل النجار أو عامل بناء. كانت وظيفة المعماري هي بناء مبنى يشابه تقريبا لجميع المباني الأخرى في المنطقة والقيام بذلك بشكل مهذب وفي الوقت المحدد. ومن المؤكد أنه لم يُطلب منه التصميم للتعبير المميز عن الشخصية أو التأكيد على الاختلاف أو خلق إثارة. نتيجة لذلك، بدت معظم الأحياء في معظم المدن متشابهة للغاية. ولا يمكنك حقًا معرفة من قام بتصميم أي مبنى ولم يكن ذلك الأمر منقصة (تمامًا كما لا يهم بشكل خاص من قام بصُنع رغيف الخبز). وكانت مخرجات العمارة بشكل جميلة بتكرارها ولاتعبر عن شخصية المصممين.
ولكن في أوائل القرن العشرين ، برزت فكرة مقلقة إلى الواجهة، وهي أن المعماري هو شخص مميز، وله رؤية فريدة، ويجب التعبير عنها بكل خيالاتها من أجل إرضاء الروح الإبداعية المضطربة.
إنّ مطالبة المعماري بالتوافق مع أي شخص آخر هو أمرٌ خانقً يشابه مطالبة الشاعر بكتابة قانون الضرائب.
آلان دي بوتون
ربما كان ذلك بمثابة التحرر لبعض المهندسين المعماريين من قيود الكلاسيكية، ولكن المجتمع ككل دفع ثمنًا جماعيًا هائلاً لهذا التحرر الإبداعي. بدأ المعماريون بشكل مفاجئ في التنافس على إنشاء أكثر الأشكال الصادمة والغريبة لإثبات تميزهم وقيمتهم. إذ أنهم فهموا أن ذلك من سيصنع اسما لهم وليس من خلال تصميم مبانٍ محترمة ومتواضعة ، ولكن من خلال مباني غاضبة وغريبة.
نسي العالم أن "الأصالة" غير مرحب بها في علم العمارة كما هو الحال في المخابز أو جراحة الدماغ. إذ أن المفترض أن المرء لايبحث هنا عن صدمة ومفاجأة بشكل مستمر. كل ماينشده هو قواعد وتناغم يمكن التنبؤ بهما. لقد فقدنا قدرتنا على القول أنّ ما كنّا نتوق إليه حقًا هو المباني التي بدت مألوفة لدينا ؛ المباني التي لن يتساءل المرء عمّن صنعها.
رابعا: التمدد
عاش البشر تاريخيًّا في شوارع وساحات منظمة بإحكام ومتسقة بدقة. ليس لأنهم كانوا يعتقدون أن المدن المتضامة جذابة بشكل خاص (رغم أنها كذلك)، ولكن لأنها كانت مناسبة لهم. وذلك لأنه عندما كان عليهم التجول سيرًا على الأقدام أو على ظهور الخيل في أحسن الأحوال، فإن ذلك يدفعهم لإبقاء أجزاء المدينة قريبة من بعضها البعض. علاوة على ذلك، كانت المدن أكثر أمانًا، لأن الغزاة قد يهاجمون في أي وقت، وكان من الأهمية بمكان أن تطوق المدينة بسور للحماية ، مما عزز فكرة الحفاظ على ترتيب أجزاء المدينة داخل نطاق معين، مثل درج أدوات المائدة أو صندوق الأدوات.
ولكن في حين غفلة من الجميع، ومع انتشار السيارات في عشرينيات القرن الماضي، تضاءلت فكرة استخدام الفراغ بعناية. إذ تبعثر البشر وتمددوا حول المدن وكأن بإمكانهم التمدد والاستلقاء في أي مكان يحلوا لهم على كوكب الأرض. كما أن الطرق السريعة التفت حول الأبراج وحول المساحات الخضراء والمستودعات المتناثرة. كان ذلك سبباً لزيادة حزن واكتئاب عديد من الأشخاص حولنا أكثر من أي وقت مضى. لقد زاد حزن الأشخاص الدقيقين والذين يتوترون كثيرا، والذين يحبون الأشياء مرتبة بدقة. كذلك زاد حزن الأشخاص الذين ينزعجون عندما يكون إطار الصورة مائل قليلاً، أو أن يكون السكين والشوكة ليسوا على مسافة متساوية من الطبق!
خامسا: إبقائها محلية
لم يكن لدى المعماريين في يوم من الأيام خيار سوى البناء بمواد طبيعية ومحلية. كان لهذا ميزتان. أولاً ،كقاعدة عامة ،لا يمكن للمصمم وعامل البناء أن يخطئان إذا استخدموا المواد الطبيعية. فلو أردت عمدًا أن تصنع مبنى حجريًا أو خشبيًا قبيحًا؛ سيكون من الصعب عليك أن تبني بارتفاع عالي باستخدام هذه المواد، لذلك سيكون في تصميمك القبيح بعض التواضع. وسيعمل الجمال العضوي المتأصل في الأخشاب والحجر الجيري والجرانيت والرخام على تلطيف وتهذيب أي أخطاء قد تظهر على مستوى الشكل.
ثانيًا، استعمال المواد الطبيعية والمحلية يمكن أن يساعد في توجيهنا وربطنا بأماكن معينة إذا لم تكن موجودة في أي مكان آخر على وجه الأرض، كالحجر المستخدم في بناء مدينة القدس أو المستخدم في مدينة باث. لكن الحداثة أدخلت الزجاج والصلب، والتي يمكن أن تتشكل منها الهياكل الكبيرة والمرتفعة بسرعة. واقترحت الحداثة أنه سيكون من السخف أن يكون لديك هندسة معمارية محلية كما هو الحال في تصميم هاتف محلي أو دراجة. أغفلت هذه الفكرة مرة أخرى جوهر الطبيعة البشرية. فعندما نقول أن المبنى يشبه المبنى الذي "يمكن أن يكون في أي مكان"، فإننا لا نثني على طموحات المبنى المستنسخ العالمية، بل نعبّر عن شوقنا لمبنى يذكّرنا بمكان وجودنا على الأرض.
سادسا: الصحة النفسية
أصبح العالم قبيحًا للغاية لأننا نسينا أن نجادل بشراسة بأن الاهتمام بالمجال البصري ليس هواية حصرية لطبقة النخبة. بل إنه يتعلق بتعزيز الصحة العقلية لجميع أفراد المجتمع. ولن نكون مبالغين بالوصف لو قلنا..
ممكن التنبؤ حول كيف سنبدو في المستقبل، بناءً على شكل الأماكن التي نعيش فيها الآن
آلان دي بوتون
مهما كانت حياتنا المادية آمنة وغنية، ستغرق أرواحنا في بيئة مبنية متدهورة. فحالتنا النفسية ستتأثر سلباً مما تنطق به المباني من حولنا. فإذا كانت المباني تنطق بالجمال الساحر واللطف والضوء، فإن مزاجنا سيكون مزدهرًا، وإذا بدا أن المباني تهددننا وتخيفنا، فسوف نشعر بالإهانة والإرهاق. لم تحترم الحداثة ضعفنا. لقد ظنت الحداثة أنه طالما أنّ سقف المبنى لم يتسرّب، يمكن للناس أن تسكن المباني ذات القبح الشديد ولا تفقد إرادتها في العيش.
بكل تواضع، لا يمكننا أن نلوم الفقر على العالم القبيح الذي بنيناه. ساد افتراض مطمئن يقول أن المال سيضمن الجمال للجميع في النهاية. لكن الحداثة علمتنا درسًا أكثر قتامة، وهو أنّ الأفكار المنطقية هو مايصنع العمارة الجيدة في النهاية. ولكننا بنينا عالماً قبيحاً من الغباء وليس بسبب ندرة الموارد. إنه غباء ندفع ثمنه ثمناً باهظاً.
يمكن وضع كتاب أو أغنية غبية على الرف ولاينزعج من ذلك أحد، بينما سيقف مبنى غبي يشوّه كوكب الأرض ويزعج كل من ينظر إليه لمدة 300 عام
آلان دي بوتون
ويكبر حجم المشكلة حينما ندرك أنّ العمارة هي أهم الفنون، ولكننا لم نتعلم عنها أي شيء طوال فترة المدرسة.
ونتيجة لافتقارنا إلى التعليم، نحن لا نعرف كيف نعبّر عن نفورنا من القبح العمراني سياسيًا.
لقد تعلمنا كيف نقول أننا نريد عالمًا أكثر ثراءً، وعالمًا أكثر عدلاً، وحتى عالمًا أكثر خضرة. ما زلنا نتعثر في كيفية المطالبة بأننا، بشدة ،نريد عالمًا أكثر جمالًا
آلان دي بوتون
كانت الحداثة تعدُنا بجعل الأشياء الأكثر أهمية لنا متاحة بسعر زهيد للجميع. لم يعد الطعام أو الملابس أو العطلات أو الأدوية، مجرد حكر على الأغنياء. ساهمت التكنولوجيا الصناعية بتسهيل الوصول للضروريات لنا جميعا. ولكن من المفارقات أن أحد المكونات الرئيسية التي نتوق إليها جميعًا أصبح أكثر إقصاءً من أي وقت مضى من خلال عدم قدرتنا على التفكير بوضوح. الشيء الوحيد الذي لا يمكننا إنتاجه بكميات كبيرة هو العمارة الجميلة.
ونتيجة لذلك، فإننا سنخسر المباني المعمارية الجميلة الموجودة التي تم بناء معظمها قبل عام 1900م، والتي تنهار تحت وطأة الإقبال السياحي الهائل. كما أن الشوارع القليلة الممتعة المتبقية أصبحت أغلى مما كانت عليه في ذروة العصر الأرستقراطي. لقد جعلنا مسألة الراحة متروكة للديمقراطية، وجعلنا الجمال محتكرًا بشكلٍ مروّع. والتحدي هو أن نتذكر لهفتنا للجمال،وأن نحارب القوى التي تمنعنا من الوصول إليه.
عن الكاتب
آلان دي بوتون، كاتب وفيلسوف بريطاني، وُلد في 20 ديسمبر 1969، في سويسرا لأبوين بريطانيين. تُناقش مؤلفاته مختلف القضايا المعاصرة، مؤكدةً على أهمية الفلسفة في حياتنا اليومية. نشرَ بوتون عددًا من المؤلفات، منها مقالاتٌ في الحب، والذي بيعت منه مليوني نسخة حينئذ، وأيضًا كيف لبروست أن يغير حياتك، وقلق السعي إلى المكانة وعزاءات الفلسفة.
عن المترجم
عبد الرحمن الصايل، شغوفٌ بتنمية مكان يبني الإنسان. ماجستير التخطيط الحضري المستدام | باحث دكتوراه في تسويق المدن والاندماج الاجتماعي في دولة هولندا